نعرف أربعة أشخاص مملين، بينما نرى صحبة بقية أصدقائنا ممتعة للغاية. مع ذلك، فإن معظم مَن نستمتع بصحبتهم مِن أصدقائنا يَرَونا مملين: من نستمتع بصحبتهم أكثر يرونا أشد إثارة للملل. 

كتابة وقصص أخرى

قصص لليديا ديفيس

ترجمة: بسمة ناجي

نُشرت في أخبار الأدب، أبريل 2021

ليديا ديفيس كاتبة ومترجمة أمريكية. أصدرت عدة مجموعات قصصية ورواية واحدة بعنوان "نهاية القصة"، ولها عدة إسهامات في ترجمة الأدب الفرنسي للانجليزية، وحصلت على جائزة مان بوكر الدولية 2013. كاتبة فريدة، ورائدة في فن القصة القصيرة جدًا والومضة. بين الواقع والأحلام، تخرج قصصها مكثفة وعميقة وذات بعد فلسفي في الغالب. نصوصها عامرة بمواقف حياتية وتصورات تستخدمها ديفيس في مساحة محدودة، ربما بضعة أسطر أو بضع صفحات، إلا أنها في هذه المساحة المحدودة تميل إلى اتباع طرق معقدة ومتصاعدة، فتخرج كتابتها بمزيج بديع من الوضوح، والإيجاز، والأصالة، والسخرية الماكرة، وكآبة الميتافيزيقيا، وثِقل الفلسفة، وحكمة الإنسان.

المترجمة


ليديا ديفيس، عن shrifreevs

كتابة

عن مجموعة "لا أستطيع ولن أفعل"Can't and Won't (2013)

أرى الحياة أشد تعقيدًا من أن أواصل الكتابة. كانت الحياة أيسر، وممتعةٌ في الغالب، وكانت الكتابة ممتعة، رغم أنها بدت معقدة أيضًا. الآن، الحياة ليست سهلة، صارت بالغة التعقيد، وفي المقابل، تبدو الكتابة سخيفة بعض الشيء. لا تتعلق الكتابة غالبًا بالواقع، وحين تتعلق بالواقع، تحل محل الواقع. تُعنى الكتابة، في معظم الأحيان، بقليلي الحيلة. الآن أصبحتُ من هؤلاء الناس. أنا واحدةٌ من هؤلاء الناس. ما يجب عليَّ فعله، بدلًا من الكتابة عن قليلي الحيلة، هو التوقف عن الكتابة وتعلم كيف أتدبر أمري. أن أوليَ اهتمامًا أكبر للحياة نفسها. ما سيجعلني أشد فطنة، ألا أكتب بعد الآن. توجد أشياء أخرى لأفعلها بدلًا من ذلك.

شخصيتان في فقرة

عن مجموعة "لا أستطيع ولن أفعل"Can't and Won't (2013)

تتألف القصة من فقرتين. أعمل على إنهاء الفقرة الثانية، والتي تمثل نهاية القصة. تقوس ظهري وأنا عازمة على إنجاز هذا العمل. وبينما أعمل على النهاية، أتأمل ما كانا يخططان له في البداية! وهما قريبان من تحقيقه! يبدو أنه انجرف من حيث وضعته وأخذ يحوم فوقها، على بعد فقرة واحدة فقط (في الفقرة الأولى). صحيح، إنها فقرة مكثفة، وهما في منتصفها تمامًا، يلفهما الظلام. كنت أعرف بوجودهما هناك، لكن عندما تركت الفقرة الأولى وانتقلت إلى الثانية، لم أجد أي شيء يدور بينهما. انظر الآن... (حلم)

الأم

عن مجموعة "حطِّمها" BREAK IT DOWN (1986)

كتبت الفتاة قصة. قالت أمها: "ألَيس من الأفضل لو أنكِ كتبتِ رواية". شيدت الفتاة بيتًا لدميتها. قالت أمها: "سيكون أجمل بكثير لو أنه منزل حقيقي". صنعت الفتاة وسادة صغيرة لوالدها. قالت أمها: "ألن يكون اللحاف عمليًا أكثر؟". حفرت الفتاة حفرة صغيرة في الحديقة. قالت أمها: "أليس من الأصلح لو أنكِ حفرتِ حفرة أكبر". حفرت الفتاة حفرة كبيرة وذهبت لترقد فيها. قالت أمها: "أليس من الأفضل لو أنكِ رقدتِ إلى الأبد".

الرواية الرديئة

عن مجموعة "لا أستطيع ولن أفعل"Can't and Won't (2013)

أحاول مُجددًا قراءة هذه الرواية المملة والمعقدة التي حملتها معي في رحلتي. رجعت إليها عدة مرات، في كل مرة أرهبها وفي كل مرة لا أراها أفضل مما كانت عليه في المرة السابقة، أصبحت الآن كصديقة قديمة. صديقتي القديمة الرواية الرديئة.

