اقتباسات من رواية «كافكا على الشاطئ» لهاروكي موراكامي

ترجمة: إيمان رزق الله

إصدار: المركز الثقافي العربي

الاقتباسات من اختيار: أحمد عفيفي

***

«لكنني يجب أن أرحل من هنا»، أقول له، «ما من سبيل آخر».

«نعم، أحسب أنك مصيب». يعيد كرو وضع ثقالة الورق على المكتب، ويشبك يديه خلف رأسه، «وهذا لا يعني أنّ الهُروب هُوَ الحل لِكل شيء. لا أريد أن أفسد عليك خططك، لكنني لو كنت مكانك فلن أهرب من مكان كهذا. مَهما ابتعدت فلن تَحُل المَسافات شيئًا».


«هذا رقم موبايلي.. إنني أعيش مؤقتًا في شقة صديقة لي، إذا شعرت بالحاجة إلى رؤية أحدهم اتصل بي، يمكن أن نخرج معًا، ونتناول الطعام أو نفعل شيئًا كهذا. لا تشعر بالخجل، حسنًا؟ فحتى لقاءات الصدفة.. ما هي تتمة العبارة؟»

«هي نتائج الكارما».

«صح.. صح.. لكن ما معنى هذا؟»

«أن الأشياء التي تحدث لنا في حياتنا مكتوبة في حياتنا السابقة، وأنه حتى في أصغر الأشياء لا وجود للصدفة».


بمرور الوقت ننسى الأشياء. لقد أنسى الزمن الناس أشياء كثيرة، ومنها الحرب. هذا الصراع بين الحياة والموت يبدو الآن شيئًا من الماضي البعيد. محاصرون نحن داخل تفاصيل حياتنا اليومية لتبدو أحداث الماضي نجومًا قديمة خبا ضوؤها، فلم تعد تشغل محلًا في أذهاننا. ثمة الكثير لنفكر فيه كل يوم، والكثير لنتعلمه، أساليب جديدة، معلومات جديدة، تكنولوجيا جديدة، مفردات جديدة… ومع ذلك، ورغم مرور وقت طويل؛ وبغض النظر عن كل الأحداث الغامرة، فهناك أشياء لا يسعنا أبدًا أن نلقيها في طي النسيان، ذكريات لا تمحى، بل تبقى للأبد كالحجر الصوان.


«يحتاج تقدير موسيقى شوبرت إلى بعض التمرين. أنا مثلك وجدتها مملة وسخيفة عندما استمعت إليها أول مرة. أمر طبيعي بالنسبة إلى سنك. سوف تفهمها في حينه. الناس يملون سريعًا الأشياء غير المملة، لكنهم لا يملون ما هو ممل فعلًا. بالنسبة إليَّ ربما لديَّ رفاهية أن أضجر، ولكن ليس لدرجة أن أمل أي شيء، أغلب الناس لا يميزون الفرق بين هذا وذاك».


تخاف من الخيال؛ وتخاف أكثر من الأحلام، من المسؤولية التي تبدأ في الأحلام، لا بد لك من أن تنام، والأحلام جزء من النوم، يمكنك وأنت مستيقظ أن تقمع الخيال، أما الأحلام فلا يمكنك قمعها.


«يجب أن تنظر»، أمر جوني واكر ناكاتا. «وهذه قاعدة أخرى من قواعدنا. إغماض العينين لن يغير في شيء. لا شيء سيختفي لمجرد أنك لا تريد أن تراه. بل، ستجد أن الأمر ازداد سوءًا في المرة التالية التي تنظر فيها. هذا هو العالم الذي نحيا فيه. أبق عينيك مفتوحتين على وسعهما. الجبان فقط هو من يغمض عينيه. إغماض عينيك وسد أذنيك لن يوقف الزمن».


تمطر بغزارة مرتين، لكن ليس لوقت طويل، فأهرع إلى الخارج وأستحم عاريًا. أحيانًا أتعرق كليًا من ممارسة التمارين، فأنزع ملابسي وآخذ حمام شمس في الشرفة. أشرب الكثير من الشاي على الشرفة أو قرب النار، وأركِّز في القراءة. أقرأ كتبًا في التاريخ والعلوم والفولكلور والأساطير وعلم الاجتماع وعلم النفس، وأعمال شكسبير، وكل ما يخطر ببالك. لا أندفع في القراءة كأنني في سباق، بل أعيد قراءة الأجزاء التي أعتقد أنها الأهم حتى أفهم مغزاها، حتى تصبح ملموسة بالنسبة إليَّ. شيئًا فشيئًا تتغلغل مختلف أنواع المعرفة إلى عقلي. أتخيل كم سيكون رائعًا لو تمكنت من البقاء هنا قدر ما أشاء لأقرأ جميع تلك الكتب المتكدسة على الرف. ما زال لديَّ ما يكفي من طعام، لكنني أعلم أني مجرد عابر سبيل، وسأغادر بعد فترة. هذا المكان هادئ جدًا، وطبيعي جدًا، وكامل جدًا. لا أستحقه. ليس بعد على الأقل.


