يحتشد مبادئ الأسلوب بالكثير من الحقائق بشأن استخدام الإنجليزية الحديثة، حقائق تسربت إلى الوعي الأدبي لأجيال من الصحافيين والكتاب.
مبادئ الأسلوب لويليام سترانك وإلوين بروكس وايت
مقال: روبرت مكروم
نُشر في الجارديان، يوليو 2016
ترجمة: أحمد الشربيني
كتبت دوروثي باركر ذات يوم: «إن كان لديك صديق شاب يود أن يصبح كاتبًا فأعطه نسخة من كتاب مبادئ الأسلوب، هذا ثاني أفضل شيء تستطيع تقديمه. أفضل ما تستطيع تقديمه هو بالطبع أن تضربه برصاصة بينما لا يزال سعيدًا».
الكثير من الأمريكيين الذين يعتقدون أن الكتابة ملكة يمكن اكتسابها سيلجأون إلى كتاب مبادئ الأسلوب معتبرين إياه مرشدًا لا غنى عنه للولوج إلى فوضى اللغة حيث تدور الكلمات بلا اتجاه. منذ الحرب العالمية الأولى وحتى بدء الحرب الباردة، كان هذا الكتيب ذو التسعين صفحة مجرد محاولة من أستاذ جامعي لاختصار «الشواش الهائل للبلاغة الإنجليزية، إلى حد أن يمكن كتابة قواعدها الأساسية على رأس دبوس».
هذه كلمات إلوين بروكس وايت الذي درس الإنجليزية في كورنل على الأستاذ ويليام سترانك جونيور. في العام 1957، طلبت دار نشر ماكميلان من وايت أن يراجع كتاب سترانك المدرسي عن الأسلوب ويعده للقارئ العام بجانب طلاب الجامعات. يمكن اعتبار كتاب هنري واطسن فاولر، معجم اللغة الإنجليزية في استخدامها الحديث (1926)، مكافئًا لهذا العمل في بريطانيا، حيث تبدو علاقة الناس بالإنجليزية أكثر تكلفًا.
كان مبادئ الأسلوب في صورته الأولى وقبل طباعته للجمهور مختصرًا من 43 صفحة يشدد على أهمية «الوضوح والدقة والإيجاز في استخدام اللغة الإنجليزية» بتعبير وايت، لكنه أصبح بعد نصف قرن «جوهرة لم تكد تُمسّ»، فقد احتفظ الكتاب بتماسكه لدرجة أن لم يتطلب أي تعديل ذي بال، وظلت مادته الأساسية نفسها: «سبع قواعد للاستعمال و11 قاعدة للكتابة، كان هذا جوهر ومجمل ما أنجزه الأستاذ سترانك».
أضاف وايت فصلًا واحدًا من تأليفه سماه «عن الكتابة» جعله عن تأليف النثر الإنجليزي، وهذا كل شيء. أصبح كتاب «سترانك ووايت»، بحسب اسم شهرته بعد ذلك كواحد من أكثر الكتب الإنجليزية تأثيرًا، مستعدًا كي يحتل موقعه في مقدمة الصفوف الزاحفة لإنقاذ اللغة من الفساد، يشن الحرب على إرهاب الرطانة والإطناب واللحن، كل هذا بأن رفع لافتة تحمل عنوانًا بسيطًا: «تخلص من الكلمات الزائدة».
كتب وايت في النيويوركر عام 1957 متأملًا في عمله أنه يتذكر سنين دراسته حين جلس «في محاضرة سترانك، وقد حذف الأستاذ العديد والعديد من الكلمات الزائدة، وحذفهم بحسم وحماس وتلذذ واضح حتى انتهى به الأمر كأنه أفرط في توفير الوقت فأصبح واقفًا لا يعرف كيف يشغله، كنبي على الراديو تمكن من سبق الزمن. استطاع سترانك محايلة هذه اللعنة بخدعة بسيطة: كان يكرر كل جملة ثلاث مرات».
أو كما قال لويس كارول: «كل ما أقوله ثلاث مرات حقيقي». يحتشد مبادئ الأسلوب بالكثير من الحقائق بشأن استخدام الإنجليزية الحديثة، حقائق تسربت إلى الوعي الأدبي لأجيال من الصحافيين والكتاب. وحتى إن كانت بعض نصائح سترانك ليست محترمة اليوم إلا في الولايات المتحدة بالأساس، فإن عرضه لطبيعة وجماليات الإيجاز يظل شاعريًا في كل زمان ومكان: «الكتابة العفيّة موجزة. لا يجب أن تضم الجملة أي كلمة فائضة، ولا الفقرة أي جملة فائضة، كما لا يجب أن تضم الرسمة أي خط فائض ولا الآلة أي قطعة فائضة. ليس القصد أن يلتزم الكاتب جملًا قصيرة أو يتجنب كل تفصيل مكتفيًا بخطاطة موضوعه، وإنما القصد أن كل كلمة يجب أن تخبر بشيء».
