ما لم يتوقعه الرجل هو أن الراوي في تلك اللحظة تحديدًا ذهب إلى المطبخ ليتفقد النملة التي لم يقدر على تجاوز التفكير فيها

بشأن النمل والبشر

قصة: روسا نابارّو

نُشِرت على موقع زيندا في مايو 2021

ترجمها عن الأسبانية: أحمد عويضة

روسا نابارّو، أستاذة الأدب في جامعة مدريد المستقلة. من مواليد مقاطعة لا مانشا (بلدة دون كيخوته) في عام 1982 تأثرت في نشأتها بالمدرسة الثربانسية والسيريالية، وساعدها ذلك على المزج بين الخيال والفكاهة. نشرت العديد من القصص والقصائد، وفازت أيضًا ببعض الجوائز في القصة القصيرة.


عن postworld

قافلة طويلة من النمل تسير مختالة بتناغم فوق طاولة المطبخ الرخامية، كأنها جيش من الحمّالين، تحمل فوق رؤوسها فتات الخبز وبقايا الطعام. في آخر القافلة تسير حمّالة عرجاء محاولةً أن تواكب إيقاع زميلاتها إلا أنها ما تلبث أن تتأخر عنها أكثر. لا تستسلم، تشعُر كأنها هيفاستوس[1]، لذلك تحمل أكبر وأثقل الفتات. تخلفت كثيرًا حتى صارت الآن ترى مؤخرة آخر زميلاتها وهي تمر عبر شق الحائط. حسبت المدة التي ستستغرقها حتى تصل إلى هناك وتضع عنها حملها أخيرًا في البيت. المسافة المتبقية ليست كبيرة.. يمكنها القيام بذلك. وبينما كانت تشحذ همتها لقطع الجزء الأخير من المسيرة شلّها كسوف تام.

سبب الكسوف هو تلك المرأة الحزينة التي ترغب في أن تصير مثل فلورنسا لورانس[2]. تُمسك بكأس من النبيذ الأحمر بيدها اليمنى وتضعه على خدها. نظرت إلى النملة بنظرة تعاطف كاذب، ثم ضربتها بإصبعها ضربة ناجحة حد أن هيفاستوس المسكينة ارتطمت بالحائط، علِقت قطعة الخبز في إظفر سبابتها فمسحته في ثوبها دون التفاتٍ إلى ضحيتها المسكينة، ثم ذهبت إلى خزانة المطبخ للبحث عن سم للنمل. اتجهت المرأة التعيسة التي تريد الموت مثل فلورنسا لورانس إلى الحمام وكأس النبيذ ما يزال في يدها وسم النمل في يدها الأخرى تاركة بقايا الطعام الشهي في مغسلة المطبخ. فتحت صنبور حوض الاستحمام وشرعت في خلع ثيابها دون أن تنتبه إلى أن جارها في الجهة المقابلة كان يراقبها في تلك اللحظة تحديدًا من نافذة شقته. تأملها ذلك الرجل، الحداد الممسوس بروح تيد بندي[3]، باشتهاء بينما يهرش في رجله اليمنى الصناعية. وبينما تغطس المرأة في حوض استحمامها، حمل بندي سندانه الصغير ذي السن المدبب واتجه إلى منزلها.

عبر الحديقة بصعوبة، جعله وزن السندان يسحب رجله الصناعية بشكلٍ أخرق ويترك وراءه ثلمًا من الزهور المسحوقة. لكنه لم يستسلم ووصل إلى نافذة الحمام دون أن يُلحَظ. وضع السندان على إفريز النافذة وخلع الطرف الصناعي ووضعه على الأرض بجوار إصيص الزنابق الصفراء ثم تسلل خلسة عبر النافذة. التقط السندان بمجرد دخوله، رفعه واتجه متقافزًا بسبب ساقه المبتورة نحو فلورنسا التي شربت إلى درجة عدم إحاطتها بما يحدث حولها، فقط تلعب بقدميها مع تيار الماء الذي ينطلق من الصنبور بينما تُمسك بيدها اليسرى كأسها الذي يحوي النبيذ وسم النمل.