«معك حق»، يقول أوشيما، «هكذا هي القصص- نقاط تحول، قفزات غير متوقعة. السعادة لها شكل واحد، أما التعاسة فتأتي بكافة الأشكال والأحجام. كما يقول تولستوي: السعادة تشبيه، أما التعاسة فقصة».


«كافكا، في حياة كل شخص نقطة لا عودة. وفي حالات نادرة يُوجد نقطة يُمكنه التقدم منها، وحينَ نصل لتلك النقطة، كُل ما علينا فعله هو أن نتقبل الحقيقة بهُدوء، وهكذا نظل أحياء».


«من الطبيعي أنه هناك أمور كان يمكننا القيام بها على نحو أفضل، وإنما هناك أيضًا حدود لقدراتنا وعمومًا أطمئنك تمامًا إلى أننا نبذل قصارى جهدنا. وأظن أن التركيز على ما نقوم به جيدًا أفضل من التركيز على ما لا نستطيع أن نقوم به».


«لقد خبرت مختلف أنواع التمييز»، يقول أوشيما، «وحدهم الذين عانوا من التمييز يعرفون جيدًا كم هو مؤذ وجارح، وكل يتألم بطريقته، ولكل ندوبه. ولهذا أظن أن المساواة والعدالة يهمانني تمامًا بقدر ما يهمان أي شخص آخر، ولكن أكثر من يثير اشمئزازي أولئك الذين ليس لديهم خيال، ممن يسمّيهم ت.إس. إليوت: المجوَّفين. من يسدُّون هذا النقص في الخيال بأكوام قش خالية من الأحاسيس، حتى أنهم لا يدركون ماذا يفعلون، قساة يقذفونك بالكثير من الكلمات الفارغة ليحملونك على فعل ما لا تريد فعله… هناك مثليّون وسحاقيّات وطبيعيّون ونسويّون وخنازير وفاشستيّون وشيوعيون وهاري كريشناويون، لا يزعجني أحد منهم، ولا أبالي بأي شعار يرفعون، ولكن ما لا أتحمّله أبدًا أولئك المجوّفين».


«مهم طبعًا أن تميِّز الخطأ عن الصواب. والأخطاء الفردية في الحكم على الأشياء غالبًا ما يمكن تصحيحها، وطالما لديك الشجاعة للاعتراف بالأخطاء، يمكنك دومًا أن تحوّل الأشياء للاتجاه الآخر، ولكن الأفق الضيق اللا متسامح الذي بلا خيال، مثل الطفيليات التي تغيِّر الجسد المستضيف وتغير تكوينه، وتواصل هي النمو. إنهم فاشلون ولا أحب أن يصل أمثالهم إلى هنا».


«أعتقد أن مكان مولد الشخص مهم جدًا؛ لا يمكنك أن تختار أين تولد، لكنك تستطيع أن تختار أين تموت - إلى حدّ ما».


«رُبما مُعظم البشر لا يُحاولون حقًا أن يكونوا أحرارًا يا كافكا؛ هم فقط يعتقدون أنهم كذلك، كُل هذا مُجرد وَهم، ولو صاروا أحرارًا فعلًا؛ فسيقعون في مأزق حقيقي. الأفضل أن تعرف هذا جيدًا. الناس لا يُحبون أن يكونوا أحرارًا حقًّا».


«القُوة التي أبتغيها ليست تلكَ القوة التي تُفرق بينَ الفَوزَ والخسارة؛ أنا لا أبحث عن جدار يَصد القوة القادمة من الخارج، ما أُريدُه هوَ أن أكونَ قادرًا على امتصاص تلكَ القوة القادمة من الخارج والوقوف نِدًّا لها، القوة على تحمُّل الأشياء بهُدوء أشياء مثل الألم، سوء الحَظ، الحُزن، الأخطاء، سوء الفهم…".


«فقط، أبق أذنيك مفتوحتين يا كافكا… أصغ فحسب. تخيل نفسك صَدَفة».


«اسمع- ليس من حرب يمكن أن تنهي جميع الحروب، يقول لي كرو، «الحرب تنمو من الحرب. تتلذَّذ بالدم المسفوح بالعنف، وتتغذى على اللحم المجروح. الحرب كيان كامل قائم في ذاته. يجب أن تعلم هذا».


«الذكريات تدفئك من الداخل، لكنها تمزقك أشلاء أيضًا».


«رميت، منذ زمن طويل، شيئًا ما كان يجب أن أرميه»، تقول، «كان الأحب إلى قلبي، وكنت أخشى أن أفقده ذات يوم، ولذا كانَ عليَّ أن أتخلى عنهُ بنفسي… فإذا كان سيُسرق مني أو سأفقُده في حادث، فمن الأفضل أن أتخلى عنهُ بنفسي. بالطبع شعرت بغضب لم يبارحني أبدًا، وكان هذا جزءًا من قراري. وكان أيضًا خطأ كبيرًا، لم يكن عليَّ أن أرميه أبدًا».


اقرأ المزيد لهاروكي موراكامي: نافذة – هاروكي موراكامي – قصة قصيرة