السلطة للشعب لا للديكتاتور

مقال لوالتر رودني*

ترجمة: شهاب الخشاب

مراجعة: وليد الخشاب

الترجمة خاصة بـ Boring Books

يحتفظ المترجم بحقه في المساءلة الأخلاقية والقانونية إذا تمت
الاستعانة بترجمته دون إذن منه.

* والتر رودني (1942-1980، Walter Rodney) مؤرخ ومفكر ومناضل سياسي ماركسي. نشأ في جورجتاون عاصمة غيانا، وهي مستعمرة بريطانية سابقة على الساحل الشمالي من جنوب أمريكا، بجوار فنزويلا والسورينام والبرازيل، وذات صلات تاريخية كبيرة بجزر الكاريبي. حصل رودني على دكتوراه في التاريخ بجامعة SOAS في لندن، وعمل كمدرس بجامعة دار السلام في تنزانيا وجامعة الكاريبي (University of the West Indies) بجامايكا. عاد إلى غيانا عام 1974 للعمل بالجامعة، ولكن منعه من ذلك النظام السياسي. شارك رودني في تأسيس تحالف الشعب العامل (Working People’s Alliance)، الذي كان يعادي حكم الديكتاتور فوربز برنهام (Forbes Burnham). تم اغتيال رودني عام 1980. ومن أشهر أعماله كتاب «أوروبا والتخلف في أفريقيا» (1973)، وهو نقد للاستعمار الأوروبي واستنزافه الممنهج للموارد الأفريقية. «السلطة للشعب، لا للديكتاتور» من أعماله السياسية البارزة، و كان في الأصل  خطابًا ألقاه في تجمع لتحالف الشعب العامل في غيانا عام 1979. (المترجم. جميع الهوامش في هذا النص بقلم المترجم)


والتر رودني
والتر رودني عن africasacountry

1.   عن طبيعة الديكتاتورية في العموم

الديكتاتور، بحكم التعريف، هو الشخص الذي يرفع نفسه فوق جميع المواطنين الآخرين، وكثيرًا ما يدَّعي أنه أقرب لله من البشر. أصبح أباطرة وملوك ونبلاء العصر الإقطاعي ديكتاتوريين بسهولة، لأنه كان بوسعهم تبرير أفعال استبدادية باعتبار أن هناك أصلًا مقدسًا للقوة والسلطة المَلَكية. في نسخ أكثر حداثة من الديكتاتورية، لا بد أن يبتكر الحاكم المطلق عبادة متقنة لشخصيته، حتى يثبت أنه أذكى وأقوى وأفضل عمومًا من أي إنسان آخر. توهم عيدي أمين أنه عملاق، ليس فقط جسديًا بل أيضًا فكريًا، كما تباهى بصلته المباشرة مع الله. إيريك جيري (Eric Gairy)، ديكتاتورنا الكاريبي السابق، انغمس في ممارسات الـ«أوبيا» السحرية (obeah)[1]، وأقنع نفسه أنه أفضل من كافة رواد العلم في العالم، وأنه سوف يحل مشكلة الأجسام الطائرة مجهولة الهوية شخصيًا. تلك هي المادة التي يُصنَع منها الديكتاتور.

بحكم تعريفه، الديكتاتور لا يُسأل، لا من منظومة ولا من مؤسسة اجتماعية. بل على العكس، يعطي انطباعًا بأنه يقبض على كل الأشخاص والمنظومات في باطن يده. الديكتاتور له الأهمية القصوى. يمنح الأراضي ويغدق المِنَح إلخ، ليس لأنها ملكٌ للشعب، ولكن باعتباره يقدم خدمة كبيرة لسائر البشر. لهذا السبب تختفي الحقوق الإنسانية والمدنية تحت الحكم الديكتاتوري. في أحسن الأحوال، يُنتظر من الفرد أن يظل ممتنًا للديكتاتور إلى الأبد. وعلى أي حال، بوسع الديكتاتور أن يستلب ما يعطيه.

الديكتاتور يُمثل طبقة ما، فيما عدا أغلبية العمال والفلاحين المُستَغَلين. تسمى أحيانًا السيادة الطبقية نفسها بـ«الديكتاتورية»، ولكن عادة ما يتوقع جميع أعضاء الطبقة المتحكمة في الاقتصاد أن تنقسم السلطة السياسية بينهم بشكل بديهي. الديكتاتور يمنع ذلك من الحدوث. لا مجال لحرية التعبير حتى داخل طبقته نفسها. الديكتاتور لا يتتبع أي قواعد إلا تلك التي يصنعها بنفسه، وبالتالي هناك نزعة للتخلي عن القواعد من الأساس. يُستبدل السلوك العشوائي والأوامر العليا بسيادة القانون.

يحيط الديكتاتور نفسه بالأقزام والخدم، أي برجال ونساء ذوي مهارة واستقامة محدودة، يحافظون على مناصبهم عبر المكر والانتهازية ولحس أحذية الديكتاتور. وفيما يخص الشعب، تتحول أضحوكات الديكتاتور إلى طغاة، يحاكون التصرفات المتعصبة الاستبدادية للرئيس الكبير إلى أقصى حد.

في الحياة السياسية، يتخذ الرجال والنساء القرارات في صالحهم الشخصي. السياسة لها علاقة باتخاذ القرارات وتنفيذها. إذن تشكل الساحة السياسية إحدى الجوانب الأسمى في ثقافة أي شعب. الديكتاتورية تختزل السياسة، جاعلةً منها فن التلاعب عبر حكم الرجل الواحد فقط. لا يوجد أي شيء، صغيرًا كان أم كبيرًا، خارج تدخله الشخصي. بل وينسى الحد الفاصل بين السياسة العامة والمصلحة الخاصة. لذلك يخلط الديكتاتور وفيالقه بين المالية القومية وحساباتهم الشخصية في البنك. لهذا السبب يتخذ النظام الديكتاتوري الكثير من القرارات بناءً على النكاية التافهة والثأر – مما يعادل ما نسميه في غيانا بـ«سياسة الضغينة».

على السطح، تبدو الديكتاتورية وكأنها تتمتع بالكفاءة، ولكن عادةً ما يحدث العكس. قسوة الديكتاتور لا تجعله كفؤًا بالضرورة. النظام الديكتاتوري يحطم المبادرة. لا يسمح بازدهار عبقرية الشعب ويحبط حتى تلك الطبقة التي نشأ فيها الديكتاتور. يتظاهر الديكتاتور دائمًا بأنه رجل قوي، أما في الواقع، فالمجهود المطلوب للتحكم في كل شخص وكل شيء أكبر مما ينبغي. يؤكد السجل التاريخي أن الكثير من الطغاة كانوا مجانين إلى حد أكبر مما نتوقعه قبل استيلائهم على الحكم، وجَنَّ الكثير منهم بكل تأكيد بعد بضعة سنوات من الحكم الاستبدادي.

2.   عن طبيعة ديكتاتورية برنهام بالأخص

حالما نبدأ في ذكر النزعات الديكتاتورية في العموم، فإننا نكشف مواصفات ديكتاتورية برنهام (Burnham).[2] ولكن بالطبع علينا الذهاب إلى مدى أبعد والتعرف على كل خصائصها. أول خاصية هي أن ديكتاتورية برنهام لثَّمت وموَّهت نفسها. تفضل إخفاء عيوبها عن الجمهور. لماذا؟

كان الرجال يتباهون في الماضي بأنهم طغاة. حتى تظاهر البعض بأنهم مستبدون مستنيرون، يحكمون لصالح هؤلاء الذين يمارسون عليهم السلطة المطلقة. منذ قريب، هُزم الديكتاتور النيكاراجوي سوموسا غير آسفٍ على ديكتاتوريته.[3] ولكن اليوم، لا يوجد تقريبًا أي حاكم يعترف بأنه ديكتاتور. أصبح طلب الحرية عالميًا، ويشعر القمع بحاجة إلى التمويه والتخفي. لذا زوَّر نظام پينوتشيه في تشيلي استفتاء ليقول للعالم إن الشعب التشيلي انتخب ديكتاتورية![4] ادعى عيدي أمين أنه قد حاز على دعم الجماهير الأوغندية التي كان يذبحها! أصبح العالم يحتقر الأنظمة العنصرية والديكتاتوريات العسكرية وكل الحكومات الديكتاتورية. في هذا المناخ من الرأي العام الدولي، يتبين أول تفسير للأسباب التي تدفع ديكتاتورية برنهام لتفضيل التنكر.