ما لم يتوقعه الرجل هو أن الراوي في تلك اللحظة تحديدًا ذهب إلى المطبخ ليتفقد النملة التي لم يقدر على تجاوز التفكير فيها، ليتأكد من كونها لا تزال هناك وفي أي حال هي. وجد هيفاستوس تتعافى من أثر الضربة وتهز أرجلها المتبقية. تمكنت من الوقوف لكنها مشوشة ومرتبكة لا تعرف كيف تصل إلى حفرة الحائط، فلم يكن لديها حل سوى تتبع وهج الضوء القادم من الحمام، رافقها الراوي بنظراته المشفقة لعلمه أنها تسير في الاتجاه الخاطئ. عندما وصلا – هيفاستوس والراوي- إلى الحمام كان تيد بندي لا زال متحجرًا كأنه من بومباي في وضع بطولي، رغم أنه بساقٍ واحدة، رافعًا ذراعيه الحاملين للسندان وعلى وشك توجيه ضربة ملحمية لجارته البائسة الثملة. لكن الوقت الذي غادر فيه الراوي إلى المطبخ جعل تيد بندي متجمدًا، وتحولت مشاعر القتل داخله إلى يأس وإرهاق، وعلاوة على ذلك فقد فاض حوض الاستحمام وبللت الماء قدمه الوحيدة.

راقب الراوي والنملة المشهد مرتبكين، وقبل أن تصل الماء إلى رقبته، بل حتى قبل أن تصل إلى كاحليه قرر الراوي أن يأخذ بزمام الأمور وصاح في الكاتب لينبهه، وقرر الكاتب الذي أدرك أن الحبكة قد هربت من بين يديه اللجوء إلى الحل الأكثر سخافة: غلق الصنبور. نقر على لوحة المفاتيح نقرات ارتجالية حادة، نقر بسرعة شديدة دون أن يتيقن مما يكتب، وبدلًا من أن تنقطع الماء ظهر في الحمام حيوان نصفه نسر ونصفه أسد تائه لا يفهم ماذا يحدث في هذا السيرك بحق الجحيم. أصيب تيد بندي المرعوب من هذا المخلوق بأزمة قلبية وسقط أرضًا قبل ثانية واحدة من سقوط سندانه فوق رأسه في ضربة تستحق جائزة أفضل حداد. في تلك اللحظة كانت المرأة قد غرقت في حوض الاستحمام بالفعل وسقطت محتويات الكوب على النملة التي ماتت ثملة مسمومة، تمامًا مثل فلورنسا لورانس الحقيقية. وسرعان ما التهم الجريفين[4] جثتها.. أراد المشاركة في المشهد بما أنه موجود.

بدا على وجه الراوي المصعوق أنه لا يفهم شيئًا، هز كتفيه ونظر للأعلى دون أن يجد ما يقوله. وراقب الكاتب الفوضى التي خلقها هو وحده واعتذر منه، لم يعرف لتلك الأزمة غير المتوقعة حلًا فأرسل الجريفين إلى بيته ومحا الفقرات الأخيرة عائدًا إلى الكسوف، وقرر هذه المرة أن يكتب قصة امرأة تريد الموت مثل البابا آدريان الرابع: مختنقة بسبب ذبابة.

تنهد الراوي المتفاني محطَم المعنويات وهو يفكر في مدى جمال وجوده لو كان على الجانب الآخر، ينقر على لوحة المفاتيح وينتج أدبًا مثل بورخيس أو ثربانتس، وليس مثل هذا الأحمق الفاشل الذي لا يجيد شيئًا.


[1]  ابن زيوس وهيرا، هوى من السماء عند ولادته وسقط في قاع بركان فتشوه وصار أعرج، تخلت عنه أمه وربته حوريات البحر حتى صار إله النار والحدادة.

[2] فلورنسا لورانس (1886 – 1938) مؤدية مسرح وممثلة كندية أمريكية، يقال عنها إنها "أول ممثلة سينما".

[3] تيد باندي (1946-1989) قاتل مسلسل أمريكي، قتل العشرات من النساء في السبعينيات من القرن العشرين.

[4]  حيوان أسطوري نصفه نسر ونصفه أسد


* الترجمة خاصة بـ Boring Books

** يحتفظ المترجم بحقه في المساءلة الأخلاقية والقانونية إذا تمت الاستعانة بترجمته دون إذن منه