سأقول ولدت. بعدما ولدت، حاول إبقائي في الداخل قدر ما استطاع، لكن كان هناك خدم، وبدأ الناس في الحديث عن زوجة النحات، وكم كانت غريبة، وكيف أن جمالًا كهذا لا يكون إلا منحة من إلهة. بعض الناس صدق، وبعضهم لم يفعل، لكن فجأة أرادوا كلهم شراء تماثيله.
جالاتيا
قصة لمادلين ميلر
ترجمة: أسامة حماد
مادلين ميلر، روائية أمريكية تحمل شهادة الماجستير في الأدب الكلاسيكي، وعملت لفترة طويلة مدرسة للأدب اللاتيني واليوناني وأدب شكسبير لطلاب المدارس الثانوية. ألفت ميلر روايتين هما "أغنية أخيل"، و"سيرسي"، بالإضافة لقصة قصيرة، "جالاتيا". حازت الروايتان العديد من الجوائز وكانتا على قوائم الأكثر مبيعًا لفترة طويلة. تعيد مادلين ميلر تناول الأساطير الإغريقية من زاوية غير معتادة لكتاب أدب الأساطير ومؤرخيها.
أخبرتني الممرضة: "أنت شاحبة جدًا. يجب أن تبقي هادئة حتى تستعيدي لونك".
قلت لها: "دائمًا ما كان هذا لوني. إذ كنت حجرًا قبل هذا".
ابتسمت المرأة ابتسامة غامضة، وغطتني بالبطانية. حذرها زوجي أن خيالي خصب، وأن مرضي يجعلني أقول أشياء قد تبدو غريبة لها.
قالت: "استلقي فحسب وسأحضر لك شيئا لتأكليه". كان لديها وحمة في جانب شفتها العليا وكنت أحب مشاهدتها كلما تكلمت. بعض الوحمات جميلة ومميزة، كبقع الألوان على الخيول. لكن بعضها ينمو الشعر بداخله، فتبدو متكتلة كالديدان، وحمتها كانت من هذا النوع.
"استلقي"، كررتها، لأني لم أفعل في المرة الأولى.
قلت لها: "أتعلمين ما قد يساعدني على استعادة نضارتي؟ التمشية".
قالت: "آه، لا، ليس قبل أن تتحسني. جسدك بارد، أتحسين به؟"
قلت لها: "هذا من الحجر، كما قلت لك. لن يكون دافئًا ما لم يتعرض للشمس. ألم تلمسي تمثالًا من قبل؟"
كررت: "جسدك بارد، استلقي فحسب، كوني طيعة". بدأت تتصرف باستعجال قليلًا، إذ أني ذكرت الحجر مرتين، وكان هذا مادة للنميمة مع الممرضات الأخريات وجعلها هذا متلهفة للحديث إلى الطبيب.
كانا يتضاجعان، هذا هو سبب لهفتها. بإمكاني سماعهما أحيانًا عبر الحائط. أنا لا أتشنع عليها، فأنا لا أكن ضغينة لها إن حظيت بمضاجعة ممتعة، إذا كانت ممتعة، وهو ما لا أعرفه. لكني أقول هذا لتفهمي ما أواجه: أن مرضي أكثر فائدة لها من صحتى.
أُغلق الباب، وأحسست أن الغرفة تورمت من حولي كما لو كانت كدمة. عندما كانت هنا، كان بإمكاني ادعاء أني شعرت أن الغرفة صغيرة لأنها هنا، لكن عندما غادرت أحسست أن الجدران الخشبية الأربعة تضغط باتجاهي، كرئة دخلها هواء الشهيق. لم تكن النافذة ذات فائدة، إذ كانت أعلى من أن أتمكن من النظر عبرها من السرير وصغيرة جدًا لتدخل الكثير من الهواء. كانت رائحة الغرفة حلوة وكريهة في الوقت ذاته، كما لو أن ألفًا من المعذبين ناموا وتعرقوا فيها، وهو ما أفترض أنه حدث، ثم سحقوا الأزهار على الأرضية بأقدامهم المتسخة.
أتى الطبيب لاحقا، وغمغم متحدثا إليَّ، "كلوي تقول إنك لم تستلقي في هدوء".
قلت: "أنا آسفة".
كان يحب هذا، لكنه كان مرتابًا في الوقت ذاته، فأنا أعتذر له كل يوم طيلة عام. كي أرضيه، حاولت تنويع أشكال الاعتذار– أنظر للأسفل، أعض على شفتي، ألوي أصابعي. مرة، انفجرت بالبكاء، وكانت هذه هي المرة المفضلة لديه.كنت أحاول إتقان الإغماء، لكني لم أتمكن منه بعد، إذ أحتاج إلى قضاء وقت طويل في التنفس بسرعة شديدة أولًا ولم أكن على علم أنه قادم. لكن بمجرد أن أفعل، ستكون هذه هي المرة الأفضل الجديدة. وسيخبر الطبيب زوجي، الذي سيغدق عليه بالعملات الذهبية، وسيسعد الجميع، إلا أنا. ومع ذلك، أعتقد أنني سأكون سعيدة قليلًا، للتفكير في هذه الطريقة.
قال متجهما: "ما الذي تفعلينه؟ لهذا السبب بالتحديد أنت مريضة".
