قائمة مكروم | الحرف القرمزي لناثانيال هاوثورن (1850)

اختار الصحفي والناقد الإنجليزي روبرت مَكروم قائمتين لأفضل مائة عمل سردي وأفضل مائة عمل غير سردي باللغة الإنجليزية، وكتب مقالًا يخص كل عمل منهم. نترجم في هذه السلسلة بعض هذه المقالات.

الحرف القرمزي لناثانيال هاوثورن (1850)

مقال روبرت مكروم

ترجمة: عالية عادل

نُشر بموقع الجارديان، 6 يناير 2014

جرت هذه الترجمة ضمن أعمال مختبر الترجمة بمعهد القاهرة للعلوم والآداب الحرة بالإسكندرية (سيلاس الإسكندرية) – 2020

الترجمة خاصة بـ Boring Books وسيلاس الإسكندرية

تحتفظ المترجمة بحقها في المساءلة الأخلاقية والقانونية إذا تمت الاستعانة بترجمتها دون إذن منها


عن الفيلم المنتج عام 1995 والمقتبس عن الرواية

عندما وصف ناثانيال هاوثورن كتابه بأنه «رواية عن ضعف الإنسان وشعوره بالأسى»،  أصر على  أن «الحرف القرمزي ليست ملحمة نثرية بل رواية رومانسية» وكان إبراز هذا الاختلاف مهمًا بالنسبةِ له، فبينما يكون مبتغى الملحمة النثرية الإخلاص اللحظي ليس لما هو محتمل فحسب، لكن للمسار المتوقع والمألوف لحياة المرء، تعبر الرواية الرومانسية عن خفايا القلب البشري. باختصار، يكمن هنا النموذج الأولي للرواية النفسية التي تعتبر مثالًا رائدًا عبقريًا لظهور نوع جديد من الأدب القصصي في القرن التاسع عشر.

تتميز رواية هاوثورن بشدة بساطتها، وتبدأ أحداثها في القرن السابع عشر ببلدة بوسطن حيث توصم علنًا امرأة شابة، تدعى هيستر پرين، لارتكابها الزنا وإنجاب طفلة غير شرعية تدعى پيرل، وبالرغم من إجبارها على ارتداء شارة تحمل حرف «ز» قرمزي اللون، تُكفر هيستر عن أفعالها تدريجيًا في أعين المجتمع البروتستانتي البيوريتاني. تواجه هيستر على مدى سنوات عديدة الرجلين المتواجدين بحياتها -زوجها وعشيقها- بالحقيقة القاتمة بشأن مسؤولياتهما العاطفية وإخفاقاتهما، في الوقت ذاته الذي تتصارع فيه مع نفسها الآثمة، وبعد سبع سنوات من الإصلاح المؤلم لوضعها، تخرج هيستر من هذه التجربة وقد أصبحت امرأة قوية، ملهمة، بينما يموت خزيًا القس آرثر ديميسديل الذي أغواها. تلحق به هيستر في النهاية وتُدفن بالقرب منه تحت شاهد قبر يحمل حرف «ز».

لا يُوفي ملخص هزيل كذاك حق هذا العمل الإبداعي الاستثنائي، الذي توقد صفحاته بساطة نصه ووضوح رؤيته الأشبه بالسينمائية في نقائها، فالحرف القرمزي رواية مذهلة زاخرة بالرمزية الشديدة، تُماثل في غرابتها وصعوبة نسيانها أيًا من أعمال الكاتب الأمريكي إدجار آلان بو (صاحب الرواية رقم 10 في هذه السلسلة) الذي نعلم أن هاوثورن كان يقدره إلى حد كبير.

إن تدابير اكتساب هيستر پرين للوعي بذاتها، والاعتراف بخطيئتها، وأخيرًا إعادة تأهيلها تتسم بكونها استثنائية تمامًا وأحيانًا ذات تأثير عميق من خلال سلسلة من الأحداث الآسرة التي يتخللها لحظات من المواجهة مع ديميسديل. يتفهم هاوثورن العلاقات العاطفية المتبادلة بين الجنسين بشكل عميق ومعاصر أيضًا، كما أن إدراكه للثمن المدفوع لقاء فقدان من نحب مثير للاهتمام حيث نستطيع إيجاد خواطر هيستر بشأن علاقتها بديميسديل («كانا يعرفان بعضهما قلبًا وقالبًا! أهذا هو نفس الشخص؟ بالكاد تعرفه الآن») في العديد من الروايات الحديثة.

