سويتنس*

نص لتوني موريسون

نُشر في النيويوركر 2 فبراير 2015

ترجمة: رولا عادل رشوان

مقتطفات من رواية «ليكن الرب في عون الطفلة»، للكاتبة الأمريكية توني موريسون، التي توفيت في 5 أغسطس عام 2019. تجري الرواية على لسان أبطالها المتعددين، كلٍّ من منظوره، والمقتطفات التالية هي تجميعة من الفصول التي تُروى على لسان الأم في القصة، «سويتنس». (المترجمة)

الترجمة خاصة بـ Boring Books

تحتفظ المترجمة بحقها في المساءلة الأخلاقية والقانونية إذا تمت الاستعانة بترجمتها دون إذن منها

***

توني موريسون عن Vox

ليست غلطتي، لهذا لا يمكنك أن تلومني. لم أتسبب في ذلك ولا أعلم حتى كيف حدث. لم يستغرق الأمر مني أكثر من ساعة، بعد أن سحبوها من بين رجليَّ لأدرك أن هناك خطأ ما، خطأ شديدًا. كانت بشرتها سوداء جدًا لدرجة أخافتني. كانت سوداء كسواد الليل في منتصفه، كالبشرة شديدة السواد لهؤلاء القوم في بلاد السودان. أما أنا فبشرتي زاهية وشعري جميل، كنت من هؤلاء الذين يُطْلَق عليهم الأفريقيون ذوو البشرة الفاتحة، وكذلك كان والد «لولا آن». لم يملك أي فرد في عائلتي بشرة بمثل هذا اللون الحالك قط. كان القطران هو كل ما استطعت أن أفكر به كلما شاهدت لونها، رغم أن شعرها كان لطيفًا بقدرٍ لم يتماش مع لون بشرتها، كان شعرها منسدلًا بتمويجةٍ خفيفة مثل نساء القبائل العاريات في أستراليا. ربما تفكرون في احتمالية أنها ورثت لونها عن أي من أجدادها مثلًا، ولكن أي جد؟ كان عليكم أن تروا جدتي، لقد ظنَّها الجميع بيضاء وتزوَّجت رجلًا أبيض، ولم تتبادل بعدها أي كلمة مع أي من بناتها. كل خطاب استقبلَته من أمي أو من خالاتي، كان يُعاد إليهن بعدها سليمًا كما أُرسل، دون أن يُفتح. في النهاية فهمن أنها لم ترد مراسلتهن ونسوا أمرها. كان هذا معتادًا وقتها بين الخلاسيين وأصحاب الأصول المختلطة، إذا كنتِ تملكين شعرًا جميلًا، فهذا يكفي. كانت أمي «لولا ماي» تستطيع أن تنضم بسهولة إلى مجتمع البيض، لكنها اختارت ألا تفعل، وقد أخبرتني فيما بعد عن عاقبة قرارها هذا. عندما قررت الزواج بوالدي، ذهبا إلى المحكمة لعقد قرانهما، وكانت هناك نسختان من الإنجيل، وقد جعلوهما يرددان نذور الزواج مُمسكيْن بالإنجيل المُخصَّص للسود، أما النسخة الثانية فكانت مُخصَّصة لأيدي البيِض فقط. الإنجيل! هل يمكنك تخيُّل ما هو أفظع؟ كانت أمي تعمل مدبرة منزل عند زوجين من البيِض، كانا يتناولان كل طبق تطهيه لهما، ويُصرَّان أن تدعك ظهريهما بينما يستحمان، ويعلم الله ما هي الأمور الحميمية الأخرى التي أجبراها على فعلها، إلا أن يحلّ لها لمس نفس النسخة من الإنجيل.

قد تظنون أنه أمر مريع أن نلجأ إلى تصنيف أنفسنا وفقًا للون البشرة -البشرة الأفتح هي الأفضل- في الأندية الاجتماعية والأحياء والكنائس والجمعيات النسائية وحتى المدارس المُخصَّصة للملوَّنين. ولكن كيف كان بإمكاننا أن نحظى بقليل من الكرامة لولا ذلك، كيف كان بإمكاننا أن نتغلَّب على البصقات الموجَّهة إلينا في الصيدلية، أو الضرب بالمرفق في محطات الأوتوبيس، أو اضطرارنا أن نمشي بين البالوعات تاركين الرصيف بأكمله للسائرين من البيِض، أو إرغامنا على دفع خمسة بنسات في محل الخضروات مقابل الكيس الورقي الذي يُمْنَح مجانًا إلى المشترين البيض. ناهيك بالطبع بالسباب والشتائم. لقد سمعت عن هذا كله، بل وأكثر منه. أما أمي، فبفضل لون بشرتها الفاتح لم تُمنَع من تجربة القبعات أو استخدام الحمام في محلات الملابس، وتمكَّن أبي من قياس الأحذية في الجزء الأمامي من متجر الأحذية وليس في الغرفة الخلفية. لم يسمح أي منهما لنَفْسه بأن يشرب الماء من الصنبور المخصَّص للملونين، حتى لو كاد العطش أن يفنيهما.