كنت قد أقمت نفسي، أترين، عندما كنت أفكر في الإغماء. كانت الغرفة أضيق أثناء تواجد الطبيب، وكان قد تناول الثوم هذا اليوم، بالإضافة لما كانت عليه رائحته طول حياته، لذلك ذهبت للتنفس بجوار النافذة.
قلت: "أنا آسفة. أنا أحب عطر النرجس فحسب". كانت تلك أول فكرة خطرت على بالي، لكن هذا لم يزده إلا عبوسًا، إذ لم يكن هناك نرجس في الأنحاء، حيث كان البيت يطل على حافة صخرية على منحدر مطل على البحر، لذلك إن حاولت الخروج من النافذة، لن أهرب بل سأموت.
لم أكن متأكدة حتى أن للنرجس رائحة، أيضًا.
قال: "استلقي حالًا". بعدها، عندما أطعته، أخذ بمعصمى وأمسكه. قال: "نبضك بطيء".
بالتأكيد نبضي بطيء، فقد صنعت من الحجر، لكني لم أقل هذا. أصدرت صوتًا، ممممم، محاولة أن أتصنع الندم والاهتمام في ذات الوقت. فكرت أنني إن كنت بدأت في التنفس بسرعة في اللحظة التي أغلقت الممرضة فيها الباب، لربما كان هذا هو الوقت الذي أفقد فيه الوعي. لكني لم أفعل هذا، وقد فات الأوان الآن.
قلت: "أعتقد أني سأشعر بتحسن إن خرجت للمشي".
قال الطبيب: "أنت ضعيفة جدًا. ماذا سأقول لزوجك إن آذيت نفسك؟"
أخبرته: "كنت حجرًا قبل هذا. لن يؤذيني مجرد المشي".
"هذا يكفي"، قالها بصوت يعني أنه سيرسل في طلب الشاي. الشاي هو ذلك الشيء الذي يعطونني إياه عندما لا أستلقي، وأنا أكرهه. يجلسون إلى جواري حتى أشربه كله، وبعدها يؤلمني رأسي ويؤلمني لساني وأبلل سريري.
استلقيت. قلت له: "أنت محق، هذا أفضل. مممم، أشعر أنني أفضل".
راقبته عبر رموش عيني. كان مرتابًا، فاستكنت في الفراش أقرب إليه. "أنت على حق، كنت متعبة جدًا ولم أكن أعلم هذا". أملت أن يكون هذا كاف لينقذني من الشاي.
قال: "لا تبرحي مكانكِ. زوجك قادم لزيارتك اليوم".
فكرت، كان ينبغي على أن أوفر تمثيلية الاستكانة، لأنهم لا يعطوني الشاي عندما يأتي زوجي. هو يكره رائحة البول، ويحب أن أكون قادرة على استخدام لساني.
استلقيت في السرير ورتبت نفسي على النحو الأمثل. الأمر سهل، فقد تدربت عليه كثيرًا، لكن أعتقد أيضًا أن جزءًا مني، الجزء الحجري، يتذكر وهو سعيد للاستقرار في وضعه القديم.
الشيء الوحيد الأصعب هو الأصابع، يحب زوجي أن يذكر أنه قضى عامًا في العمل عليها، جاعلًا إياها تبدو حقيقية بدلًا من أن تكون هامدة ومرتخية، كما يفعل النحاتون الكسالى. لذلك على أن أركز وأثبتها بالطريقة التي يحبها، أو سيفسد هذا كل شيء.
مر وقت، لست على يقين من طوله. ثم سمعت عبر الباب صوت رنين العملات وصوت صرخات اندهاش الممرضات. زوجي ثري إلى حد ما الآن، ولديه ما يكفي ليدفع لألف طبيب ليخبروني جميعًا أن أستلقي. هو ثري بسببي، إن كنت تريدين أن تعلمي، لكنه لا يحب أن أقول هذا. يقول إنها منحة من الإلهة أولًا، ثم مهارته التي صنعتني من المرمر. بعدما ولدت–وربما ليست هذه هي الكلمة الصحيحة، لكن إن لم تكن كذلك، فلا أدري ما هي الكلمة الصحيحة– استيقظت؟ فقست؟ لا، هذه أسوأ. أنا لست بيضة.
سأقول ولدت. بعدما ولدت، حاول إبقائي في الداخل قدر ما استطاع، لكن كان هناك خدم، وبدأ الناس في الحديث عن زوجة النحات، وكم كانت غريبة، وكيف أن جمالًا كهذا لا يكون إلا منحة من إلهة. بعض الناس صدق، وبعضهم لم يفعل، لكن فجأة أرادوا كلهم شراء تماثيله.
لذلك نحت عذراء تلو الأخرى، وسألته، يا ترى، هل ستسري الحياة في أي منهن؟ فقال، بالطبع لا، هؤلاء الناس ليسوا جديرين بمنحة الإلهة. وأخبرني مجددًا كيف رعاني بعناية، ألبسني الحرير، وكساني بالأزهار والحلي، وجلب لى الأصداف والكرات الملونة، وصلى للإلهة كل ليلة. ألم يكن من الأسهل الزواج من فتاة من البلدة؟ سألت. هؤلاء العاهرات، قال، لا أريدهن.
