كولونيالية النوع الجنسي
مقال لشهاب الخشاب
المقال خاص بـ Boring Books
يحتفظ الكاتب بحقه في المساءلة الأخلاقية والقانونية إذا تمت الاستعانة بمقاله دون إذن منه.
ليه الدولة عايزة تعرف نوعنا؟ أول ما الإنسان بيتولد في مصر، لازم يتسجل بعض المعلومات الأساسية عنه في شهادة ميلاده: اسمه، واسم أبوه، واسم أمه، وموقع ميلاده، وتاريخ ميلاده، وديانته، ونوعه. النوع هو الخانة الوحيدة اللي مالهاش إلا اختيارين، ذكر أو أنثى، ولازم جنس المولود يتحدد بحسم وبوضوح. طبعًا في مجتمع مهتم بشدة بازدواجية الجنس، الواحد مش مستني تحديد الدولة عشان يعرف جنس المولود بالظبط. عادةً الاسم بيوضَّح الموضوع ببساطة، ولكن الدولة مصممة إنها تحط خانة للنوع الجنسي. الخانة دي لها تأثير كبير على مدى حياة البني آدم: في الدراسة وفي الشغل وفي موقف التجنيد وفي الوراثة وحتى في الدفن. المواطن ما بيتعاملش مع الدولة بصفته مواطن في المطلق، وإنما بيتعامل معاها دايمًا بصفته رجل أو ست، وبالتالي لازم أي إنسان بيظهر في الوجود يتصنف من قبل ما يلحق ياخد نَفَسه في الدنيا.
إصرار الدولة على تسجيل النوع الجنسي مثال لأثر الفكر الاستعماري في المستعمرات الحالية والسابقة، بما في ذلك في مصر. المفكر وعالم الاجتماع الپيروي أنيبال كيخانو (Aníbal Quijano) بيسمي الأثر ده «كولونيالية السلطة»، يعني استمرار نماذج السلطة الاستعمارية حتى بعد انتهاء الاستعمار الأوروبي المباشر. في تقدير كيخانو، الفكر الكولونيالي بيخلق تصنيف عرقي للمُستَعمَرين، بيخلّي المُستَعمِر الأوروبي الأبيض دايمًا في وضع أفضل من المُستَعمَر الأمريكي أو الآسيوي أو الأفريقي الأصلي، والتفرقة العرقية دي ما زالت شائعة إلى الآن.
اللي كيخانو ما لاحظوش إن التفرقة العرقية دي بتتقاطع مع تفرقة نوعية كمان، بمعنى إن الرجل الأوروبي الأبيض والست الأوروبية البيضا عندهم وضع مختلف في المستعمرة عن الرجالة والستات الأمريكيين والآسيويين والأفارقة. الوضع ده ما بيختلفش بس عشان الرجل والست مختلفين بشكل موضوعي، وإنما كمان عشان ازدواجية النوع بين «الذكر» و«الأنثى» ما كانتش دايمًا الوضع القائم في مجتمعات ما قبل الاستعمار. يعني الكولونيالية ما بتنتجش بس فرق عرقي، وإنما بتنتج فرق عرقي نوعي جنسي في نفس الوقت، وبالتالي كولونيالية السلطة هي كمان كولونيالية النوع الجنسي حسب تعبير المفكرة وعالمة الاجتماع النسوية ماريا لوجونيس (Maria Lugones).
لوجونيس كتبت مجموعة مقالات عن «النظام الحديث الكولونيالي للنوع» (المقالات متاحة هنا وهنا وهنا). انطلاقًا من أطروحات كيخانو عن كولونيالية السلطة، لوجونيس لاحظت إن الاستعمار الأوروبي ما كانش دايمًا بينتشر في أماكن بتعترف بثنائية الذكر والأنثى. في بعض المجتمعات الأمريكية الأصلية مثلًا، الأنواع مش اتنين إنما ثلاثة، لأن بعض الناس في المجتمعات دي لها «نوع ثالث» أو «روح ثالثة» بتجمع بين صفات الذكر والأنثى، وبتتخطى الفئتين في نفس الوقت. كذلك في بعض المجتمعات الأمريكية الأصلية، الانجذاب إلى النوع الآخر (heterosexuality) في إطار الأسرة المكونة من أب وأم وأولاد ما كانش النموذج المهيمن للانجذاب الجنسي وتكوين العائلات. مع استعمار الأمريكتين وإبادة الشعوب الأصلية في أول العصر الحديث، الأنماط المختلفة دي للنوع والانجذاب الجنسي ما اختفتش، وإنما بقت نماذج شاذة بالنسبة للمعيار الكولونيالي الطاغي عن ازدواجية النوع – الذكر والأنثى – وحتمية الانجذاب بين النوعين.
