كانت سيلفيا تبذل الكثير من عدم الاهتمام في ذلك الوقت، الكثير من "لا تهتم!" لدرجة أنه أصبح من غير الواضح ما إذا كانت تهتم بأي شيء على الإطلاق، أو إذا كانت تهتم برأيها أو حتى رأيي، أو أي شيء كان لي.
إنه حقًا مثقف ومركز العلاج
قصتان لكاثرين لاسي
ترجمة رحمة راضي
كاثرين لاسي كاتبة أمريكية ولدت عام 1985، صدر لها أربعة أعمال: "لا أحد يختفي"، "الإجابات"، "ولايات أمريكية بعينها"، "مقعد"، ويصدر لها "سيرة ذاتية لإكس" في مارس 2023م. حصلت على العديد من الجوائز الأدبية منها جائزة وايتنج الأمريكية، وترشحت ضمن قائمة جرانتا لأفضل مائة روائي شاب، كما وصلت لنهائيات جائزة ديلان توماس.
إنه حقًا مثقف
سمعتُ امرأة تشكو لأخرى، كانت شكوتها أنها مرتبطة برجل لا يكف عن منحها الكتب، كما أنها تكون في الغالب كتبًا مهمة، تنوي وتريد قراءتها، الأمر ببساطة أنها غير قادرة على مجاراته في معدل منحه للكتب، تقول إنه في كل مرة يؤكد على أنه كتاب مميز، وأضاف له الكثير، وبغض النظر عن حجمه وصعوبته يكون قرأه عدة مرات، وكان لدى المرأة الشاكية الكثير مما يثير الإعجاب حوله غير إهدائه للكتب، وقد سمعت تساؤلاتهما، حول أنه حتمًا لو كانت هذه الكتب تعني له الكثير، ستعني لها المثل، وفكرت كيف لهما أن يعرفا إن لم تكن قد قرأتها مطلقًا؟
توقفت المرأة الشاكية لعدة مرات لتؤكد لمستمعتها أنها تمتن بشدة من هذه الكتب منه، ومع أنها تحب القراءة وتنشغل بها، إلا أنها غير راضية عن معدل قراءتها البطيء، وتُعاني عندما تحاول أن تزيد من سرعة قراءتها، وفكرت ماذا تستفيد لو أنها قرأت أسرع لكن عجزت عن الإلمام بما قرأته؟ صحيح، أنها كانت بشكل عام تنسى تفاصيل الكتب بعيدًا عن المعدل الذي قرأته بها، إلا أنها أيقنت من أنها تنسى بشكل أكبر عندما تجبر نفسها على تغيير وتيرتها الطبيعية في القراءة.
قاطعتها المرأة المستمعة بعفوية ملحة: هل قبل منك في مرة أي كتاب؟
"نعم" أجابتها، "وقد قرأها بسرعة وباهتمام بالغين!"، ورغم أنها كانت سعيدة بأنه أحب اختياراتها حقًا، إلا أن ترشيحاتها انتهت أمامه، وفي كل مرة كانت تنتظر متحفزة رأيه وملاحظاته في أسلوب الكاتب، وغالبًا لم تحب أن تقبل بسهولة تعليقاته الذكية ونقده، رغم اعترافها أنه كان دومًا على صواب فيما يقول.
حكت أن لديها رف مخصص، تحتفظ فيه بكل الكتب التي منحها لها، عندما تمتلك الوقت ستقرأها بعناية شديدة، لكن عليها أن تذهب للعمل بالإضافة إلى كل التزاماتها الأخرى التي تطرأ دومًا، وأيضًا تلك الكتب الأخرى التي لم يمنحها لها، لكنها تحتاج أو تريد أن تقرأها لسبب أو لآخر، في كثير من الأحيان، كانت تمسك كتابًا مما أهداها وتتأمله طويلًا بقليل من التردد، ولكن معظمها ما زال على الرف، لم يُقرأ بعد.
*
مركز العلاج
وضعت سيلفيا يديها على بطنها ثم وضعتهما على وركيها وواجهت المرآة، استدارت جانبًا نحو المرآة وواجهتها مرة أخرى. أنزلتُ يدايَ من على صدري ووضعتهما على وركيَ أيضًا ونظرت في المرآة معاكسًا سيلفيا ومعاكسًا نفسي، بين كل اللحم والشعر والهيئات التي نعيش فيها.
"لماذا نبدو كذلك؟" سَألت سيلفيا، فسألتُ سيلفيا "لماذا نبدو ماذا؟"، فقالت سيلفيا "كنساء؟ لماذا نحن نساء؟"، نظرتُ إلى جسد سيلفيا في المرآة ونظرتُ إلى جسدي وتذكرت أن بشرتي هي اللون الذي تعنيه شركات الجوارب عندما تذكر كلمة "عُري" وأن بشرة سيلفيا ليست بهذا اللون. سيلفيا امرأة ممتلئة، وهي النوع المضبوط من الامتلاء. ما أعنيه أن الله أو أيًا ما كان صممها بطريقة إستراتيجية لتسبب عوزًا هائجًا في الناس، نوع العوز الذي يُبقى الناس ساهرة طوال الليل، رهينة.
