اختار الصحفي والناقد الإنجليزي روبرت مَكروم قائمتين لأفضل مائة عمل سردي وأفضل مائة عمل غير سردي باللغة الإنجليزية، وكتب مقالًا يخص كل عمل منهم. نترجم في هذه السلسلة بعض هذه المقالات.

ترجمات هذه السلسلة جرت ضمن أعمال الدورة الرابعة من مختبر الترجمة بمعهد القاهرة للعلوم والآداب الحرة بالإسكندرية (سيلاس الإسكندرية) – ربيع 2019.

قائمة مكروم | كتاب أكلات البحر المتوسط (1950)

نُشر بموقع الجارديان 16 أغسطس 2016

ترجمة: أحمد إسماعيل وحسين الحاج وسلمى الديب ومنار عبد العزيز

الترجمة خاصة بـ Boring Books وسيلاس الإسكندرية

يحتفظ المترجمون بحقهم في المساءلة الأخلاقية والقانونية إذا تمت الاستعانة بترجمتهم دون إذن منهم


إليزابيث ديفيد، عن english-heritage

كُتِب «أكلات البحر الأبيض المتوسط» ونُشر في عصر الحصص التموينية بعد الحرب العالمية الثانية، حين كانت قسائم الطعام سارية، وتهيمن على النظام الغذائي الوطني وجبات كفتة الغضروف المقلية والخبز، والبصل والجزر المجفف، والسجق (المصنع من اللحوم المعلبة) المطهي في خليط البيض والدقيق. كان الكتاب بمثابة صرخة أطلقتها امرأة بريطانية مرهفة الحس نيابة عن الأماكن التي يصبح فيها الثوم البري مكونًا أساسيًا في كل وجبة، وحيث «يسود السلام والسعادة» حسب كلمات الطاهي مارسيل بوليستان.

يُعد الكتاب رد امرأة واحدة على تحديات زمن السلم الجديدة، ومرثية مقدونية، واستمتاعٌ بالحياة، وترتيلة موتى، وبيان احتجاج. عادت إليزابيث ديفيد إلى بريطانيا بعد الحرب، في البدء صارت كاتبة متخصصة في الطعام في مجلة «هاربرز بازار» بهدف جمع المال، وتذكير نفسها بالعالم المشمس الذي تركته خلفها -ذلك أنها قضت معظم فترة الحرب في بلاد البحر الأبيض المتوسط- ولتشن في النهاية تحديًا، تقوده امرأة واحدة، في مواجهة كآبة التقشف البريطاني.

ومع ذلك، منذ الصفحات الأولى من «كتاب أكلات البحر المتوسط»، لم تحتف إليزابيث ديفيد بمطبخ غريب آتٍ من تلك الأجواء الجنوبية المغرية فحسب، بل باللغة الإنجليزية التي استخدمتها في الكتاب نفسها. إن السيدة ديفيد (كما كانت معروفة) لم تبالغ في إثراء نثرها، لكن وصفاتها كانت غنية بالإثارة اللذيذة لمكونات نادرة وحارة. كتبت: «توجد أنواع لا حصر لها من الكشمش والزبيب والتين من سميرنا معلق على خيوط طويلة، والبلح واللوز والفستق وجوز الصنوبر وبذور البطيخ المجففة وصحائف من عجينة المشمش التي تذوب في الماء ليصنع منها مشروب بارد»[1].

يعتبر كتاب أكلات البحر المتوسط تجربة أدبية مهمة، والذي تبعته بسرعة بنفس الأسلوب بكتب «طبخ الريف الفرنسي» (1951) و«الأكلات الإيطالية» (1954) و«الطبخ في موسم الصيف» (1955)، كما امتلأ بالحكايات عن طهي جرترودشتاين، والاقتباسات الطويلة من أدباء مثل أوسبرت سيتويل، ود. هـ. لورانس، وهنري جيمس، وصديقاها نورمان دوجلاس ولورانس داريل. بالإضافة إلى الانغماس في قراءة بعض الكنوز الثمينة في النثر الإنجليزي، أرادت إليبزابيث ديفيد أن يفلت قراؤها من «الإحباط من شراء الحصص الأسبوعية الكافية لإطعامهم»، و«القراءة عن الطعام الحقيقي المطبوخ مع النبيذ والزيت والبيض والزبدة والكريمة، وأطباق غنية بنكهة بالبصل والثوم والأعشاب والخضروات الجنوبية ذات الألوان الزاهية». واعترفت بأن هذا قد يكون «مبالغًا فيه إذا جرى كل يوم، لكن من يريد أن يأكل نفس الطعام كل يوم؟».

كان هذا الكتاب في عام 1950 نفير للحشد، مشحون بسخط الكاتبة على مساوئ النظام الغذائي الوطني. تحدَّت فيه قراءها بوصفات شهية لأكلات: مول مارينيير moules marinières وكوكوريتسي kokkoretsi، بوكونشيني bocconcini، بويابيس bouillabaisse وبوريد bourride ، ليفر آلا رويال lièvre à la royale ، بايلا فالينسيانا paella Valenciana، بوف أون داوب boeuf en daube، وتحدتهم بالهرب من قيود الجبهة الداخلية والتوجه إلى أسواق سوهو. كتبت بكلمات مغرية بنفس درجة بياتركس بوتر[2]: «يمكن لمن يقومون برحلة تسويقية عرضية إلى منطقة توتنهام كورت رود شراء الجبن اليوناني وزيتون كالاماتا وعجين الطحينة القادم من الشرق الأوسط، الطيور الصغيرة المحفوظة في الزيت من قبرص، أوراق العنب المحشوة من تركيا، الفول المصري البني، وحتى في بعض الأحيان جبن الموزاريلا من نابولي، والعسل من جبل هيميتوس».

