يركز العلاج السلوكي المعرفي بشكل أساسي على الأعراض، فهو موجه نحو الحاضر. العلاج السلوكي المعرفي لا يهتم بطفولتك أو بالصدمات التي مررت بها، ولا يهتم بتحليل معاني الأعراض المحتملة، إنه فقط يهتم بالأعراض

العلاج بالكلام: التحليل النفسي وأشكال أخرى من العلاجات النفسية

مقال لين مالكولم

نشر في موقع ABC

* لين مالكولم صحافية علمية أسترالية.

ترجمة: إسلام حسين


«كلنا كائنات اليوم. المُتذكِر والمُتذكَر على حد سواء. كل شيء سريع الزوال، كل من الذاكرة وغاية الذاكرة ذاتها. يأتي هذا الوقت عندما تنسى كل شيء؛ وعندما ينساك الجميع تجد إنك قد امتلكت كل الوقت. فكر دائمًا في أنك قريبًا لن تكون شخصًا ولا مكانًا».
    — ماركوس أوريليوس، كتاب التأملات

المعالج النفسي الأمريكي إرفين يالوم لديه مسيرة طويلة ومتميزة في الطب النفسي ويمارس ما يعرف بالعلاج النفسي الوجودي. إلى جانب فلاسفة مثل جون بول سارتر وألبير كامو، يعتقد أن جميع البشر لديهم خوف فطري من الموت، وأن التعامل مع هذا الخوف من خلال العلاج يمكن أن يؤدي إلى حياة أكثر سعادة وأصالة.

يقول يالوم: «كل كابوس هو بالطبع خوف من الموت، ولكنه يساعدك في التغلب على مخاوفك».

«أعتقد أن أحد الأشياء التي تحدث [في الجلسات العلاجية] يبدأ الناس في تعلم أنه حتى عندما يواجهون الموت، حتى في النهاية المطاف، لا يزال لديهم شيء ما يمكنهم تقديمه، وهو مواجهة الموت بنوع معين من الشرف والشجاعة وتقديم نموذج لأبنائهم ومن حولهم حول كيفية مواجهة الموت. يمكنه أن يضفي على الموت معنى حتى النهاية».

في كتابه «مخلوقات يوم»، يروي يالوم قصصًا جذابة عن الجلسات مع المرضى وهم يتصارعون مع تحديات الحياة والموت. على مدار سنوات عمله عمل عن كثب مع العديد من المرضى المصابين بأمراض مميتة، ويعتقد أن توقع النهايات قد يشجعنا على إدراك الحاضر بمزيد من النضج.

«عندما كنت أعمل مع مجموعات من المرضى المصابين بالسرطان، سمعت أكثر من شخص واحد يقول: ‹من المؤسف أنه كان علينا الانتظار حتى الآن، حتى يتفشى السرطان فينا، لنتعلم كيف نعيش›. كنت أريد إدخال فكرة الموت مبكرًا إلى حياة الناس لأنها قد تغير طريقة حياتهم، وتجعلهم يعيشون بدرجة أعلى من الأصالة والصدق والعطاء».

منهج يالوم في العلاج النفسي للمرضى الميؤوس من شفائهم هو أن يقدم لهم شيئًا يعتقد أنه لا يقدر بثمن: الوجود الحاضر.

يقول يالوم: «الكثير من الأشخاص الذين يتعاملون مع مرض قاتل معزولون تمامًا لأن الآخرين لا يعرفون بالضبط ماذا يقولون لهم، وهم أنفسهم لا يريدون التحدث عن مشاعرهم السيئة للغاية للأصدقاء والعائلات خوفًا من أن تجرهم المشاعر إلى أسفل، لذلك يحدث نوع من العزلة في الاتجاهين، لكنني أتجنب ذلك حقًا عندما أعمل مع المرضى.

«تعجبني الطريقة التي بدأت بها [الطبيبة النفسية إليزابيث] أثناء مقابلتها مع كوبلر روس مع المرضى المنهكين في مراحلهم الأخيرة. كانت تبدأ دائمًا بالقول: ‹أخبرني ، ما مدى مرضك؟› هذه طريقة للتعبير بشكل ضمني للمريض أنك على استعداد للذهاب معه إلى أي مستوى شعوري يمكن أن يصل إليه، سأبقى مع المرضى هناك بعمق قدر استطاعتي».