أكره التصريح بهذا، لكن الطفلة «لولا آن» سببت لي إحراجًا منذ يومها الأول في جناح الولادة. كانت بشرتها شاحبة في البداية مثل جميع الأطفال، حتى الأفارقة منهم، لكنها تغيَّرت بسرعة. اعتَقدتُ أنه قد أصابتني لوثة ما عندما تحوَّل لون بشرتها أمام عينيَّ إلى لون أسود مائل إلى الزرقة. أعلم تمامًا أن اللوثة قد تملكتني فعلًا لدقيقة، لأنني -لبضع ثوانٍ فقط- وضعت بطانية على وجهها وضغطت.  لكنني لم أستطع القيام بذلك، بغض النظر عن مدى كرهي لحقيقة مولد الطفلة بلون بشرتها الرهيب ذلك. حتى أنني قد فكرت في إرسالها بعيدًا إلى إحدى دور الأيتام في مكان ما. لكنني خشيت من الفكرة؛ أن أكون إحدى هؤلاء الأمهات اللائي يتركن أطفالهن على عتبات الكنيسة. سمعتُ مؤخرًا عن زوجيْن في ألمانيا، أبيضيْن بلون الثلج، وقد وُلِدَ لهما طفل ذو بشرة داكنة لم يستطع أحد تفسير السبب ورائها. وُلِدَ لهما توأم، فيما أعتقد – كان أحدهما أبيض، بينما الآخر ملوَّنًا. لكنني لا أعرف إذا كان هذا صحيحًا. كل ما أعرفه هو أنني ارتعت لفكرة إرضاعها وبدا لي الأمر كما لو أن طفلًا زنجيًا[1] يمتص حَلَمة صدري. بعد وصولي إلى المنزل، لجأت على الفور إلى قنينة الرضاعة.

يعمل زوجي لويس حمَّالًا. وعندما عاد من عمله بمحطة القطار، نظر إليَّ وكأنني قد جننت ونظر إلى الطفلة كما لو جاءت من كوكب المشتري. لم يكن رجلًا لعَّانًا، لذلك عندما قال: «اللعنة! ما هذا بحق الجحيم؟» عرفتُ فورًا أننا في ورطة. كان هذا هو السبب في الشجارات التي تكررت بيننا. قضى هذا الأمر على حياتنا الزوجية. كنا قد أمضينا ثلاث سنوات جيدة معًا، لكن عندما ولدت الطفلة، ظل يلومني وعامل «لولا آن» كما لو كانت غريبة، بل حتى أكثر من ذلك، كما لو كانت عدوًّا. لم يلمسها أبدًا.

لم أستطع قط إقناعه بأنني لم أَخُنه مع رجلٍ آخر. كان متأكدًا تمامًا أنني أكذب. تجادلنا وتجادلنا حتى أخبرته أنها لا بد قد ورثت سواد لونها من ناحية عائلته - لا من ناحيتي. حينها فقط ازدادت الأمور سوءًا، حتي أنه هجرنا ورحل وكان عليَّ أن أبحث وقتها عن مكان آخر أرخص لنعيش فيه. فعلت أفضل ما بوسعي. كنت واعية بما يكفي لضرورة ألا أصطحبها معي بينما أدور على المُلَّاك بحثًا عن منزل مستأجر، لذلك تركتها مع ابن عم لي في سن المراهقة ليجالسها أثناء غيابي. لم أكن أصحبها معي كثيرًا إلى خارج المنزل على أية حال، فبينما اعتدت دفعها أمامي وهي راقدة في عربة الأطفال، كان الناس يميلون إلى العربة متأهبين لمدحها بعبارات لطيفًة، ثم يصيبهم لمرآها بعض من فزع، ويتراجعون عن العربة برهبة قبل أن تنقلب سحناتهم عابسة. كان هذا مؤلمًا. إن تبادلنا الأدوار وامتلكت أنا بشرتها السوداء وحظيت هي بلون بشرتي الفاتحة لظنني الناس مربيتها. كان أمرًا صعبًا عليَّ بما فيه الكفاية أن أكون مجرد امرأة ملوَّنة -حتى ببشرة صفراء فاتحة- تحاول أن تستأجر غرفة في مكان لائق في المدينة. في التسعينيات، إبان ولادة «لولا آن»، كان القانون يحظر ممارسة التمييز العنصري في أغراض تأجير الوحدات، لم يبد الكثير من المُلَّاك اهتمامًا بهذا القانون أصلًا. استطاعوا أن يختلقوا الأسباب لإبعادك. لكنني كنت محظوظة بالسيد «لي»، على الرغم من أنني علمت أنه رفع الإيجار سبعة دولارات عما ذكره في الإعلان، وعلى الرغم من نوبات غضبه التي كانت تنتابه إذا تأخرت دقيقة في تسليم الإيجار.

