فلسفتي
وودي آلان
ترجمة كاملة لقصة «فلسفتي» للمخرج السينمائي والكاتب الأمريكي وودي آلان.
نُشرت القصة لأول مرة في مجلة «النيويوركر» عام 1969.
ترجمة: محمد سيد عبد الرحيم
يحتفظ المترجم بحقه في المساءلة الأخلاقية والقانونية إذا تمت الاستعانة بترجمته دون إذن منه.
***

John Minihan/Evening Standard/Getty Images

 تَطَوُّر فلسفتي جاء من جراء ما يلي: دعتني زوجتي لتجربة أول سوفليه [1] تقوم بطهيه، وبالمصادفة أوقعت ملعقة مملوءة بالسوفليه على قدمي، فكسرت بذلك عدة عظام صغيرة. استُدعى الأطباء على الفور، فقاموا بعمل أشعة سينية، وبعد فحصها أمروني أن أمكث بالفراش لشهر كامل. وخلال فترة النقاهة تلك، اتجهت إلى قراءة أعمال بعض أهم مفكري المجتمع الغربي – كومة من الكتب كنت قد طرحتها جانبًا حتى يجيء ظرف مثل هذا الظرف. واستخفافًا بالترتيب التاريخي، بدأت بكيركيجور وسارتر، ثم انتقلت سريعًا إلى سبينوزا ثم هيوم ثم كافكا ثم كامو. لم أشعر بالملل مثلما كنت أظن، بالعكس لقد وجدت نفسي مشدوهًا بالهمة التي تعمل بها هذه العقول العظيمة لمهاجمة الأخلاق والفن والحياة والموت. أذكر تفاعلي مع ملاحظة معينة جد مضيئة لكيركيجور قال فيها: «مثل هذه العلاقة التي تتصل بذاتها عبر ذاتها (وهذا ما نسميه بذات) إما أنها قامت على ذاتها أو قامت على ذات أخرى». فجلال الفكرة جعلها تملأ عيناي بالدموع. رأيت أن لديه طريقة رائعة في التعبير عن أفكاره! (فأنا رجل عاجز أشد العجز عن كتابة جملتين كاملتين لهما معنى بموضوع مثل «يوم في حديقة الحيوان»). بعيدًا عن أن الفقرة بأكملها غير مفهومة لي، إلا أن ذلك لا يهم، ما دام كيركيجور سعيدًا بها. فجأة، أيقنت أن الميتافيزيقا هي العمل الذي خلقت لأجله، التقطت قلمًا وبدأت في الحال تدوين أول تأملاتي. تقدم العمل بسرعة، وبيومين فقط –مع الوضع في الاعتبار أوقات القيلولة و الأوقات التي أصوب فيها مسدس البلي على عيني الدب– أكملت عملي الفلسفي الذي أتمنى ألا يكتشفه أحد إلا بعد وفاتي، أو عندما نصل إلى عام 3000 (أيهما أقرب)، والذي، بكل تواضع، أرى أنه سيضعني في مكان محترم بين المفكرين الذين يتوجون التاريخ. وفيما يلي جزء صغير من الهيكل الأساسي للكنز الفكري الذي تركته للأجيال القادمة، أو الذي تركته حتى تأتي المرأة التي تنظف البيت.

أ‌-      نقد الفزع الخالص

الحيثية الأولى التي كان يجب عليَّ التفكير بها عند صياغة فلسفتي هي: ما الذي يمكن معرفته؟ وهذا يعني، ما الذي يمكن أن نتأكد من أننا نعرفه، أو نتأكد من أننا نعرف أننا نعرفه، إذا كان حقًّا يمكن معرفة أي شيء. أم أننا ببساطة قد نسينا ما عرفناه وخجلنا من أن نعترف بذلك؟ لقد أشار ديكارت إلى هذه المسألة عندما قال «عقلي لا يمكن أن يعرف جسدي، رغم أنه يعرف قدماي تمام المعرفة». أنا لا أقصد إطلاقا «بالمعرفة» المعرفة التي تصلنا عبر الإدراك الحسي، أو التي يمكن فهمها عبر الذهن، ولكني أقصد المعرفة التي تقال لتُعرف أو لإظهار امتلاكك المعرفة أو القدرة على المعرفة، أو على الأقل أستطيع تعريف المعرفة بأنها شيء يمكن ذكره لصديقك.

هل يمكن «معرفة» الكون؟ يا إلهي، أنه لمن الصعوبة بمكان أن لا تتوه في الحي الصيني فما بالك بالكون. ولكن المسألة هي: هل يوجد أي شيء خارجنا؟ ولماذا؟ وهل عليهم أن يكونوا مزعجين لهذا الحد؟ أخيرًا، لا يوجد شك أن الخصوصية الوحيدة لـ «الحقيقة» أنها تفتقد الجوهر. وهذا لا يعني أنه ليس لها جوهر، لكن فقط يعني أنها تفتقد الجوهر. (الحقيقة التي أتحدث عنها هنا هي كالحقيقة التي وصفها هوبز، لكنها أصغر قليلًا). وبالتالي من الأفضل التعبير عن الكوجيتو الديكارتي «أنا أفكر، إذن أنا موجود»، بقولنا «مرحبًا، ها هي إدنا تمضي حاملة الساكسفون!» لذا، فإذا أردنا أن نعرف شيئًا أو فكرة ما فعلينا أن نشك بها، وحينها يمكن ملاحظة الصفات التي تحملها في حالتها الآنية، وهي بالفعل «في ذات الشيء»، أو «بذات الشيء»، أو بشيء أو لا شيء. ومن البديهي أننا مع وصولنا إلى هذه النقطة فعلينا أن نغادر نظرية المعرفة لبرهة.

