يتضمن البوكر (مثل الحرب)، وإن كان بصورة جزئية للغاية، بعضًا من الصدفة.

ملاحظات عن البوكر

رسالة جي ديبور

ترجمة وتعقيب أحمد السروجي

رسالة ملاحظات عن البوكر (Notes sur le Poker 1990) هي رسالة غير مُحررَة كتبها المُنظّر المواقفي جي ديبور إلى زوجته أليس بيكر-هوُ بتاريخ 29 أكتوبر 1990، ولم تترجم للعربية من قبل. في سبع نقاط، يتناول ديبور لعبة البوكر باعتبارها مجال لتأمل الحرب وخداعها، طارحًا بعض الأبجديات للتعامل مع ألاعيب الحظ والقوة.


مباراة في "لعبة الحرب" بين جي ديبور و زوجته أليس بيكر-هوُ

1

الخداع مركز هذه اللعبة. يُهيمن عليها، فقط لأنه مسموح به، ولكن وإن كان يُهيمن، فذلك ليس إلا بسبب شبح حضوره الغائب. يجب أن يظل استخدامه الفعلي غير مرصود. 

2

يكمن سر إتقان البوكر في التصرف منذ البداية، وعلى قدر الإمكان، بناءً على القوى الحقيقية التي نمتلكها. لا يجب بالتأكيد التورط بعيدًا مع قوى محدودة. ينبغي معرفة توظيف مجموع القوة كاملًة في اللحظة المناسبة. من السهل عدم الخسارة إلا قليلًا، لو هيّمَن على تفكيرنا أن العِبّرة ليست أبدًا بالدور، ولكن بالجولة. من الأصعب الفوز كثيرًا في اللحظة المناسبة، وذلك سر اللاعبين الجيدين. من هنا يتأسس تفاوتهم المستمر. 

3

يرى اللاعب السيئ الخداع في كل مكان، ويأخذه في الحسبان. أما اللاعب الجيد فيعتبره تافهًا ويصغى أولًا إلى معرفته بإمكانياته في كل لحظة. 

4

مَن فهم هذا الوجود النظري الصِرف للخداع سيفوز اعتمادًا على كروته، وردود أفعال منافسيه المعروفة. إذا أراد الآخر خداعي، فذلك لا يُخصني، وغالبًا ما سيتخيل بالعكس أنني مَن يخدعه، كما يريد هو التصديق، انطلاقًا من أوهامه الخاصة. 

5

دور الغش غير مؤثِر عمليًا بين مَن يتواجهون في البوكر. سيلتقطه اللاعب الجيد موسيقيًا عند النشاز الأول، وسيتيقن منه في المرة الثانية؛ فمثلًا، بالنسبة لي، عدم الفوز سريعًا كان بالفعل غريبًا. بنفس الطريقة، وفي المقابل، في الحياة، لو "فُزُت سريعًا" في أينما كان، كنت سأتيقن فورًا أن ذلك، في حد ذاته، علامة خطر.

دائمًا ما عقدت مسافة بسهولة، ولا يمكن إثباتها. ولذلك، لا ينبغي الحديث عنها؛ يكفي الابتعاد عنها منهجيًا: ما أقصده هو تلك البيئة المُعَدّة مُسبّقًا. يعادل ذلك ما يسمّيه صن تزو في الحرب المواقع المُتضَرِرة أو المُدمَرّة* ("إذا كنتم في مواقع مُتضرِرة أو مُدمَرّة، لا تتقدموا أكثر، عودوا من حيث أتيتم، اهربوا في أقرب فرصة ممكنة").

6

الحقيقة "الأكثر صدقا" والأقل شهرة عن البوكر هي أن بعض اللاعبين أفضل دائمًا وبصورة أساسية من آخرين. 

7

لن تسمح هذه الملاحظات بالتأكيد لأيهما بالفوز في البوكر، لأنه لا يستطيع أيهما فهمها (وخاصًة، ولهذا السبب، لم يفز أتباع كلاوزوفيتش إلا بقليل من معاركهم). أخيرًا، يتضمن البوكر (مثل الحرب)، وإن كان بصورة جزئية للغاية، بعضًا من الصدفة.