تقدم ديكتاتورية برنهام نفسها وكأنها عكس ذاتها – يعني تقدم نفسها باعتبارها ديموقراطية. تم تحديد هذا النمط عبر النهج الذي حصل به برنهام على السلطة السياسية. بعض الطغاة يستولون على السلطة عبر العنف، كما حدث كثيرًا في أمريكا اللاتينية. البعض الآخر يرثونها عن زعيم سابق، كما في حالة «بيبي دوك» دوڤالييه الذي خلف «پاپا دوك» دوڤالييه في هاييتي.[5] أحيانًا يمكن للديكتاتور أن يدخل المشهد كجزء من العملية الانتخابية قبل اتخاذ خطوات فادحة لتقويض النظام الانتخابي ذاته. هكذا كان هتلر، الذي قلب نظام الحكم الديموقراطي البرجوازي الألماني في الثلاثينيات. اتخذ برنهام طريقًا شبيهًا للسلطة عندما انقلب على النظام الديموقراطي الذي كان يشارك فيه عام 1953.

لا نستطيع اليوم أن ندعي أن غيانا قد وصلت إلى نفس المرحلة التي وصلت إليها ألمانيا تحت حكم هتلر، فهكذا نخسر بعض الإحساس بالنسبة والتناسب. إن برنهام ديكتاتور تافه، لأن وطننا يضم أقل من مليون شخص. كانت أمنية هتلر الجنونية أن يحكم العالم. لهذا السبب عادةً ما يُوصف بأنه مصاب بجنون العظمة. ساند كلٌ من الاقتصاد الألماني القوي وقوة الجيش الألماني جنون هتلر. أما جنون العظمة عند برنهام أقرب للكوميديا والتهريج. يتجلى في ارتداء سترة الجنرال متوقعًا من الجيش أن يقهر شعبه. ولكن أي ديكتاتور يشبه أي ديكتاتور آخر على المدى الطويل. من المؤكد أن برنهام يستطيع جعل الحياة تعيسة بالنسبة لجميع سكان وطننا الصغير. 

ككل الديكتاتوريات الكلاسيكية، عززت تلك التي توجد في غيانا عبادة الشخصية. استخدمت الأقلية التي يمثلها نظام حزب مؤتمر الشعب الوطني (People’s National Congress) كل الحيل ووسائل التلاعب ليظهر «الرفيق الزعيم» في صورة نصف إله. ورث النظام  بعض التلاعبات من ماضينا القمعي الاستعماري. هكذا تم استبدال وجه رئيس الوزراء بوجه الملك الانجليزي الحاكم على دفاتر تمارين تلاميذ المدارس ببساطة، علمًا بأن الرئيس هو حاكم الدولة الدستوري في غيانا.    

تم تبني بعض الممارسات التي تروج لعبادة الشخصية في انتهاك فادح لثقافتنا. من الثابت أن أحد الـ «پانديت» الهندوس قد أهان طائفته والغيانيين جميعًا بتصريحه أن برنهام تجسيدٌ للإله كريشنا.[6] كل غياني بوسعه أن يؤكد مناورات حزب المؤتمر العديدة لتمجيد وتأليه «البني آدم» فوربز برنهام. لقد ابتلينا بوجهه وباسمه وبصوته في كل مكان. صار لهذا السلوك الفج المنحط تأثير مؤذ في نهاية المطاف على مجمل إنتاجنا الفني، بما في ذلك عبر اختناق تقليد «الكاليپسو» عندنا، حتى أصبح الفوز بتاج الكاليپسو متاحًا لمن صاح بأعلى مديح للديكتاتور[7]. عندما لم يعد برنهام قادرًا على الادعاء بأنه الأعظم، سعى لربط نفسه بلا حياء بذيول ملابس هؤلاء الذين أثبتوا عظمتهم في مجال أو آخر – ابتداء من فيديل كاسترو إلى محمد علي كلاي. اشمأز معظم الكاريبيين تمامًا من عادة برنهام السخيفة لاستلاب كلايڤ لويد (Clive Lloyd) وفريق الكريكت الكاريبي شخصيًا.[8]

مقارنةً بكونها وطنًا صغيرًا، أنتجت غيانا عددًا كبيرًا لدرجة محبطة من الخادمين والأضحوكات التي تخبئ نفسها في ظل «الرفيق الزعيم». يشكو الغيانيون باستمرار من «الأسافين المربعة في الثقوب المستديرة». الأسافين المربعة هم غير ذوي الكفاءة وشاربو الشربات الذين يزدهرون بسبب أن كل واحد منهم مستعد لأنه يصبح صوت سيده. إنها مأساة مزدوجة في هذا السياق. أولًا هناك مأساة معدوم الكفاءة والضئيل والفاسد الذي يشيع الفوضى (مع خليط من بعض الكوميديا). ثم هناك مأساة الرجال والنساء الأكفاء والمستقيمين الذين يُنبذون أو يهربون أو يُحكم عليهم وعليهن بالصمت. يشمل هذا الجانب من المأساة رجال البوليس الصادقين الذين لا بد من تقبلهم الفساد، والأطباء الذين يجب عليهم معالجة المرضى بلا دواء، والإداريين الذين لا يُسمح لهم بالإدارة، والعمال الذين لا يُسمح لهم بالإنتاج، ثم يصبحون مجبرين على التهام طعام مكون من الأكاذيب والخداع. وبالمناسبة كل ذلك يتم باسم الاشتراكية.

يلفت صغر مجتمعنا الانتباه أيضًا إلى طبيعة الديكتاتورية المشخصنة للغاية. يتولى الديكتاتور وحاشيته أمور التوظيف والطرد. يتدخلان في قرارات إدارية كبرى وفي أكثر الأمور تفاهة. يمكن للعصابة الحاكمة أن تكون انتقامية في تعييناتها في جامعة غيانا، والتي تدعي الاستقلال، كما يمكن أن تكون انتقامية تجاه رجال الأعمال القادمين بطلبات للحصول على تصاريح الاستيراد، والتي تسيطر عليها الحكومة. بوسع الديكتاتور أن يتدخل شخصيًا ليمنع جنديًا من إجازة، ليمنع موظفًا صغيرًا من ترقية، ليحتال على عامل عارض بسبب قصوره في «الالتزام بالحدود». عادةً ما تُتخذ القرارات الخاصة بالملاحقة القضائية في المحاكم بيد النائب العام (Director of Public Prosecutions). يتخذ الديكتاتور الكثير من تلك القرارات بنفسه في غيانا، ليس تحت تأثير صالح الدولة وإنما تحت تأثير الغل الشخصي. يقال إن «الرفيق الزعيم» يتباهى بذاكرته الطويلة، ويضع علامة لاحتيال بعض الأشخاص لمدة خمسة عشر عام قبل أن يفرغ غضبه عليهم.

عندما استقلت غيانا عام 1966، كان حزب المؤتمر يشكل حكومة أقلية حصلت على الحكم عبر وسائل مشبوهة. أصبحت ديكتاتورية بعد عشر سنوات، وكانت سيطرة الدولة على الاقتصاد تمثل السلاح الرئيسي الذي استُخدم لإجبار الناس على أن يلتزموا حدودهم. يعتبر برنهام وحاشيته أنهم رجال أقوياء وأذكياء عندما يهددون ويخيفون إحدى الأمهات بإرسال التهديدات لأولادها. 

