حميمية
قصة لريموند كارفر
ترجمة: محمد عبد النبي
اقرأ المزيد من قصص ريموند كارفر على هذا الرابط
يحتفظ المسؤول عن الملف بحقه في المساءلة الأخلاقية والقانونية إذا تمت الاستعانة بالترجمات دون إذن منه.
بالصُدفة، أسافرُ غربَ البلاد لبعض العَمل[1]، وهكذا أتوقَّف في هذه البلدة الصغيرة حيث تعيش زوجتي السابقة. لم يرَ أحدنا الآخر خلال أربعة أعوام. لكن بين الحين والآخر، كلّما نُشرَ لي شيء، أو كُتبَ عني شيء في المجلات أو الصحف - بورتريه أو حوار صحافي - أرسلتُ لها تلك الأشياء. لا أدري ماذا انتويتُ مِن ذلك سوى أنني فكّرتُ أنها قد تكون مُهتمة. على أي حال، هِي لم ترد على رسائلي قط.
إنها التاسعة صباحًا، لم أتصل تليفونيًا، وَصحيحٌ أنني لا أدري ماذا سأجد.
لكنها تُدخلني. لا تبدو متفاجئة. لا نتصافح، فَضلًا عن أن نتبادل القبل. تأخذني إلى غرفة الجلوس. ما إن أجلس حتى تحضر لي بعض القهوة. ثم تفضي بأفكارها. تقول إنني تسبّبتُ في عَذابها، جعلتُها تشعر بأنها مفضوحة ومُهانة.
أشعرُ كأنني في بيتي تمامًا، بِلا ذَرّة شك في هذا.
تقول، ثُم إنك تورطتَ في الخيانة مبكرًا. دائماً كنتَ مُرتاحًا معَ الخيانة. كلّا، تقول، ليس صحيحًا. ليس في البداية، على الأقل. كنتَ مختلفًا حينذاك. لكني أظن أنني أيضًا كنتُ مختلفة. تقول، كلُّ شيء كان مختلفًا. كلَّا، كانَ هذا بعد أن بلغتَ الخامسة والثلاثين، أو السادسة والثلاثين، أو وَقتما كان، في تلك الحدود عمومًا، موضع ما من منتصف ثلاثينياتك، ثُم انطلقتَ. انطلقت حقًا. وانقلبت عليَّ. أحسنتَ التدبير بدقّة حينذاك. لا بدّ أن تكون فخورًا بنفسك.
تقول، أحيانًا يمكنني أن أصرخ.
تقول إنها تتمنى أن أنسى الأوقات الصعبة، الأوقات السيئة، عندما أتحدَّث عن تلك الأيام. خصص بعض الوقت للأوقات الحلوة، تقول. ألم تكن هناك بعض الأوقات الحلوة؟ تتمنى هِي أن أتخلَّص من ذلك الموضوع الآخر. مَلَّتْ منه. سَئمتْ السَمع عنه. العَلَكة التي تتسلَّى بها في فمك دومًا[2]، تقول. ما فات مات، وتحت الجسر مياهٌ جديدة، تقول. مأساة، نَعم. يعلم الله أنها كانت مأساة وأكثر. ولكن لماذا نتركها تستمر؟ ألا تتعب أبدًا من النبش في تلك المسائل القديمة؟
تقول، اعتق الماضي، بحق المسيح. تلك الجروح القديمة. لا بدّ أنَّ في جرابك بعض السهام الأخرى، تقول.
تقول، أتعرف أمرًا؟ أعتقد أنك مريض. أعتقدُ أنك مجنون جنونَ البَق في السرير. «هاي»، أنت لا تصدق الأشياء التي يقولونها عنك، أم تصدقها؟ لا تصدقهم ولو دقيقة واحدة، تقول. اسمع، يمكنني أن أخبرهم بشيءٍ أو اثنين. دعهم يتحدثون إليّ عن هذا، لو يريدون الاستماع إلى قصّة بجَد.
تقول، هل تنصت إليَّ؟
أنا مُنصت، أقول. كلي آذان مُصغية، أقول.
