كنت واثقة أنه يعرف ما يفعله، واثقة في أن الرجل الملعون وصاحب أسوأ حظ في الدنيا يعرف كيف يفعل مثل تلك الأشياء.

رجلٌ بلا حظ

قصة سامانتا شويبلين

ترجمة محمد حكام

سامانتا شويبلين هي مؤلفة أرجنتينية من مواليد بوينوس آيرس عام 1978 حيث درست السينما والتليفزيون. حصلت مجموعاتها القصصية «نواة الاضطراب» و«عصافير في الفم» و«سبعة بيوت خاوية» على عدة جوائز محلية ودولية من ضمنها جائزة «خوان رولفو» وجائزة «بيت الأمريكتين».

ترشحت روايتها الأولى «Distancia de rescate»، التي ترجمها الراحل صالح علماني بعنوان «حمى الأحلام»، إلى جائزة «مان بوكر» في 2017 لأفضل عمل مترجم للإنجليزية وهو نفس ما حدث مع روايتها الثانية «كينتوكي» كما تُرجمت أعمالها إلى أكثر من 25 لغة.

أما هذه القصة فهى من المجموعة القصصية بعنوان "سبعة بيوت فارغة" Las siete casas vacias التى نشرت عام 2015 وحازت على جائزة Narrativa Breve Ribera Del Duero في نفس العام. بعد ذلك حصلت على جائزة National Book Award  في عام 2022. تتحدث القصة عن الطفولة والذكريات وعن الصمت الذي يصاحبهما.


سامنتا شويبلين

يوم أتممتُ الثامنة من عمري، تناولت أختي كأسًا كاملاً من مُبيض الملابس. كانت آبي في الثالثة من عمرها. ابتسمت أولًا ثم تجعد وجهها وبدت مفزوعة من الألم، ربما بسبب امتعاضها. وعندما رأت أمي الكأس يتدلى من يد آبي فارغ شحب وجهها أكثر منها. استغرق الأمر بضع ثوانٍ لتنهض وكان كل ما قالته:

- آبي! يا إلهي. آبي! يا إلهي.

هزتها من كتفها لكنها لم تستجب. صرخت في وجهها لكنها لم تستجب أيضًا. أسرعت إلى الهاتف واتصلت بأبي. وعندما عاد مسرعًا كانت آبي لا تزال واقفة على قدميها ممسكةً بالكأس في يدها، انتزعت أمى الكأس من يدها وألقت بها في الحوض وفتحت الثلاجة ثم أخرجت الحليب وأعطتها كوبًا. أخذت تنظر إلى الكأس تارة ولآبي تارة، وفي النهاية ألقت بالكأس في الحوض. جاء أبي في الحال تقريبًا، فقد كان يعمل بالقرب من المنزل، لكن اتسع الوقت لأن تكرر أمي مشهد الحليب هذا مرة أخرى، قبل أن يطلق أبي بوق سيارته.

وعندما أطللتُ بعيني على غرفة المعيشة، رأيت أن باب البيت وبوابته الحديدية وأبواب السيارة مفتوحة بالفعل. أطلق أبي بوقه مرة أخرى، وإذا بأمي تمر بجواري كالصاعقة تحمل آبي على صدرها . 

كان هناك دوي لأبواق أخرى، وبدأت أمى التى جلست بالخلف تبكي. كان على أبي أن يصرخ في وجهي مرتين لأفهم أنه أنا من عليه أن يغلق باب السيارة.

اجتزنا العشرة مربعات سكنية الأولى، في وقت أقل مما استغرقت أنا في غلق الباب وربط حزام الأمان. لكن عندما وصلنا للشارع العمومي كان المرور متوقف فعليًا، أطلق أبي بوق سيارته وصرخ قائلًا: "أنا ذاهب للمستشفى! أنا ذاهب للمستشفى!"، وبأعجوبة تمكنت السيارات من أن تفسح لنا الطريق بعد عدة مناورات. لكن ما باليد حيلة، شغلت الطريق بضع سيارات أخرى فعاد الأمر كالسابق.

توقف أبي خلف سيارة أخرى وكف عن إطلاق بوقه، ثم ضرب برأسه على عجلة القيادة. لم أره يفعل شيئًا كهذا من قبل! عم الصمت للحظة ثم نظر لي عبر مرآة الرؤية الخلفية واستدار وقال لي: "اخلعي السروال الداخلي!".