يشتهر الكاتب الإيطالي مكياڤيللي بتحليله للسياسة بوصفها فن التلاعب بالسلطة. كُتب «الأمير» – وهو أشهر كتاب لمكياڤيللي – منذ 450 عامًا  تقريبًا، بصيغة النصيحة إلى الحاكم الذي يتمتع بسلطة مطلقة. ننقل عن جيسي برنهام (Jessie Burnham) تولاها الله برحمته إن «الأخ فوربز» كان تلميذًا وفيًا لمكياڤيللي.[9] في تعبيره الشخصي، وصف برنهام السياسة كـ«علم الصفقات». يحب التعاطي في الكثير من المقايضات والمفاوضات، ويعامل الناس باعتبار أن كل واحد منهم قابل للشراء والبيع. يشجع برنهام أفرادًا ضعفاء أو فاسدين على التحلق حوله، لأنه يمارس عليهم سيطرة أثيمة بالتالي. الأهداف تبرر الوسائل في تفكير برنهام، والوسائل الوحيدة التي لها أهمية هي تلك التي ترتبط بالاستحواذ على السلطة والاحتفاظ بها. كل الوسائل مقبولة إذا سمحت له بإبقاء السيطرة على آليات الدولة. إنها قمة انعدام الضمير، وتبين تمامًا الإستراتيجية المكياڤيللية التي أرشدت برنهام أثناء سعيه للوصول إلى السلطة المطلقة في غيانا.

من المستحيل أن يصبح برنهام قوة فعالة على الساحة الدولية. ولكن اتضح أنه داهية وماكر في تحقيق أهدافه داخل غيانا. صاحت امرأة عجوز في اجتماع سياسي في بوردا (Bourda) منذ قريب: «برنهام يجعل الشيطان يبكي!» أتت تلك النادرة اللافتة من شوارع جورجتاون ردًا على مراوغة رجل ابتكر خطة على المدى الطويل لتقسيم وحكم الشعب الغياني – وهو الذي يحتقر كل أفراده بشدة. هنا أيضًا يجب أن نذكر منشور جيسي برنهام بعنوان «احترس يا أخي فوربز» (Beware My Brother Forbes)، حيث تصف نزعته العنصرية ضد الهنود، وأنانيته المطلقة، وطموحه اللانهائي لإبقاء الآخرين تحت السيطرة. قدمت جيسي برنهام بعض الدلائل أيضًا عن النهج المختلس الذي تتبعه فوربز برنهام لتحقيق أهدافه.

تسللت ديكتاتورية برنهام بين الشعب الغياني كاللص في منتصف الليل. كانت انتهاكاته لحقوق الإنسان متكررة، ولكنها كانت تدريجية بما يكفي حتى أن الكثيرين لم يدركوا ما كان يحدث إلا وقد فات الأوان. انظروا مثلًا إلى نهاية حرية الصحافة. لم يتم ذلك عبر أي فعل أو قانون منفرد. أولًا تم تأميم جريدة وطنية يومية، وأعقبتها الثانية فيما بعد. ثم دُمجت الاثنتين. استولت الحكومة على محطة راديو، بينما أبقت الأخرى تحت الرقابة. في آخر الأمر، أصبحت المحطتان ملكًا للحكومة وأُخضعتا لإدارة واحدة. في نفس الوقت، وقعت صحافة المعارضة تحت الحظر، حتى على مستوى المنشورات المصورة ذات الصفحة الواحدة. يصون الدخل الذي يُدِره الغيانيون جميعًا الصحافة والراديو المؤممين بالطبع، ولكن خطوة بخطوة، أصبحا من أدوات الديكتاتور وعصابته الشخصية. خسر الصحفييون الورقيون والصحفيون في الراديو كل استقلالية وكرامة مهنية. تفتخر صحيفة «كرونيكل» (Chronicle) الآن بإعلان أنها «أخت» مطبوعة «الوطن الجديد» (New Nation)، الناطق الرسمي باسم حزب المؤتمر.

يتساءل العديد من الغيانيين ذوو النوايا الحسنة إذا كانت هناك نقطة كان عليهم عندها اتخاذ موقفًا للدفاع عن حرية الصحافة. أفضل وقت للصراع على الحرية هو حين وجودها وتعرضها للتهديد الأول. ولكن القليل من الغيانيين كانوا مستعدين للتطوع بذلك في أوائل سنوات ديكتاتورية برنهام، لأنهم ببساطة كانوا يأملون في الأفضل. لمح برنهام تلك النزعة كضعف في شعبنا، واستغلها إلى أقصى مدى. اليوم لا توجد حرية صحافة للدفاع عنها؛ لم تعد إلا حرية محطمة ينبغي إعادة بناءها.

 يصلح مصير الجيش والشرطة كمثال آخر للخداع الذي بنى ديكتاتورية برنهام. حسب الدستور الغياني، يحلف كل جندي وشرطي يمينًا لهذا البلد، متمثلًا في رئيس الدولة. من المتوقع أن يكون كل جندي أو شرطي وفيًا لأوامر حكومة مُنتخبة تمثل الشعب. شيئًا فشيئًا بعد الاستقلال، أصبح الوفاء للوطن وفاء لحزب المؤتمر، ثم ولاء شخصيًا لبرنهام. ساعدت القوات المنظمة حزب المؤتمر في ضرب المعارضة الغالبة عام 1973؛ ثم في يوليو 1978، كانوا يساعدون برنهام على الاستيلاء على حقوق 90% من السكان، بما في ذلك حقوق الكثير من المؤيدين السابقين لحزب المؤتمر. يمكننا أن نتساءل إن كان الجنود ورجال الشرطة قد أدركوا اللحظة التي توقفوا فيها عن الإخلاص للوطن وبدأوا في التحول إلى كلاب حراسة الديكتاتور؟

 في الماضي، كانت خدعة «الثلاث ورقات» مشهورة جدًا في جورجتاون – خاصةً في شارع لومبارد (Lombard Street) وشارع واتر (Water Street). كان دجال «الثلاث ورقات» يعلن: «كلما شاهدت، قلما شفت»، حيث كان يخلط الكروت بتحايل من جانب إلى الآخر. فوربز برنهام هو بطلنا القومي في نصب «الثلاث ورقات».[10]

هناك جانب آخر للشكل التدريجي الذي تأسست به ديكتاتورية برنهام. تقبل الغيانيون ضربة فوق ضربة بدون أن يسقطوا إلى الأرض. ولكن المؤكد أننا أصبحنا مشوشين ومذهولين. شاعرنا القومي مارتن كارتر (Martin Carter) كان من أوائل الذين علقوا على تلك العملية في المجال العام.[11] حيث ذكر كيف أصيبت حواس الغيانيين بالبلادة. وسماها مارتن كارتر «شلل الروح». خُدع الكثير من الغيانيين المحترمين ليفعلوا أشياء قذرة، مؤمنين بأن تلك الأفعال تصب في صالحهم الخاص. بدلًا من ذلك أكدت كل صفقة قذرة ببساطة سلطة الديكتاتور، وسمحت له بالالتفاف نحو المؤيدين السابقين وحتى بإهانتهم. كما نقول بالكريولي، يستَخدم الناس ثم يستغلهم.[12]

 برنهام معروف بلسانه المنمق. للأسف أصبح جزء من شعبنا أسيرًا لصوت الكلمات بدون أن يكشف عن معناها. «الأعظمية» (paramountcy) هي إحدى كلمات برنهام المزخرفة. أعلن عقيدة أعظمية حزب المؤتمر، أي هيمنته على البرلمان والمحاكم والصحافة وما تبقى. في الواقع، كانت «الأعظمية» البيان الرسمي بأن حزب الأقلية التي تصغر أكثر وأكثر كان يهدف إلى تثبيت حكم ديكتاتوري على الأغلبية. في الوقت ذاته، أوضح برنهام أنه كان «أعظم» من حزب المؤتمر. يصرح دستور الحزب لبرنهام بما يسمى بالسلطات الاحتياطية، وهي أكبر من السلطات الاحتياطية على السلطة التشريعية التي تمتع بها الحكام الكولونياليون القدامى. ينص دستور حزب المؤتمر على الآتي: «إذا اعتقد الزعيم... أن موقفًا طارئًا قد ظهر في الحزب، تكون لديه السلطة... لاتخاذ كل الأفعال اللازمة ليصحح هذا الموقف؛ ولهذا الغرض، يُسمح له بتحمل وممارسة أي سلطة وجميع السلطات المكفولة لكل من مؤتمر المندوبين الذي يُعقد كل سنتين، والمجلس العام، واللجنة التنفيذية المركزية، وأي لجنة أو مجموعة أو فرع أو هيكل أو ضابط أو مسؤول آخر في الحزب».

 الديكتاتور برنهام أعظم من الحزب الأعظم!