****

ألاعيب الحظ والقوة

تعقيب المترجم

في صياغات شذرية شديدة التكثيف، يضع ديبور ملاحظاته في محاكاة شبه كاريكاتورية للكتيّبات الإرشادية في التنمية البشرية، ولكن بدلًا من سبع عادات للنجاح، يتحدث عن ألاعيب الحظ والقوة. تتأرجح تأملات ديبور النظرية من البوكر إلى الحرب في توازي وتماثل باعتبارها خُلاصة لكثير من مسيرته الفكرية، ويمكن تتبعها في الرسالة من خلال إحالاته المباشرة وغمزاته الأدبية، مُلقية الضوء على أفكار نظرية وتجارب عملية أعادت تعريف مشروعه. لمشروع ديبور الفكري نسخ عديدة؛ هناك ديبور في أوائل عشريناته المنخرط في "الأممية الحروفية" (1952 - 1957) وديبور المخرج السينمائي التجريبي والطليعي "صرخات في وجه دو ساد" (1952) وديبور مؤسس "المواقفية الأممية" والوجه الأبرز فيها (1959 – 1972) وديبور مؤلف كتاب "مجتمع الاستعراض" (1967)، وأخيرًا هناك ديبور المُنَظِّر الاستراتيجي واللِعَبي (لعبة الحرب 1987). تحمل ملاحظات عن البوكر صدى نسخة ديبور الأخيرة.

تأتي هذه الرسالة على أعتاب ثمانيناته، ويمكن تتبع جذورها في حياته الحافلة بالسُكر واللهو، والتي أمضى قدرًا لا بأس منها ساهرًا في كافيهات باريس ومُكتسبًا معرفة ومهارة في لعب الورق والحظ. كما عُرِف ديبور قارئًا نهمًا للنظريات الحربية وللتاريخ العسكري وما يتضمنه من سيّر قادة الجيش وشهادات الجنود. فمنذ ظهوره على الساحة الثقافية الفرنسية في الخمسينات، راودته فكرة صنع لعبة حربية قائمة على مواجهة بين لاعبيّن على لوحة خشبية. وبالفعل، بعد أحداث مايو 1968، انتقل إلى خارج باريس بجانب زوجته أليس بيكر-هوُ، وهناك انغمس في العمل على صنع لعبة الحرب. وفي 1977، أسس مع ناشره جيرارد ليبوفشي شركة "الألعاب الاستراتيجية والتاريخية" وتهدف إلى إنتاج وتطوير اللعبة. وصدرت في 1987 ومعها كتاب لعبة الحرب. ملخص المواقع المتتابعة لكل القوي خلال مباراة واحدة، وهو موجز لمباراة بين ديبور وأليس بيكر-هوُ، مُلّحِقًا بها إرشادات وقواعد للعبة، شارحًا قوة كل وحدة عسكرية ومداها الحركي على لوحة الخريطة.

أبجديات التعامل مع الخداع

تستلهم ملاحظات عن البوكر هذه الروح، حيث يضع ديبور بعض الأبجديات للتعامل مع القوى المتعارضة التي قد يجد الواحد منّا في وسطها، بدايًة بدور الخداع في اللعبة وموقعها بين المتنافسين. إن الخداع في البوكر هو العامل الخيالي فيها ورمز الإكس في المعادلة، وعندما يتواجه لاعبيّن، لا يمكن الجزم تمامًا بمدى صحته من عدمه، ولكن مجرد إمكانية حضوره يفتح باب الحزّر والفزّر، أي تكاثر الأصوات الداخلية لدى كل لاعب وتجاذبها بدون حسم وبدون خريطة للوصول لهذا الحسم. يدعونا ديبور إلى التخلي عن خطة لِعبنّا في مقابل الانخراط في عملية بناء متواصلة لخريطة لِعبنّا، وفي سياق جغرافيا مخادعة، يقترح إجابات مباشرة وإن كانت غير سهلة بالضرورة ومفادها؛ ركز في ورقّك، أي اخط بناءً على معرفتك الحقيقية بحدود قدراتك وخبراتك السابقة في التعامل مع منافسك. لا تضيّع وقتك ونفسك في محاولات لفك شفرات مدى صدق أو كذب من أمامك. لا تتورط بعيدًا في مواقف لا تسمح إمكانياتك فيها بالدفاع عن موقعك. لا تكشف ورقك إلا في اللحظة المناسبة التي تضمن لك الفوز بأكبر قدر ممكن.

إذًا، يدعونا ديبور للتحقق من مواقعنا على الخريطة استنادًا لما نعرفه بالفعل عن أنفسنا وقدراتنا في لحظتها، ومواقع الآخرين منّا. قراءة الموقف تتطلب إذًا خريطة بديلة عن تلك التي يقترحها الآخرون، كيلا نتورط بعيدًا في مداراتهم الزمنية، فنجد أنفسنا في مواقف لا يمكن التراجع عنها، أو بالأحرى لا يمكن التراجع عنها بدون خسائر معتبرة. 

