النصان التاليان لفرناندو بيسوا استخدمهما ريتشارد زينيث مترجم مختارات بيسوا الشعرية إلى الإنجليزية (كتاب: "أكبر قليلا من العالم بأسره") كبديل عن مقدمة المؤلف، النصان مستمدان من مقدمة ببيلوجرافية كتبها بيسوا لأعماله ومن أحد خطاباته.
الترجمة  عن الإنجليزية لريتشارد زينيث من كتاب "أكبر قليلا من العالم بأسره – مختارات شعرية لفرناندو بيسوا" 2006
ترجمة: أمير زكي

الترجمة خاصة بـ Boring Books

يحتفظ المترجم بحقه في المساءلة الأخلاقية والقانونية إذا تمت الاستعانة بترجمته دون إذن منه.

كتابات فرناندو بيسوا تندرج تحت نمطين من الأعمال، يمكن أن نطلق عليها أعمال الاسم الأساسي وأعمال الشخصيات المستعارة. ولا يمكن أن نطلق عليها أسماء ذاتية وأسماء مستعارة، لأن الأمر في الحقيقة يختلف عن ذلك. الأعمال التي تنسب لأسماء مستعارة يكتبها الكاتب بنفسه، باستثناء أنه يوقع باسم آخر؛ أما أعمال الشخصيات المستعارة فيكتبها الكاتب بعيدا عن نفسه؛ إنها تَنتُج من فرد مكتمل تماما صنعه المؤلف، كالجمل التي تتحدث بها شخصية في مسرحية كان يمكن أن يكتبها.
أعمال الشخصيات المستعارة لفرناندو بييسوا أنتجتها ثلاثة أسماء (حتى الآن) لشخصيات؛ آلبرتو كاييرو، وريكاردو ريس، وآلفارو دي كامبوس. هؤلاء الأفراد يجب أن يعتبروا متمايزين عن مؤلفهم. كل منهم يشكل نوعا من الدراما، وكلهم معا يشكلون معا دراما أخرى. آلبرتو كاييرو يرى أنه ولد عام 1889 ومات عام 1915، كتب أشعارا ذات اتجاه معين. الإثنان الآخران كانا تلميذين له وتفرع كل منهما (كلتميذين) إلى رؤية مختلفة من اتجاه كاييرو. ريكاردو ريس الذي يعتبر نفسه أنه ولد عام 1887، فًصَل وأسلب الرؤية العقلية والوثنية لأعمال كاييرو. أما آلفارو دي كامبوس الذي ولد عام 1890 فقد فَصَل (ما يمكن القول إنه) الجانب الانفعالي من أعمال كاييرو، هذا الذي صنفه على أنه "الشعورية" وهو – بالمزج بينه وبين تأثيرات أخرى أقل أهمية، أبرزها التأثر بوالت ويتمان – أدى لبزوغ العديد من المؤلفات، وهي ذات طبيعة مزعجة وفضائحية، ولكن بالنسبة لفرناندو بيسوا بشكل خاص،  ليس لديه خيار  سوى أن يكتبها وينشرها، بغض النظر عن مدى معارضته لها. أعمال الكتاب الثلاثة شكلت كما قلت مجموعا دراميا، والتفاعل العقلي لشخصياتهم إلى جانب علاقاتهم الشخصية الواقعية دُرِسَت تماما. إنها دراما مسرحية مقسمة إلى أشخاص بدلا من الفصول.
(مسألة كون هؤلاء الأفراد الثلاثة أكثر أو أقل واقعية من فرناندو بيسوا نفسه إن كانت ميتافيزيقية فلن يستطيع الأخير أبدا أن يحلها – وهو غير المطلع على سر الآلهة وبالتالي جاهل بما هو الواقع).
(من "مختصر ببليوجرافي" صاغه بيسوا ونشره عام 1928)
***
هناك عدة ملاحظات أخرى عن الموضوع.... أرى أمامي، في مساحة من الأحلام - خالية من الألوان ولكنها واقعية - وجوه وإيماءات كاييرو، وريكاردو ريس، وآلفارو دي كامبوس. حددتُ لهم أعمارهم وصِغتُ حيواتهم. ريكاردو ريس ولد عام 1887 (لا أذكر الشهر واليوم، ولكني كتبتهم في مكان ما) في أوبرتو، هو طبيب ويعيش الآن في البرازيل. آلبرتو كاييرو ولد عام 1889 ومات عام 1915؛ ولد في لشبونة ولكنه قضى معظم حياته في بلده، هو لم يكن صاحب مهنة وعمليا لم يدرس. آلفارو دي كامبوس ولد في تافيرا، في 15 أكتوبر عام 1890.... كامبوس مهندس بحري كما تعرف (درس في جلاسجو) ولكنه يعيش الآن في لشبونة ولا يعمل. كاييرو كان متوسط الطول، وصحته كانت ضعيفة حقا (مات من السل)، وكان يبدو أقل هشاشة مما هو عليه. ريكاردو ريس أقصر قليلا، وأقوى، ولكنه نحيف. آلفارو دي كامبوس طويل (خمسة أقدام وتسع بوصات، أطول مني ببوصة)، نحيل، مع ميل قليل للانحناء. جميعهم حليقو الوجوه – كاييرو أشقر بمحيا شاحب وعينين زرقاوين؛ ريس أسمر إلى حد ما؛ ريس لا شاحب ولا أسمر، يوحي بغموض أنه من النمط اليهودي البرتغالي ولكن بشعر ناعم مفروق من جانب واحد، ويرتدي مونوكل. كما أسلفت فكاييرو لم يتعلم تقريبا – فقط المدرسة الابتدائية، توفت أمه وأباه عندما كان صغيرا، وظل في بيته، يعيش من دخل ضئيل من ممتلكات عائلته، وكان يعيش مع خالة أمه. ريكاردو ريس تعلم في مدرسة الجيزويت الثانوية كما ذكرت، طبيب بشري؛ يعيش في البرازيل منذ عام 1919، توجه لهذا المنفى الاختياري بسبب تعاطفه مع الملكية؛ هو تعلم الثقافة اللاتينية بشكل رسمي، وهو علم نفسه ليكون نصف هيلينستي، بعد التعليم الثانوي العادي أُرسل آلفارو دي كامبوس إلى أسكتلندا ليدرس الهندسة؛ الميكانيكية أولا ثم البحرية. أثناء إجازاته ذهب في رحلة إلى الشرق، مما ألهمه كتابة قصيدة "الأفيونجي". علمه عم له - كان قسا بإقليم "البيرا" - اللغة اللاتينية.
كيف أكتب بأسماء الشخصيات الثلاث؟ كاييرو، يكون خلال الابتهاج والإلهام غير المتوقع، بدون معرفة أو حتى التشكك في أنني سأكتب باسمه. ريكاردو ريس، يكون بعد تأمل مجرد يأخذ فجأة شكلا متماسكا في نشيد. كامبوس، يكون عندما أشعر بدافع مفاجيء للكتابة وأنا لا أعرف ما الذي سأكتبه.
(من خطاب بتاريخ 13 يناير 1935)