3.   عن حقوق الشعب

عندما حققت غيانا استقلالها، ورثت ما يسمى بالنظام الديموقراطي البرجوازي البريطاني. اجتماعيًا واقتصاديًا، ظل السكان منقسمين إلى طبقات مختلفة؛ وسياسيًا، كان لدى الجميع الحق في المساهمة في انتخاب برلمان ذي حزب واحد أو أكثر. كان دستور غيانا المستقلة نتيجة للصراع الطبقي الذي شَبَّ جزء منه في أوروبا والجزء الآخر في غيانا ذاتها.

 إن كفاح الشعب داخل غيانا قد ساهم أقصى مساهمة في اكتساب الحرية السياسية لبلدنا. جعلت مجهودات العبيد وعمال السخرة من سؤال التحرر إشكالية قومية ودولية. نظرًا لماضي العبودية عندنا، لا يمكن تجاهل سؤال الحرية في غيانا والكاريبي.

 اليوم نعتبر حرية العبادة أمرًا مفروغًا منه. ولكن لم يمنح ظالمونا تلك الحرية بيسر. عندما بدأ بعض القساوسة المنشقون باقتراح إتاحة الديانة المسيحية للعبيد، قاومهم أسياد العبيد. واجه هؤلاء العبيد الذين أرادوا ممارسة الديانة المسيحية مخاطر رهيبة لكي يصروا على حقهم في عبادة ما يشاءون – كما سبق أن قاتل الآلاف من العبيد ليتمسكوا بعقائدهم الأفريقية. تحت نظام السخرة، لم يكن الموقف مختلفًا للغاية.[13] بعد نهاية فترة خمس سنوات من العمل الاستعبادي، عادةً ما كان آباؤنا الهنود يستطيعون العودة إلى المعبد أو المسجد أو الكنيسة حسب الظروف.

 كان الصراع لتأسيس حق العمل أحد الصراعات الأكثر مرارة في تاريخ غيانا، بمعنى حق استقبال وظائف توفر معيشة كريمة. حق العمل يعني حق الأكل وحق الحياة. بعد نهاية العبودية، كان السكان الأحرار مستعدين للعمل. ولكنهم طالبوا بظروف عادلة؛ فأحضر الملاك الزراعيون بعض العمال بالسخرة ليعرقلوا مطالبة الأجور والظروف الأفضل. انتبه عمال السخرة للموقف بعد قليل. طالبوا هم أيضًا بظروف أفضل، والنتيجة كانت رفض تشغيلهم، وتم استدعاء عمال جدد للسخرة. حق العمل في وقت الحصاد، حق العمل خارج وقت الحصاد، حق العمل في القطاع العام – اكتُسبت كل تلك الحقوق على الأقل بشكل جزئي عند انتهاء الفترة الكولونيالية.

هناك حق السكن بموازاة حق العمل. يعتمد شراء البيت على مكسب الفرد، وبالتالي يرتبط بحق العمل. كان عمال المزارع يسكنون في بيوت بدائية (logies) منذ أيام العبودية. عندما أصبح العمال أحرارًا، قال لهم الملاك الزراعيون إن بوسعهم التمتع بمزايا البقاء سكانًا في تلك البيوت على أرض المزارع إذا عملوا بلا اعتراض بالعِزَب. إلى وقت قريب، كانت العِزَب تطرد أي ساكن يمارس حقه في الإضراب.

 لهذا السبب فضَّل شعبنا دائمًا بيوت القرية على بيوت العزب. في عزب السكر، سواء كانت في القرى أو في المدن، نظم العمال أنفسهم ليطالبوا بسكن كريم ويطالبوا بسكن بلا شروط. ليس السكن منةً يمنحها الديكتاتور للشعب. إن حق السكن حق إنساني أساسي ومعترف به دوليًا. إنه حق كافح لأجله شعب غيانا في الريف وفي المدن. 

في أيام مستعمرة غيانا البريطانية، ساهم العمال الريفيون والفلاحون مساهمة مبهرة في تأسيس قرى حرة – مثل بوكستن على الساحل الشرقي (Buxton)، وديميرارا (Demerara)، وكوينزتاون (Queenstown) في إيسيكيبو (Essequibo)، وفيريش/جبرلتار (Fyrish/Gibraltar) في بربيس الشرقية (East Berbice). خاض سكان القرية معارك مع الملاك الزراعيين والمستعمرين حتى يمارسوا الديموقراطية على مستوى الحكومة المحلية. 

قادت الطبقة العاملة المدنية المسيرة نحو تأسيس النقابات وممارسة حق الإضراب. كان عمال الشحن بالميناء (stevedore) من أكثر العمال تعرضًا للعنف والاستغلال في النظام الكولونيالي. ولكن عمال الشحن وعمال الميناء الآخرين هم أكثر من بذل التضحيات للتمهيد لإنشاء النقابات.

تعاطفت طبقاتنا الوسطى مع الحملات الشعبية ضد الحكام الديكتاتوريين، ضد الفساد في القطاع العام، ضد تلاعب الملاك الزراعيين  في الانتخابات، وضد سوء استخدام سلطة المحاكم. كافحت جميع الطبقات في مستعمرة غيانا البريطانية لتعزيز حرية التعبير في الفضاءات العامة والصحافة. النتيجة النهائية لكل ذلك هي انتخاب الحكومات التي يختارونها. أثمر الكفاح الشعبي في غيانا تنازلات جزئية ومؤقتة. بالتأكيد، كانت العدالة الكاملة مستحيلة في ظل الكولونيالية والرأسمالية والإمبريالية بسبب الجذور العميقة لغياب المساواة الطبقية. كان أمل الأغلبية أن الحكومات المنتخبة والاستقلال القومي سوف يؤديان إلى تغيير الاقتصاد والمجتمع بشكل ثوري حتى تنتصر العدالة. 

يعيش معظم الغيانيين على الشواطئ. كانت تلك الشواطئ مستنقعات مهجورة في لحظة ما، غارقة في مياه البحر والسافانا. السدود والقنوات، الطرق والبيوت، الحقول والمصانع، المدارس والكنائس، الكلمات والحركات – كل هذه الأشياء تمثل إرثنا المشترك. لقد زرع أجدادنا قوتهم وبذرتهم وذكاءهم في بلد أصبح ملكنا الآن. ليست الأرض ولا حقوق الشعب من عطايا ديكتاتورية برنهام. بالعكس، لقد دفعت تلك الديكتاتورية الوطن إلى الخلف. إنها تدمر الاقتصاد وتستلب حقوق الشعب.

4.   افضحوا ديكتاتورية برنهام

قلنا فيما سبق إن ديكتاتورية برنهام تفضل الاختباء تحت عباءة الديموقراطية. لم تُلغ الانتخابات، ولكنها أصبحت مزورة بشكل جعل من أكثر الحقوق أساسية مسخرة تامة – حق الحكم الذاتي والاختيار الحر للحكومة. إن الانتخابات المزورة عامي 1968 و1973 والسرقة المذهلة لاستفتاء يوليو 1978 تشير في المجمل إلى أن الشعب الغياني لم يختر عصابة حزب المؤتمر.[14] يحتفظ النظام بالسلطة عبر القوة العسكرية. يكتشف الغيانيون عبر تجربتهم الشخصية أن الديكتاتورية تكره التذكير بأنها ديكتاتورية. فضح الديكتاتورية هي أول خطوة لإدانة الحكومة بصفتها غير قانونية وغير شرعية.

 يتفنن الطغاة في تشييد أصنام تشبههم. عندما يتم إسقاط الديكتاتور، يستغل السكان الفرصة ليهدموا أو يخلعوا الأشياء العديدة التي كانت تهدف إلى تمجيده. ولكنه من المهم أيضًا أن تُهدم بعض رموز قوة الديكتاتور قبل سقوطه. علينا أولًا أن نرفض سيطرة الديكتاتور نفسيًا. على السكان أن يتعلموا كيف يحتقرون الأكاذيب التي تحيط بالرجل؛ يجب أن يرفضوا فكرة أن تحيط به أي هالة عظمة. يجب أن ينزعوا أي التباس من عقولهم وأن يروا الديكتاتور بوضوح كما هو – نذلٌ ووحشٌ، هو العدو الأساسي للشعب.

