اختار الصحفي والناقد الإنجليزي روبرت مَكروم قائمتين لأفضل مائة عمل سردي وأفضل مائة عمل غير سردي باللغة الإنجليزية، وكتب مقالًا يخص كل عمل منهم. نترجم في هذه السلسلة بعض هذه المقالات.

عوليس لجيمس جويس (1922)

مقال لروبرت مكروم

نُشر بموقع الجارديان 4 أغسطس 2014

ترجمة: كريم عبد الخالق

الترجمة خاصة بـ Boring Books

يحتفظ المترجم بحقه في المساءلة الأخلاقية والقانونية إذا تمت الاستعانة بترجمته دون إذن منه


جويس، عن literary hub

كانت 1922 واحدة من السنوات الاستثنائية في تاريخ الأدب الإنجليزي. فقد برز وقتها تيار الحداثة، وبعدها لم يعد أي شيء كما كان. نُشرت الأرض الخراب لت. س. إليوت، أول مرة في مجلة ثم ككتاب قرب نهاية العام. في ذلك الوقت كان جيمس جويس قد رأى روايته عوليس التي تقارب ال 265000 كلمة، في طبعة خاصة نشرتها سيلفيا بيتش المالكة الخيرة لمكتبة «شكسبير آند كمباني» في باريس، بعد مرحلة متقلبة حُكم فيها على الرواية بالبذاءة وكادت تُلقى في غياهب النسيان.

لكن جويس كان مبدعًا عنيدًا. قبل ذلك، في روايته «صورة الفنان في شبابه» والتي تعتبر سيرة ذاتية له، قدم إعلانًا لا ينسى عن نيته الفنية. كان جوابه لتحديات القرن العشرين هو أن نُعلن الاستقلال. فقد كتب: «لن أخدم بعد الآن ما لا أؤمن به، حتى لو كان ما يطلقون عليه البيت، أو الوطن، أو الكنيسة. وسوف أحاول أن أعبر عن نفسي في شكل من الحياة أو الفن بالقدر الممكن من الحرية والقدر الممكن من الكلية، مستخدمًا في الدفاع عن نفسي الأذرع الوحيدة المسموح لي باستخدامها: الصمت، والمنفى، والدهاء».

اليوم، بعد مرور مئة عام على كتابة «عوليس»، يكتب الروائيون تحت ظلال هذا الإنجاز الاستثنائي. ومن حين لآخر نسمع أن أدب اللغة الإنجليزية منذ عام 1922 أصبح مجموعة من الحواشي لرائعة جويس.

بدأت عوليس كفصل محذوف من مجموعة جويس الأولى «ناس من دبلن» (1914) وبرغم حجمها الكبير تحتفظ الرواية بالحميمية الشرسة التي تتسم بها القصص القصيرة العظيمة. الحدث في الرواية، كما هو معروف، يدور في يوم واحد، 16 يونيو 1904، وهو بالصدفة يوم النزهة الأولى بين جويس ونورا بارناكل، التي ستصبح فيما بعد زوجته. في «يوم بلوم» يتتبع القارئ ستيفن ديدالوس (بطل رواية صورة الفنان في شبابه)، ليوبولد بلوم، وهو وكيل إعلانات نصف يهودي، وزوجته مولي.

علاقة الرواية بالأوديسة واضحة (بلوم هو أوديسيوس، ستيفن يوازي تليماخوس، ومولي هي بينيلوبي) والفصول توافق بشدة حلقات هوميروس («كاليبسو»، «نوزيكا»، «ثيران الشمس» إلخ) جويس نفسه أعلن تقديره للكتاب الذي ألهمه رائعته. فقد قال عام 1917 إن ثيمة الأوديسة كانت بالنسبة له، وقت كتابة الرواية، هي الأفضل والأشمل. أعظم، وأكثر إنسانية من هاملت، ودون كيخوته، ودانتي، وفاوست.

عُرف عن عوليس أنها رواية «صعبة»، لكنها في الحقيقة ليست كذلك. فلعب جويس بالألفاظ، منافسًا بذلك شكسبير، متفوقًا على مفرداته المكتظة، هو في الواقع لعب بألفاظ مُسكِرة وأيرلندية للغاية. واحدة من أفضل الطرق للاستمتاع بالرواية هي الاستماع إليها ككتاب صوتي. كما يقول ستيفن ديدالوس: «كل حياة هي بضعة أيام، يوم بعد يوم. نمر من خلال أنفسنا، نقابل لصوصًا، أشباحًا، عمالقة، عجائز، شبابًا، زوجات، أرامل، أصدقاء. لكن دائمًا نقابل أنفسنا».