قصةٌ دائرية

عن مجموعة "لا أستطيع ولن أفعل"Can't and Won't (2013)

في الصباح الباكر من كل يوم أربعاء، يتعالى ضجيجٌ في الشارع. يوقظني دومًا، وأتساءل عن مصدره. إنها شاحنة جمع القمامة تأتي لرفع النفايات. تأتي الشاحنة في وقت مبكر من صباح كل أربعاء. يوقظني ضجيجها دومًا. أتساءل دومًا عما يكون.

انجذاب

عن مجموعة "بلا ذاكرة تقريبًا" ALMOST NO MEMORY (1997)

ننجذب لمفكرٍ بعينه لاتفاقنا معه؛ أو لأنه يقدم لنا ما كنا نعتقده بالفعل؛ أو لأنه يقدم لنا ما كنا نعتقده بالفعل بألفاظ أكثر وضوحًا؛ أو لأنه يقدم لنا ما كنا على وشك أن نعتقده؛ أو ما كنا سنعتقده عاجلًا أم آجلًا؛ أو ما كنا سنعتقده بعد وقت أطول لو أننا لم نقرأه الآن؛ أو ما كان من المحتمل أن نعتقده ولكننا لم نكن لنفكر فيه أبدًا لو لم نقرأه الآن؛ أو ما كنا نود أن نعتقده ولكننا لم نكن لنفكر فيه أبدًا لو لم نقرأه الآن.

أهل المدينة

عن مجموعة "نقمة صامويل جونسون" SAMUEL JOHNSON IS INDIGNANT (2001)

انتقلا للعيشِ في الريف. الريف جميل حقًا: طيور السمان تحط على الأجمات، والضفادع تنقنقُ في المستنقعات. لكنهما قلقان. يتشاجران كثيرًا. يصيحان، أو تصيح هي فيحني هو رأسه. صار شاحبًا طوال الوقت. تستيقظ مذعورةٌ ليلًا، فتسمعه يخِنّ. تستيقظ مذعورة مرة أخرى، فتسمع حركة سيارة في الممر. ينزل نور الشمس صباحًا على وجهيهما، لكن الفئران تهذر داخل الحوائط. يكره الفئران. تنكسر المضخة. يستبدلان المضخة. يسممان الفئران. كلب جارهما ينبح. ينبح وينبح. يمكنها تسميم الكلب. يقول: "نحن أهل مدينة، ولا وجود لمدن جميلة لنعيش فيها".

من الطابقِ الأسفل، كجارة

عن مجموعة "بلا ذاكرة تقريبًا" ALMOST NO MEMORY (1997)

لو لم أكن أنا، وسمعتَني من الطابق الأسفل، كجارة، وأنا أحدثه، سأقول لنفسي كم أنا سعيدة لأنني لستُ هي، ولا أصيح كما تصيح، بصوت كصوتها وحُكمٍ كحُكمها. لكني لا أستطيع سماع نفسي من الأسفل، كجارة، لا أستطيع سماع كيف لا ينبغي أن أصيح، لا أستطيع أن أسعَد بكوني لستُ هي، كما سأكون لو استطعتُ سماعها. ثم مرة أخرى، بما أني هي، لستُ آسفةً لوجودي هنا، في الأعلى، حيث لا أستطيع سماعها كجارة، حيث لا أستطيع أن أقول لنفسي، كما كنتُ سأفعل من الأسفل، كم أنا سعيدة لأنني لست هي.

أسعد لحظة

عن مجموعة "نقمة صامويل جونسون" SAMUEL JOHNSON IS INDIGNANT (2001)

لو سألتها عن قصةٍ تفضلها من بين كل ما كَتبَت، ستتلجلجُ طويلًا ثم تقول إنها قد تكون تلك القصة التي قرأتها في كتاب ذات مرة: طلب معلم لغة إنجليزية في الصين من تلميذه الصيني أن يذكر له أسعد لحظة في حياته. تردد التلميذُ طويلًا. أخيرًا، ابتسم محرَجًا وقال إن زوجته ذهبت ذات مرة إلى بكين وأكلت هناك بطًا، وقصَت ذلك عليه مرارًا، وأنه ينبغي عليه قول إن أسعد لحظات حياته كانت رحلتها، وتناولها البط.

أصدقاء ثِقال

عن مجموعة "نقمة صامويل جونسون" SAMUEL JOHNSON IS INDIGNANT (2001)

نعرف أربعة أشخاص مملين، بينما نرى صحبة بقية أصدقائنا ممتعة للغاية. مع ذلك، فإن معظم مَن نستمتع بصحبتهم مِن أصدقائنا يَرَونا مملين: من نستمتع بصحبتهم أكثر يرونا أشد إثارة للملل. القِلة ممن يحتلون مكانًا ما في الوسط، وبيننا اهتمام متبادل، لا نثق بهم: نشعر أنهم في أي لحظة قد يصبحون أكثر سحرًا مما نطيق، أو نصير أشد جاذبية عما يحتملون.