 تم توجيه بعض الهجمات الشفاهية نحو الديكتاتور. كان دايكلين (Dayclean)، وهي الجريدة الناطقة باسم تحالف الشعب العامل (Working People’s Alliance)، أول من سماه «جيم الكبير»، حتى لا ينسى الشعب جيم جونز (Jim Jones) وضحاياه  في جونزتاون، الذين بلغ عددهم تسعمائة وأربع عشر.[15] ما زالت يدا  برنهام ملوثتين بالدماء بعد تلك المجزرة البشعة. نسميه «وزير الجريمة» لندع الشعب يتذكر الفساد والتزوير الانتخابي واغتيال الأب دارك (Father Darke) منذ قريب.[16]

الطغاة معروفون في أمريكا اللاتينية باسم «الغوريللات» – قياسًا على المقاتلين في سبيل الحرية الذين يُسمون «الغيريلات» (guerilla). ليعلم الجميع أن غيانا أيضًا بها الغوريللا الخاص بها، وأنه يُدعى «كنج كونج»، وهذا اسم على مسمى. إن القوة التي يتباهي بها برنهام هي قوة القرد، وبالإضافة لذلك، فإنه شخصية وهمية – تأتي مباشرةً من هوليود.

يجب ألا تعبِّر لغتنا عن السخرية فقط، وإنما أيضًا عن الغضب والاشمئزاز. قللت الديكتاتورية من شأننا جميعًا إلى درجة أن وصف الوضع لا يمكن إلا باستخدام مصطلحات تتلازم مع القذارة والتلوث والبراز. حتى شعورنا العميق بالتواضع في غيانا لا يستطيع الوقوف في طريق الكلمات الجارحة لوصف عار الوطن. لهذا السبب يكرر تحالف الشعب العامل أسطورة الملك ميداس، والذي يقال إنه كان يلمس أي شيء فيجعله ذهبًا. كان هذا يُسمى بـ«لمسة ميداس». تشهد غيانا الآن «لمسة برنهام» – أي شيء يمسه يتحول إلى الخراء!

 تأثرت الكثير من الأفكار الجميلة سلبًا من لمسة برنهام – الاشتراكية، والتعاونيات، والتعليم المجاني، والتأميم، والتضامن مع الأفرو أمريكيين، وتأييد المقاتلين في سبيل الحرية. يحاول برنهام التدخل في كل شيء شخصيًا – من بناء الطرق إلى إدارة الرياضة. لقد لمس الكثير في غيانا. يتجول الكثير من الغيانيين المحترمين سابقًا وهم يفعلون أشياء قذرة أو يتواطؤون مع شر الديكتاتورية. لقد تم لمسهم.

 بالطبع يتطلب فضح الديكتاتورية أكثر بكثير من مجرد الكلام. لا بد أن يلتزم جميع السكان بالعمل ولا بالكلام. إن كل فعل في صالح الجماهير يكشف حتمًا قناع الديكتاتورية. 

استخدم الغيانيون التجمعات العامة التي رعاها تحالف الشعب العامل منذ قريب ليعبِّروا عن اعتراضهم على عصابة حزب المؤتمر. أُطلِق جهاز الدولة البوليسية على المواطنين السلميين الذين حضروا تلك التجمعات. تحديًا للدستور، من وقت لآخر، كان البوليس يرفض التصريح باستخدام مكبرات الصوت. تم فض الاعتصامات والتجمعات السلمية – حتى تلك التي لا تستخدم مكبرات الصوت – بالغاز المسيل للدموع وبالعصي. هكذا تشعر الديكتاتورية بأنها تنتصر فعليًا، ولكن وعي الشعب يتطور. لا يمكن أن يزعم أحد أن حكامنا يحمون حرية التجمهر.

بينما تضاعف نقد النظام في كل الميادين، ظهرت الديكتاتورية على الملأ في مسألة حرية الصحافة. ضيقوا عقدة حبل المشنقة حول جريدة الـ«ميرور» (Mirror) لحزب الشعب التقدمي (PPP)، وخنقوها عبر رفض طباعة الأخبار. صعَّدت الحكومة بحثها عن آلات التصوير والآلات الكاتبة. تمت مصادرة آلات تصوير من جماعة سياسية، وهي حزب الشعب العامل الطليعي (WPVP)، ومن نقابة عمالية أيضًا، وهي التجمع القومي للعمال الزراعيين والتجاريين والصناعيين (NAACIE). لا يمكن أن يزعم أحد أن حكامنا يؤمنون بحرية الصحافة.

تؤدي مجهودات الطبقة العاملة وعزمها مرة أخرى إلى تعرية ديكتاتورية برنهام في مسألة حق الإضراب. عندما أضرب عمال السكر لمدة 135 يومًا جديرين بالذكر في 1977-1978، سمَّتها الحكومة إضرابًا سياسيًا. الآن كل الإضرابات تسمى إضرابات سياسية – مما يعني أن الإضراب يضعف أساس قوة الديكتاتورية. يجب أن يتعلم العمال ألا يخافوا عندما تُسمى حركة إضرابهم «سياسية». إذا كانت قوة الشعب تضعف قوة الديكتاتور، إذن فلتكن إضراباتنا سياسية! المسألة الحقيقية لا تكمن في توصيف الإضراب بأنه صناعي أم سياسي: بل في تحديد ما إذا كان الإضراب في صالح العمال المعنيين والشعب العامل ككل.

 إن إضراب البوكسيت الأخير يمثل ذروة في تاريخ الطبقة العاملة الغيانية.[17] لمدة ستة أسابيع، صمد عمال البوكسيت ليجبروا الإدارة على تنفيذ اتفاقية العمل الجماعية بينهم. لقد هاجمت الديكتاتورية الغيانية مستوى الطبقة العاملة المعيشي باستمرار. ليست مفاجأة أن يجتذب إضراب البوكسيت تأييد العمال في جميع أنحاء غيانا. وفرت قيادات إيجابية في الأربع نقابات التقدمية مساندتها لعمال البوكسيت على مستوى الجمهورية، وتحديدًا في صناعة السكر. كذلك خرج عمال وموظفو السكر متضامنين، وانتهزوا الفرصة لتقديم مطالبهم العادلة الخاصة، مثل مطلب أن تلتزم الحكومة بحد أدنى 14 دولار للأجرة اليومية. استطاع الوطن بأجمله أن يشعر بما للنشاط المتحد للطبقة العاملة من معنى.

بعد الإضراب، أطلقت الديكتاتورية العنان للإيذاء. هذا دليل آخر على إصرارهم على نفي حق الإضراب وحق العمل. ولكن إقالة المضربين في حد ذاتها هي النقطة الرئيسية التي ستجمع بين العمال فيما يلي. كما يسير الأمر بين القرود، يضرب كنج كونج صدره ويهدد بالذبح العشوائي، ولكن بوسع النشاطات العمالية المتحدة دائمًا أن تكشف كلامه الفارغ. 

يعلمنا نشاط الإضراب المتحد كيف يمكن كشف الديكتاتور وكيف يمكن إسقاطه. يشعر النظام بالهلع من فكرة أي شيء يقترب من إضراب عام. يعلم برنهام أنه لا يمكن لأي قدر من العنف أو القوة العسكرية أن يحل محل قوة عمل العمال. عهد إلى الجيش بتقطيع القصب باللجوء إلى التجنيد الإجباري إلخ، مما أدى إلى فشل ذريع. لم يخسر وقته حتى في محاولة نقض الإضراب داخل صناعة البوكسيت، لأنه يعرف استحالة تقبل ذلك. يطلب الديكتاتور من السكان أن يواصلوا الإنتاج حتى يحافظ على نفسه وعصابة الطفيليين الذين يسيطرون على غيانا. لهذا السبب، فإن الامتناع الشامل عن العمل هو أقصى سلاح يمثل قوة الشعب.

 تحتاج ديكتاتورية برنهام إلى مطاوعة العمال لتشتري المسدسات التي تكبح العمال ذاتهم! هذا هو التناقض المذهل الذي يمهد السبيل نحو سياسة عدم التعاون والعصيان المدني.

