أشتاق إلى ماري، فأنا أحبها وهي تحبني، قالتها لي مرات عدة، وأخبرني عمر بأنه لا يحبني لأن ماري رفضت أن تلعب معه عندما تغيبت أنا وفريدة عن الفصل

قصة "الفيل الرمادي" لأحمد فؤاد الدين

نُشرت القصة ضمن مجموعة "مساحة للمناورة" الصادرة عن دار المحروسة 2023


عن pinterest

لم أعد أذهب إلى المدرسة، تقول ماما إن الخفافيش جُنَّت وصارت تعيق البشر عن الحياة، لا أعرف لماذا لا تحبني الخفافيش فتحاول إيذائي؟ ولا أعرف لماذا تخاف من الإنترنت، فالجميع يتواجد ولا تظهر أبدًا، أظن أن الخفافيش ترى الإنترنت مملًّا كما أراه، ربما لو أخبرت الخفافيش بأني مثلها لا أحب الإنترنت لتوقفت عن إيذائي، أو إيذاء بابا وماما، وأختي الرضيعة وحمزة وماري وعمر ويحيى وفريدة، فنحن نحب أن نلعب معًا، ألعب مع ماري ويختار حمزة أن يلعب مع يحيى، وتحب فريدة أن تلعب مع عمر، لكن عندما تغيب ماري أشعر بالحزن ولا أريد اللعب، وعندما تظهر على اللابتوب أفرح كثيرًا بوجودها، أود فقط لو تتوقف الميس عن الكلام، وكذلك أصحابي لأحكي لماري عن ألعابي الجديدة ورسوماتي والهاتف الذي بنيته من قطع الليجو وحرف اسمها الذي كتبته في ورقة بيضاء وطبقته لأرسله إليها مع حرف اسمي وقلب صغير لوَّنته بالأحمر والأصفر والأخضر، لكن أمي تقول إننا لا يمكن أن نزور ماري، ولا يمكن أن تأتي إلينا، ولا حتى أن نتقابل في النادي كما كنا نفعل.

أشتاق إلى ماري، فأنا أحبها وهي تحبني، قالتها لي مرات عدة، وأخبرني عمر بأنه لا يحبني لأن ماري رفضت أن تلعب معه عندما تغيبت أنا وفريدة عن الفصل، عندما أصبت بوجع في بطني لا أراه، لكني أشعر به كلما دخل مستر سمير الفصل، أو كلما نادى بابا ماما بصوت عالِ كما اعتاد منذ أن منعوني من الذهاب إلى المدرسة، أو في بيت تيتا عندما تترك التلفاز مفتوحًا وأرى فيه رجالًا كبارًا يضرب بعضهم بعضًا، تقول ماما إنه لا يجب اللعب بالسكين أو الاقتراب منها، لكنهم كبار فيمكنهم إذن ذلك، المشكلة أنهم كبار ومع ذلك يصيب بعضهم بعضًا، أرى الدم فأتعجب هل لا يجيد الكبار المسك بالسكين!

تصرخ أختي الصغيرة كثيرًا، فهي لا تحبني، ماما قالت لي إنها تحبني جدًّا، لكن إذا كانت تحبني فعلًا فلماذا توقظني كل ليلة، في إحدى المرات دخل صوت صراخها في عيني، رغم أني أغلقتهما لأنام، رأيته يتسلل إلى عيني المغلقة من دون رغبة في ذلك، وبدأ في مطاردة الفيل الصغير الذي صنعته بالأمس من مكعبات الليجو، وضعت فيه كل الألوان، الأصفر، الأحمر، البني، الأزرق، والأبيض، تقول ماما إن الفيل لونه رمادي، لكني حر، أنا أحب الألوان، تلك التي هربت من فيلي الصغير عندما تسلل صراخ أختي إلى أذني، وأصبح الفيل رماديًّا، كان مذعورًا، وعاد وجع بطني مرة أخرى.

