سر
قصة لسارة جالاردو
ترجمها عن الإنجليزية: أمير زكي
نُشرت الترجمة بجريدة الأخبار اللبنانية (20 يوليو 2019)
* سارة جالاردو (1931 ــــ 1988) روائية وقاصة أرجنتينية، من أشهر كتبها «أرض الدخان».
يحتفظ المترجم بحقه في المساءلة الأخلاقية والقانونية إذا تمت الاستعانة بترجمته دون إذن منه.
***
كانت امرأة شابّة برأس زائدة. تعيش في مدينة كومودورو ريفادافيا. ربما بسبب الرياح المستمرة، أو المجتمع الصغير المضجر، بدأت تتطلع إلى تجارب متنوعة. وكما أوضحنا كانت الخطوة الأولى أن تستعين بالرأس البديلة. ولأن ملامحها أرمنية، اختارت أن تكون شقراء. كل وَلَع إما أن ينمو أو يموت، وفي الحالتين يتوقف عن كونه وَلَعًا. في حالتها، نما الولع وتحول إلى احتياج. هكذا أضافت عدة أعين وأفواه، إلى جانب ثديين هائلين بديلين عن ثدييها، وساقين لم يمكن أن تكونا أكثر رشاقة. ثمة أسرار تجبر المرء على تغيير المشهد. قرّرت أن تنتقل إلى مدينة أخرى.
حزمت حقائبها وتوجهت مباشرة إلى بوينس آيرس. من وجهة نظر البعض، كان في هذا تقليل من شأنها: من معلمة إلى موظفة في متجر. أما بالنسبة إليها، فكان ذلك قدرًا من الحظ. عَمِلَت في متجر «هارودز»، في قسم أحذية الأطفال. كانت سعيدة لأنها انتقلت إلى قسم العطور، فالصبر لم يكن أفضل صفاتها. بالإضافة إلى ذلك، كانت بارعة في بيع العطور. باعت بمعدلات جيدة، وزادت النسبة التي تحصل عليها من المبيعات من مرتّبها. كان الأجر يناسب الجميع، ويناسبها بشكل أكبر. حياتها في غاية الروعة. حتى إنها وصلت إلى حد قبول الدعوة من الشخص نفسه، الموظف في قسم الأدوات المنزلية، وجعلته يعتقد أنها امرأتان. توجد هي، الأرمنية الجذابة، والصديقة الشقراء التي تعيش في منزلها. خرجتا للرقص، مع الرجل، على الرغم من سعادته بالحرية التي تسمح بها الشقراء، انتهى به الأمر بالتقدم للزواج بصاحبة الشعر البني.
لم تكن الاهتمامات في حياتها مقتصرة على تلك الأخطار. لم تغز تلك الأخطار مساحة تتجاوز قدر الذهاب للتسوق، وشراء الأحذية لقدمين بعينهما، وحمالات صدر لأحجام ثدي بعينها، وأدوات الزينة لأعينها وأفواهها. تَشَكَّلَت حياتها من وضع الأشياء وانتزاعها، مُنَاسبَة هذا لذاك، والضحك. يقولون إن الحب محنة وتجربة، حلَّت المحنة، وكان الحب حقيقيًا.
كان رجلًا من نوع لم يعد موجودًا. اعترفت له بكل شيء. بقصة الرجل الذي عرفته من قسم الأدوات المنزلية، وبمعظم سرّها. لم يكن الأمر سهلًا! لكنها فعلته. بكت كما لو أن روحها كانت تسحب منها، أرته مجموعتها، وأقسمت له أنها ستظل الأرمنية ذات الشعر البني، ذات الثديين الصغيرين والقدمين الكبيرتين. تحوّل وجهه إلى شحوب ظاهر، دَخَّن سيجارة كاملة صامتًا ومستندًا إلى النافذة. أثناء انتظارها كلمة منه، وبعدما ندمت على اعترافها، خطّطت أن تحزم حقائبها وتفرّ في الصباح الباكر إلى مندوزا. لكنه التفّ سريعًا واحتضنها. سوف يحبّها، بغضّ النظر عن الشكل الذي ستتخذه. لكن كان عليها فقط أن تخبره بذلك مسبقًا. غالبًا في البداية.
إنها سعادة الحب، حين يقدم أكثر مما نتوقع منه. ومن منطلق الامتنان والبهجة، رقصت رقصة مجنونة، وأغرقته بالقبلات، وبكت بكاء سخينًا. أحبا بعضهما حبًا غامرًا. توجها إلى السينما. كانا سعيدين. لا بد من قول إنه صار مدمنًا عليها، إذا أتقنّا القول. كان لديها الكثير لتقدمه. من جهتها، أن تجد تقبلًا لأكبر سر بين أسرارها كان رباطًا لا يمكن لأي شيء أن يحله.
يقولون إن الفهد لا يغير طبيعته، وهذا صحيح. ولكن هذا لا يشتمل على الفرار. ثمّة طرق وأشكال. ظلت متحكمة بحاجتها للتحول، مع استمرار عادات صغيرة لا تؤذي أحدًا ولا تحتاج إلى الاعتراف بها. تأكل الحقائب البلاستيكية الذهبية والسوداء من النوع الذي اعتاد الناس أن يضعوا فيه مشترياتهم في وظيفتها، وتنظف أرضية المطبخ بشامبو الشعر، وتذهب إلى الحفل التنكري بدون ملابس تنكرية.
في أحد الأيام قررا الاحتفال بسعادتهما بإنجاب طفل. حملت بالطفل، ونما الجنين حتى كَبر وصار يتحرك، كما يحدث في المعتاد. مارس الأب، الممتلئ بمشاعر الحماسة والحب، كل ما هو على الموضة هذه الأيام: فصول الأبوّة، استشارات الزوجين، والعديد من المزعجات اللانهائية لكليهما. ومن ضمن ذلك، قرر مرافقة زوجته أثناء الولادة. وُلد الصبي في رخاء. ولكنه لُفّ في حقيبة بلاستيكية ذهبية وسوداء مكتوب عليها «الأدوات المنزلية في هارودز»، هكذا كُتب بحروف جميلة. كان طفلًا ذا ملامح وسيمة، مطابقًا لأبيه كما أقرّ الجميع. غادر الأب غرفة الولادة. غادر المدينة، غادر المرأة ــــ وغادر الطفل، للأبد. هكذا هو الحب، حين يشعر بالخيانة.
هكذا هي الأسرار، تريدنا وحيدين. وحيدين.