فتح الباب. "غادروا ولا تزعجونا"، قال زوجي للخادمات، وهو ما لم يكن ضروريًا، إذ لم يزعجونا أبدًا، ليس لمدة عام على الأقل. لكن زوجي يعتقد في نفسه النفوذ هذه الأيام.
حل الصمت، إذ كان ينظر إليَّ، يتفحص أصابعي وباقي جسدي. لم أفتح عيني، لأن وظيفتي كانت أن أنام على الأريكة دون حراك حتى يتمكن من غمغمة، "آه، جميلتي نائمة".
مرات قليلة في الماضي، أفلتُ شخيرًا خافتًا، لمجرد أن أبدو حقيقية. لكن لم يعجبه هذا على الإطلاق.
سأل، "أنت نائمة؟" دخل الغرفة. "مغفل أنا لتفوهي بهذا. هي مصنوعة من المرمر ولا شيء أكثر". جثا على ركبتيه إلى جوار السرير، ورفع يديه. "أيتها الإلهة! لماذا لا يمكنني العثور على عذراء تشبه هذه لتكون زوجتي؟ لماذا هذا الكمال من المرمر وليس من لحم ودم؟ إذا كانت…–".
فجأة، غطى عينيه. "لا، لا أستطيع قولها".
فكرت في أن أصدر شخيرًا خافتًا في هذه اللحظة، لكن كان هذا ليكون أسوأ من ذي قبل.
"لا أجرؤ على البوح برغبتي. لكن يا أيتها الإلهة العظيمة، أنت تعلمين خفايا قلبي. أتوسل إليك، اعتقيني من هذا العذاب".
هوى رأسه على السرير، وفتحت عيني، إذ لم يكن يستطيع رؤيتي بينما يتمرغ في الفراش. كان شعره يختفي، وكان بإمكاني عد البقع الفارغة في فروة رأسه. ثلاث، كما هو معتاد.
أغمضت عيني، في الوقت المناسب. رفع رأسه، وقال: "لا، هذا غير معقول. لا بد أن أرضى بقدري".
لكن يده سقطت بلطف على ذراعي، ثم وفي لوعته ضغط عليها قليلًا.
"ما هذا؟" كان يحدق في ذراعي. "أمن الممكن هذا؟ أكاد أقسم أن جسدها دافئ. أدفأ من الحجر العادي، على أي حال". هز رأسه، كما لو كان يحاول إفراغها. "لا، أنا أتخيل أشياء. أو ربما سقطت عليها أشعة الشمس فجعلت المرمر دافئًا".
لم يكن هناك شمس في الغرفة، بالطبع، لكن لم يكن الوقت مناسبًا لقول هذا.
"أيتها الإلهة، لا تدفعيني نحو الجنون!" بدأ في تدليك فخذي وبطني بقوة، يختبر حجريتي. أنا أفتخر بنفسي لأنني لم أجفل. "نعم أقسم على هذا، أقسم بحياتي، إنها دافئة. أيتها الإلهة، إن كان هذا حلمًا، فدعيني نائمًا".
ثم ضغط بشفتيه على شفتي. قال، "لتنبعث فيك الحياة".
"لتنبعث فيك الحياة، يا حياتي، يا حبي، لتنبعث فيك الحياة". وهذه هي اللحظة التي من المفترض أن أفتح فيها عيناي كظبي برئ، وأراه يطل عليّ كالشمس، ويصدر أصوات لاهثة بالتعجب والشكر، ثم يضاجعني.
بعدها، أرقد إلى جوار كتفه الرطب. قلت: "حبيبي، أنا أفتقدك".
لم يقل شيئًا، لكني شعرت بنفاد صبره. كان العرق يجف على مقدمة جسده، وكان ظهره كمستنقع.
كذلك، يحك الخيزران جسده عبر الملاءة الممزقة، بينما هو معتاد على سرير مبطن في منزله.
"ما الذي تعمل عليه الآن؟" سألته. لأن هذا هو السؤال الوحيد الذي أعلم أنه سيجيبه.
رد عليّ قائلًا: "تمثال".
أغمضت عيني، "آه. أتمنى لو أستطيع رؤيته، يا حبيبي. ما هي ماهيته؟"
"فتاة".
قلت: "ستكون جميلة. أهي لواحد من رجال البلدة؟"
قال: "لا. لقد مللتهم. هذا التمثال لي أنا".
قلت: "يا له من أمر رائع. أتمنى أن أتمكن رؤيته عندما تنتهي".
قال: "ربما".
قلت: "سأكون شديدة التهذيب".
لم يقل شيئًا.
سألته: "كم عمر الفتاة؟"
قال: "عشرة".
توقعت أن يقول، "صغيرة". عندما سألته مرة كم انتوى أن يكون عمري، قال: "عذراء".
قلت: "عشرة. أربما، اثنا عشر؟"
قال: "لا".
قلت: "أنا أحب الفتيات في عمر الخامسة عشر بالفعل. ذلك اليوم، أحضرت الممرضة بنتها، وكانت في غاية الجمال. كان وجهها كله ممتلئًا بالضياء".
قال: "أنا لست مهتمًا بالفتيات في هذا العمر. أو ببنت الممرضة".
"بالطبع لا". مسدت على صدره بأصابعي المثالية. حاولت أن يكون صوتي مرتخيًا ولطيفًا، كما لو كنت أتثاءب.