تستدعي هذه المعرفة الجغرافية خلق علاقة زمنية مع الموقف؛ التصرف انطلاقًا من موقعنا وقوتنا يسمح بتراكم الزخم، خطوة خطوة، لخلق لحظة يمكن التسلل عبرها إلى الفوز، أي قدرة الواحد على لعب كروته في اللحظة المناسبة. يستعمل ديبور تعبير "توظيف كايروس القوة كاملًة في اللحظة المناسبة" في النسخة الأصلية الفرنسية، والكايروس هو تهجئة بديلة للإله Caerus، إله الحظ والفرص في الميثولوجيا الإغريقية، ويُستخدم كمفهوم فلسفي للإشارة إلى لحظة؛ فتحة زمنية يجب انتزاعها سريعًا لتحقيق الفوز أو النجاح. إذا كان الخداع هو العامل الخيالي في البوكر، فمفهوم الكايروس هنا لا يشير فقط إلى ترقب الفجوة الزمنية التي يمكن العبور من خلالها لتحقيق الفوز، ولكن أعمق من ذلك، هو لحظة انقشاع الوهم لكشف موقع كل لاعب الفعلي من قواه، عن طريق تسديد مجموع زخم معرفتنا بقوتنا الحقيقية وتصريفها في قنوات تغمر المنافس. يمكن تجنب الخسارة الفادحة – حسب ديبور- في حالة أن صوّبنا أعيننا إلى حقيقة أن مقياس النجاح لا يكمن أبدًا في الفوز بأدوار البوكر المختلفة، ولكن بالجولة نفسها. إنها طريقة أخرى للقول أن الهدف هو الحرب وليس المعركة، وتركيزنا ينبغى أن ينصب على الاستراتيجية بدلًا من التكتيك.

يمكن تجاهل هذا المجاز أو التقاط خيطه وكرّه حتى آخره، في كل الأحوال، يستدعي ديبور أبجديات الحكمة فيما يخص ألاعيب القوة وأساليب المناورة، متخذًا من اللعب واللهو مجال لممارسة تدريبات عملية وفكرية في المواجهة بين لاعبيّن على رقعة اللعبة أو خريطة الحرب. ويفعل ذلك بالإحالة إلى أطروحات كلاسيكية في فنون الاستراتيجية والحرب، مُستلهمًا كلًا مِنّ صن تزو وكارل فون كلاوزفيتز. صن تزو فيلسوف وجنرال عسكري وخبير استراتيجي صيني (وُلد عام 551 ق.م. وتوفي عام 496 ق. م.)، وعاصر انتقال المجتمع الصيني من العبيد إلى الإقطاع، واشتهر بكتابه فن الحرب، وذاع صيته باعتباره أول كتاب في الاستراتيجية والحرب، وأصبح حجر الأساس للدراسات العسكرية في العالم القديم. أما كارل فون كلاوزفيتز؛ فقد خدم في الجيش البروسي من 1792 حتى 1811، وتعود شهرته إلى نشر مجموعة كبيرة من أطروحاته العسكرية بعد وفاته في كتاب بعنوان عن الحرب، وبذلك، عُمِّد باعتباره المُنظّر الأول للعسكرية الحديثة. أما اليوم، يظهر كضيف شرف في العديد من الأفلام الهوليودية بجملته الشهيرة "الحرب ليست إلا استمرار السياسة بوسائل أخرى".

يستند إذًا ديبور على أسماء تأسيسية في مجال ألاعيب القوة والحظ، وهي بهذا المعنى إحالات مُستَهلكة بعض الشئ، دوّرتها الماكينة الإعلامية وتجاوزتها النظرية والواقع العملي. ويبدو أن ديبور يدرك ذلك فعليًا، إذ يؤكد قرب نهاية رسالته أن الاطلاع على هذه الملاحظات لن يجعلك بالضرورة أفضل في لعب البوكر، وأنه من سيستفيد منها على أية حال، لا يحتاج لقراءتها بالأساس. هو نوع من السخرية المبطنة للإشارة إلى أن أصدق الحكم أبسطها وأكثرها شيوعًا، وأن معرفتك بها لا يضمن على الإطلاق نجاحك، مثلما قراءة تاريخ المنتصرين لا يضمن انتصارك.