   (2) ب‌-   جدل علم الأخرويات كوسيلة للتغلب على الحزام الناري

نعتقد أن الكون يتكون من مادة، وسوف نطلق على هذه المادة اسم «الذرات»، أو نطلق عليها «مونادات». أطلق عليها ديمقريطس اسم الذرات. وأطلق عليها ليبنتز اسم المونادات. ولحسن الحظ أن كلًا منهما لم يقابل الآخر وإلا لقام بينهما جدال ممل جدًا. تتحرك تلك «الجسيمات» عن طريق محرك مباشر أو غير مباشر، أو ربما قد حدث شيئًا ما في مكان ما لا نعرفه. الفكرة أنه من السابق لأوانه أن نفعل أي شيء يتعلق بهذا الموضوع، سوى أن نأكل كمية كبيرة من السمك النيء. وهذا بالتأكيد لا يفسر سبب خلود النفس. وبالتأكيد لا يخبرنا عن أي شيء متعلق بالحياة الأخرى، أو عن شعور عمي سندر أنه مراقب من الألبان. العلاقة السببية بين المبدأ الأول (كمثال: الله، أو الرياح القوية) وأي تصور غائي للوجود، هي وفقًا لبسكال «سخيفة جدا لدرجة أنها لم تصل إلى أن تكون مضحكة». يطلق شوبنهاور عليها «الإرادة»، لكن طبيبه يشخصها بحمى القش. وفي آخر حياته، أصبحت تنغص عليه حياته، أو ربما بسبب شكه المتزايد أنه ليس موتسارت.

ج- معرفة الكون بلا تكلفة تذكر

إذن، ما هو «الجميل»؟ هل هو التوافق مع الحق، أو التوافق مع شيء ما «كالحق»؟ من المحتمل أنه التوافق مع «الأرض» وهذا ما يسبب لنا المشكلة. مرة أخرى هل الحقيقة هي الجمال – أم «الضروري»؟ إذن، فما هو خير أو يحمل صفات «الخير» ينتج عن «الحقيقة». وإذا لم يحدث ذلك، فتستطيع أن تراهن أن هذا الشيء ليس جميلًا، رغم أنه ما زال يحمل صفة الوقاية من الماء. بدأت أشعر أني كنت مُحق منذ البداية وأن كل شيء عليه أن يتوافق مع الأرض. ممم. حسنًا.

حكايتان رمزيتان

اقترب رجل من قصر. كان مدخله الوحيد محميًا من قبل بعض الحراس الشرسين والذين لديهم أوامر محددة بأن لا يُدخلوا أحدًا سوى شخص يدعى يوليوس. حاول الرجل أن يرشو الحراس بإعطائهم مئونة سنة من قطع دجاج حسب اختيارهم. لم يزدروا عرضه ولكنهم لم يقبلوه، فقط التقطوا أنفه ولووها حتى بدت كمسمار مولي. [3] فقال لهم الرجل إن عليه الدخول إلى القصر لأنه قد أحضر معه ملابس الإمبراطور الداخلية. وعندما رفض الحراس مرة أخرى، بدأ الرجل يرقص رقصة الشارلستون. بدا أنهم قد استمتعوا برقصته إلا أنهم كانوا نكدي المزاج بسبب معاملة الحكومة الفيدرالية للنافاجويين. [4] وعندما انقطع نَفَسه، انهار الرجل أرضًا. مات قبل أن يرى الإمبراطور ولقد كان مدينا لعائلة ستاينواي  [5] بستين دولارًا ثمن بيانو قد استأجره منهم في أغسطس الفائت.

*

أحمل رسالة للجنرال. أخذت أجري وأجري، لكن يبدو أن مقر الجنرال كان يبتعد أكثر فأكثر. أخيرًا، انقض عليَّ نمر أسود ضخم والتهم عقلي وقلبي. وقد أنهت هذه الحادثة ليلتي نهاية سيئة. ومهما حاولت، لم أستطع أن ألحق بالجنرال والذي أراه على مرمى البصر مرتديًا بنطلونًا قصيرًا وهامسًا لأعدائه بكلمتين فقط وهما «جوزة طيب».

حِكَم

من المستحيل أن يدرك المرء موته بموضوعية، ورغم ذلك فلدى المرء موقف محدد عن الموت.

*

الكون هو مجرد فكرة زائلة في عقل الله – بالتأكيد فكرة سيئة للغاية، خاصة إذا كنت قد دفعت مُقَدَمًا لشراء منزل جديد.

*

من الممكن أن يكون العدم الأبدي شيء رائع، فقط إذ ما ارتديت ملابس ملائمة.

*

إذا كان ديونسيوس  [6] حيًا بيننا الآن! فتُري أين كان سيتناول طعامه؟

*

سأخبرك أن الله ليس موجودًا، وأضيف على ذلك أن عليك أن تستدعي سباكًا نهاية كل أسبوع.


[1] صنف من أصناف الكيك.

[2] مرض فيروسي مؤلم يتميز بظهور طفح جلدي على طول العصب المصاب.

[3] نوع مسامير.

[4] الذين ينتمون إلى قبيلة النافوجو وهي قبيلة من الهنود الحمر.

[5] ستاينواي وأولاده هي واحدة من أشهر الشركات التي تصنع البيانو.

[6] إله إغريقي.