حينها كنت مرتديًة الزي المدرسي، كانت كل سراويلي الداخلية بيضاء اللون، لم يكن هذا محور تفكيري في تلك اللحظة، ولم أستطع فهم طلب أبي. وضعت يدي على المقعد لأرتكز. ونظرت لأمى فإذا بها تصرخ في وجهي قائلة: "اخلعى السروال اللعين!".

خلعته، انتزعه أبي من يدي وأخرجه للخارج. ثم عاد يطلق بوق سيارته مجددًا، وبينما هو يطلق بوقه، التفت كل من في الشارع ينظر إلي سروالي، كان صغيرًا وشديد البياض، وعلى بعد مربع سكني خلفنا كانت هناك سيارة إسعاف قد أطلقت صفارة الإنذار، وسرعان ما لحقت بنا واستقللناها. لكن أبي لم يتوقف عن التلويح بالسروال حتى وصلنا للمستشفى. ترجل أبي وأمي من السيارة على الفور وتركها بجانب سيارات الإسعاف، أخذت أمى تركض مع آبي دون أن تلتفت للوراء حتى دخلت المستشفى. ترددتُ فيما إن وجب عليَّ النزول أم البقاء. كنت حينها بدون سروال داخلي وأردت معرفة أين تركه أبي. لم أجده في المقاعد الأمامية ولا حتى في يده التى أغلقت الباب من الخارج. هتف أبي، "هيا! هيا!". 

فتح أبي الباب وأعانني على النزول ثم أغلق السيارة. وعندما دخلنا الصالة المركزية ربت على كتفي عدة مرات. 

وإذا بأمي تخرج من إحدى الحجرات الخلفية وتومئ لنا بإشارة؛ شعرت حينها بالارتياح لرؤيتها تتحدث ومن جديد وتشرح للممرضات. أشار أبي لعدة مقاعد برتقالية في الجانب الآخر من الممر وقال لي: "ابقى هنا".

جلست ودخل أبي لحجرة الطبيب مع أمي وانتظرتُ طويلًا، لا أعلم كم من الوقت انتظرت لكن كثيرًا. 

ألصقت ركبتي في بعضهما جيدًا وبدأت أفكر فيما حدث في الدقائق القليلة الماضية. وفي احتمالية أن يكون قد رآني أحد زملاء صفي الدراسي لحظة خلعي سروالى الداخلي. وعندما وقفت تمدد ردائي ولمس ذيلي الجزء البلاستيكي للمقعد. كانت الممرضة تدخل وتخرج أحيانًا، وأمكنني سماع أبي وأمى يتجادلان، وفي لحظة عندما تمددت قليلًا، رأيت آبي تتململ على سرير المرضى وعرفت أنها لن تموت، على الأقل في هذا اليوم. 

بقيت أنتظر وقتًا أكثر، ثم جاء رجل وجلس بجانبي،. لا أعرف من أين أتى، رجل لم أره من قبل. سألني،" كيف الحال؟".

فكرت في أن أقول أنني في حال جيدة كما اعتادت أمي أن تجيب كلما سألها أحدهم، على الرغم من أننا نفقدها شعورها ، وقلت:

- بخير.

- هل تنتظرين أحدًا؟

فكرت في ذلك وأدركت أننى لا أنتظر أحدًا، أو على الأقل ليس هذا ما أردت أن أفعله في تلك اللحظة، وأشرت له بالنفي فقال: "إذن لماذا تجلسين في صالة الانتظار؟".

لم أكن أعلم أنها صالة انتظار، عندها أدركت أنه تناقض كبير، فتح حقيبة صغيرة كان يحملها على ركبتيه ثم قلَّب فيها قليلًا، وعلى غير عجلة أخرج من المحفظة ورقة وردية اللون وقال: "ها هى ذي؛ كنت أعلم أنها هنا في مكان ما، الورقة رقم اثنان وتسعون. بقيمة واحد آيس كريم، أنا أدعوك".

قلتُ: "لا، لا يجب أن أقبل أشياء من الغرباء"، فقال لي: "لكنه مجاني، لقد ربحته".

- لا.

نظرتُ للأمام وصمت كلانا، وفي النهاية ودون أن يغضب قال:

- كما يحلو لكِ.

ثم أخرج من الحقيبة مجلة وبدأ يُكمل لغز الكلمات المتقاطعة. 