يعتقد يالوم أن قيمة المعالج في المستوى الأساسي هي العلاقة الشخصية بين المعالج والمريض، مع الحفاظ على حدود معينة بين المعالج والمريض.

يقول: «الصدق وصحة تلك العلاقة هي الجوهر المطلق لما يمكن أن يغير الناس في العلاج النفسي، ليست التأويلات أو التفسيرات التي نقدمها، بل في الواقع شيء يتعلق بلحظة مشتركة مكثفة مع المعالج. حتى المحللين النفسيين الذين أدركوا منذ فترة طويلة بأن التأويلات كانت كل شيء قد تغيروا منذ ذلك الحين. نحن بحاجة إلى شيء أكثر من التأويل، وهي تلك اللحظة العميقة المشتركة بين المريض والمعالج ».

سيجموند فرويد هو مؤسس التحليل النفسي كوسيلة لعلاج الأمراض العقلية، وحتى هذه اللحظة لا يزال التحليل النفسي متميزًا عن الأنواع الأخرى من العلاج النفسي.

توضح الأستاذة بجامعة سيدني ديانا كيني أن «التحليل النفسي هو شكل من أشكال التدخل العلاجي الذي يحتوي على عدد من المفاهيم؛ الأول هو أنهم يعملون من خلال ما يسمى التحويل، ووسيلة التغيير هي العلاقة مع المحلل النفسي، وهذا عنصر مركزي للغاية في التحليل النفسي.

«في العلاج النفسي، بعض الأُسس التي يستند إليها التحليل النفسي تتشابه، لكنها أقل حدة. في التحليل النفسي يذهب الناس عادة أربع أو خمس مرات في الأسبوع لفترة ممتدة».

هذا يعني أن العلاج النفسي يكلف أكثر بكثير من العلاجات الأخرى للأمراض العقلية، فهل يمكن لأي شخص تحمُل هذه الكلفة؟

تقول الأستاذة كيني: «الإجابة المختصرة هي لا، باستثناء الأشخاص الأثرياء جدًا أو الأشخاص المحظوظين للغاية للعيش في مجتمع مثل أستراليا حيث يغطي برنامج التأمين الصحي (Medicare) جزءًا من تكلفة هذا العلاج».

«لكن أحد التطورات الناتجة عن التحليل النفسي هو بناء أنماط أقصر بكثير من التحليل النفسي، فقد تم تطويرها باستخدام نفس الإطار النظري، لكنها وفرت علاجات أقصر بكثير حتى للأشخاص الذين يعانون من أمراض نفسية شديدة».

«أحد أشكال ذلك يسمى العلاج النفسي الديناميكي المكثف قصير المدى. في هذا الشكل من العلاج، يكون المعالج أكثر نشاطًا وتوجيهًا في العلاج من المحلل النفسي. لقد بدؤوا في الإبلاغ عن نتائج جيدة بشكل معقول بين 12 و40 جلسة. بالنسبة للأشخاص الذين يعانون من اضطراب شديد، ما زلت بحاجة إلى حوالي 150 إلى 200 جلسة، وهذا أقل من خمس أو 10 سنوات من التحليل النفسي المكثف».

الأشخاص الذين يعملون في هذه الأنماط الحديثة من العلاج النفسي مدربون تدريبًا عاليًا، لكنهم لا يتلقون التدريب المكثف طويل الأمد الذي يخضع له المحللون النفسيون.

من جانبه، يقر يالوم بأن مجال العلاج في تطور، وأن العقاقير الدوائية لديها الكثير لتقدمه للأشخاص الذين يعانون من أمراض عقلية حادة مثل الذهان أو الاكتئاب الشديد، على الرغم من أنه يعتقد أنه سيكون هناك دائمًا مكان للمعالجة النفسية.