عدم التعاون يعني ببساطة أن يرفض المواطنون التعامل مع قمعهم أو قمع الآخرين. ربما يكون خفيًا أو مفتوحاً، فرديًا أو جماعيًا. لا حصر لأمثلة على أفراد غيانيين يقاومون أو يتجاهلون «تعليمات» الديكتاتور ذات السمعة السيئة. يساعد كل مثل مُعلن للمقاومة الشخصية على رفع الروح المعنوية لجميع السكان. يمضي بعض الأفراد الآخرين في تمردهم الشخصي بشكل هادئ. ولكن سيكون عدم التعاون أكثر تأثيرًا حيثما يعتمد على النشاط الجماعي. 

في الهند، نظم ماهاتما غاندي الملايين في حملته من أجل عدم التعاون والعصيان المدني ضد المستعمرين البريطانيين. أدت إحدى حملات غاندي إلى مقاطعة القماش المستورد من بريطانيا. في الولايات المتحدة، بدأ كفاح الحقوق المدنية الحديث بمقاطعة شهيرة للأتوبيسات في مونتجومري بولاية ألاباما عام 1954. رفض الآلاف من السود أن يستخدموا الأتوبيس حتى أنهت شركة الأتوبيس التمييز العنصري. هنا في غيانا، نادى الكثير من الأشخاص والمنظمات بمقاطعة المنشور الكاذب والخسيس المدعو كرونيكل، والذي يستخدم أموال الشعب للإساءة إلى الشعب. يمكن أن تمثل تلك المقاطعة نموذجًا لعدم التعاون. يجب أن يتم الإتفاق عليها وتنفيذها كحركة جماعية.

إن العصيان المدني أيضًا أمر يستحسن التوجه نحوه بأعداد كبيرة تشارك في نفس الوقت. يعني هذا الاستعداد للتمرد على الحكومة (التي تسمى أيضًا السلطة المدنية). في غيانا، تتمرد السلطة المدنية نفسها على القوانين والدستور – مثلًا فيما يخص حق التجمهر، وإجراء الانتخابات المحلية والقومية، وحق الاعتصام والتظاهر، وحقوق المواطنين عند القبض عليهم. 

تعهد تحالف الشعب العامل جهارًا بالاعتراض على السلوك العشوائي غير القانوني لقوات الحكومة (مثل الشرطة). فيما يخص التجمعات العلنية، كشف هذا الاعتراض طبيعة ديكتاتورية برنهام تمامًا، وذلك لأن الرسالة قد وصلت لجماهير الشعب فخرجوا بأعداد كثيفة.

كان أمام النظام خياران. الأول أن يسمح لنا بممارسة حقوقنا الديموقراطية وأن يترك الأغلبية لتظهر مشاعرها المعارضة للديكتاتورية. كان الخيار الآخر طرد الناس من الشوارع بالغصب. لكن أدى الخيار الثاني إلى نتائج عكسية، لأنه بيَّن للناس في البلاد وخارجها إلى أي مدى أصبحت غيانا دولة بوليسية.

يتجاوز العصيان المدني النقطة التي تخالف عندها السلطة المدنية قوانينها. يمكننا الدعوة إلى مخالفة القانون بناء على سبب أساسي، وهو أن الحكومة غير قانونية. إن للمواطنين حقًا في أن يتم إرشادهم ليس فقط عبر قوانين غير عادلة، وإنما عبر ما سماه غاندي بـ«قانون العدالة الأسمى». هناك بعض القوانين مثل قوانين المرور التي تخلو نسبيًا من التدخل السياسي، ولكن يقرر المواطنون متى تمنح القوانين حماية ما، وأية قوانين يمكن مخالفتها كجزء من التمرد على الديكتاتورية. 

دائمًا ما قوبل العصيان المدني بالتهديدات والضرب والسجن وأخيرًا بخسارة الحياة. لقد بدأ سير تلك العملية في غيانا. تؤكد الدروس المستقاة من بلدان أخرى أن شعبًا حازمًا لا يمكن أن يتراجع. بالتأكيد، أدَت الضربات والسجون بالشعب الغياني إلى أن يستل سيوفه، وستتلقى الديكتاتورية درسًا يعلمها أي سيف هو الأمضى. لقد فشل اغتيال الأب دارك في تخويف الناس؛ عوضًا عن ذلك، تجمع رجال وسيدات أكثر احترامًا للتظاهر ضد حالة الوطن المزرية في غيانا.

لا توجد إلا قلة من الأفراد تسعى إلى موتها عمدًا. ولكن هناك الكثير من المستعدين للقتال بلا خوف في سبيل حقوقهم، حتى في ظل تهديد تتعرض له حياتهم. الروح البشرية لديها قدرة مدهشة على تجاوز القمع؛ ووحدهم هؤلاء البلهاء الذين يسيئون حكم غيانا حاليًا يتخيلون أن سكاننا هم الوحيدون الذي ينقصهم تلك القدرة. أثناء ثورة العبيد الشهيرة في بربيس (Berbice) عام 1763، برزت نماذج كثيرة من شجاعة أجدادنا الخالدة. قبض أسياد العبيد الهولنديون على أكابر (Accabre)، أحد زعماء الثورة، فاكتفى بالضحك المحتقر عندما عذبوه. بعد قليل، تم إعدام أكابر وثمانية من المقاتلين في سبيل الحرية شيًا على نار هادئة. حتى أعداءهم انبهروا بأن رجال أكابر ظلوا صامدين للنهاية ولم يجفلوا.

 يختبئ دائمًا عنف الدولة خلف الديكتاتورية، التي تستعد لإطلاق العنان له عندما يتحدى الشعب الدولة. سيكون هناك المزيد من الوظائف الضائعة، والمزيد من العظام المكسورة، والمزيد من تضحية الأرواح. إن عجزنا عن إدراك ذلك قد نقلل من شأن الصعوبات. تحديدًا بسبب أن عنف السكان يطوِّر تكتيكاته الخاصة للدفاع عن الذات. إلى الآن استمرت هجمات بلطجية حزب المؤتمر ولم تلاق مقاومة، وكذلك هجمات البلطجية الذين يرتدون الزي الرسمي (ويسمون أنفسهم بالبوليس). تقترب تلك المرحلة من نهايتها. الدفاع عن الذات حق إنساني غير قابل للمصادرة، وستتغير تكتيكات مواجهة النظام لضمان أن يدافع الناس عن حقهم في الحياة والسلامة.

لا يحتاج تحالف الشعب العامل ولا أي منظمة أخرى لإنتاج مخطط شامل للكفاح القومي ضد الديكتاتور. يمكننا الاعتماد على مبادرة وحكمة شعبنا، بافتراض أن هناك روحًا للمقاومة. كتب مارتن كارتر قصائد للمقاومة ضد السطوة الاستعمارية. وإنها لا تزال موضوعية اليوم. ليست صدفة أنه كان من الأوائل الذين نادوا بمقاومة مجددة، في هذه الحالة، ضد ديكتاتورية برنهام. على الفنانين مسؤولية خاصة في زمن الأزمة هذا، وهي مهمة الدفاع عن الإبداع ضد انقضاضات نظام يتعامل كالبرابرة القدماء الذين يدهسون أي شيء ذا قيمة إنسانية. اكتشف شعب أمريكا اللاتينية أن الأقلام والجيتارات وفرش الرسم تتحول كلها إلى أسلحة فعالة ضد الغوريللات. إن اللغة والغناء والطبلة أيضًا أسلحة في الموقف الغياني. نمّوا روح المقاومة! نمّوا روح أكابر! يجب أن يرحل كنج كونج!

5.   اقتراح بديل واضح: الوحدة القومية وسلطة الشعب

في قلب الأزمة القومية، حقق الغيانيون بعض المكاسب. كان الإنجاز المذهل للغاية هو توطيد الوحدة العرقية. يقف الأفارقة والهنود جانبًا إلى جنب بشكل لم يتحقق منذ 1953. لدينا الآن بالفعل درجة من الوحدة العرقية أكبر مما كانت عليه  في أي حقبة سابقة من تاريخنا. كان موقف تحالف الشعب العامل باستمرار هو أن الوحدة السياسية التي تعبر الخطوط العرقية ممكنة ومرغوب فيها بشدة. تتجلى حقيقة ذلك الموقف الآن. 