"كيف حال بافوس يا حبيبي؟"
قال: "بخير. هذه الكلمة القبيحة الفارغة فحسب".
"أهي سعيدة؟"
"كيف تكون سعيدة، بعد ما فعلته أمها؟"
كنت جاهزة لهذا، وسالت مني دمعة على صدره. "أنا آسفة جدًا يا حبيبي. أتمنى لو أستطيع أن أعوضها".
دفعني عنه واعتدل جالسًا. "تتذللين من أجلها، ولا تتذللين لي".
أردت أن أقول، وما الذي تعتقد أني كنت أفعله؟ لكن زوجي بالطبع لن يُقدر هذا. هو رجل يحب الأسطح البيضاء الملساء. جثوت على ركبتي، وعقدت يدي حول ثديي. "يا حبي، أنا لا أرغب في شيء في العالم مثل رغبتي في المجيء معك إلى المنزل. اليوم، تمنيت لو أن معي شيئًا منك يبعث فيّ الطمأنينة. لوحة، ربما. لوحة أنت مرسوم فيها".
فاجئه هذا. قال: "لوحة. ليس تمثالًا؟"
قلت: "آه يا حبيبي، سيعذبني التمثال أشد العذاب. سيشبهك إلى درجة لا يمكنني احتمالها".
قال:" هممم. أرخيت ذراعي قليلًا كي يتمكن من رؤية ثديي بشكل أفضل. كانا جيدين جدًا، لقد حرص على هذا".
"ألا تفتقدني؟ قليلًا حتى؟"
"إن فعلت فهو خطؤك".
"هو كذلك، أعلم، أعلم أنه خطئي. أنا آسفة جدًا يا حبيبي. كم كنت حمقاء، لم أكن أدرك ما أفعله حتى".
قال: "حمقاء". كان ينظر إلى ثديي ثانية.
"نعم، حمقاء للغاية. حمقاء جاحدة".
قال: "كان ينبغي ألا تهربي".
"لن أهرب مجددًا أبدًا، أقسم بحياتي. رجلي لا تكاد تحملني عندما تتركني. أنا أعيش كل يوم أتوق لمجيئك. أنت زوجي، وأبي".
قال: "وأمك".
"نعم، وأمي. وأخي أيضًا. وحبيبي. كل هؤلاء".
قال: "تقولين هذا لأنك تريدين رؤية بافوس فحسب".
"بالطبع أريد رؤيتها. أي أم أكون إن لم أرغب في هذا؟ باردة، ووقحة. ليس هذا ما صنعته أنت والإلهة".
كنت أتنفس بصعوبة شديدة، لكني كنت أحاول أن أدعي العكس. كانت الأرضية تؤلم ركبتي، لكني لم أتحرك.
قال: "وقحة".
قلت: "وقحة".
أحسست بنظرته إلى، معجب بعمله. لم ينحتني على هذه الهيئة، لكنه كان يتخيل أنه يفعل. تمثال جميل، اسمه المبتهلة. كان بإمكانه بيعي والعيش كملك من بلاد العرب.
تجهم، وأشار. "ما هذا؟"
نظرت للأسفل نحو بطني ورأيت آثار فضية باهتة على جلدي، لا ترى إلا في الضوء. "يا حبي، هذه علامات طفلتنا. حيث تتمدد البطن".
حدق في بطني. "منذ متى وهي هناك؟"
"منذ أن ولدَت". قبل عشر سنين.
قال: "إنها قبيحة".
"أنا آسفة جدًا يا حبيبي. هذا يحدث لكل النساء".
قال: "إن كنتِ حجرًا، لنحتها لتختفي". ثم استدار وغادر، وبعدها بقليل جاء الطبيب ومعه الشاي.
الأمر أن زوجي لم يتوقع أن يكون بإمكاني الكلام. لا ألومه على هذا بالتحديد، بما أنه لم يعرفني إلا كتمثال، نقي وجميل ومنصاع لفنه. بطبيعة الحال، عندما تمنى أن تسري في الحياة، كان هذا ما يريده، أن أكون دافئة ليضاجعني ليس إلا.
لكنه بالفعل يبدو أحمق لأنه لم يفكر في هذا مليًا، كيف لا يمكنني أن أحيا وأبقى تمثالًا في الوقت ذاته. لم يتجاوز عمري الحادية عشرة وحتى أنا أعلم هذا.
لقد فهمت هذا للمرة الأولى، في اللحظة التي تلت ولادتي. وبالرغم من أنني كنت حجرًا، وأن الإلهة هي من صنعتني، كان حملي حقيقيًا كفاية، وكنت متعبة ومريضة وتورمت قدماي كثيرًا حتى لم يكن بإمكاني ارتداء الصنادل الذهبية التي يحبها. أغضبه هذا، لكن لم يمنعه من دفعي إلى السرير أو نحو الحائط ليضاجعني، وكنت قلقة أنني لن أحمل في طفل واحد، بل في بطن كامل، كما تفعل القطط في الشارع.
ولدت ابنتي جميلة وشاحبة كتمثال في يوم صيفي حار قاس قتل العجول في الحقول. لكن جسدها وكذلك جسدي كانا باردين تمامًا، نتأرجح سوية في كرسينا.