تكمن أكثر سمات «الحرف القرمزي» تميزًا وأصالة في اللوحة التي رسمها هاوثورن لهيستر پرين التي وصُفت بأنها «أول بطلة حقيقية للأدب القصصي الأمريكي» فتجربتها كامرأة تستحضر إلى الأذهان ذلك المصير الإنجيلي لحواء. تمكن هاوثورن من جعل آلام هيستر نبيلة الهدف وتحديها للسلطة المأساوي وضعفها ملهمين لتصبح بذلك النموذج الأول للمرأة الأمريكية ذات الفكر الحر التي تتصارع مع ذاتها وهويتها الجنسية وسط مجتمع أبوي بارد.

يوجد في «الحرف القرمزي» أيضًا ما يرمز للمجتمع الأمريكي المكون من المستوطنين الجدد، وهو الإيمان بحق كل إنسان من الأفراد الذين يخضعون للرقابة الديمقراطية القاسية في استعادة مكانته في نهاية المطاف إذا كان هو/هي جديرًا بذلك، فهيستر پرين ليست مجرد أم لطفلة لكنها أيضًا المرأة المنبوذة التي سيُرحب بعودتها إلى الحياة الأمريكية في النهاية بعد أن تطهرت من خطيئتها. لم يسع قراء «الحرف القرمزي» إلا ملاحظة صدى رواية هاوثورن (الرومانسية) خلال تلك الدراما السياسية الغريبة المتعلقة بفضيحة مونيكا لوينسكي في التسعينيات على سبيل المثال.

تصادف أن هاوثورن لم يكن الوحيد في زمنه الذي يرغب في استكشاف بواطن النفسية الأمريكية من خلال الأدب (أدب الرواية)، ففي صيف عام 1850، بعد نجاح إصدار رواية «الحرف القرمزي»، قابل هاوثورن المؤلف الأمريكي الشاب هيرمان ميلڤيل الذي كان قد بدأ مشواره لتوه، وكان هو الآخر يتصارع مع تأملاته المظلمة بشأن أمريكا في الكتاب القادم (رقم 17) في هذه السلسة وهو موبي ديك.

ملحوظة بشأن الرواية

نُشرت رواية الحرف القرمزي في ربيع عام 1850 بمدينة بوسطن عبر دار نشر «تيكنور وفيلدز»، وأوضح هاوثورن عند تسليمه للنص المكتوب في شهر فبراير من نفس العام أن «بعض أجزاء الكتاب اتسمت بالقوة» لكنه أضاف بحذر أنه قد لا يلقى إعجاب القراء على الرغم من ترقبه سرًا عكس ذلك. أخبر صديقًا له بعد ليلة الثالث من فبراير لسنة 1859 أنه عندما قرأ لزوجته الجزء الأخير من الرواية في تلك الليلة «انفطر فؤادها ... وهو ما اعتبره نجاحًا باهرًا». تابع كلامه قائلًا «قد أراهن على ما يسميه لاعبي البولينج ب(سترايك-10)». كافح هاوثورن طوال ما يقارب 25 سنة دون تقدير فكان من الواضح أنه في انتظار نجاح ما.

في الواقع، بات الكتاب  الأكثر مبيعًا على الفور، وهو مصطلح لم يكن يُستخدم بعد وأصبحت رواية «الحرف القرمزي» من أوائل الروايات التي طُبعت بكميات ضخمة في أمريكا، فقد تم بيع 2500 نسخة من الطبعة الأولى الآلية خلال عشرة أيام، لكن بالرغم من تلك البداية المبشرة لم تجلب المبيعات سوى 1500 دولار أمريكي ولم تبع سوى 7800 نسخة خلال فترة حياة هاوثورن. ظلت الرواية بعد ذلك تنال إعجاب الكُتاب أصحاب الملاحظة الدقيقة فقد كتب المؤلف الأمريكي هنري چميس عنها ذات مرة قائلًا: «إنها رواية جميلة، مثيرة للإعجاب واستثنائية؛ فهي تمتلك أقصى درجات تلك الميزة التي تحدثت عنها كعلامة على أفضل أعمال هاوثورن، ألا وهي نقاء أفكاره الغامض وخفتها... تمتاز بذلك السحر الدائم والغموض اللذين تتسم بهما أعظم الأعمال الفنية».

أعمال أخرى لناثانيال هاوثورن: فانشو (نُشرت بدون اسم عام 1828)؛ البيت ذو الجدران السبعة (1858).