قلت لها أن تناديني بـ «سويتنس»[2] بدلًا من «أمي» أو «ماما». كان هذا أكثر أمانًا: كون بشرتها على هذه الدرجة من السواد، وامتلاكها لشفتين عددتهما غليظتين جدًا، كل هذا مع مناداتها لي بـ «ماما»، من شأنه أن يربك الناس. إلى جانب أنها امتلكت عينين بلون غريب؛ سوداوين مع ميل للزرقة ـ ملمحٌ منحها طلَّة مشؤومة كطلّة الساحرات.

وهكذا، كنا بمفردنا أنا وهي لفترة طويلة، وليس عليَّ أن أحكي عن مدى صعوبة أن تكوني زوجة مهجورة. أعتقد أن لويس شعر ببعض الضيق بعد أن تركنا هكذا فجأة، لأنه بعد بضعة أشهر، استطاع أن يكتشف إلى أين انتقلت وبدأ في إرسال مبلغ شهري ثابت، على الرغم من أنني لم أطلب منه ذلك ولم أذهب إلى المحكمة لأطلب منه نفقة. كانت الخمسون دولارًا، بالإضافة إلي مرتّبي من عملي الليلي في المستشفى، هي ما جنَّبتنا أنا و«لولا آن» الحاجة إلى الإعانة، وهو أمر جيد. أتمنى أن يتوقفوا عن تسميتها بـ «الإعانة» والعودة إلى الكلمة التي استخدموها عندما كانت أمي ما تزال صغيرة. كانت تُسمَّى «بدل راحة». يبدو ذلك الاسم أفضل بكثير، كما لو كان متنفّسًا قصيرًا بينما تتمالك شتات نفسك. ناهيك عن أن موظفي مكتب الإعانات كانوا مقززين مثل بصقة. عندما حصلت أخيرًا على فرصة عمل ولم أعد بحاجة إليهم كنت أحصل علي مالٍ أكثر من أي مبلغ قد تحصّلوا عليه طيلة حياتهم. أظن أن الدناءة كانت تطفح من شيكات الإعانة الضئيلة، ولهذا كانوا يعاملوننا مثل المتسوِّلين. خاصة عندما اعتادوا أن ينظروا إلى «لولا آن» ثم إليَّ -كما لو كنت أحاول الاحتيال عليهم أو شيء ما. تحسنت الأمور لكن كان ما يزال يتعيَّن عليَّ أن أكون حذرة، حذرة جدًا في الطريقة التي علي أن أربيها عليها. كان عليَّ أن أكون صارمة، صارمة للغاية. كانت «لولا آن» بحاجة إلى أن تتعلم كيف تتصرَّف، وكيف تُبقي رأسها منخفضة ولا تحاول إثارة المتاعب. لا يهمني كم مرة تُغيِّر اسمها. لونها خطيئة ستحملها دائمًا أينما حلَّت. لكن هذا ليس خطئي. ليس خطئي. ليس كذلك.

