اختار الصحفي والناقد الإنجليزي روبرت مَكروم قائمتين لأفضل مائة عمل سردي وأفضل مائة عمل غير سردي باللغة الإنجليزية، وكتب مقالًا يخص كل عمل منهم. نترجم في هذه السلسلة بعض هذه المقالات.

ترجمات هذه السلسلة جرت ضمن أعمال الدورة الرابعة من مختبر الترجمة بمعهد القاهرة للعلوم والآداب الحرة بالإسكندرية (سيلاس الإسكندرية) – ربيع 2019.

قائمة مكروم | الحارس في حقل الشوفان لجي. دي. سالنجر

نُشر بموقع الجارديان 2 فبراير 2015

ترجمة: محمد الشيخ

الترجمة خاصة بـ Boring Books وسيلاس الإسكندرية

يحتفظ المترجمان بحقهما في المساءلة الأخلاقية والقانونية إذا تمت الاستعانة بترجمتهما دون إذن منهما

***

سالينجر عن hollywood reporter

يُمثل هولدن كولفيلد، بطل رواية جيروم ديفيد سالينجر، للقرن العشرين، ما يمثله هكلبيري فن للقرن التاسع عشر: صوت المراهقة الخالد واختلافه مع العالم المضطرب. هولدن بخلاف هك، كان صبيًا ثريًا حزينًا، يهرب من مدرسته الثانوية الأرستقراطية، مدرسة بنسي الثانوية في أجرستاون ببنسلفانيا. يبدأ الرواية، التي تُسرَد بلسان المتكلم، بترديد صدى افتتاحية رواية توين الشهيرة (الرواية رقم 23 في السلسلة)، بإنكار صريح لـ «كل هذا الهراء الشبيه برواية (ديفيد كوبرفيلد)».

يعلن هولدن أنه لن يخبرنا «عن تلك الأحداث الجنونية التي حدثت لي، في الكريسماس الماضي، قبل أن تسوء بي الأحوال». في الحقيقة، هذا ما يفعله فحسب، يكتب (متذكرًا من كاليفورنيا) عن الأيام الثلاثة في ديسمبر 1949، حين عاقبته المدرسة بسبب «إهمالي للدراسة»، تغيب عن الدراسة لفترات طويلة، ولقضاء عطلة نهاية الأسبوع لا تُنسى في مانهاتن. وعُذب هولدن حتى يصل إلى تفاهم مع أخته فيبي، وأخوهم المتوفى آلي. مثل العديد من المراهقين، يشعر هولدن أن العالم غريب وعدائي ومُنهك، يديره المزيفون.

من العلامات الفارقة في الرواية، أنه برغم أن تصوير سالينجر لهولدن كولفيلد يوحي أنه يعيش داخل عقل الصبي ذي الأعوام الستة عشرة المضطربة، يبلغ عمر المؤلف نفسه ضعف عمر بطل الرواية. حارب سالينجر في أوروبا وكان أحد جنود المشاة، بعد الهبوط في اليوم-دي[1] على شاطيء يوتاه، ورأي بعينيه معركة الثغرة.[2] الكثير من المغامرات والأحداث في رواية «الحارس في حقل الشوفان» (ليلة ساهرة في فندق فاخر ومواعدة غرامية مع رفيقة/حبيبة قديمة وعراك مع عاهرة واحتيال قوادها عليه) قد تحكي أيضًا ليلة الراحة والاستجمام الكابوسية لجندي شاب.

ليس هذا سوى تفسير واحد للرواية. وقد أثرت تحفة سالينجر (التي نشرها بعد ظهورها) في الكتَّاب اللاحقين الذين كتبوا عن أبطال غاضبين، بداية من شخصية «تشارلز هايواي» للكاتب مارتن أميس وحتى شخصية «بورتنوي» للكاتب فيليب روث وغيرهما الكثير. تظل رواية «الحارس في حقل الشوفان» هي المرآة المشوِهة المجنونة، والمضحكة أحيانًا، التي ستنظر إليها أجيال عديدة من المراهقين في بريطانيا وأمريكا لمعرفة أنفسهم. وفي الوقت نفسه، ترشدهم إلى عدم التخلي عن شيء في حربهم ضد «المخادعين» الذين يدمرون حياتنا. يقول «هولدن كولفيلد» مرددًا مقولات «هك فن» مرة أخرى: «لا تخبر أي شخص أي شيء. فإذا فعلت ذلك، ستخسر الجميع في النهاية».