تقول، الكِيل طَفح، يا مغفّل! مَن دَعاكَ إلى هُنا اليوم، على كل حال؟ لستُ أنا بالتأكيد. ظهرتَ ببساطة ودخلت. ماذا تريد مني بحق جهنم؟ دَم؟ تريد مزيدًا من الدم؟ ظننتُك شبعتَ منه الآن.
تقول، اعتبرني ميتة. أريدُ أن أُترك في حالي الآن. ذلك كل ما أريده حاليًا، أن أُترك في سلام وأن أُنسى. «هاي»، عندي خمسة وأربعين سنة، تقول. خمسة وأربعين سوف تصير خمسة وخمسين، أو خمسة وستين. دعني وشأني، لو سمحت.
تقول، لماذا لا تمسح السُبورة وتنظفها وترى ما الذي تبقى لك بعدئذٍ؟ لماذا لا تفتح صفحة جديدة؟ واكتشف إلى أي أين قد يأخذك ذلك، تقول.
تغلبها ضحكة عند هذا. أضحك أنا أيضًا، ولكنه ضحك مُتوتر.
تقول، أتعرف شيئًا؟ لقد واتتني فرصتي مرّة، ولكنني أضعتها. فقط أضعتُها. لا أظن أنني أخبرتك بهذا من قبل. لكن الآن انظر إليّ. انظر! تأملني جيدًا بينما تسمع. أنتَ رميتَني يا ابن الساقطة.
تقول، كنتُ أصغر سنًا آنذاك وإنسانًا أفضل. ولعلّكَ كنت كذلك أيضًا، تقول. أقصدُ إنسانًا أفضل. لا بدّ أنك كنتَ كذلك. كنتَ أفضل آنذاك وإلّا ما كانت لتربطني بك أي علاقة.
تقول، لقد أحببتُك كثيرًا ذات مرّة. أحببتك لدرجة الهَوَس. أحببتُك. أكثر من أي شيء آخر في كل هذه الدنيا. تخيّل ذلك. كم أصبح هذا مضحكًا الآن. أيمكنك أن تخيّل؟ كنا على درجة من الحميمية ذات مرّة في الماضي لا يمكنني أن أصدّقها الآن. أعتقد أن ذلك أغرب الأمور الآن. ذكرى أن تكون بتلك الحميمية مع شخصٍ ما. كنا حميمين بما يدفعني للتقيؤ. لا يمكنني حتَّى أن أتخيّل أن أبلغ هذا القدر من الحميمية مع شخصٍ آخَر. لم أمر بهذا قط.
تقول، بصراحة، وأعني ما أقوله، أريد أن أُجنّب هذا من الآن فصاعدًا. من تحسبُ نفسك على أي حال؟ أتحسبُ أنك ربنا أو شيئًا كهذا؟ أنت لا ترقى لأن تلعق حذاء ربنا، أو أي شخص آخر كذلك. لقد كنت تقضي وقتك مع الأشخاص غير الصالحين يا مُحترم. ولكن ما أدراني أنا؟ أنا حتى لم أعد أعرف ما الذي أعرفه؟ أعرف أنني لم يعجبني ما كنتَ تقذفني به من لَومٍ وتوبيخ. أعرف ذلك جيدًا. تعرف ما الذي أتحدث عنه، صحّ؟ كلامي صحيح؟
صحيح، أقول. صحيح مئة في المئة.
تقول، سوف توافق على أي شيء، أليس كذلك؟ تُسلّم بمنتهى السهولة. كنت دائمًا هكذا. ليس لديك أي مبادئ، ولا مبدأ واحد. تقدم أي شيء لتَجنُّب وَجَع الدَماغ. لكن لا أهمية لذلك.
تقول، أتذكُر ذلك الوقت الذي رفعتُ فيه عليك السكين؟
تقول هذا بصورة عابرة، كما لو كان هذا غير مهم.
ليس بوضوح، أقول. لا بدّ أنني كنتُ أستحق هذا، ولكني لا أذكر الأمر جيدًا. هيّا، ذكريني أنتِ، احكِ لي عنه.