نعم، أشعر بالضيق أحيانًا عندما أتذكر الطريقة التي عاملت بها «لولا آن» عندما كانت صغيرة. ولكن عليكم أن تفهموا: كان عليَّ حمايتها. لم تكن تعرف العالم الذي ستعاني من العيش فيه. بلون بشرتها هذا، لم يكن هناك فائدة ستعود عليها إن كانت قوية أو وقحة مع الآخرين، حتي وإن كانت على حق. ليس في عالم من الوارد فيه إرسالك إلى سجن الأحداث إن تشاجرت أو حتي حاولت الرد على إهانة في المدرسة، في عالم ستكون فيه آخر شخص يُعيَّن في وظيفة وأول شخص يُقالُ منها. لم تكن تعرف أي شيء عن هذا أو عن كيف قد يخيف جلدها الأسود الأشخاص البيِض أو يدفعهم للضحك منها ومحاولة خداعها. لقد شاهدت ذات مرة فتاة لم تكن بشرتها حتى بمثل درجة سواد «لولا آن» وكانت تبلغ من العمر عشر سنوات على الأكثر، تعثَّرت ووقعت بفعل واحد من عصابة أولاد بيض، وعندما حاولت أن تكافح لتعاود الوقوف، دفعها آخر بقدمه على ظهرها وأرقدها على الأرض مرة أخرى. أمسك الأولاد البيض ببطونهم وانثنوا من فرط الضحك. كانوا ما يزالون يضحكون، حتى بعد أن رحلت الفتاة بفترة طويلة، كانوا فخورين بأنفسهم. لو لم أكن أشاهد ذلك من نافذة الباص، لأمكنني مساعدتها، بسحبها بعيدًا عن هؤلاء البيِض الحثالة. تعلمون، إذا لم أكن قد درَّبتُ «لولا آن» بشكل صحيح، لما عرفت من نفسها أن عليها أن تعبر الشارع وتتجنَّب الأولاد البيض. لكن الدروس التي علمتها لها آتت ثمارها أخيرًا، وقد جعلتني في النهاية فخورة مثل الطاووس.

لم أكن أمًّا سيئة، عليكم أن تعرفوا ذلك، لكن ربما قد أكون آذيت طفلتي الوحيدة ببعض تصرفاتي لأنه كان لزامًا عليَّ حمايتها. كان لزامًا عليَّ ذلك. كان التمييز استنادًا للون البشرة هو السبب. في البداية لم أستطع تجاوز هذا اللون الأسود الحالك لأتعرَّف من ورائه عليها وأمنحها حبًا صافيًا. ولكنني أحبها. أنا حقًا أحبها. أعتقد أنها تفهم الآن. أعتقد ذلك.

عندما رأيتها في المرتين الأخيرتين، كانت مذهلة. جريئة وواثقة من نفسها. كلما جاءت لزيارتي، أجدني لا أستطيع تذكّر لون بشرتها القاتم الذي كان، بعد أن صارت ترتديه ببهاء يتناسق وملابسها البيضاء.

لقد علَّمتني درسًا كان يجب عليَّ تعلُّمه منذ وقت طويل؛ الطريقة التي تعامل بها أطفالك مُهمة، وقد لا يستطيعون أبدًا نسيانها. فور أن صار باستطاعتها الرحيل، هجرتني وحيدة في شقتنا المريعة. ابتعدت عني قدر ما أمكنها: دللت نفسها وحصلت على وظيفة كبيرة في كاليفورنيا. لم تعُد تتصل أو تزورني، وتكتفي بإرسال بعض الأموال والأشياء الأخرى بين الحين والآخر. ولكني لم أعُد أراها منذ فترة لا أستطيع حتى تذكّر مداها.

أفضِّل هذا المكان -دار ونستون للمُسنِّين- عن تلك الدور الضخمة المُكلِّفة الأخرى التي تقع خارج المدينة. الدار التي أسكنها صغيرة، لها طابع حميمي، أرخص، وبها خدمة تمريض على مدار الأربع وعشرين ساعة وطبيب زائر يأتي مرتين في الأسبوع. أبلغ من العمر فقط ثلاثة وستين عامًا -أعني أنني ما أزال صغيرة جدًا في العمر على الالتحاق ببيوت الرعاية، ولكنني أصبت بمرض مُتفاقِم في العظام؛ لذا كانت الرعاية الطبية ضرورية. الملل أسوأ حقًا من الوهن ومن الألم، ولكن الممرضات لطيفات. لقد قبَّلتني إحداهن على خدي عندما أخبرتها أنني سأصبح جدّة، كانت ابتساماتها ومجاملاتها الرقيقة أشبه بتلك التي تُمْنَح إلى ملكة إبان الاحتفال بتتويجها. أَطلعتُ الممرضة على البطاقة الزرقاء التي أرسلتها «لولا آن» - في الحقيقة لقد وقّعت البطاقة باسم «برايد»[3]، لكني لم أعر ذلك يومًا أي اهتمام. بدت طائشة في الرسالة. «خمّني ماذا لدي من أخبار يا (س). أنا سعيدة جدًا جدًا لإبلاغك بهذا الخبر، سوف ألد قريبًا ويصبح لديَّ طفل. أنا متحمسة جدًا جدًا وأرجو أن تكوني كذلك أيضًا». أظن أن حماستها عائدة إلى فكرة إنجاب  طفل، وليس اهتمامًا بوالده، لأنها لم تذكره على الإطلاق. أتساءل عما إذا كان ذا بشرة سوداء مثلها. إذا كان الأمر كذلك، فليس لديها إذن داع لتقلق حول الأمر كما فعلت أنا فيما مضى. تغيرت الأمور قليلًا عن الوضع القديم السائد عندما كنت صغيرة. ينتشر السود ذوو البشرة الحالكة اليوم في كل قنوات التلفزيون وفي مجلات الأزياء والإعلانات التجارية، وحتى في الأفلام.