«على سبيل المثال بالنسبة للمرضى الذين يستشيرونني وأولئك الذين لديهم مشاكل في الحياة، ومشاكل في تعلم كيفية التواصل مع الآخرين، ومشاكل في تعلم كيفية الحب، لا أعتقد أن هذه الأدوية هنا ستكون الحل. أعتقد أنه ستكون هناك دائمًا حاجة إلى نوع العلاج النفسي، وذلك الفهم الذي يمكننا تقديمه».

العلاج السلوكي المعرفي هو علاج آخر يستخدم الآن على نطاق واسع للأشخاص الذين يعانون من مشاكل صحية عقلية، وهو  أقل كثافة واستهلاكًا للوقت من التحليل النفسي، وهناك أدلة على أنه يمكن أن يكون علاجًا فعالًا لمجموعة متنوعة من الحالات.

تقول البروفيسور ديانا كيني: «يركز العلاج السلوكي المعرفي بشكل أساسي على الأعراض، فهو موجه نحو الحاضر. العلاج السلوكي المعرفي لا يهتم بطفولتك أو بالصدمات التي مررت بها، ولا يهتم بتحليل معاني الأعراض المحتملة، إنه فقط يهتم بالأعراض».

ومع ذلك، تعتقد البروفيسور كيني أن فوائد العلاج السلوكي المعرفي قد تم المبالغة فيها لأن العديد من التجارب بالعيادات قد أظهرت فعاليتها فقط بتجنب الأشخاص الذين يعانون من صعوبات في الشخصية أو المصابون بأنواع من الفوبيا تعكس أمراضًا نفسية ضمنية.

تقترح ديانا إنه إذا ما لم يتم معالجة هذه المشكلات، فإن الكثير من العلاجات باستخدام العلاج السلوكي المعرفي ستكون مؤقتة. وتوضح أنه يوجد فرق آخر بين العلاج المعرفي السلوكي وأشكال العلاج النفسي الأخرى، وهو أن العلاج السلوكي المعرفي لا يهتم حقًا بالتعابير العاطفية. تقول: «إن العلاج المعرفي السلوكي يهتم بطريقة تفكير الناس وأنماط تفكيرهم الخاطئة، ويهتم بالسلوك الفعلي، فهذه هي الأعراض الظاهرة. هذا لا يعني أن العلاج السلوكي المعرفي ليس علاجًا فعالًا ومفيدًا، ولكن علينا أن نطابق الأشخاص مع العلاجات المناسبة، وهذا يحتاج إلى تقييم دقيق».

«بحسب فهمنا ومعرفتنا الحالية فأي شكل من أشكال العلاج النفسي يمارسه ممارس مؤهل ومدرب هو أكثر فعالية من عدم القيام بأي شيء، لكن فيما يتعلق بمقارنة الطرق المختلفة مع بعضها البعض، فما زال الأمر محلًا للنقاش».

من ناحية يالوم فهو الآن في الثمانينيات من عمره ويشعر أنه تعلم الكثير عن الحياة من مرضاه، خاصة بالنظر إلى الأهمية التي يوليها تحديدا لاقتراب البشر من الموت. يقول: «أجد في الواقع أن هذه المراحل المتأخرة من الحياة هي في الواقع قد تكون أفضل الأوقات في حياتي، السبعينيات والثمانينيات من عمري ربما تكون أفضل عقودي، أشعر أنني غير مقود بدوافع من خارجي، وأشعر بحكمة أكبر».

ثم يستشهد بالفيلسوف شوبنهاور الذي قارن شهوة الشباب بالشمس: «عندما تغيب الشمس، يتم محو كل شيء في السماء بطريقة ما، وعندما تصبح الشمس باهتة وخافتة ويأتي الليل، فجأة تواجه عجائب السماء؛ يمكنك أن ترى كل السماء المرصعة بالنجوم التي لم ترها من قبل، لذا فهذه طريقة للقول إنه عندما تنطفئ شمس الدوافع، فربما نرى أشياء رائعة في العالم».


  • الترجمة خاصة بـ Boring Books
  • يحتفظ المترجم بحقه في المساءلة الأخلاقية والقانونية إذا تمت الاستعانة بترجمته دون إذن منه