مؤرَّقة في الليل

عن مجموعة "لا أستطيع ولن أفعل"Can't and Won't (2013)

لا أستطيع النوم، في غرفة الفندق في هذه المدينة الغريبة. الوقت متأخرٌ جدًا، الثانية صباحًا، ثم الثالثة، وبعدها الرابعة. أبقى مستلقية في الظلام. ما المشكلة إذن؟ ربما أفتقده، الشخص الذي أنام بجواره. ثم أسمع صوت بابٍ ينغلق في مكان قريب. وصل نزيلٌ آخر، متأخر جدًا. الآن لدي الجواب. سأقصد غرفته وأندسُ في السرير بجواره، حينها سأستطيع النوم.

القمر

عن مجموعة "لا أستطيع ولن أفعل"Can't and Won't (2013)

أنهض وأغادر فراشي ليلًا. غرفتي واسعة ومظلمة ولكن هذا ليس برأي الكلب الأبيض الرابض على الأرض. أغادر الغرفة. الردهة واسعة وطويلة ويغمرها ما يشبه الغسق من تحت الماء. وصلت مدخل الحمام ورأيته مغمورًا بضوء ساطع. قمر مكتمل عاليًا هناك، يُطِل فوقنا. يتسلل شعاع ضوءه من النافذة ويسقط مباشرة على كرسي المرحاض، كأنه مرسل من إلهٍ طيب. ثم أرجع إلى الفراش. أظل مستلقية هناك، مستيقظة لفترة. تصير الغرفة منيرة أكثر مما كانت عليه. أظن القمر يدنو من هذا الجانب من المبنى. لكن لا، إنه مطلع الفجر. (حلم)

خُطواتي

عن مجموعة "لا أستطيع ولن أفعل"Can't and Won't (2013)

أراني من الخلف، أسير. تطوق كل خطوة من خطواتي حلقات من نورٍ وظل. أدرك أنني مع كل خطوة أصبح قادرة على المُضي أبعد وأسرع من أي وقت مضى، فأرغب في الانطلاق والجري. لكن قيل لي إني يجب عليَّ التوقف مؤقتًا عند كل خطوة، وترك ​​قدمي ترتاح على الأرض للحظة، لو كنت أرغب في استحضار قدرتها الكاملة وانبساطها التام، قبل الانتقال بالخطوة التالية. (حلم)

سحر القطار

عن مجموعة "لا أستطيع ولن أفعل"Can't and Won't (2013)

يمكننا أن نستشف من مظهرهما الخلفي، بينما نشاهدهما تجوبان عربة القطار، وتمران بالأبواب المفتوحة للمراحيض، عبر الأبواب الجرارة في نهاية العربة، منتقلتان إلى قسمٍ آخر من القطار، وبتأمُلِ ظهريهما يمكننا القول بأن هاتين الشابتين، في بنطاليهما من الجينز الأسود، المحكمين على جسديهما، وحذائيهما العاليين، والطبقات المؤنقة من كنزتيهما الضيقتين وسترتي الجينز، وشعرهما الأسود الغزير، الطليق، الطويل، وطريقة مشيهما، أنهما في أواخر سن المراهقة أو ربما أوائل العشرينيات. لكن حين تعودان في الاتجاه الآخر نحونا، بعد فترة قصيرة، من نزهتهما عبر القطار إلى جزء غريب وساحر منه في المقدمة، حين تعودان، وتواصلان تقدمهما نحونا في الممر، يمكننا رؤية وجهيهما شاحبين، منهكَين، مع ظلال بنفسجية تحت عينيهما، وخدود مترهلة، وشامات غريبة هنا وهناك، وخطوط تجاعيد على جانبي الفم، وتجاعيد عند أطراف العيون كأرجل الغراب، رغم أنهما نادرًا ما تبتسمان، ونحن نتصور في هذه الأثناء، تحت سحر القطار، أنهما في العشرين من العمر.

في محطة القطار

عن مجموعة "لا أستطيع ولن أفعل"Can't and Won't (2013)

محطة القطار مزدحمة للغاية. يمضي الناس في كل اتجاه دفعة واحدة، بينما يقف البعض ساكنًا في مكانه. وسط الحشد، راهب بوذي تبتي حليق الرأس، مرتديًا عباءة طويلة بلون النبيذ، بدا عليه القلق. أقفُ ساكنةً، وأراقبه. لدي متسع من الوقت قبل أن يغادر قطاري، فقد فاتني قطارٌ للتو. يلاحظ الراهب أني أراقبه. يتقدم نحوي ويخبرني أنه يبحث عن الممر رقم ثلاثة. أعرف الممرات. أدله على الطريق. (حلم)


* تحتفظ المترجمة بحقها في المساءلة الأخلاقية والقانونية إذا تمت الاستعانة بترجمتها دون إذن منها