فُتِحَ باب العيادة مرة أخرى وسمعت أبي يقول: "أنا لن أوافق على مثل هذا الغباء". أذكر أن هذه هى نقطة النهاية عند أبي في أي نقاش، لكن بدا أن الرجل لم يسمعهم، وقلت: "إنه عيد ميلادي"، وكررت في نفسي"إنه عيد ميلادي، ماذا عليَّ أن أفعل؟" ثم ترك قلمه الذي يخط به على الرقعة ونظر لي في دهشة. أشرتُ بنعم دون النظر إليه مدركة أنني سأحظى باهتمامه مرة أخرى، ثم أغلق المجلة وقال:

- لكن.. أحيانًا أجد صعوبة في فهم النساء، إذا كان هذا عيد ميلادك، فلماذا أنت في صالة انتظار المستشفى؟

كان رجل قوي الملاحظة، وعلى الرغم من أنني اعتدلت على الكرسي فكنت بالكاد أصل لكتفيه، ابتسمت وبدأت أُضبط شعري بيدي حتى قلت له:

- لا أرتدي سروالًا داخليًا.

لا أعرف لماذا أخبرته عن عيد ميلادي وبأنني لا أرتدي سروالًا داخليًا، كان شيء لم أستطع أن أتوقف عن التفكير فيه، كان لا يزال ينظر إليَّ، ربما أصابه الذهول أو شعر بالإهانة. وعلى الرغم من أنها لم تكن تلك نواياي، إلا أنني أدركت أنه ثمة شئ فظ فيما قلته للتو.

- لكنه عيد ميلادك.

أومأت بنعم.

- هذا ليس عدلًا. لا يمكن لأحد أن يتجول دون سروال داخلي في عيد ميلاده.

- أعلمُ ذلك.

قلت كذلك في ثقة شديدة، لأنني وللتو اكتشفت الظلم الذي حل بي بسبب العرض الذي قدمته آبي. مكث للحظة دون أن يقول شيء، ثم رنا إلى النوافذ التي تطل على ساحة السيارات وقال:

- أعلم أين يمكننا أن نحصل على سروال.

- أين؟

- حُلت المشكلة. 

ثم لملم حاجاته وقام.

ترددت في النهوض تحديدًا لأنني لا أرتدي سروالًا، لكن أيضًا لأنني أجهل إن كان صادقًا أم لا، نظر للطاولة التي عند المدخل وأشار بيده في تحية للممرضات، وقال: "سأعود في الحال، إنه عيد مولدها"، مشيرًا إليّ وأنا أتوسل بحق الرب والعذراء ألا يقول أي شيء عن سروالي الداخلي، لكنه لم يقل شيئًا. فتح الباب وغمز لي بعينه وعرفت أنه يمكنني الوثوق به.

خرجنا إلى ساحة وقوف السيارات، بالكاد كنت أصل لخصره وأنا واقفة، وبينما ظلت سيارة أبي بجانب سيارات الإسعاف كان هناك شرطي يحوم حولها، بقيت أنظر إليه وهو يرانا نبتعد.

هب الهواء حول ساقي ورفع عني الزي واضطررت أن أمشي ممسكة به وساقاي ملتصقتان، وعندما رجع ليراني إن كنت أتبعه، وجدنى أنازع زييّ المدرسي وقال:

- يا إلهي، بحق العذراء! من الأفضل أن نلتف حول الحائط.

فقلت أنا: لا تقل يا إلهي بحق العذراء!

كان شيء تقوله أمي دائمًا ولم تعجبني الكيفية التي قالها بها.

- حسناً يا حبيبتي.

- أريد أن أعلم إلى أين نحن ذاهبون.

- إنك حساسة للغاية.

ولم نقل أي شيء، ثم عبرنا الشارع ودخلنا إلى المتجر، كان سيئًا للغاية لم تكن أمي لتعرف واحدًا كهذا. سرنا إلي الخلف حتى وصلنا لمحل ملابس كبير، في الحقيقة كان ضخمًا، لم تكن أمي لتعرفه أيضًا، وقبل أن أدخل قال لي: لا تبتعدي. 

ثم أعطاني يده وكانت باردة لكنها ناعمة جدًا، حيَّا محصلي الخزانة تمامًا كما حيا الممرضات عند خروجنا من المستشفى، لكني لم أرى أحدًا يجيبه، ثم تنقلنا بين أقسام الملابس؛ كان هناك فساتين وسراويل وقمصان وأزياء للعمل أيضًا. وكذلك خوذ وملابس مزارعين صفراء كملابس عاملي النظافة، ثياب لعاملات النظافة، أحذية صفراء ذات رقبة، وحتى بعض الآلات. 