أصلب وحدة هي وحدة الكفاح. لم يعد الغيانيون متفرقين في كفاحهم في سبيل الخبز والعدالة. يتضامن كلُ من عمال السكر الهنود وعمال البوكسيت الأفارقة في تبني قضية مشتركة. يؤمن المحامون الأفارقة والهنود بالحاجة إلى الوحدة لاستعادة سيادة القانون. تنضم أقلياتنا العرقية في الحركة القومية الجديدة بلا خوف من القمع. 

تنشر الديكتاتورية البروباجاندا المسعورة لتكبح حركة التضامن بين الأعراق. تعلن عصابة حزب المؤتمر أن تحالف الشعب العامل ما هو إلا مجموعة أفرو غيانية تفرِّق بين صفوف الشعب حتى يصبح الهنود الحكام القادمين! لا داعي للرد على هذا التخلف، إلا بأن ندعوكم إلى إلقاء النظر حولكم لـ «تروا بعيون الشعب». الأدهى من ذلك هو أن النظام يستخدم أو يفتعل حوادث العنف العرقي على الساحل الشرقي في ديميرارا (Demerara). عندما يرسل حزب المؤتمر البلطجية إلى الجاليات الهندية، لا أحدَ يعلقُ على ذلك. وعندما يُقتل أفريقي على يد هندي، يصبح ذلك مادة خصبة للعنصريين على برنامج «خط الفعل» الإذاعي (Action Line) ويتم إذاعتها في الراديو بغزارة بصوت شخص لا يقل إجرامًا عن «رابي» (Rabbi).[18] عصابة حزب المؤتمر لديها ما يكفي من الوقاحة للتحدث عن 1962، عندما كانوا طليعة العنف العرقي. ولكننا «سنسمع بآذان الشعب».

قبل أن نتمكن من إسقاط الديكتاتورية، يجب أن نحل مشكلة عصيبة، وهي إقامة وحدة وطنية رغم الفروق الطبقية. طالما كانت هناك طبقات، لا بد أن تكون هناك درجة من الصراع الطبقي. رغم ذلك، يجب علينا أن نبني وحدة واسعة لتعبر الخطوط الطبقية الموجودة؛ وهناك الكثير من العوامل التي تدعم هذا التطور في غيانا اليوم. 

إن التجسيد الأقصى للرأسمالية الحديثة يتمثل في الشركات الدولية. إن قوة الرأسمالي الحديث مذهلة لأنها على مستوى من الضخامة بحيث تسيطر على بلاد كاملة وتساند الاستغلال الإمبريالي. إن غيانا محظوظة لأن الشركات الدولية مثل بوكرز (Bookers) وألكان (Alcan) لم تعد تسيطر على اقتصادنا. أتت المناداة بالتأميم من جميع قطاعات الرأي التقدمية في غيانا. يجب الاعتراف بأن تأميم السكر والبوكسيت كان إيجابيًا، رغم أن الصناعات المأممة تأثرت أسوأ تأثير من لمسة برنهام. يستطيع رأس المال الخاص الموجود في غيانا أن يلعب دورًا قوميًا وطنيًا لأنه لا يمثل الاستغلال الإمبريالي تلقائيًا.

يستطيع رجال الصناعة ورجال الأعمال الغيانيون في العموم المشاركة في حركة وحدة وطنية لأن هناك حاجة كبيرة لتوسيع الإنتاج ورفع معدل الإنتاج. قبل أي شيء، هناك حاجة كبيرة لتوسيع قاعدة القوى الإنتاجية – مما يعني المزيد من التكنولوجيا، المزيد من الاستثمار، وعددًا أكبر من العمال الذين يُضمن لهم العمل والترقية. عبر الجدل والمناقشة والاحترام المتبادل للاتفاقيات، تستطيع الحركة القومية أن توفر ظروفًا مقبولة من طرفي مجموعة رجال الأعمال المحليين وجماهير العمال الأعرض.

في غيانا والكاريبي، تؤدي الطبقة الوسطى دورًا اجتماعيًا هامًا. يُستخدم مصطلح «الطبقة الوسطى» أو «البرجوازية الصغرى» عمومًا للإشارة إلى المحترفين وصغار رجال الأعمال وكبار الفلاحين والموظفين الحكوميين من المراتب المتوسطة فيما أعلى. إن الطبقة الوسطى الغيانية في أزمة عميقة.

تدهور المستوى المعيشي للطبقة الوسطى في غيانا بشدة – فالقليل من أفرادها توقعوا هذا التدهور وإن لم يعتادوه. عادةً ما تفكر الطبقة الوسطى بمفردات الأمان والراحة. لم يبق إلا القليل من هذه الأشياء. يسبب تشغيل السيارة في الصداع، ويمثل دفع قرض البيت عبئًا، ومن المستحيل شراء المنتجات الاستهلاكية بسبب الندرة والثمن الباهظ. إذن أصبحت الطبقة الوسطى تشعر ببعض من الحرمان المادي الذي عرفه الكثير من العمال منذ زمن – وكانت عملية الإدراك مؤلمة.

بالإضافة لذلك، خسرت الطبقة الوسطى إحساسها بالفخر المهني. تشعر تلك الطبقة بالقليل من الرضا الوظيفي – إن لم يكن معدومًا – في الخدمة الحكومية وحتى خارج الحكومة. تم إسكات الكثير من أفرادها؛ ولكن بعضهم  يسافرون ويعرفون العالم. إذن هم يعرفون أن الحكومة الغيانية موصومة تمامًا على المستوى الدولي، وأن الغيانيين عليهم تحمل العار الذي يراكمه الديكتاتور عليهم. وبالتالي يدخل الكثير من أعضاء الطبقة الوسطى في الحركة السياسية. الكثير منهم مستعدون للاحتشاد، وسيتعهد آخرون بتوفير بعض الموارد، والبعض الآخر مستعد لاتخاذ مخاطرات جادة كجزء من الحركة.

تتفهم الطبقة الوسطى أنه لا يمكن لها احتكار الحكومة الغيانية. لم يكن هذا ممكنًا منذ عام 1953. بالتالي يتفق الأعضاء المفكرون في الطبقة الوسطى على أن الحل هو حكومة الوحدة القومية. إنها حكومة لا يستطيعون السيطرة عليها، ولكنها سوف تمثل مصالحهم بشكل مناسب وسوف تعطي اعتبارًا صادقًا وحذرًا لآرائهم. 

يقف تحالف الشعب العامل في صفوف العمال والفلاحين. لا يوجد أي شك في ذلك؛ ليست هناك أي شروط ولا استثناءات في تعهداتنا لبناء مجتمع حيث يستفيد الشعب العامل بثمار أعماله. الطبقة العاملة المتحدة هي الأساس الذي سيُبنى عليه الوحدة القومية. الطبقة العاملة (بما في ذلك ربات المنازل والعاطلون) هي التي تعاني إلى أقصى درجة في ظل الديكتاتورية الفاسدة. الطبقة العاملة هي التي ضحت إلى أقصى حد في النضال من أجل الخبز والعدالة. لا بد أن يكتسب تفسير الطبقة العاملة العنصر التقدمي الموجود في طبقات وشرائح أخرى. يجب توضيح أن ديكتاتورية برنهام صدرت عن نظام اقتصادي معيَّن – نظام تأسس على عدم المساواة والاستغلال. يجب أيضًا أن نوضح أن العمال بحاجة إلى فرص جذرية داخل البنية السياسية ليضمنوا بشكل دائم الحقوق التي اكتسبوها بشكل مؤقت في مواجهة الاستعمار. سوف يتوقع الشعب العامل الغياني، وهو الأغلبية العظمى، أن قوة عمله تتمثل في قوة الدولة.

لقد نادى تحالف الشعب العامل بحكومة لإعادة البناء القومي والوحدة القومية. لا بد أن يلعب العمال دورًا قياديًا في تلك الحكومة حتمًا. والدليل على نضج عمالنا أنهم يفهمون تمامًا الحاجة إلى التسوية الوطنية مع الطبقات والشرائح الاجتماعية الأخرى. يعلم العمال من أكثر التجارب مرارة إلى أي مدى أصبح الوضع الاقتصادي بلا أمل. تعلَّم صغار الفلاحين من التجارب القاسية استحالة الزراعة والتعايش في نفس الوقت. إذن سوف تجتمع الأغلبية العظمى من شعبنا بلا شك حول برنامج يحيي الاقتصاد عبر مشاركة الجميع. سوف يجتمعون حول برنامج يحيي الحقوق الديموقراطية.