ملاحظة عن النص

تاريخ عوليس، التي نشرت أول مرة في 2 فبراير 1922، تاريخ معقد مثل الرواية تمامًا، وما سأقوله الآن هو تبسيط ضروري لمعضلة تحريرية. لقد أشرت مثلًا إلى طبعة عام 1922 التي نشرتها سيلفيا بيتش، وهي طبعة امتلكتها لأعوام. أما بالنسبة لدارسي جويس، هذا يشبه العمل على مسرحية لشكسبير من المسودة الأولى. بحسابات بسيطة سنعرف أن يوجد على الأقل 18 طبعة منفصلة من عوليس.

لكن كل شيء قد بدأ ببساطة حوالي عام 1907. أخبر جويس جورج بوراش، أحد طلابه في مادة اللغة: «حين كنت أكتب ناس من دبلن، تمنيت في البداية لو اخترت عنوان (عوليس في دبلن)، لكني تخليت عن الفكرة. في روما، بعد أن أنهيت نصف الصورة (الفنان في شبابه)، أدركت أن الأوديسة يجب أن تكون الجزء الثاني، وبدأت كتابة عوليس».

كان الظهور الأول لبعض صفحات هذه الرواية البديعة قد حدث عام 1918، في مجلة «ذا ليتل ريفيو»، والتي كان محررها الأجنبي وقتها هو عزرا بوند. من البداية واجه النص صعوبات وصراعات مع السلطة بحجة نشر الفحش. بحلول عام 1920 كانت هذه السلسلة قد انتهت، ولم تعد المجلة تنشر حلقات مسلسلة. قابل جويس وقتها، حين كان يعيش في باريس، سيلفيا بيتش، مالكة مكتبة «شكسبير آند كمباني». وعرضت عليه بيتش أن تنشر الرواية سرًا، لتفادي الرقابة.

هنا تبدأ المرحلة الثانية والفوضوية لوصول عوليس إلى النشر الكامل والنهائي. بالنسبة لجويس كانت روايته في حالة تطور دائم؛ لم يكن يستطيع ترك المخطوطة مطلقًا. كل دليل يظهر ضد الرواية كان بمثابة دعوة لمراجعة أخرى. المسودة الحالية للرواية كانت دائمًا نسخة من أفكار جويس المتجددة. لهذا كان هناك العديد من الأخطاء المطبعية يرجع الكثير منها إلى جهل الكتبة الفرنسيين بقواعد اللغة الإنجليزية، فما بالك بالإنجليزية الجويسية المُلمِحة متعددة المقاطع.

بعد طبعة «شكسبير آند كمباني»، نشرت هاريت ويفر صاحبة مطابع ذا إيجوست «طبعة إنجليزية» عام 1922. ويعتبر البعض هذه الطبعة هي الطبعة الرئيسية (والتي تعتمدها مطابع جامعة أوكسفورد حاليًا). لكن في 1922 مُنعَت الرواية مما جعلها متداولة سرًا. في 1933 تقدمت مطابع «راندوم هاوس» بطلب للمحكمة الأمريكية لإسقاط المنع، وطبعت أول طبعة أمريكية في يناير 1934. تبع ذلك، بعد مرور أجيال، في الستينيات، طبعات أخرى من «بينجوين بوكس»، و«ذا بودلي هيد» و«راندوم هاوس» في أمريكا. بالنسبة للدارسين وبعض النقاد، ظل نَص عوليس «محرفًا» بسبب المراحل المتقلبة أثناء نشر الرواية. وتم الاتفاق على وضع طبعة كاملة ومنقحة تبين نيات جويس الأساسية. لكن كيف نحقق ذلك؟ لم تكن الإجابة واضحة، والتي ربما كانت أمنية جويس غير المقصودة من البداية.

أخيرًا، مع نهاية السبعينيات بدأ ناقد ومحاضر ألماني يدعى هانز فالتر جابلر بإعداد طبعة منقحة نشرت في النهاية عام 1984. لاقت هذه الطبعة في البداية ترحيبًا، ثم شكوكًا، ثم في النهاية موجة غاضبة. صار الانقسام الواضح بين النظرية الإنجليزية والألمانية، وحالة الاهتمام بكل «النسخ» (سواء طبعة 1922 أو مسودات جويس الفوضوية والناقصة) مادة للمناظرات الشرسة بين جابلر وعدوه جون كيد. كانت ذروة هذه الأزمة في يونيو 1988 مع مقال كيد في مجلة «ذا نيويورك ريفيو أوف بوكس» بعنوان «فضيحة عوليس».

منذ ذلك الحين هدأ الصراع بالتدريج، مع شبه إجماع على شمولية نص جابلر، مع الأخذ في الاعتبار أنها تحتوي أيضًا على بعض التناقضات. اليوم تعتبر طبعة 1922 التي كانت ذات توابع تاريخية، أقصر طريق إلى نيات المؤلف، برغم وجود بعض الأخطاء المطبعية الجويسية.

ثلاث كتب أخرى من جيمس جويس

ناس من دبلن (1914)؛ صورة الفنان في شبابه (1916)؛ يقظة فينيجان (1939).