يختم ديبور ملاحظات عن البوكر بتعليق عن دور الصدفة –الجزئي– في اللعبة، وهو ما ينطبق على حد قوله على الحرب أيضًا. هذه الغمزة ما هي إلا إحالة لوثيقة مواقفية بعنوان "حول الصدفة" (1957)، فكيف نفهم ذلك؟ تفتح الصدفة مساحة جديدة لقيام تحالفات ومكاسب غير متوقعة، ويُتَرجم هذا التقدير الجديد المُكتسب لدور الصدفة في قدرتنا على الانفتاح على ما هو ليس في الحسبان، وترك أقدامنا تستكشف المسارات الجانبية في اللعبة، ما دُمنا على علم بموقعنا من اللاعبين الآخرين وقدراتهم. إذًا، بينما الخداع في البوكر والحرب هو الإكس في المعادلة المفتوحة على التأويلات، يوجه ديبور تركيزنا إلى الصدفة باعتبارها عامل لا تحدها أوهام أطراف المعادلة، ولكنها تفتح مساحة لاستدعاء هيكل وبنية للمحتمل، وغير الممكن، والمستحيل. 

تعيدنا هذه المساحة إلى كايروس اللحظة المناسبة، وقدرتنا على ضبط وتيرتنا وبناء زخم زمني، ويتجسد ذلك في التوقيت واللحظة، أي قدرة اللاعبين على الانتقال من الصدفة إلى الفوز. ويتطلب ذلك حسب ديبور، أي هذه القدرة على الابتكار للوصول لشيء جديد، إلى "تنظيم شروط جديدة للصدف"**. مدى استفادتنا من الصدفة تتوقف إذًا على قدرتنا على خلق شروط جديدة بداخلها نحسم خلالها قرارنا في كيفية لعب الصدفة، بدًلا من أن تلعب بنا. ويتعلق ذلك بكيفية تعاملنا مع كروتنا السيئة، والأهم، في طريقة لعبنا لكروتنا الجيدة، جاعلة من صدفة المرة الواحدة فضاء بشروط جديدة للتفاوض على صدف أكثر حظًا في المرات القادمة.

العلاقات الإنسانية وألاعيب القوة 

أصبح من الدارج الآن الإشارة إلى العلاقات الإنسانية باعتبارها علاقات قوة؛ مواجهة بين طرفين تتدحرج فيها كفة السيطرة والزخم ذهابًا وإيابًا، تميل تارة عند هذا فقط لتنقلب المعادلة سريعًا في صالح الآخر، مُستغلًا كل واحد فيها موارده لإحراز نقاط أو تسديد ضربة قاضية. لكل علاقة شرارة احتكاك الأجساد ببعضها وتتضارب مصالحها، ولذلك يستدعي الحديث عن القوة وعلاقاتها ترسيم حدود ومعابر؛ حدود نفرضها وأخرى مفروضة علينا، من وحي خريطة موقعنا في السلم الاجتماعي والتقسيم الجندري وحقيقة الوضع القائم الأكبر منّا. يفترض أن تحافظ الحدود على مواردنا وتردع الآخرين من الاستيلاء على مصادر قوتنا. كما تتطلب هذه الحدود معابر؛ نقاط دخول وخروج تحدد مسارات الملاحة وزوايا خفية ترصد تدفقات الحركة. تمثل تلك المعابر جداول زمنية للتسلل وراء خطوط العدو وفرص يجب التجهيز لها والانقضاض عليها لحظة ظهورها. يتضمن كل خط عنف الحفاظ على استقامته؛ ميكانيزمات دفاع، وخطط للهجوم، وحيل للخداع والتخفي. هي أدوات وأساليب للحفاظ وتعظيم هذه الفواصل الحقيقية والغير مرئية. 

بين رجل وإمرأة، بين أستاذ وطالب، وبين بدلة وعامل، نادرًا ما تكون المواجهة بين ندّين؛ يُلعب كل لقاء على أرض غير مستوية، مائلة بالفعل في صالح تلك القوى المستقرة والثقيلة والتي ترمي حملها كل مرة بكل ما تملك، مُراكِمة في صالحها كل الاحتمالات. وتؤدي كل مواجهة إلى انهيار الأرض المشتركة بين طرفي المعادلة، ودائمًا ما يترك الانهيار مُخلّفات؛ عنف انزلاق طبقات الأرض، التشققات، عمليات التهريب المستمرة، التسليم والتسلم، التحليق تحت الرادار، التزويغ، الكر والفر، التثبيت والتثّبت، التوريط والملاغية، رخي الحبل وشده. إعادة قراءة ملاحظات عن البوكر في اللحظة الحالية تدريب وتأمل في علاقات القوة ومركزية اللعب منها؛ إنها فرصة لإعادة التفكير في خرائطنا الفردية والجماعية في لحظة انهيار متواصل لكل الطرق المألوفة التي اعتادتها أقدامنا، وتأمل الاستراتيجيات المتنوعة للمناورة والحركة في سياق جغرافيا متغيرة. 