عندما كنا نذهب للتمشية، كان الجميع يتهامسون لكن لم يتحدث إلينا أحد، باستثناء مرة لمست فيها امرأة عجوز قدم بافوس وطلبت مني البركة. همهمت بشيء ما، فلمست ذراعي كبادرة شكر. كانت أصابعها غريبة، كأغصان شجرة جرداء، لكن جلدها كان طريًا جدًا.
أحيانًا، عندما كان زوجي ينشغل في عمله، كان مسموحًا لنا الذهاب بعيدًا إلى التلال. كانت بافوس قد كبرت، وكانت تتظاهر بأنها راعية غنم وكنت أتظاهر أنا بأنني غنمتها. كانت تحب هذا. كان تحب أكثر عندما أتظاهر أني عنزة، أقفز حافية من صخرة إلى أخرى، ولا أفقد اتزاني أبدًا. عندما صارت أكبر، أصررت أن تحظى بمعلم، بالرغم من اعتقاد زوجي أن هذا سيفسدها. لا، قلت، ستكون مفيدة لزوجها، على عكسي. فابتسم لي. أنتِ مفيدة كفاية. لكنه عين مدرسًا في النهاية، لأنني كنت أتملقه كلما ذكر الأمر.
عندما كنا نخرج إلى الحقول، كانت بافوس تعلمني. تقول: انظري، يمكن استخدام العصي لكتابة الحروف، وكنت أقول: لكن بعضها مدور. فتعبس وتقول: أنت على حق، لنذهب إلى الشاطئ ونستخدم الرمال. ففعلنا، وكان هذا أفضل من العصي، وأفضل حتى من ألواح المدرس، لأن البحر يمحوها بدلًا منك. كانت فتاة ذكية، ذكية جدًا، ولم أكن أحتاج أن أقول لها لا تخبري والدك.
في الليل، يرسلها والدها لتنام. كان يقول: "وأنت أيضًا، يا زوجتي، ألا تشعرين بالنعاس؟" وكنت أعلم أن الوقت حان للذهاب إلى السرير وترتيب نفسي لنتظاهر بأنني أصحو من حجريتي إليه.
عندما بلغت بافوس الثامنة، طرد المدرس. قال لي: "كان ينظر إليكِ".
كنت شاردة الذهن ذلك اليوم، أفكر في بافوس والحروف، وقلت: "بالطبع فعل هذا". كان الجميع ينظر إلى لأنني كنت أجمل امرأة في البلدة. لا أقول هذا لأتباهى، فلا شيء يدعو للتباهي في هذا. لم يكن شيئا فعلته بنفسي.
حدق زوجي في، وقال: "أكنتِ تعلمين؟"
حاولت أن أشرح، لكن كان الأوان قد فات. لم يعد مسموحًا لنا بالتمشية مجددًا، وسُلمت بافوس لمربية بدلًا من مدرس، وأُخذت ألواحها، وخلال النهار كان زوجي عابسًا ينظر إلى المرمر ولا يعمل. وفي الليل، كان أعنف كثيرًا مما اعتاد عليه ولم يتوقف عن السؤال، أستكونين مثل البقية؟
وكنت أعلم أنه يجب على أن أقول لا، لا، حبيبي، أبدًا.
كانت بافوس برمة–كانت تكره المنزل وأرادت أن تعود لمغامراتنا القديمة في الريف. لم تكن تهدأ في الوقت الذي كان يرغب والدها في التأمل فيه، وكان هذا معظم الوقت، وبمرور الأيام ازداد تبرمها. كنت آخذها إلى غرفتنا ونصنع حروفًا بأصابعنا. كانت تضحك، وأنا أيضًا، ولم ندرك كم كان صوتنا عاليًا.
أتى زوجي إلى المدخل. "لماذا تضحكان؟"
قالت بافوس: "ولم لا يجب علينا أن نضحك؟" كانت أطول من الفتيات الأخريات، وأطرافها طويلة. لم تكن تخافه.
قلت: "عزيزي، أنا آسفة جدًا أننا أزعجناك".
"هي لا تعتذر".
قلت: "هي ما زالت طفلة صغيرة".
قالت بافوس: "أنا لست طفلة صغيرة".
قال: "إذن اعتذري".
قلت له: "يا مسكين، يبدو أنك على وشك أن تتضور جوعًا. ألم تأكل؟ بافوس، حبيبتي، اتركينا لأتحدث إلى والدك للحظة".
غادرت، ورأيته يصر على أسنانه لرؤية كيف كانت مطيعة. قال: "أنت تحبينها أكثر مما تحبينني".
بالطبع لا، بالطبع لا. مسدت بيدي على شعره الطويل اللزج من التأمل. قلت هي شديدة الذكاء مقارنة بتلك المربية ليس إلا. إنها تشعر بالملل، وأنا لا أستطيع أن أعلمها أي شيء. تحتاج معلمًا.
قال: معلم. فقلت: نعم، معلم آخر قد يحسن الوضع، وحينها لن نزعجك. كان صامتًا، فأملت أنه يفكر في الأمر، لكن عندما رأيت وجهه كان مشدودًا وغاضبًا، كما لو أنه سيخرق جلده. أمسك بذراعي، وقال: خداك لا يحمران؟
لم أستطع التفكير لأتحدث، لشدة قبضته.