لم أجد عنوان المُرسِل مذكورًا على البطاقة. أظن إذن أنني ما أزال محاصرة في صورة الأم الشريرة، أعاقب حتى يوم مماتي على الأسلوب حسن النِيَّة الذي أنشأتها وربيتها به، والذي كانت حقًا ضروريًّا. أعلم أنها تكرهني. لقد اقتصرت علاقتنا على كونها ترسل لي نقودًا. عليَّ أن أعترف أنني ممتنة للمبالغ التي ترسلها، ذلك أنني لا أُضْطَر مطلقًا إلى أن أستجدي الحصول على المزيد كما يفعل المرضى الآخرون. إذا أردت الحصول على مجموعة جديدة من أوراق اللعب، فيمكنني الحصول على واحدة دون أن أُضْطَر إلى اللعب بتلك الأوراق القذرة المهترئة الموجودة في الصالة، كما أن باستطاعتي الحصول على كريم خاص للوجه. لكنني لا انخدع بكل هذا، أعلم تمام العلم أن المبالغ التي ترسلها، هي طريقتها للبقاء بعيدًا وإسكات ما تبقى لديها من ضمير.

إذا بدوت أحيانًا سريعة الغضب، أو قليلة الامتنان، فإن جزءًا من ذلك يرجع إلى شعور خفي بالندم. كل الأشياء الصغيرة التي لم أفعلها أو التي أخطأت فيها. أتذكر كيف كان رد فعلي إزاء دورتها الشهرية الأولى، أو الأوقات التي صرختُ فيها عندما تعثَّرت أو أسقطَت شيئًا ما. صحيح. كنت مستاءة حقًا، كنت منزعجة جدًا من بشرتها السوداء عندما وُلِدَتْ وراودتني في البداية فكرة أن… لا، علي أن أدفع تلك الذكريات بعيدًا وبسرعة. لا جدوى منها. أعلم أنني بذلت قصارى جهدي من أجلها في ظل تلك الظروف. عندما هجرنا زوجي، كانت لولا آن عبئًا. عبئًا ثقيلًا، ولكنني تحمَّلته كما يجب.

نعم. كنت قاسية عليها، كنت كذلك بالتأكيد. ولقد اضْطُرِرتُ إلى أن أزيد من قسوتي عليها بينما كانت في الثانية عشرة من عمرها وتقترب حثيثًا من الثالثة عشر. كانت ترد عليَّ بوقاحة، وترفض تناول ما أطبخه لها، وتُزيِّن شعرها. كنت أُصفِّفُ شعرها في ضفائر، ما تلبث أن تحلَّها فور وصولها إلى المدرسة. لم يكُن ممكنًا أن أتهاون فتفسد أخلاقها، أغلقت كل الطرق أمام محاولاتها وحذرتها من كافة الشتائم التي ستطلق على مسامعها. لا بد أن بعض محاولاتي لتقويمها قد أثمرت، ألا ترون كيف أصبحت: فتاة غنية ذات وظيفة مرموقة. وهل يمكن التفوق على هذا القدر من النجاح؟

والآن هي حامل. خطوة جيدة يا «لولا آن». إذا كنت تعتقدين أن الأمومة ما هي إلا هديل الطفل وتنظيف مؤخرته واستبدال حفَّاضاته، فيا لها من صدمة هائلة تلك التي على وشك أن تصفعك. هائلة. أنتِ وذلك المجهول؛ صديقك، زوجك، أو علاقتك المؤقتة أو كائنًا من كان... فكل ما تتخيلانه عن الطفل هو  أووه، طفل! مرحى مرحى!

استمعي إليَّ، إنك على وشك أن تكتشفي كيف هو الأمر وما يتطلبه من صعوبات، كيف هو العالم، وكيف تسير الأمور فيه، وكيف يتغيَّر كل شيء عندما تصبحين أمًا.

حظًّا سعيدًا، وليكن الرب في عون الطفلة.


[1]  في الأصل «Pickaninny»، وهو لفظ عنصري اعتاد الناس إطلاقه في ذلك الوقت على الأطفال سود البشرة.

[2]  Sweetness  وهو عنوان القصة، وتعني «لطيفة».

[3]  Bride  جاء الاسم في القصة بتشابه متعمد مع كلمة  Prideوتعني كرامة.