تساءلت هل يبتاع ملابسه من هنا، وهل يرتدي أي من تلك الأشياء ثم تساءلت أيضًا عن اسمه.

- ها هو ذا.

كنا محاطين بطاولات ملابس داخلية للرجال والنساء، لو مددت يدي لاستطعت أن ألمس حاوية من السراويل الداخلية الضخمة. لم يسبق لي أن رأيت أكبر منها. كان سعر الواحد منها ثلاثة بيزوهات. وهو يتسع لثلاثة أشخاص بمثل حجمي.

قال" ليست تلك"، ثم أخذني هناك قليلًا إلى قسم للسراويل الداخلية الأصغر. 

- انظري إلي كل تلك السراويل الموجودة؛ أي واحد تختارين سيدتي؟

نظرتُ قليلًا، فوجدتها تقريبًا كلها وردية أو بيضاء، ثم أشرتُ إلي واحد أبيض اللون وقلت: "هذا، لكن ليس معي مال"، كان واحد من القلائل الذين ليس بهم شكل الفيونكة، اقترب قليلًا ثم همس في أذني:

- لسنا في حاجة إلى المال.

- هل أنت صاحب المتجر؟

- لا. إنه عيد ميلادك.

ثم ابتسمت وقال لي :

- لكن علينا أن نبحث جيدًا وأن نتأكد.

- حسنًا يا حبيبتي.

 - لا تقول لي يا حبيبتي. هذا يغضبني.

ثم قلدني عندما أمسكت تنورتي في ساحة السيارات، وأخذ يُضحكني. ولما فرغ وضع كلتا قبضتيه أمامي وبقي كذلك حتى فهمت ولمستُ يده اليُمنى، فتحها وكانت فارغة.

- لا يزال بإمكانك اختيار الأخرى.

اخترت الأخرى، واستغرق الأمر بعض الوقت حتى فهمت أنه سروال، فأنا لم أر سروالًا أسود قط، كان مخصصًا للفتيات، لأن به قلوب بيضاء صغيرة جدًا بدت وكأنها مثل شامات الوجه، ووجه القطة كيتي في المقدمة، حيث اعتادت أن تكون موجودة الفيونكة التي لا تعجبني لا أنا ولا أمي.

- عليكِ أن تجربيه.

ضممت السروال إلي صدري، ثم أعطاني يده مرة أخرى وذهبنا إلي غرف تغيير الملابس النسائية التي بدت فارغة، وبنظرة خاطفة تفقدناها، ثم قال لي أنه لا يعرف ما إذا كان بإمكانه الدخول، وأن عليَّ أجربه وحدي.

أدركت أنه منطقي، لأنه ليس من المستحسن أن يراني الغرباء في ملابسي الداخلية، لكنني خشيت أن أدخل غرفة الملابس وحدي، فإما أن أدخل بمفردي أو يحدث ما هو أسوأ، وهو أن أخرج ولا أجد أحدًا.

 - ما اسمك؟

- لا يمكنني أن أخبرك.

- لماذا؟

ثم جثا على ركبتيه، هكذا صار في مستوى طولي، ربما كنت أطول ببضعة سنتيمترات.

- لأنني ملعون.

- ملعون؟ ما معنى ملعون؟

- قالت لي امرأة تكرهني أنني سأموت في المرة القادمة التي أقول فيها اسمي.

فكرت في أنها يمكن أن تكون مزحة أخرى، لكنه قالها بكل جدية.

- أيمكنك أن تكتبه لي؟

- أكتبه؟

- إن كتبته فلن تقوله، سيكون كتابة، فإن عرفت اسمك يمكنني أن أناديك ولن أشعر بالخوف وأنا أدخل غرفة الملابس.

- لكننا لسنا متأكدين، وماذا لو كانت كتابة اسمي تعني قوله بالنسبة لتلك المرأة؟ ماذا لو كانت تقصد بالقول الإشارة إلي اسمي بأي شكل من الأشكال؟

- وكيف ستعرف؟!

- الناس لا تثق بي .فأنا الرجل الأقل حظًا في العالم.

- هذا غير صحيح.. لا توجد طريقة لمعرفة ذلك.

- أعرف ما أقول.

نظرنا معًا إلى السروال في يدي، وفكرت أنه قد يكون أبواي على وشك الانتهاء فقلت:

- هذا عيد ميلادي.