قال: أنت لم تعودي تستحين، هذا هو الأمر. تعتذرين وتعتذرين، ولكن لا أثر لحمرة الخجل في وجهك.
ألم تعودي تخجلين؟ قلت: لا، أبدًا. قبض على طوق فستاني وجذبه بعنف، لكنه لم يكن قويًا كما تمنى، ولم يتمكن من تمزيقه. جذبه بعنف مجددًا مرة بعد أخرى، ثم دفعني إلى الأرض وثبتني هناك، وجذبه، حتى استسلم القماش وأصبحت عارية.
غطيت نفسي بيدي وأصدرت أصواتًا خافتة كطفلة. احمري خجلًا، احمري، دعوت. احمري من أجله، وإلا سيقتلك. وكنت محظوظة، لأن الغرفة كانت دافئة، وكنت غاضبة، وخجلى أيضًا، إذ خفت أن تسمعنا بافوس، واندفع الدم نحو وجنتي واحمر وجهي.
قال: "إذن أنت لست قضية خاسرة بالنسبة لي بعد". وبعدها أرسلني إلى السرير، ثم، في ضوء المصباح، تأمل العلامات على جسدي، اللون الأحمر حول رقبتي، والأزرق على ذراعي وصدري حيث قبض علي. مسح عليها، كما لو كانت بقع، وليست كدمات. قال: "اللون مثالي"، انظري. وأمسك بالمرآة حتى أرى. "أنت تصنع أندر اللوحات، يا حبي".
كان لدي القليل من المال، عملات تساقطت من حقائب زوجي، أشياء وجدتها في الشارع. سرقت حذاء من المربية، من الجلد، ليس من الذهب، صنع للتسكع في الطرقات المتربة. وكان لدي عباءة سرقتها من زوجي. امتلكت بافوس عباءتها الخاصة، لأني أصررت أنها تبرد بسهولة، بالرغم من أنها مثلي لم تشعر بالبرد مطلقًا، أو بالحر كذلك.
وقلت لها: "أتودين الذهاب للريف؟"
فقالت: "لن يسمح أبي بهذا"، وقلت لها: "أعلم، لذلك لن نخبره".
لم نذهب أبعد من البلدة التالية، إذ لاحظنا الجميع. امرأة وفتاة، شاحبتان كلون اللبن؟ نعم، هكذا كُشف أمرنا.
تركتني الممرضة ممددة في السرير المبتل لفترة طويلة قبل أن تأتي بالملاءات الجافة. حزمت قصبات المرتبة بطريقة جعلتها تؤذي جسدي أسوأ من أي وقت، ورفضت أن تجيبني، مهما قلت لها، حتى عندما أخبرتها عن مدى جمال وحمتها. لم أكن أكذب حتى. في تلك اللحظة بدا أنها امتلكت وسامة خاصة بها.
بعدها، حممتني. لم تستخدم قطعة من الليف، يداها فحسب، غمرتها في الماء. أعتقد أنها تمنت أن أشتكي من هذا، لكني لم أفعل، لا بد أن يكون هذا أمرًا بائسًا، أن تحمم الناس إن كنت تكره هذا. ثم يأتي بعدها دور زيت الورد الذي يدفع زوجي مالًا إضافيًا من أجله، وتضعه هي على جسدي كما لو كانت تعجن خبزًا، تضرب جلدي بكلتا يديها.
كانت تقصد إيذائي، لكني نوعًا ما أحببت عنفوانه، الصوت والطريقة التي يتحول بها لون جلدي للون الوردي. عندما تغادر، كنت أمسح زيت الورد في الأغطية قدر إمكاني. كان جسدي قد تخلص من الشاي وأصبح ذهني صافيًا. فكرت، ابنتي في العاشرة.
بافوس عمرها عشر سنين.
في اليوم التالي، عبس الطبيب في وجهي. "أتشعرين بالتعب؟"
قلت: "لا. أنا معافاة تمامًا".
كان على وشك أن يقول، "إذن لماذا ترقدين في السرير؟" لكن هذا كان يعني اعترافًا بأنني لم أكن مريضة في الأساس. ها، فكرت.
قلت له: "أشعر بسلام غامر. سلام وصحة".
قال: "هممم".
قلت له: "آمل أن يأتي زوجي اليوم. أنا أفتقده بشدة".
قال الطبيب: "أخبرنا أنه ربما يأتي".
قلت: "يا له من أمر رائع. هذه أخبار رائعة".
أتت أصوات جلجلة العملات لاحقًا، لكني لم أكن متلهفة. رتبت نفسي بطريقة أنيقة. فتح الباب، وصرف زوجي الممرضات بعيدًا.
سمعت صوت انفتاح القفل. "آه، جميلتي نائمة".
فقلت: "لا، لست كذلك".
قال: "من أجل صالحك، أقول لك استلقي، وسأعود بعد دقيقة عندما تجهزين نفسك".
قلت: "أنا حبلى".
حدق في بطني. "هذا ليس ممكنًا". لأنه منذ حملت في بافوس، يترك بذوره على بطني.
بمساعدة الآلهة، كل الأشياء ممكنة، قلت له. انظر إلى بطني. نفختها قليلًا، لتبدو كتلّة صغيرة. وعلى أي حال، لم يكن يعرف كيف تبدو النساء. بالنسبة له، إن كان هناك أي شئ، فهو غريب.