يمكننا تلخيص المسألة الوطنية بقولنا إن كل الطبقات في غيانا لها مصلحة موضوعية في الوحدة. يعني هذا أن كل الطبقات قد تأثرت سلبًا بشكل أو بآخر من جراء الحكم العشوائي وعدم الأمان ونقص الفرص لأداء العمل على أكمل وجه. على الصعيد الجماعي، نواجه تهديد التفتت وضياع الانتماء لغيانا كدولة قومية. والدليل المأسوي على ذلك يتمثل في الأعداد الكبيرة التي تقف في طوابير أمام السفارات ومصالح الجوازات، وفي الأعداد الكبيرة التي ليس لديها إلا طموح واحد في الحياة، وهو مغادرة غيانا.

حان الوقت أن نستدعي عزيمتنا الوطنية. يمر الطريق نحو استرداد الغاية القومية عبر استعادة الديموقراطية. وينبغي تمثيل كل الأحزاب وكل المجموعات المعنية والاعتراف بتمثيلها في حكومة لإعادة البناء القومي والوحدة الوطنية.

لا بد أن يرحل برنهام! نعم، ولكنه جانب واحد فقط من الصورة. يجب أن يكون هناك بديل يحل محل الديكتاتور. ليكن ذلك البديل حكومة الوحدة الوطنية. إن البديل الواضح دافع سياسي قوي. يعطي لشعبنا شيئًا ليحتشد حوله. يعطي للعالم الخارجي شيئًا ليفكر فيه كقوة المستقبل في التعامل مع غيانا. في أواخر أيام ديكتاتورية برنهام، يجب إعلان حكومة الوحدة الوطنية. ستوحد بين جميع الأعراق والطبقات؛ ستجتذب المدنيين وأفراد الجيش والشرطة؛ ستساهم هي نفسها في التعجيل بنهاية حكم كنج كونج.

 السلطة للشعب! لا للديكتاتور!

 كل السلطة للشعب!


 [1]  إيريك جيري (1922-1997) هو أول رئيس وزراء لجمهورية غرينادا بعد استقلالها عام 1974، وظل الحاكم حتى ثورة غرينادا عام 1979. الأوبيا هي مجموعة من الممارسات السحرية ذات أصول في أفريقيا الغربية والتي انتشرت عبر جزر الكاريبي.

[2]  فوربز برنهام (1923-1985) رجل سياسي غياني حكم غيانا منذ عام 1964 حتى موته، أولًا بصفته رئيسًا للوزراء (1964-1980)، ثم رئيسًا للدولة بعد تعديل دستوري (1980-1985) فرضه حزبه الحاكم على الغيانيين.

 [3]  أناستاسيو سوموسا (1925-1980 Anastasio Somoza,) هو ديكتاتور نيكاراجوا بين عامي 1967 و1979، أطاحت به ثورة اشتراكية قادتها جبهة التحرر القومي الساندينية (Frente Sandinista de Liberación Nacional).

 [4]  أوجوستو پينوتشيه (1915-2006 Augusto Pinochet) هو ديكتاتور تشيلي بين عامي 1973 و1990.

 [5]  جان كلود «بيبي دوك» دوڤالييه (1951-2014 Jean-Claude « Baby Doc » Duvalier) كان رئيسًا لهاييتي بين عامي 1971 و1986. ورث الحكم بعد موت أبيه فرانسوا «پاپا دوك» دوڤالييه (1907-1971François «Papa Doc» Duvalier, )، الذي حكم هاييتي كديكتاتور بين عامي 1957 و1971.

 [6]  يعتبر الپانديت (pandit) عالمًا من طائفة البراهمين الهندوس الذي يجيد فهم بعض النصوص المقدسة المعروفة بالـ«ڤيدا» (Veda). الإله كريشنا (Krishna) هو أحد أهم الآلهة في البانتيون الهندوسي. يعتبر الپانديت (pandit) عالمًا من طائفة البراهمين الهندوس الذي يجيد فهم بعض النصوص المقدسة المعروفة بالـ«ڤيدا» (Veda). الإله كريشنا (Krishna) هو أحد أهم الآلهة في البانتيون الهندوسي.

 [7]  الكاليپسو (Calypso) هي نوع من الموسيقى الغنائية الكاريبية المنتشرة في غيانا، ويُمنح تاجًا سنويًا للكاليپسو في مختلف البلاد الكاريبية لمن يقدم أفضل أغنية من هذا النوع.

 [8]  كلايڤ لويد (1944-) من مواليد جورجتاون في غيانا، وكان كابتن الجيل الذهبي لفريق الكريكت الكاريبي بين عامي 1974 و1985. حصل على كأس العالم في 1975 و1979، وخسر ضد الهند عام 1983. والجدير بالذكر أن الكريكت هي من أكثر الرياضات شهرة وانتشارًا في الكاريبي.

[9]  جيسي برنهام هي مناضلة سياسية غيانية وأخت فوربز برنهام، واشتهرت بمنشور سياسي لاذع ضد أخيها بعنوان «احترس يا أخي فوربز».

 [10]  «الثلاث ورقات» (Three-card trick) هي خدعة شائعة في الشوارع والملاهي عبر الأمريكتين. يضع الخادع ثلاثة ورقات لعب أمامه، وتختلف إحدى الورقات عن الأخريين (عادةً ما تكون بصورة الملكة). يكشف الخادع الثلاثة ورقات، ثم يخفيهن ويبدل أماكنهن ويطلب من اللاعب أن يراهن ببعض المال على مكان الورقة المختلفة. تبدو «الثلاثة ورقات» كلعبة بسيطة، ولكنها خدعة في يد الخادع الماهر، الذي يستطيع تغيير مكان الورقة بحركة يد سريعة في أي وقت، ويوهم اللاعب بأنها في مكان آخر. 

 [11]  مارتن كارتر (1927-1997) هو شاعر ومناضل سياسي غياني، اشتهر بأعماله الشعرية ضد قمع الاستعمار ثم قمع ديكتاتورية برنهام.

 [12]  الكريولي هي لغة عامية تمزج بين اللغات المحلية واللغة الاستعمارية الشائعة في بلاد ما بعد الاستعمار، وتختلف اللغات الكريولية حسب طبيعة المكان والمستعمر.

 [13]  عند انتهاء نظام العبودية في الامبراطورية البريطانية، بما في ذلك في غيانا البريطانية، تم تأسيس نظام «السخرة الهندية»، وكان الغرض منه توفير عمالة رخيصة لجميع أنحاء الامبراطورية بعد منع استخدام العبيد الأفارقة في الحقول. في غيانا والكاريبي، عمل عمال السخرة بشكل أساسي في صناعة السكر حتى انتهاء السخرة في بدايات القرن العشرين.

[14]  أجرت غيانا استفتاء دستوريًا عام 1978 لتغيير صلاحيات الرئيس وقواعد البرلمان، وتم تزوير ذلك الاستفتاء لصالح فوربز برنهام والحزب الحاكم.

 [15]  في 18 نوفمبر 1978، أمر قائد طائفة «معبد الشعب» (People’s Temple) جيم جونز جميع أعضاء الطائفة بالانتحار في قرية جونزتاون بغيانا، التي بناها للفرار من المقر الرئيسي للطائفة بكاليفورنيا.

 [16]  برنارد دارك (1925-1979) راهب يسوعي كان يعمل مدرسًا في غيانا، وكان يهوى الفوتوغرافيا. تم اغتياله من قبل مجموعة من الشباب المتحالفين مع حزب المؤتمر أثناء مظاهرات مضادة للحكم دعا إليها تحالف الشعب العامل في 14 يوليو 1979.

[17]  البوكسيت هو معدن مركب يحوي نسبة عالية من الألومينيوم، وتتمتع غيانا بأحد أكبر مناجم البوكسيت في العالم.

 [18]  خط العمل هو برنامج راديو يستضيف المكالمات الهاتفية من المستمعين. «رابي» ديفيد هيل ("Rabbi" David Hill) هو قائد طائفة باسم «بيت إسرائيل« (House of Israel) التي كانت تساند حكم برنهام وتساهم في العنف العشوائي ضد المواطنين.