ملاحظة عن النص (وما بعده)

واجهت رواية «الحارس في حقل الشوفان» صعوبة في إيجاد ناشر، فقد حكم أحد المحررين على بطل الرواية بأنه «مجنون». كما ماطلت «النيويوركر»، التي سبق وأشادت بقصص سالينجر، في اتخاذ قرار النشر. وفي النهاية، نشرتها دار «ليتل وبراون» في بوسطن في 16 من يوليو 1951، وصمم إي مايكل ميتشل غلافها الذي حاز على الجوائز.

عمل سالينجر على تحفته الفنية لأكثر من عشر سنوات، وذلك في إعداد خطوطها الرئيسية ومسوداتها. وقد احتوت بعض قصصه القصيرة التي كتبها وهو طالب على شخصيات تذكّرنا بشخصيات رواية «الحارس في حقل الشوفان». وبالفعل كتب سالينجر، عندما كان في كولومبيا، قصة بعنوان «الشباب»، احتوت على شخصية تبدو نموذجًا أوليًا لشخصية «سالي هايز» (حب هولدن القديم). وفي نوفمبر 1941، باع سالينجر لمجلة «النيويوركر» قصة بعنوان «تمرد بسيط خارج ماديسون»، وهي تحكي عن مراهق غاضب يدعى «هولدن كولفيلد» يعاني من «توتر ما قبل الحرب»، لكن بعد اندلاع الحرب، التي خدم فيها سالينجر كضابط مشاة، اعتُبرت هذه القصة غير وطنية، ولم تُنشر حتى ديسمبر 1946. وفي الوقت ذاته، ظهرت في مجلة «كوليير»، في 22 ديسمبر 1945، قصة أخرى بعنوان «أنا مجنون»، احتوت على مواد استخدمها الكاتب في كتابة «الحارس في حقل الشوفان». وقد وافقت مجلة «النيويوركر» على نشر قصة طويلة أخرى عن «هولدن كولفيلد»، لكنها لم تُنشر أبدًا.

ما زالت رواية الحارس في حقل الشوفان تحتفظ بمكانتها كرواية مميزة تعبر عن إحساس اليأس والعزلة في سن المراهقة. يقول صديقي، الناقد آدم جوبنيك، إنها واحدة من أفضل ثلاثة كتب في الأدب الأمريكي. الكتابان الآخران هما مغامرات «هكلبيري فن» و«جاتسبي العظيم»، رقما 23 و51 في هذه المجموعة. يقول جوبنيك: «لا يوجد كتاب معبر عن مدينة مثل كتاب (الحارس في حقل الشوفان) لمدينة نيويورك في الخمسينات». سرعان ما اكتنف المؤلف والكتاب الغموض، ذلك الي أججه سالينجر نفسه، الذي عزز من من غموضه إلى درجة الهوس، وصار متخفيًا ومهووسًا بذاته بقدر هولدن كولفيلد، ومثلما وصفته النيويورك تايمز كان «جريتا جاربو الأدب»[3]، بخلاف تلك الرواية، نشر سالينجر مجموعة قصصية واحدة فقط، وكتابين قصيرين عن «عائلة جلاس»، التي يفضلها بعض القراء.

وعلى الرغم من ذلك، أصبحت رواية الحارس في حقل الشوفان واحدة من أكثر الروايات التي تدرس في المدارس الثانوية والمكتبات الأمريكية بين عامي 1961 و1982. بحلول عام 1981، كانت الكتاب الثاني الأكثر تدريسًا في الولايات المتحدة. أحب المراهقون خاصة هذا الكتاب الذي يعتبر بمثابة دعم هولدن للتمرد بالإضافة إلى الترويج للشرب والتدخين والجنس. والأدهى من ذلك وجود علاقة مشبوهة بين «الحارس في حقل الشوفان» ومقتل جون لينون على يد مارك تشابمان، واغتيال هينكلي الفاشل لرونالد ريجان. أبقى سالينجر نفسه منعزلًا عن العالم في نيوهامشير، وقال «هناك سلام رائع في عدم النشر». قال ذلك لأول مرة بعد صمت دام 20 عامًا.


[1]  يوم عملية الإنزال بنورماندي خلال الحرب العالمية الثانية.

آخر عملية هجوم كبيرة نفذتها القوات الألمانية خلال الحرب العالمية الثانية.[2]

في إشارة إلى الاعتزال المبكر للممثلة الأمريكية جريتا جاربو، وابتعادها عن الأضواء بعد ذلك.[3]