في حالة الأمريكتين، النظام الحديث الكولونيالي للنوع عنده وجهين، وجه علني والتاني خبيث. في العَلَنْ، لازم أفراد المجتمع يخضعوا للتقسيم الازدواجي للنوع والانجذاب عشان الدولة الاستعمارية تعترف بهم. في الخباثة، كولونيالية النوع بتدمَّر أي نموذج تاني لتعريف النوع الجنسي، وبتقضي على إحساس الناس بنوعها وبانجذابها بره الإطار الكولونيالي المهيمن. في ظرف الاستعمار المباشر، التدمير ده بييجي على حساب الأعراق الأدنى، بما إن النظام الحديث الكولونيالي للنوع ما بيعترفش بإن السكان الأصليين بني آدمين من أساسه، ولذلك مش ممكن يكون لهم نوع زي الرجل الأبيض والست البيضا. إلى الآن، كولونيالية النوع في الأمريكتين بترفع الأوروبيين البيض كمعيار للنوع نفسه، وكأن الرجل اللي بجد هو الرجل الأبيض فقط، والرجالة التانيين ناقصين، والست اللي بجد هي الست البيضا، والستات التانية مش ستات بما يكفي.
نقدر نقول إن تحليل لوجونيس امتداد لتراث الفكر النسوي الأفرو أمريكي والنسويات من العالم التالت، لأنها بتعتبر إن النقد النسوي بيبدأ من ملاحظة إن القمع الجنسي مرتبط بالقمع العرقي (عكس بعض التيارات النسوية البيضا، اللي بتتعامل مع تحرر «المرأة» وكأن كل ستات العالم بتواجه نفس المشاكل ونفس النظام الأبوي). اقتراح لوجونيس إن تحرر المرأة مرتبط بإزالة أثار الاستعمار، لأن بالنسبة للشعوب اللي وقعت تحت سطوة الاستعمار، نظام النوع الحديث ما زال كولونيالي في جوهره. الإزالة دي مش مسؤولية الستات فقط، أو الناس اللي لها تفضيلات جنسية خارجة عن النظام المهيمن، وإنما كمان مسؤولية الرجالة المُستَعمَرين اللي بيعيدوا إنتاج النظام الحديث الكولونيالي للنوع حتى بعد التحرير الرسمي في بعض البلاد.
تحليل لوجونيس ما بينطبقش بشكل مباشر في حالة مصر والبلاد العربية، لأن النظام الحديث الكولونيالي للنوع ما كانش مختلف جذريًا عن نظام النوع المهيمن اللي كان موجود في المجتمع المصري والعربي قبل الاستعمار. لما الفرنساويين احتلوا الجزائر في 1830، أو لما الإنجليز احتلوا مصر في 1882، المجتمعات اللي احتلوها كانت مؤمنة بثنائية الذكر والأنثى، وكانت بتعتبر إن الانجذاب بين النوعين هو النموذج الصحيح للعلاقات بين البشر. طبعًا ده ما ينفيش وجود أنماط مختلفة للتعامل مع النوع والانجذاب في المجتمعات دي، وإنما فرض النظام الكولونيالي للنوع ما دمّرش المفاهيم السائدة سابقًا عن الفرق بين الأنواع.
التطابق النسبي بين أفكار المُستَعمِر الأوروبي والمُستَعمَر العربي بخصوص النوع الجنسي نتيجة لتاريخ مشترك طويل بين الاتنين، ولكنه ما ينفيش إن ترسيخ ثنائية الذكر والأنثى في بناء الدولة الاستعمارية أدى إلى فرص أكبر للسطوة الأبوية في المجتمعات العربية. إذا رجعنا لمثل تسجيل النوع في شهادة الميلاد، ثم في جميع الأوراق الرسمية من أول البطاقة لشهادة الجواز وإعلام الوراثة، نقدر نقول إن ترسيخ التفرقة بين الذكر والأنثى في آليات الدولة، سواء وقت الاستعمار أو ما بعد الاستعمار، أكّد سيطرة رجالة الطبقات الحاكمة في مجالات ما كانوش يقدروا يتدخلوا فيها قبل فرض النظام الحديث الكولونيالي للنوع. المثل الأوضح هو قانون الجنسية اللي كان بيربط المواطنة بالأبوة لغاية وقت قريب، فالست المصرية كانت لازم تتجوز واحد مصري عشان ولادها يبقوا مصريين. نقدر نحلل قوانين منع المثلية بنفس المنطق، لأنها حطت في إيد رجالة الدولة سلطة ما كانتش عندهم، وهي سلطة قمع مباشر للناس اللي خارجة عن نطاق النظام الجنسي المهيمن.