تقول، بدأتُ أفهم شيًا ما الآن. أعتقد أنني أعرف سبب وجودك هنا. نعم، أعرف سبب مجيئك إلى هنا، حتى ولو لم تعرف أنت. لكنّك مكَّار خبيث. تعرف سبب وجودك هنا. أنت في رحلة جمع المعلومات. أتيتَ تتصيّد موادًا لعملك. هل أقتربُ من التخمين الصحيح؟ كلامي صحيح؟
احكي لي عن السكين، أقول.
تقول، ما دمتَ تريد أن تعرف، فأنا في منتهى الندم لأنني لم أستخدم تلك السكين. فعلًا. نادمة بحق وصدق. فكرتُ في ذلك مرة واثنتين، وأنا في غاية الأسف لأنني لم أستخدمها. كانت الفرصة أمامي. لكنّي ترددت. ترددت فخسرت، كما يقولون. لكن كان عليّ أن أستخدمها، وإلى الجحيم بكل شيء وكل إنسان. كان عليّ أن أحزّ ذراعك بها على الأقل. ذلك على الأقل.
حسنٌ، لم تفعلي ذلك، أقول. ظننتُ أنك سوف تجرحيني بها، لكنكِ لم تفعلي. لقد أخذتُها منك.
تقول، لقد كنتَ دائمًا محظوظًا. أخذتها مني ثم صفعتني. ومع ذلك، فأنا نادمة على أنني لم أستخدم تلك السكين ولو قليلًا جدًا، لَكَان هذا شيئًا تتذكرني به.
أتذكر الكثير، أقول. ثم أتمنى لو لم أقل هذا.
تقول هي، آمين أيها أخ. ذلك هو محل الخلاف هنا، إن لم تكن لاحظتَ. تلك هي المشكلة بكاملها. ولكن كما قلتُ، في رأيي أنك تتذكر الأشياء الخطأ. تتذكر الأمور السافلة، المخزية. لذلك ثار اهتمامك حين ذكرتُ مسألة السكين.
تقول، أتساءل إن كان يساورك الندم على الإطلاق. إن كان لهذا أي سعر في السوق في أيامنا هذه. ليس كثيرًا، على ما أحسب. لكن لا بدّ أن تكون متخصصًا فيه الآن.
الندم، أقول. لا يثير فيّ اهتمامًا كبيرًا، لأقول الحق. الندم ليس كلمة أكثرُ استعمالها. أظن أنني لا أمتلكه من الأساس. أعترف بأنني أحتفظُ بمنظورٍ كئيب للأمور. أحيانًا، على أي حال. ولكن الندم؟ لا أظن ذلك.
تقول، أنت ابن ساقطة حقيقي، أكنتَ تعلم ذلك؟ ابن ساقطة، متحجّر، وبارد القلب. هل سبق أن أخبرك أي شخصٍ بذلك؟
أنت فعلتِ، أقول. مراتٍ لا تُحصى.
تقول، أنا دائمًا أقول الحق. حتى ولو كان مؤلمًا. لن تمسك عليّ كذبةً واحدة أبدًا.
تقول، كانت عيناي مفتوحتين منذ فترة طويلة، ولكن كان الأوان قد فات حينها. أتيحت لي الفرصة لكني تركتها تتسرب من بين أصابعي. بل إنني فكرتُ لفترة أنك سوف ترجع. لماذا قد أفكّر بذلك على أي حال؟ لا بدّ أنني جُننت. يمكن أن أبكي حتى أصفيّ ماء عينيّ الآن ولكنني لن أمنحك ذلك الرضا.
تقول، أتعلم شيئًا؟ أحسبُ لو أنك تحترق بالنار الآن، وأنكَ فجأة انفجرت باللهب في هذه الدقيقة، فلن أرمي عليك دلو ماء.
تضحك على هذا. ثم ينغلق وجهها عابسًا من جديد.
تقول، ما سبب وجودك هنا بحق جهنم؟ أتريد أن تسمع المزيد؟ يمكنني أن أواصل لأيام. أظن أني أعلم سبب ظهورك، ولكني أريد أن أسمعه منك أنت.
عندما لا أجيب، عندما أبقى جالسًا هناك وحسب، تواصل هي.