شحب وجهه حينها؛ تقريبًا بنفس درجة شحوبي. "لم يقل الطبيب هذا".
"لم أخبر الطبيب، أردتك أن تكون أول العارفين. حبيبي، أنا سعيدة جدًا، سنحظى بطفل آخر، ثم بواحد آخر بعد هذا. ثم–"، لكن الباب كان قد أغلق بالفعل. لاحقًا أتى الطبيب، بنوع مختلف من الشاي.
قال: يجب أن تشربي هذا. وقلت أنا: من فضلك، أيمكنك إرسال الممرضة لتجلس إلى جواري بينما أشرب الشاي؟ قال: حسنًا. إذ رأى أنني كنت سأبكي إن لم يفعل. كم كان رائعًا سهولة هذا. جاءت الممرضة، وسألتها، هل سيؤلم؟ أخشى أن يؤلم. فقالت، سيؤلم قليلًا، وبعدها سيأتي الدم.
أنا خائفة، قلت لها، وخبأت وجهي في الوسادة.
مرت لحظة، وبعدها أحسست بيدها على ظهري. ستكونين على ما يرام، قالت لي. لقد فعلتها من قبل، وانظري، ما زلت أحيا. قلت لها: لكن الطفل لن يحيا. قالت: لا. بكيت، ورحت أتمرغ في الوسائد.
قالت: يجب أن تشربي الشاي. لكن صوتها لم يكن حادًا كما اعتادت.
قلت، أتمنى لو كان بإمكاني شربه في الخارج فحسب. أريد أن أهب الطفل للإلهة. لا يسمح الطبيب بهذا.
انتظرت، وانتظرت، وبكيت، وأخيرًا قالت: لكن الطبيب لا يكون هنا في الليل.
أردت أن أتمرغ في العشب كما يفعل الكلب، لكن كان من المفترض أني حبلى وأعاني لذلك ادعيت العرج، كما لو كان كل شيء فيّ عرضة للكسر. أحضرت الشاي، وأمسكته، وارتشفت. قالت لي: أخبريني عندما تبدأ التقلصات. غربلت التراب عبر أصابعي. كان المكان مظلمًا، وأطل قمر صغير، وفهمت من هذا أن الإلهة، إن كانت موجودة، تبتسم لي.
قلت: أعتقد أني أشعر بشيء.
قالت: هذا جيد.
كنا في الحديقة، خلف المنزل، بعيدًا عن البحر.
قلت: أنا أشعر بشيء.
قالت: هذا جيد.
انحنيت للأمام، وصرخت. سقطت على الأرض وصرخت مرة ثانية. ترددَت، خافت أن تلمسني.
هذا مؤلم، هذا مؤلم! أحضري الطبيب! كانت ترتجف، وشعرتُ بقليل من الأسف. لكني لم أكن آسفة كلية.
الطبيب، نعم. سأذهب لإحضاره. انتظري للحظة فحسب، بيته ليس بعيدًا.
بمجرد أن ذهبت، جريتُ. لم يشغلني أن تلحق بي. كانت ماهرة في استخدام أصابعها، لكنها لم تكن سريعة. ابتسمت وتسللت عبر الطريق إلى البلدة.
لم أحاول الدخول من باب المنزل–كنت أعلم أنه سيكون مغلقًا. لكن خلفه كان هناك شجرة، شجرة زيتون، كانت بافوس تتوسل إلى أن أتسلقها معها. خلعت نعلي وارتقيت الأغصان الرمادية الدافئة. مددت يدي، وسحبت نفسي إلى نافذتها. فكرت في هذا الأمر طوال اليوم، إن كنت سأوقظها أم لا. لكني لم أستطع، عندما رأيتها نائمة. كانت طفلة، في العاشرة، وكان هذا ليرعبها. لذلك بحثت عن جرة الرمال التي تحب الاحتفاظ بها لأن بها رائحة البحر وسكبت القليل منها على الأرضية.
بافوس، كتبت.
كنت لأقول المزيد، لكن هذا كان حدود معرفتي. خرجت من غرفتها مسرعة وذهبت إلى الباب الأمامي، الذي كان مغلقًا. لم أكن في عجلة، فلن يبحث أحد عني هنا؛ ألم أهرب منه من قبل؟ أرخيت القفل وتركت الباب مواربًا. كانت ورشة زوجي في الجناح البعيد، حيث يغمرها الضوء أفضل من أي مكان. وقفت خارج الباب وفكرت أني لم أعد متعبة من الجري، كانت أنفاسي سريعة. البيت من حولي هادئ. ولم يكن هناك خدم لأقلق بشأنهم–لم يحب زوجي أن يناموا في المنزل.
دفعت الباب ورأيت الفتاة، تضوي في مركز الغرفة. حجر، قلت لنفسي، لأني كنت أرتجف قليلًا. هي من الحجر ولن تصحو. اقتربت منها ورأيت وجهها. كان شاحبًا ويشبه اللؤلؤ، فمها مقوس وناعم. كانت عيناها مغلقتان، منزوية على أريكة حجرية. بدت أصغر من بافوس لأنها كانت أقل حجمًا منها.