إذا تتبعنا تحليل لوجونيس، العدالة النسوية مش ممكن تتحقق في إطار دولة بتفرض النظام الحديث الكولونيالي للنوع، لأن الدولة دي بتعيد إنتاج الظروف اللي بتمنع معظم الناس الخارجة عن التعريفات المهيمنة من المشاركة العادلة في حكم ذاتهم وفي بناء تضامنات بينهم وبين بعض. إذن ما نقدرش نقيس تقدم المرأة في المجتمع لمجرد تعيين بعض الستات في مناصب قيادية جوه الوزارات والمصالح الحكومية، لأن نظام الدولة ككل بيرسَّخ للقمع ضد أي إنسانة لمجرد إنها ست، وأي إنسان خارج عن إطار نظام النوع المهيمن.إزالة النظام الكولونيالي للنوع لازم يبدأ باعتراف إن الدولة مالهاش دعوة بنوع البني آدمين، ولا لها دعوة بالعلاقات الجنسية بينهم، والهوس الدائم بتحديد نوع الشخص مالوش لازمة إلا عشان يأكد السطوة الأبوية الكولونيالية اللي ورثتها الدول الحديثة.
2 Replies to “موسوعة الملل | كولونيالية النوع الجنسي”
الانسان حيوان مزدوج الجنس ودي حقيقة بيلوجية. هناك جهاز تناسلي ذكوري وجهاز تناسلي أنثوي، فيه كروموزوم اكس وكرومزوم واي، ولو فيه حد مولود باختلاف فده مرض مثل المولود بإصبع سادس او ثقب في القلب.
المجتمعات الامريكية الأصلية مجتمعات متخلفة اغلبها عاش في قبائل الصيادين الجامعين البدائية لم تعرف الدي ان ايه لم تعرف الكروموزومات لم يظهر فيهم حتي من يهتم بالتشريح والطب زي أبقراط او الرازي فطبيعي يبقي عندهم اعتقادات متخلفة تماثل درجة معرفتهم وفهمهم
كيخانو ونظرياته مثيرة للشفقة وهي نابعة من احساس بالدنو ويعوضه بإلقاء اللوم علي الأوروبي فهم كانوا زي الفل وكان عندهم ما يعتقدون انه جنس تالت ولكن الأوروبي الشرير دمره.
تصحيح معلومتين بس. الأولى ان فكرة ازدواجية الجنس المطلقة مابقتش مسلم بها حتى في علم البيولوجيا الحديث، ولو تقرا اكثر هاتوشف ان في جميع الأجناس دايماً فيه فئات بتجمع بين خاصيات الجنسين الكروموزوميين الأساسيين (في حالة الintersex). لذلك بعض علماء البيولوجيا النهاردة بيفضلوا يتكلموا عن الجنس (مش النوع الجنسي، الجنس نفسه) باعتباره رينج متنوع (spectrum) مش ثنائية مطلقة.
المعلومة التانية ان المجتمعات الأمريكية الأصلية ماكانتش كلها من “قبائل”، لان كان فيه إمبراطوريات وحضارات عظمى زي حضارة الأزتيك في المكسيك والانكا في بيرو، وكانوا متفوقين في جميع شعب العلوم زيهم زي اَي حضارة اخرى في نفس الزمن. لا ابوقراط ولا الرازي كان عندهم بما يكفي من العلم عشان يعرفوا الكروموزومات زيهم زي الشعوب دي، وبالتالي مانقدرش نزعم ان فكرة ازدواجية الاجناس كانت صحيحة علمياً في المطلق عند الشعوب في الوقت ده، لان الفكرة نفسها مرتبطة بتصورات اجتماعية ضمنية عن الجنس (والتصور ده في حالة الحضارات الأمريكية اللي تم تدميرها كان تصور كولونيالي اوروبي).
اللي كيخانو ولوجونيس بيتكلموا عنه مش ان الشعوب دي كانت صح علمياً والأوروبيين كانوا غلط، أنما ان الدمار والإبادة والعنف الفعليين اللي حصلوا ضد الشعوب الأمريكية سببت طغيان الفكر الأوروبي الحداثي بالقوة والغصب، وبالتالي فيه خسارة معرفية فعلية حصلت لهذا السبب. بعض المؤرخين النهاردة بيعيدوا اكتشاف تأثير افكار الشعوب الأمريكية الأصلية على تطور الفكر العلمي العالمي، بما في ذلك علم البيولوجيا بالمناسبة، بس التأثير ده ممسوح ومنسي تحت دعاية غير دقيقة وعنصرية ان كل الشعوب دي كانت “بدائية”. ناهيك طبعاً عن ان فكرة التخلف والتحضر نفسها فكرة ظهرت في العالم القديم وتم فرضها على الحضارات الأصلية في امريكا بالقوة مش بالعقل. ادعوك لقراءة شغل عالم الانسان بيير كلاستر عن موضوع “تخلف” الشعوب البدائية في امريكا الجنوبية للمزيد من العلم.