كل من انغمس في مباهج اللغة الإنجليزية من معلمين وصحافيين وشعراء وكتاب يوميات وحتى هواة الشخبطة يعرفون أن الكثير من قواعد الأسلوب ليست أكثر من تفضيلات شخصية. كان سترانك مثلًا يكره تعبيري «إكراهي» (forceful) و«حقيقة أن» (the fact that). حتى قواعد النحو المتعارف عليها يطالها التشكيك أحيانًا، ويشير الناس إلى أن شكسبير قد كسر تقريبًا كل قاعدة أقرها الكتاب.
يعترف سترانك بهذا. «أفضل الكتاب يتجاهلون قواعد البلاغة أحيانًا». لكن إرشادات الكتاب، وهي عصارة طبقات فوق طبقات من الممارسة التاريخية والتقليد، ستسهم بالتأكيد في توجيه مبتدئ يأمل لتعبيره أن يبلغ البساطة والوضوح والإيجاز. لن يعلمك الكتاب كيف تكتب، لكنه سيجعل كل ما تكتب أكثر حيوية وأسهل على الفهم وأقدر على الإقناع.
بحلول المراجعة الثانية للكتاب (نشرت المراجعة الأولى في 1972 والثانية في 1979)، كان العالم الذي كتب فيه سترانك عن المصادر المنقسمة (split infinitives) وأهمية الفاصلة (comma) «قبل أداة الوصل الممهدة لشبه جملة»، قد دفنته أمواج التعدد الثقافي ووسائل الاتصال الجماهيري وما سماه بعض الناس «المجتمع الإباحي».
في زمن التغيرات السريعة هذا ربما يبدو مبادئ الأسلوب كمتقاعد متذمر منفصل عن الواقع. وعلى الرغم من الاحترام الذي يلقاه سترانك ووايت بين صحافيي النيويورك تايمز والواشنطن بوست إلى اليوم، اختارت البوسطن جلوب مثلًا أن تسبح عكس التيار، فكتبت في 2005 أن مبادئ الأسلوب قد أصبح «زومبي عجوز ... خلطبيط عجيب من نصائح سخيفة عفى عليها الزمن، تُزاحم تابوهات السبعينيات وإرشادات الكمبيوتر التسعينياتية على مساحة في الثقافة».
لكن على الرغم من مرور الزمن وتحولات الموضة والجهد التخريبي لثورة المعلومات، يستمر بعض الناس ومن بينهم الكاتب ستيفن كينج في مقاومة رياح التغيير. يعلق كينج في دليله الممتاز للأسلوب، عن الكتابة (2000)، على كتاب سترانك ووايت بقوله إن «هذا كتاب يخلو أو يكاد من الهراء (وهذا طبيعي لأنه كتاب قصير، من 85 صفحة فقط، أقصر كثيرًا من الكتاب الحالي). وعلى كل من يطمح لأن يكون كاتبًا أن يقرأ مبادئ الأسلوب، دعني أقول هذا الآن».
كذلك نشرت الصحافية لين تروس حاشية طويلة وحماسية على الكتاب، هي كتابها الخاص والأكثر مبيعًا، يأكل ثم يطلق النار ويخرج (2003)، وهذا في بريطانيا، حيث لا يعرف كثيرون من هم وايت وسترانك، وحيث يمكن مع ذلك لعلامة ترقيم واحدة أزيحت عن موضعها أن تبدو كعلامة على نهاية الحضارة. ولا يسمح كتاب تروس بمقدار ذرة من تساهل بشأن علامات الترقيم. لقد تحولت مسائل الذوق وقواعد الكتابة إلى شجارات بالأيدي تُخاض ضد صناع الميمز وبرابرة الإنترنت المرابطين على المتاريس في حروب الثقافة المعاصرة.
كان دليل تروس للأسلوب مسليًا لكن ما أبعده عن الرزانة والاتزان اللذان ميزا كتاب الأستاذ سترانك وتلميذه النجيب، الذي ألف بالمناسبة عملًا كلاسيكيًا آخر هو شبكة شارلوت. لتكن الكلمة الأخيرة له كما كتبها في 1979: «بوقفة شامخة، واثقة وثابتة، في وجه اللفيح البارد لعصرنا، ما زلت أجد الطمأنينة في حكمة سترانك، والبهجة في فكاهته، وما زلت أرى في موقفه بشأن الصح والخطأ بركة لا مراء فيها».
فقرة مميزة
«هكذا فإن وصفًا موجزًا، أو عرضًا موجزًا لكتاب، أو تقريرًا موجزًا لواقعة، أو سردًا موجزًا يكتفي بخط حادثة أو تقديم فكرة؛ كل واحد من هؤلاء يجدر به أن يُكتب في فقرة واحدة».
* الترجمة خاصة بـ Boring Books
** يحتفظ المترجم بحقه في المساءلة الأخلاقية والقانونية إذا تمت الاستعانة بترجمته دون إذن منه