اختار الصحفي والناقد الإنجليزي روبرت مَكروم قائمتين لأفضل مائة عمل سردي وأفضل مائة عمل غير سردي باللغة الإنجليزية، وكتب مقالًا يخص كل عمل منهم. نترجم في هذه السلسلة بعض هذه المقالات.

الصقر المالطي لداشيل هاميت (1929)

مقال لروبرت مكروم

ترجمة: رولا عادل رشوان

نُشر في الجارديان، سبتمبر 2014

الترجمة خاصة بـ Boring Books

تحتفظ المترجمة بحقها في المساءلة الأخلاقية والقانونية إذا تمت الاستعانة بترجمتها دون إذن منها


همفري بوجارت في دور سام سبايد، الصقر المالطي 1942

عن هاميت، قال «ريموند تشاندلر»، الذي ستأتي سيرته لاحقًا في هذه السلسلة، «هاميت مؤلف لا بأس به. أمنحه كل تقدير واجب. هناك العديد من الأمور التي يعجز هاميت عن إتيانها، لكنه أعجز في كل ما أمكنه فعله»، وأضاف في ملخص يمكننا من خلاله أن نعرّف إنجازات هاميت في مجاله: «كان شحيحًا، مقتصدًا في إبراز كل ما يملك من موهبة، لكنه استطاع أن يقدم ما قد يعجز عن تقديمه حتى أفضل الكتاب. كتب (هاميت) مشاهد بدت فريدة لم يكتب مثلها من قبل. منح هاميت شخوصه لغة مميزة، ودوافع مقنعة تحت تصنيف أدبي صار في زمانه نمطيًا، ومترهلًا وذا محتوى ضعيف خال من التعقيدات».

«الصقر المالطي» هي رواية «هاميت» التي تخطت صنفها الأدبي وتحوّلت إلى عمل أدبي رفيع. تقدّم الرواية «سام سبايد» المحقق الخاص الذي حاز اهتمام أجيال من القرّاء، ومهّد الطريق بعدها لظهور «فيليب مارلو»[1]. اعترفت «دوروثي باركر» ذاتها، والتي لم تعبر أبدًا عن تأثرها بسهولة، أنها «صُعقت إعجابًا بالرواية»، بدرجة لم تخبرها من قبل في الأدب «منذ أن تعرّفت إلى سير لانسلوت»، وقد زعمت أنها قد قرأت رواية الصقر ما يقارب الثلاثين أو الأربعين مرة.

ما سر جاذبية هاميت؟ لم يكن هاميت أول من ابتكر شخصية المحقق صعب المراس، غير أنّه أضاف إليها مميّزات خاصة يتعرّف إليها قارئه: الشخصية المنعزلة، ذات العيون الضيقة، ذاك الذي يقحم نفسه ببرود تام في طريق المخاطر بدافع من تصميم عنيد على إصلاح المشاكل وتحقيق العدالة. خصال هامة تساهم في نجاح أي شخصية رئيسية عظيمة. لا يتعامل سبايد مع الواقع بشخصية ساخرة وإنما شغوفة، على الرغم من أن نجاحه لا يخلو دائمًا من لمحة من الخسارة والفشل. تسرّب ذلك النمط إلى أعمال العديد من الكتّاب في ذلك التصنيف الأدبي من تشاندلر إلى لو كاري وحتى سارة باريتسكي. كما هاميت ذاته، يتميز سبايد بكونه ذا شخصية حيوية، قوية جسديًا ومحبة للنساء. كما أنه يتشارك وهاميت في العديد من السمات الشخصية والتاريخ المهني. من الغريب، أن سبايد لم يظهر إلا في فيلم طويل واحد، على الرغم من وعي هاميت واهتمامه الأصيل بالصناعة وسوق السينما.

 تخضع النسوة الثلاث، بطلات «الصقر المالطي»، خاصة «بريجيد أوشونسي» لجاذبية سبايد الجنسية. لكنه، وفي النهاية يُخضع رغباته منتصرًا للصالح العام. لهذا يقوم بتسليم «بريجيد»، القاتلة، إلى الشرطة. «لن تفهميني أبدًا» يقول لها سبايد في النهاية، جملة تبدو كتصريح وجودي يعرّف معني العلاقة بين الرجال والنساء.

يقول تشاندلر إن هاميت قد أخرج جرائم القتل من غرف الرسم وأعادها، حيث تنتمي، إلى الأزقّة، مضيفًا: «تجري الحكاية عبر هذه الأزقة الوضيعة التي على المرء أن يسير فيها دون حاجة لأن يكون هو ذاته وضيعًا، ملوّثًا أو خائفًا». كما «ويكي كولينز» و«آرثر كونان دويل» (الآتي الحديث عنهم في القائمة تحت أرقام 19 و26)، كان هاميت مبتكرًا أصيلًا، وصنع نموذجًا أدبيًا مؤثرًا منحه مكانة كلاسيكية خالدة.

ملاحظة على النص

 نُشرت رواية «الصقر المالطي» في الأصل مسلسلة بداية من شهر سبتمبر 1929، في مجلة «بلاك ماسك»، إحدى مجلّات اللب[2]  التي أنشأها الصحافي هنري لويس منكن. طبعت بعدها في كتاب من إصدار دار ألفريد إيه نوف في فبراير من العام 1930. من جانبها، حاولت بلانش نوف، محررة كتاب هاميت، أن تقلل من حدة الإشارات الجنسية الصريحة الصادرة في نسخة المجلة (كانت تخشى أن ينفر القراء من العبارات التي تخبر عن حقيقة شخصية جويل كايرو مثلية الجنس) لكن هاميت انتصر لرؤيته.

اقتبست  القصة مرات عديدة في أفلام سينمائية، وتُعد النسخة من إنتاج عام 1942، بطولة هامفري بوجارت، ماري أستور، بيتر لوري، وسيدني جرينستريت، واحدة من كلاسيكيات البلاك نوار.

تأتي الشهادة الأخيرة على لسان ريموند تشاندلر، الذي يدين بالكثير لهاميت وأدبه.

قال تشاندلر عن «الصقر المالطي»: «إن كان بإمكانك أن ترشّح لي عشرين كتابًا قد كتبوا قبل عشرين عامًا تقريبًا، شريطة أن تنطق فحواهم بهذا القدر من الحياة والجرأة حتى الآن، سألتهِم كل صفحة فيهم بين قضمات متقطعة من رأس (إدموند ويلسون)[3]. حتى بعد مرور ما يقارب المائة عام، ما يزال ورثة هاميت المزيفون يعيرون بتلك «الحياة النابضة والجرأة» في تراثه النثري.


[1] شخصية خيالية لمحقق ابتدعها "ريموند تشاندلر" بإيحاء من شخصية "سام سبايد"، وظهرت في بعض أعماله تشاندلر الروائية مثل "الوداع الطويل" "Long goodbye"

[2] مجلات زهيدة الثمن كانت تصدر في بداية الخمسينات من القرن الماضي، وتركز على نشر القصص المثيرة، وتطبع على ورق سيء الخامة وخشن، وهو ورق لب الخشب ومن هنا جاءت التسمية

[3] صحفي وشاعر وكاتب مسرحي وناقد، لم يحمل لكتابات هاميت أي تقدير، أو يؤمن بأي من قدراته الأدبية