تقول، بعد ذلك الوقت، حينما رحلتَ، لم يعد لشيء أهمية تُذكَر. لا الأولاد، ولا الله، ولا أي شيء. كما لو أنني لم أدرِ ماذا أصابني. كما لو أنني توقفت عن العيش. كانت حياتي تمضي، وتمضي، ثم توقفت وحسب. لم تتوقف تدريجيًا، بل صرخت متوقفة مِثل الفرامل. فكَّرت، إن لم أكن أساوي شيئًا بالنسبة له، إذن، فأنا لا أساوي شيئًا لنفسي أو لأي شخص آخر أيضًا. كان ذلك أسوأ ما شعرتُ به. ظننتُ أن قلبي سيتحطم. ماذا أقول؟ لقد تحطّم فعلًا. طبعًا تحطّم. هكذا ببساطة، تحطّم. وما زال محطمًا، لو تريد أن تعرف. وهذا كل ما هنالك في كلمة ورَدّ غطاها. بيضي كله في سلة واحدة، تقول. بَلّة أو دَلّة[3]. بيضي الفاسد كلّه في سَلّة واحدة.
تقول، وجدتَ لنفسك شخصًا آخر، أليس كذلك؟ لم يلزمك وقتٌ طويل. وأنت سعيدٌ الآن. هذا ما يقولونه عنك على كل حال: «إنه سعيدٌ الآن». نعم، أقرأ كل شيء ترسله! تظن أنني لا أفعل؟ اسمَع، أنا أعرفُ قلبك، أيها السيّد. طالما عرفتُه. عرفته حينذاك في الماضي، وأعرفه الآن. أعرف قلبك من الداخل والخارج، ولا تنسَ ذلك أبدًا. قلبك دغلٌ، غابة معتمة، سطل نفايات، لو تريد أن تعرف. دعهم يتحدثوا إليّ لو أرادوا أن يسألوا شخصًا عن شيءٍ ما. أعرف كيف تشتغل. فقط دعهم يأتوا إلى هنا، وسوف أعطيهم ما يملأ آذانهم. فقد كنت شاهدةً هناك. قدمتُ خدماتي، يا صاحبي. ثم كشفتني للعَرض والسخرية في ما تسميه عملك. بحيث يمكن لكل من هبّ ودبّ أن يشفق أو يدين. اسألني إذا ما اكترثتُ بذلك. اسألني إذا أحرجني هذا. هيا، اسألني.
لا، أقول، لن أسألك. لا أريد الخوض في ذلك، أقول.
لا تريد، بكل وضوح لعين! تقول. وأنت تعرف لماذا، أيضًا!
تقول، حبيبي، بلا إساءة، ولكن أحيانًا أعتقد أن بوسعي أن أضربك رصاصة وأراقبك وأنت تنتفض وترفس.
تقول، لا تستطيع أن تنظر في عينيّ، صحيح؟
تقول، وهذا ما تقوله هِي بالضبط، لا تستطيع حتى أن تنظر في عينيّ حين أتحدّث إليك.
وهكذا، لا بأس، أنظر في عينيها.
تقول، تمام. لا بأس، تقول. الآن وصلنا لموضعٍ ما، ربما. ذلك أفضل. يمكن للواحد أن يعرف الكثير عن الشخص الذي يتحدث إليه من عينيه. الجميع يعرف ذلك. لكن أتعرف شيئًا آخر؟ ما من أحدٍ في هذا العالم كله سيقول لك هذا، ولكني أقوله لك. إن لديّ الحق. لقد اكتسبت ذلك الحق، يا صغيري. اختلط الأمر عليك، فظننت نفسكَ شخصًا آخَر. وتلك هي الحقيقة البسيطة. ولكن ما أدراني أنا؟ سوف يقولون هذا بعد مئة عام. سوف يقولون، مَن تكون هي على أي حال؟
تقول، على أي حال، لا شك عندي أنك تظنني شخصًا آخر. أَفِق، لم يعد لي حتى الاسم نفسه! لا الاسم الذي ولدتُ به، ولا الاسم الذي عشتُ به معك، ولا حتى الاسم الذي كان لي قبل عامين. فما هذا؟ عمّ يدور هذا كله بحق جهنم؟ دعني أقل شيئًا. أريد أن أُتَرك بمفردي الآن. أرجوك. تلك ليست جريمة.