كانت بريطانيا قد ربحت الحرب للتو، وعلى حفا شفق الإمبراطورية. تدعو إليزابيث ديفيد قراءها في جميع كتبها، بدءًا من كتاب «أكلات البحر المتوسط»، إلى الاستفادة القصوى من الحكم البريطاني قبل فوات الأوان، لاستكشاف العالم من خلال أفرانه ومخازن طعامه، ولأن يدير البريطانيون ظهورهم لمطبخهم المنعزل.

لم تكن السيدة ديفيد كاتبة عادية إطلاقًا، إذ يبدو أنها في فترة صغيرة صارت اسمًا مألوفًا في عالم المنازل، ومُحَرِّرة، وإلهة للمطبخ، ومحرضة. كتبت كاتبة طبخ مميزة أخرى تدعى جين جريجسون عنها، ملتفتة إلى الماضي: «أتذكر عندما صدر كتاب (أكلات البحر المتوسط)، لم يكن الريحان وقتها أكثر من اسم شائع بين الأعمام العُزَّاب، وطُبعت الكوسة بالخط المائل بصفتها كلمة غريبة، وقلة منا عرفت كيف تأكل السباجيتي أو تقطف بقوة ثمرة الخرشوف». في عالم لا يمكن فيه شراء زجاجات صغيرة من زيت الزيتون إلا من صيدلي في صيدليات بوتس (بغرض نظافة الأذن)، وحيث استطاع تلفزيون البي بي سي إجراء تقرير في يوم كذبة أبريل عن «حصاد السباجيتي»، وحيث كان الطعام يعني «زبدة وحليب معلَّب وفطيرة ولتون».

منذ البداية، اجتذبت جودة كتابة إليبزابث وراديكالية موقفها مراجعات إيجابية. كتب ملحق التايمز اﻷدبي: «هذا الكتاب رسالة ثاقبة وسهلة القراءة حول الطعام اﻹيطالي واﻷطباق اﻹقليمية وطرق تحضيرهما في المطبخ اﻹنجليزي أكثر من كونه مجموعة من الوصفات»، كما أعلنت جريدة «ذا أوبزرفر» في ثناء: «اعتبار السيدة إليزابيث ديفيد… من بين مُحَسِّنات اﻹنسانية». وتضمن قائمة معجبيها كتاب مثل جون آرلوت وإيفلين ووه.

أصبح كتاب إليزابيث ديفيد الأخير فور صدوره، في نسخته ذات الغلاف الورقي، ملمحًا أساسيًا داخل ملايين المطابخ البريطانية. فيما بعد، تبع كتابها الأشهر على الإطلاق «أكلات الريف الفرنسي» (1960)، بمجموعة مختارة من مقالاتها الصحفية تحت عنوان «بيض مقلي وكأس نبيذ» (1984)، الذي تصدَّر بدوره قوائم المبيعات.

استحق كتاب «أكلات البحر المتوسط»مكانته في هذه القائمة لثلاثة أسباب، أولها أنه ألهم أجيالًا من كتاب الطبخ، بداية من جوليا تشايلد إلى نيجيلا لاوسون، وثانيًا أنه ألهم ثورة يعتبر كل من محلات «وايتروز» Waitrose و«سينسيبري» Sainsbury و«تسكو» Tesco  من نتائجها السعيدة، وربما حتى يرجع إليه انتشار برامج «ماسترتشف» MasterChef و«ذا جريت بريتيش بايك أوف» The Great British Bake Off. وأخيرًا أنه تبنى اعتقادًا عن الطبخ يمكن بنفس الطريقة أن ينطبق على النثر الإنجليزي في تألقه وعدم تكلفه، «الطبخ الجيد فعل أمين ومخلص وبسيطـ وهذا لا يعني بأية حال أنه يمكنك الحصول على أسرار عمل الأكلات الممتازة في عدة دقائق من خلال هذا الكتاب أو أي كتاب آخر، الأكل الطيب دائمًا ما يكون صعبًا، وإعداده ينبغي أن يعتبر كالمشقة في سبيل الحب، وهذا الكتاب معد خصيصا لهؤلاء الذين يستمتعون بالجهد المبذول في سبيل إسعاد أصدقائهم».

اقتباس بارز 

«العناصر المتكررة في طعام تلك البلدان هي الزيت، الزعفران، الثوم، الخمور المحلية اللاذعة، الرائحة العطرية للروزماري، المردقوش البري والريحان المجفف في حجرات المطابخ. عربات السوق المبهرة تحمل أكوام الفلفل الحلو، الباذنجان، الطماطم، الزيتون، الشمام، التين، الليمون، أكوام الأسماك اللامعة الفضية والقرمزية أو المخططة، والأسماك ذات الشوك الطويل والتي تتحول عظامها إلى اللون الأخضر فيما يشبه السحر».


اقرأ المزيد | آني ألبرز: حساسية اللمس


 قمر الدين (ملاحظة المترجمين).[1]

 (1866-1943) كاتبة ورسامة إنجليزية.Beatrix Potter  [2]