"لا أعرف!"، قالت سيلفيا، "لا تهتمي!".
كانت سيلفيا تبذل الكثير من عدم الاهتمام في ذلك الوقت، الكثير من "لا تهتم!" لدرجة أنه أصبح من غير الواضح ما إذا كانت تهتم بأي شيء على الإطلاق، أو إذا كانت تهتم برأيها أو حتى رأيي، أو أي شيء كان لي.
قضت الأسبوع تقص خصلاتها مدرجة وتوازن حبات العنب على سرتها، وتترك أواني العصيدة على النار حتى يسود سطح الموقد.
لا بأس، أخبرتها بينما الشقة معبأة بالدخان، يصبح الناس غافلين عندما يكونوا سعداء أو قلقين أو في انتظار ميعاد الطائرة، كل ما عليك فعله هو أن تخبريني أيهم أنت.
كنت بالفعل أعرف الإجابة، لكن وقتها كنت هذا الشخص الذي يسأل ليسمع جهرًا من الناس الإجابة التي يعرفها.
كان واضحًا أن سيلفيا كانت تفكر في ميعاد طائرة وأيها ستكون وأين ستذهب وماذا ستفعل عندما تصل إلى هناك.
كنت أعلم منذ اليوم الأول الذي انتقلت فيه أنها ستفعل ذلك، لذا فصحيح أنني سمحت لنفسي بكسر نفسي، أو ربما، بالأحرى، سمحت لها أن تتركني أحطمني بنفسي.
وأعني بي؛ قلبي، إلا أنني أعترض على حمل هذه الكلمة لهذا المعنى، لأنني لا أؤمن بتكديس مثل تلك المسئولية على هذا العضو، على اسم هذا العضو. كلنا نعرف أن القلب مسئول فقط عن ملء الشيء بالدم، غير أنه لا يُدفق أبدًا الحب مع الدم، لأن لا أحد يستطيع فعل ذلك لأن الحب يأتي متى أراد ويرحل متى أراد ويركب الطائرة ويرحل أينما شاء ولا يقدر أن يسأله أحد أبدًا ألا يفعل ذلك، لأن هذا جزء من مخاطر الحب، الجزء الجدير بذلك، أن يرحل وقتما يريد، هذا هو ثمنه وهو يستحق كل هذا العناء، ويستحق ذلك، ويستحق كل هذا العناء. إنه شعار سيلفيا وهذه طريقتها.
وجدتني سيلفيا في إحدى لحظاتي من عدم الاكتراث، عندما كان أخصائي الوخز بالإبر الشخص الوحيد الذي يمكنه أن يسمعني بعد الآن. الأطباء الأول والثاني والثالث قالوا إنني أخادع، الطبيب الرابع لم يقل شيئًا. تركني باردة في زي العمليات الطبي الورقي. الأخصائي أرادني أن أتكلم عن أمي، كيف أشعر تجاهها؟ هل كانت تغني لي عندما كنت صغيرة؟
كانت سيلفيا موظفة الاستقبال لأخصائي الوخز بالإبر، لكن كل ما كانت تفعله هو أن تشير إلى ورقة مكتوب عليها "وقع هنا"، أدخل فلا تنظر إليَّ على الإطلاق حتى جاء يوم نظرت إلي وعندما نظرت إليَّ، نظرتُ إليَّ أيضًا ونظرت إليها فنظرت إلى نفسها ووجدنا أننا نحب ما كنا ننظر إليه.
وهكذا وجدنا أنفسنا بعد شهور نستيقظ في نفس المكان طوال الوقت، ونخلد للنوم في نفس المكان طوال الوقت، مشينا متشابكي الأيدي للأخصائي، لمركز العلاج.
لكن في إحدي الأيام في غرفة معيشتي قلبت سيلفيا كوب شايها، ولم يكن بداخله شيء، فلم يصدر سوى قعقعة، علمتُ وقتها لسبب ما أننا لن نذهب متشابكي الأيدي مجددًا لأي مكان.
"هل شعرت مطلقًا ذلك الشعور؟"، سألت سيلفيا، "بأنك فأر تجارب؟"
أجبت، "بأنني فأر تجارب؟ بأنني فأر تجارب أم بأنك فأر تجارب؟ أينا؟"
لم تقل سيلفيا شيئًا، واستمرت تقلب اللا-شاي في كوبها.
"من هو فأر التجارب؟" قالت، "من حقًا؟"، وقلت، "اللعنة عليك، سيلفيا، هذه ليست حكاية جنيات، سيلفيا، لا يمكنك أن تقولي أشياء غبية كهذه لأناس حقيقيين".
قالت، "سأقولها".
قلت "لن تفعلي"، لكنها قالت، "سأفعل، فقط راقبني".
* الترجمة خاصة بـ Boring Books
** تحتفظ المترجمة بحقها في المساءلة الأخلاقية والقانونية إذا تمت الاستعانة بترجمتها دون إذن منها