تقول، أليس لديك مكان آخر ينبغي أن تكون فيه؟ طائرة ما تلحق بها؟ ألا يجب عليك أن تكون في مكانٍ هو أبعد ما يكون عن هنا في هذه الدقيقة ذاتها؟
لا، أقول. أقولها من جديد. لا، لا مكان آخر، أقول. ليس لديّ أي مكان يجب أن أكون فيه.
وعندئذٍ أفعل شيئًا ما. أمد يدي وأمسك بكُم بلوزتها ما بين إبهامي وسبابتي. فقط ذلك. أمسه فقط على هذا النحو، ثم أسحب يدي من جديد. لا تتراجع هي بعيدًا. لا تتحرك.
ثم ها هو ما أفعله تاليًا. أخرّ على ركبتيّ، رجل ضخم مثلي، وأتناول طرف ثوبها. ما الذي أفعله على الأرضية؟ وددتُ لو عندي إجابة. لكني أعرف أنه الموضع الذي يجب أن أكون فيه، وها أنذا هناك على ركبتيّ أمسك بطرف ثوبها.
تظل ثابتة لدقيقة. ولكنها تقول، بعد دقيقة، «هاي»، لا بأس، يا مغفل. تكون في غاية الغباء، أحيانًا. انْهض الآن. أقول لك انهض. اسمع، لا بأس. اجتزتُ ذلك الآن. لزمني وقت لأجتازه. ماذا تظن؟ أظننتَ أنه لم ينته؟ ثم تدخل عليّ هنا وفجأة ترجع كل تلك الحكاية المقرفة كما كانت. شعرتُ بحاجة للتنفيس. لكنك تعرف، وأنا أعرف، أن المسألة خلصت وانتهت الآن.
تقول، لفترة أطول من اللازم، يا حبيبي، كنتُ بلا عزاء. بلا عزاء، تقول. ضع تلك العبارة في دفترك الصغير. يمكنني أن أؤكد لك أنها العبارة الأشد بؤسًا في اللغة الإنجليزية. على أي حال، اجتزتُ الأمر أخيرًا. الزمن سيدّ نبيل، هكذا قال رجلٌ حكيم. أو لعلّها سيدة عجوز منهكة، واحد منهما على أي حال.
تقول، عندي الآن حياة. إنها حياة من نوع مختلف عن حياتك، ولكن أحسبُ أننا ليس علينا أن نقارن. إنها حياتي، وذلك هو الشيء المهم الذي عليّ أن أدركه وأنا أتقدم في السن. لا تستاء أكثر مما يجب، على كلٍ، تقول. أعني، لا بأس في أن تستاء قليلًا، ربما. لن يضرك ذلك، ذلك هو المتوقع بعد ذلك كله. حتى لو لم تستطع أن تنتقل إلى الندم.
تقول، الآن عليك أن تنهض وتخرج من هنا. سوف يصل زوجي قريبًا لتناول غداءه. كيف عساي أن أشرح له شيئاً كهذا؟
إنه لجنون، ولكني ما زلتُ على ركبتيّ ممسكًا بطرف ثوبها. لن أفلته. كأنني كلب «تريير» صغير، وكأنني ملتصق بأرض الحجرة. كما لو أنني لا أستطيع الحركة.
تقول، انهض الآن. ما الأمر؟ ما زلتَ تريد شيئًا مني. ماذا تريد؟ تريدني أن أسامحك؟ ألذلك السبب تفعل ما تفعله؟ هو كذلك، صحيح؟ لذلك السبب قطعت كل هذا الطريق. ومسألة السكين أنعشتك، أيضًا. أعتقد أنك كنت قد نسيت ذلك. لكنك احتجت إليّ لتذكيرك. أوكي، سأقول شيئًا إذا كنت ستذهب فورًا.
تقول، أنا أسامحك.
تقول، هل أنت راضٍ الآن؟ عليك أن تذهب الآن. هيا، يا مغفّل. قلتُ إني أسامحك، يا حبيبي. بل إني ذكّرتك بحكاية السكين. لا أستطيع أن أجد شيئًا آخر قد فعله الآن. كل أمورك طيّبة، كفطيرةٍ ساخنة، يا صغيري. هيّا الآن، يجب أن تخرج من هنا. انهض. لا بأس. ما زلتَ صبيًا ضخمًا، صحيح. إليكَ قبعتك، لا تنسَ قبعتك. لم تعتد قط أن تضع قبعة. لم يسبق لي في حياتي كلها أن رأيتك تضع قبعة من قبل.