لا يتورط أحد في علاقة قوة ولكن في "علاقات" بالجمع؛ كل مواجهة تقوم على أساس وفي مقابل مجموعة علاقات قوة حتى ولو كانت مع فرد واحد، وذلك لأن كل طرف جزء بالفعل من شبكة مترامية من المعارف والخبرات والمسارات. وفي ضوء تلك المواجهة، يشير كل كارت ملعوب إلى مستوى من القوة، ويُشوّش على مستويات أخرى من العلاقة، حيث يفتح باب التكهنات عن طبيعة الكروت المتبقية ومداها. ولذلك ما ينكشف لا يقول بالضرورة شيئًا، ونادرًا ما يعني ما يقوله. ويستدعي ذلك التعامل مع علاقات القوى باعتبارها ألاعيب، ملقية الضوء على مستويات أعمق لا يمكن رصدها إلا بتتبع مناوراتها واستراتيجيات خداعها. 

وفي سياق تلك الألاعيب، يُمسِك كلُ منّا كروته في يده ويتفحص فيها متسائلًا؛ كيف أقرأ كروتي؟ وكيف اتعامل مع حظي السيئ؟ وكيف استغل الصدفة السعيدة؟ وهل يحاول الآخرون خداعي؟ وكيف نفهم هنا الخداع؟ أليس هو القدرة على السحب على المكشوف، أي الوعد بإمكانية الوفاء بالرهان وبقدرة الواحد على الدفاع عن موقعه -وعند الحساب، ينكشف الوعد باعتباره مجرد إدّعاء. ومن هنا يأتي أهمية تأمل الخداع وحضوره في ألاعيب الحظ والقوة باعتباره قدرة الواحد على توريط غيره في جداوله الزمنية؛ كل خطوة مراوغة تقدم نفسها باعتبارها مسار محدد لا يمكن الهروب منها إلا بالمضي قدمًا، وهو ما يتيح لها ثقة الهبوط على أرض تأمل أن تحملها في المطاف الأخير لخطوتها التالية. 

إذًا هي سلسلة من المراوغات ضد العوامل الخارجية والداخلية؛ ضرورة الطرمخة والتغفيل الذاتي كي تستمر لحظة الرهان أطول فترة ممكنة، تلحقها مجموعة من عمليات إعادة التوجيه والتشويش. وهكذا لا يجب لكل شئ أن يُكشَف، ولا يجب ترك اللحظة عارية، بل فرزها على خطوط تماس قادرة على إعادة إنتاجها في أشياء وقنوات أخرى متنوعة. الهيمنة دائمًا ما تكون ناقصة، الشقوق بين الشئ ونفسه، ولذلك يجب القبول بأشكال جديدة ومختلفة من النط على الحبال والمشي والزحف والدحرجة والمرجحة والتغفيل باعتبارها أشكال وطرق مختلفة ومشروعة للحركة.


الهوامش:

* يُلاحظ أن هوُ يانشي، مُعلقًا على "الأرض السيئة" في قسم "التسع أراضي" في كتاب صن تزو فن الحرب، والذي قال "الأرض السيئة هي أرض تفتقد إلى الاستقرار وغير مُهيئَة لبناء فيها تعزيزات وخنادق. من الأفضل الرحيل عن مثل هذه المناطق في أسرع ما يمكن". فن الحرب: النصوص الكاملة مع تعليقات، ترجمة توماس كليري (شامبالا، 1988). في ترجمة جون مينفورد لفن الحرب (بينجوين، 2002)، هذه النوعية من المناطق تُسمّى "تضاريس مُستعصية". المصدر (المترجم).

**  "كل تقدم وكل إبداع ليس سوى تنظيم شروط جديدة للصدف". (حول الصدفة – الملاحظة الثالثة) - 1957


* الترجمة خاصة بـ Boring Books

** يحتفظ المترجم بحقه في المساءلة الأخلاقية والقانونية إذا تمت الاستعانة بترجمته دون إذن منه