منذ أن توقفنا عن الذهاب إلى المدرسة والنادي وبيت تيتا ذي البلكونات المغلقة دومًا وأنا أجد بابا حزينًا، وغضبانًا، يقول إن ماما لا تفهم شيئًا، لكن ماما تعرف كل شيء، بالأمس سألتها عن الرقم الذي يأتي بعد المائة وأجابت إنه الواحد بعد المائة، شيء غريب جدًّا، كانت ماري تقول لي إن المائة هو آخر رقم، وأشارت نحو كومة الرمل الكبيرة خارج المدرسة وقالت إن بها مائة حبة رمل، رقم ضخم جدًّا، لكن ماما تعرف أكثر من ماري، وأكثر من ماما ماري أيضًا، لأن ماري تسألني أنا ولا تسأل والدتها، فأعود لأسأل ماما والتي تجيب دائمًا عن أسئلتي، عدا الأمس، عندما سألتها لماذا يحب بابا أن يصرخ في البيت عندما يعمل، هل يجب أن نصرخ عندما نعمل؟ أريد أن أكون طبيبًا للحيوانات عندما أكبر، ربما لا أحتاج إلى الصراخ لأن الحيوانات أساسًا لا تتكلم، لكنها تنظر إلى أعيننا فتفهم ما نريد، هذا ما حدث بالضبط عندما أتت قطة صغيرة مجروحة في إحدى عينيها وطلبت أن تلعب معي أنا وماري، كانت ماري سعيدة جدًّا، كنت أخاف من القطط، لكن ماري قالت لي إن القطط حلوة، فلديها قطة في البيت اسمها سوسو، لا تؤذي أحدًا ولا تصرخ أبدًا، وتحب أن تنام بجوار ماري، وأنا أيضًا أحب النوم بجوار ماري لكن الخفافيش تخيفني أنا وماري وماما، لكن بابا غاضب جدًّا من الخفافيش أو العمل، بابا يعمل كثيرًا فقبل الخفافيش كنت أستيقظ لأجد بابا نائمًا، وعندما أعود من المدرسة لا يعود هو فهو كبير وأنا صغير، وعندما أذهب إلى النوم يكون بابا يأكل، ولا يحب بابا أن يتحدث أحد معه وهو يأكل، لكن بابا يحبني، قالت ماما لي ذلك مرة، بالأمس أيضًا، ماما تقول إن ليس كل ما مضى هو بالأمس، لا أفهمها، فنحن اليوم وبالأمس هو الأمس، وغدًا هو بعد أن نستيقظ من النوم، لكن ماما تعرف كل شيء، حتى إني عندما سألتها بالأمس عن أوراق بيضاء أرسم فيها، لم يمنعها بكاؤها من الرد عليَّ، عندما أبكي لا أقدر على الرد على أحد، ولا أستطيع التوقف، تقول ماما إنه يجب التوقف عن البكاء حتى أكون سعيدًا، لكني لا أعرف كيف، لم أقل لماما إن بطني لا تؤلمني وأنا أبكي، ربما تخاف السوسة في بطني من الدموع أو صراخي، كما أخاف من صراخ أختي.

تقول ماما ألا أرسم بابا يصرخ، يجب أن أرسمه سعيدًا كما أرسم الشمس، أو كما أرسم ماما، وتقول إن بابا أطول منها، وإن بابا يحب أيضًا أن يمسك يدي كما تمسكها هي، لكنه يعمل كثيرًا -لا أحب العمل كثيرًا- عندما أكبر وأصبح طبيبًا للحيوانات سأعقد معها اتفاقًا ألا نصرخ، عندما تكون مريضة سأعطيها دواءً برتقاليًّا كالذي تعطيني إياه ماما قبل النوم عندما تؤلمني بطني في الليل، الدواء مليء بالسكر ولونه جميل، يطرد السوسة في بطني وأنام سريعًا، أكيد هناك دواء مثله للحيوانات، سأضعه في طبق صغير أصفر اللون للقطط، وأخضر للكلاب، وأزرق للتماسيح، وأحمر للأسود؛ الأسد بابا لديه شعر كثيف، والأسد ماما ليس لديها شعر، لكننا العكس، ماما لديها شعر طويل، تسرحه كل يوم وتتركه منسدلًا على كتفها، لكنها منذ أن شدَّه بابا أصبحت تربطه وتقول إنه كحكة، أضحك كثيرًا من هذه الكلمة، كيف لماما أن تضع كحكة على رأسها، لا يمكن لماما ولا حتى أنا الطفل الصغير وضع كحكة على رأسي فيمكن أن تأتي الحشرات لتأكل منها، لذلك أغسل يدي بعد الأكل كل يوم، لكن عمر لا يحب أن يغسل يده، وتقول الميس إن عمر قد يجلب الحشرات للفصل كله، لذلك أرش الماء على عمر بعد الأكل، لكنه يدفعني فتتدخل ماري وتقول له إنها لا تحبه وإنها تحبني أنا، وفريدة أيضًا لا تحبه، لكنها تلعب معه لأن لا أحد غيره موجود في الفصل، يبكي عمر كل مرة، ويصرخ كأختي الصغيرة، فأعتذر له لأن ماما قالت لي إن الاعتذار حلو، فعندما نرى شخصًا حزينًا نعتذر له فيفرح، كما يفعل بابا مع ماما عندما يصرخ، لكني شاهدت ماما بالأمس وهي غير سعيدة بعد اعتذار بابا، تقول إن بابا سيترك البيت، لذلك صنعت بيتًا من مكعبات الليجو وأدخلت ماما وبابا وأنا وماري وأختي الصغيرة وأغلقت الباب، وتركت اللعبة تحت السرير فبتلك الطريقة لن يترك بابا البيت، وستتوقف أختي عن الصراخ لأني وضعت لها لبنًا لعبة، وستترك ماما شعرها ينسدل على كتفها، وأدخلت الفيل الملون معنا، لألعب به مع ماري، وعندما حاولت إدخال علبة الدواء البرتقالية وجدتها كبيرة جدًّا وتذكرت أنني في ذلك البيت الجميل لن أحتاج إليها أبدًا.