تقول، أنصت إليّ الآن. انظر إليّ. أنصت بانتباه لما سأخبرك به.
تقترب. إنها على مسافة ثلاث بوصات من وجهي. منذ زمن طويل لم نكن بهذا القرب. أتنفس تلك الأنفاس الصغيرة التي لا يمكنها سماعها، وأنتظر. أظن أن قلبي يتباطأ قليلًا، أظن.
تقول، فقط احكِ هذا كما ينبغي عليك، أحسبُ ذلك، وانسَ ما تبقى. كما كان الحال على الدوام. كنت تفعل ذلك لفترة طويلة الآن ويجب ألّا يكون صعبًا عليك.
تقول، خلاص، قد انتهيت. أنت حر، صحيح؟ على الأقل أنت تعتقد ذلك. حُر أخيرًا. تلك نكتة، لكنك لا تضحك. على أي حال، تشعر أنك أفضل حالًا، صحيح؟
تسير معي في الردهة.
تقول، لا يمكنني أن أتخيّل كيف قد أشرح هذا لزوجي إذا وصل في هذه الدقيقة ذاتها. ولكن مَن ما زال يكترث لهذا حقًا، صح؟ في التحليل الأخير، لا أحد يهتم بعد. علاوة على ذلك، أعتقد أن كل ما قد يحدث على ذلك النحو حدث بالفعل. اسمه فِرد، بالمناسبة. إنه رجل محترم ويكدح لكسب عيشه. إنه يهتم بي.
تسير بي نحو الباب الأمامي، والذي بقي مفتوحًا طيلة هذا الوقت. الباب الذي كان يسرّب النور للداخل والهواء الطلق لهذا الصباح، وأصوات الشارع، كل ما تجاهلناه. أنظرُ للخارج ثم، يا يَسوع، هناك هذا القمر الأبيض معلّق في سماء النهار. لا يسعني أن أتذكر متى رأيتُ من قبل أي شيء بديعًا هكذا. لكني أخشى أن أعلّق على هذا. حقًا. لا أدري ما قد يحدث. ربما أنفجر في البكاء حتى. ربما لا أفهمُ كلمةً أنطق بها.
تقول، ربما ستعود ذات وقت، وربما لا تعود. سوف يتلاشى هذا ويذوي، أنت تعرف. قريبًا جدًا سوف تبدأ الشعور بالاستياء من جديد. ربما ستجعل من هذا قصة جيدة، تقول. لكني لا أريد أن أعرف ذلك إن حدث.
أقول وداعًا. لا تقول هي أي شيء. تنظر نحو يديها، ثم تضعهما في جيببي ثوبها. تهز رأسها. تعود إلى الداخل، وهذه المرة تغلق الباب.
أسير مبتعدًا على طول الرصيف. بعض الصغار يتقاذفون كرة في طرف الشارع. لكنهم ليسوا صغاري، ولا هم صغارها أيضًا. أوراق الشجر تلك في كل موضع، حتى في قنوات المزاريب. أكداسٌ من أوراق الشجر حيثما نظرت. تتساقط عن الأغصان بينما أسير. لا أستطيع أن أخطو خطوة دون أن أضع حذائي في أوراق الشجر. شخصٌ ما سيكون عليه أن يبذل جهدًا ما هُنا. شخص ما عليه أن يحضّر مجرفة ويعتني بهذا.
[1] القصة بكاملها تقريبًا مكتوبة في زَمن المضارع البسيط.
[2] في الأصل (your private hobby horse) - hobby horse هي عَصا قصيرة لها رأس حِصان يلعب بها الأطفال، والتعبير الاصطلاحي في الإنجليزية يُقصَد به موضوع ما لا ينفك المرء عن الرجوع إليه والثرثرة فيه مرارًا وتكرارًا.
[3] ((A tisket, a tasket: اسم تهويدة قديمة للأطفال، والكلمتان متوافقتان صوتيًا مع كلمة basket – سَلّة في حديث الشخصية.