هي عين الكمال، كل شبر منها، بدءًا من تجعيدات شرائطها الجميلة وحتى صندلها المطلي بالذهب.
لم يكن بها قشور، ولا رمل تحت أظافرها. لم تكن تطارد الماعز، ولم تعتد العصيان. تكاد ترى احمرار خديها. كانت مغطاة بغطاء من الحرير، مثل بطانية، فأزلتها. نزعت أسورة من الأزهار لفت رسغها. قبلت جبينها وهمست، "ابنتي، أنا آسفة".
ذهبت إلى غرفة زوجي ووقفت في المدخل. كان منطرحًا في السرير مشعثًا. قلت، "آه، جميلي نائم".
فتح زوجي عينيه ورآني. استدرت وبدأت في الجري. سمعت صوت ارتطام حيث تعثر في الكرسي الذي تركته له في القاعة، لكنه وقف مجددًا، واقترب من السلم.
هربت عبر الباب الأمامي إلى الشارع، وسمعت صوت ارتطام قدمه بالأرض من خلفي. لم يصرخ لأنه لم يرد أن يهدر أنفاسه؛ لم يكن هناك سوى صمت الليل وأنا وهو نجري في الشوارع. آلمتني رئتاي قليلًا لكن هذا لا يهم، فلن أحتاجهما قريبًا.
عبَر الطريق البلدة وانحدر نحو البحر. كنت بطيئة وبدينة من الاستلقاء في السرير لعام، لكنه لم يكن يحب الرياضة أبدًا وكان هو أيضًا بدينًا وبطيئًا.
أفسحت التربة المجال للرمال، باردة وكثيفة تحت قدمي، ثم جاء الحصى، ولم يكن يؤلمني أبدًا، ثم، أخيرًا، الأمواج. ألقيت بنفسي، وصارعت الأمواج إلى البحر المفتوح. بعدها بلحظات، تبعني وسمعت صوت ارتطامه بالأمواج.
لم يكن الماء بيئتي. كان يجذب ملابسي بينما أسبح. أبعد قليلًا، أخبرت نفسي. كنت أستطيع سماعه يقترب مني، ذراعاه أقوى من ذراعي نتيجة سنوات من حمل المرمر. شعرت باضطراب الماء قرب قدمي حيث انقض عليّ وكاد أن يمسك بي.
نظرت خلفي، ورأيت كم كان قريبًا مني وكم كان الشاطئ بعيدًا. أمسكتْ يده بكعب قدمي وشدتها، سحبني إليه كأنه يسحب حبلًا، يد تسلم الأخرى، وبعدها أمسك بي من رقبتي، وضغط وجهه مقابل وجهي. أعتقد أنه توقع مني أن أقاتل وأخمشه بأظافري. لم أقاتل. تمسكت به وأحطت بضلوعه، وشبكت يدي كيلا يتحرر. جذبنا الوزن المفاجئ إلى الأسفل. ضرب الماء بيديه وقدميه محاولًا العودة إلى السطح، لكني كنت أثقل مما اعتقد، ودخلت الأمواج إلى فاهينا.
لتكن إرادتك الآن، دعوت.
في البدء اعتقدت أنها مجرد برودة الماء. زحفت إلى أصابعي وذراعي، الذي تيبس حوله. جاهد وقاتل، لكن يداي التحمتا معًا ولم يفلح أي شيء فعله في فكهما. ثم سرتْ في قدمي أيضًا، وبطني وصدري، ومهما ركل، لم يفلح في رفعنا عاليًا نحو الهواء. ضربني، لكن ضرباته خففها الماء وكانت ضعيفة ولم أشعر بشيء، سوى الدائرة التي كونتها بذراعي، ووزن جسدي العنيد.
لم تكن لديه أي فرصة، حقًا. كان مجرد لحم ودم. سقطنا عبر الظلام، وزحف البرد إلى رقبتي ونزف اللون من رقبتي وخداي. فكرت في بافوس وكم كانت ذكية. فكرت في أختها الحجرية، النائمة في سلام على الأريكة. جرفنا التيار وفكرت في سرطان البحر الذي سيأتي من أجله، ويتسلق كتفي الشاحب. كان قاع المحيط رمليًا وناعمًا كوسادة. فاستقررت عليه ونمت.
تعقيب من المترجم
اعتادت مادلين ميلر في مؤلفيها الطويلين إعادة تناول أسطورتي أخيل وسيرسي، تفعل الشيء ذاته مع قصة جالاتيا. تركز الأسطورة القديمة بجميع تناولاتها حتى العربية منها على بيجماليون النحات الاستثنائي الذي نحت تمثالًا رائعًا ووقع في حبه وتمنى على الآلهة أن تبث فيه الحياة. في هذه القصة القصيرة تتحدث مادلين ميلر على لسان جالاتيا لتروي قصتها ومأساتها مع زوجها الذي أرادها زوجة جميلة ومطيعة. حبسها زوجها عن العالم وغار عليها ومن نظرات الآخرين وحتى من ابنتها التي منعها من رؤيتها، لكن جالاتيا رفضت كل هذا وتمردت عليه وأرادت أن تجد سبيلها نحو الحرية.
* الترجمة خاصة بـ Boring Books
** يحتفظ المترجم بحقه في المساءلة الأخلاقية والقانونية إذا تمت الاستعانة بترجمته دون إذن منه