وربما فعلته عن قصد، لكن كان هذا ما شعرت به في ذلك الوقت. امتلأت عيناي بالدموع. ثم عانقني في حركة سريعة جدًا، وعقد ذراعاه على ظهري وضمني بقوة حتى غرق وجهي في صدره. ثم أطلق سراحي بعدها وأخرج مجلته وقلمه، وكتب شيئًا على الهامش الأيمن للعبة، ثم قطعها وقام بطيها ثلاثة مرات قبل أن يعطيني إياها.

قال، "لا تقرأيها!" ثم قام ودفعني بلطف إلى غرف تغيير الملابس. مررت بأربعة غرف تغيير فارغة متبعة الممر، وقبل أن أتحلى بالشجاعة وأدخل الخامسة، وضعت الورقة في جيبي وعدت لأراه ثم ابتسمنا كلانا للآخر.

جربت السروال وكان مثاليًا. رفعت ملابسي لأرى كيف يبدو عليَّ؛ كان مثاليًا، بل مثاليًا جدًا، كان رائعًا بشكل لا يصدق. ولا أظن أن يطلبه مني أبي أبدا ليلوح به لسيارات الإسعاف، حتى وإن فعل فلن أشعر بالإحراج من أن يراه أحد من زملائي. سيقولون: "انظروا إلي سروال تلك الفتاة، يا له من سروال رائع". أدركت أنه لا يمكنني أن أنزعه، وأن السروال لا يحتوي على قفل إنذار. كان به علامة صغيرة حيث يوضع القفل كما هو معتاد، لكن لم يحمل أي قفل للإنذار، بقيت لوهلة أنظر لنفسي في المرآة، ولم أحتمل أكثر من ذلك ففتحت الورقة وقرأت الاسم.

وعندما خرجت من غرفة الملابس لم أجده حيث تركنا بعضنا، بل كان هناك بجوار سراويل الحمام، وعندما علِم بأنني لا أحمل السروال على مرأى من الناس، نظر إلي وغمز بعينه وأمسكت أنا بيده تلك المرة، حينها أمسكني بشدة، كان ذلك مقبولًا بالنسبة لي، ثم مشينا نحو المخرج. 

كنت واثقة أنه يعرف ما يفعله، واثقة في أن الرجل الملعون وصاحب أسوأ حظ في الدنيا يعرف كيف يفعل مثل تلك الأشياء. مررنا بصف محصلي الخزانة عند الباب الرئيسي، ثم نظر لنا أحد الحراس وهو يضبط حِزامه، بالنسبة له كان رجُلي الذي لا يحمل اسمًا هو أبي، كنت فخورة بذلك. عبرنا أجهزة الاستشعار عند المخرج وأكملنا الممر في صمت حتى وصلنا إلي الشارع، حينها رأيت ( آبي) بمفردها في منتصف الساحة، وأمي قريبة أكثر من هذا الجانب من الشارع تبحث في كل اتجاه، ورأيت أبي أيضًا قادمًا في اتجاهي من ناحية الساحة يسير في مسرعًا إلى الشرطي الذي كان ينظر إلى سيارتنا من قبل ثم أشار إلينا، كل شيء كان سريعًا، وعندما رآنا أبي صرخ باسمي، وبعدها بثوانٍ أتى الشرطى ومعه اثنان آخران لا أعلم من أين انصبوا علينا. 

أطلق الرجل سراحي لكنني تركت يدي متعلقة به لبضع ثوانٍ، ثم أحاطوا به وأخذوا يدفعونه بطريقة سيئة. ثم سألوه عن اسمه، وعما يفعل؟ لكنه لم يجب.

عانقتني أمي حينها وفحصتني من الأعلى للأسفل، كانت تحمل سروالي الأبيض في يدها اليمنى حينها، وعندما تفقدتني، عَلِمت بأنني أرتدي واحدًا آخر، وبحركة واحدة رفعت عنى الزي أمام الجميع بشكل عنيفٍ وفظٍ جدًا. ووجب على أن أرجع بضع خطوات للوراء كي لا أسقط. 

نظر إلي ونظرت إليه، ولما رأت أمي السروال الأسود صرخت وقالت: "يا ابن القحبة، يا ابن القحبة"، وانقض أبي عليه يحاول ضربه. حاول رجال الشرطة الفصل بينهم بينما أنا أبحث عن الورقة في جيبي. وضعتها في فمي وابتلعتها. وبينما فعلت ذلك بقيت أكرر اسمه مرات كثيرة حتى لا أنسى اسمه أبدًا.