كنت في التاسعة عشر عندما اكتشفت الأدب. أقْرأ (جيمس جويس) وفي نفس الوقت أقْرأ رسالة جيريلديري التي كتبها نيد كيلي في البلدة التي سطا على بنكها.
التاريخ الحقيقي لعصابة كيلي لبيتر كاري (2000)
مقال لروبرت مكروم
نُشر في الجارديان، أغسطس 2015
ترجمة: سارة إبراهيم الراجحي
وصل بيتر كاري ببراعة إلى المشهد الأدبي العالمي باعتباره الكاتب الاسترالي الرائد في جيله بروايته الثانية «إِيليواكر» سنة (1985)، ثم فاز بجائزة البوكر عن روايته «أوسكار ولوسيندا» (1988)، لكنه ما إن نشر رواية «تاريخ عصابة كيلي» سنة 2000 (والتي تحولت إلى فيلم بنفس الاسم) لم يلبث أن وجد افتتان حياته بالمَأزق الأسترالي وشغفه الشديد للإِبداع السردي بصوت النموذج الأسترالي للبطولة، قَاطع الطرق: نيد كيلي.
هذا الإنجاز المتفرد في السرد، كان موهبة كاري العظيمة، إنها رواية تاريخية ما بعد حداثية، شبه سيرة ذاتية، مسرودة بالعامية الأسترالية التي تتسم بقواعدها البدائية وقلة علامات ترقيمها، عمل باطني مبهر، بأسلوب مُلهم من شذرات استثنائية من نثر نيد كيلي المعروف باسم رسائل جيريلديري (مخطوطة نيد كيلي معروضة في المتحف الوطني الأسترالي).
تُوجِت حياة كيلي كَخَارج عن القانون، بعد طفولته التي هيمنت عليها صراعات عائلته مع القانون، في قيادته لعصابة كيلي، التي أرهبت سكان الشمال الشرقي لمستعمرة فيكتوريا، وأثارت حماستهم أيضًا، وهي لحظة من الفولكلور الأسترالي وصلت إلى ذروة الدموية في تبادل إطلاق النار في بلدة جلينروان الريفية. نجا كيلي بسبب ارتدائه بذلة مصنوعة من درع من الصلب، أعدها بنفسه، لكنه سرعان ما مات بحبل المشنقة، كبطل محلي.
بدأت هذه السلسلة مع المنشق الإنجليزي، جون بونيان، في سجن بيدفورد، متخيلًا التقدم نحو الخلاص كحاج متواضع. انتهت، في مطلع الألفية، بروائي استرالي مغترب يستكشف طبيعة رواية القصص من خلال الحياة، القصيرة والعنيفة لِـ «خَارج» عن القانون الاستعماري في سعي شرس ومجنون ومحكوم عليه بالفشل بحثًا عن الحرية. من هذه الأمثلة وغيرها التي لا تحصى، أود أن أجادل بأن الخيال ينتعش في التطرف.
في الختام، استبعدت 100 رواية عن عمد كل الأعمال المترجمة، لكن هناك كاتب واحد، عظيم مثل أي كاتب مدرج في هذه القائمة هنا، وهو (و.ج. سيبالد أو وينفرد جورج ماكسيمليان سيبالد) الذي توفي سنة 2001، تستحق أعماله التذكر، حيث علا جورج سيبالد قمة الساحة الأدبية العالمية بأعماله: «المهاجرون»، «دوار»، «حلقات زحل»، «أوسترليتز». كتب سيبالد بلغته الأم الألمانية، لكن أعماله المترجمة أضافت قطعة فنية فريدة للإِنجليزية المعاصرة. (تحية وودَاع)
ملاحظة على النص
كانت رواية تاريخ عصابة كيلي، التي أقامت في شمال شرق فيكتوريا، وحول مدن صغيرة مثل مانسفيلد، بينالا، وإنجاراتا وبينديجو، اسْتكشافًا لتُراث بيتر كاري الثقافي واستدعاء غريب للحنين كروائي وافد استقر في نيويورك.
ذكر بيتر كاري في حواره مع مجلة «ذا باريس ريفيو الأدبية» تضحية أبويه لإرساله إلى أفضل مدارس أستراليا الداخلية في مُراهقِته، وهي مدرسة «جيلونج جرامار Geelong Grammar» في مدينة جيلونج، ذلك أن والده كان بائع سيارات من باخوس مارش، وكان لهذه التجربة أثر رائع على بيتر كاري.
يقول بيتر كاري:
«لماذا مدرسة جيلونج جرامار Geelong Grammar؟
لأنها الأفضل. كانت تكلف 600 جنيه إسترليني سنويًا في عام 1945، وهو مبلغ ضخم من المال حينها، ولم يكن والداي ميسوري الحال، وقد فعلا ذلك.
أعتقد أن المدرسة حلّت بعض مشاكل رعاية الطفولة.
لم أشعر أبدًا أنه تم نفيي أو إبعادي، لقد كنت أبلغ من العمر أحد عشر عامًا فقط. لم يستطع أحد تَخيُل أن هذه التجربة سوف تنتج سلسلة لانهائية من الشخصيات اليتيمة في كتبي.
قضيت عمرًا لأكتشف هذا. اعتقدت أنه من السهل وجود أيتام كحل أفضل في السرد من اختراع تاريخ عائلي معقد. ولكني أظن بإعادة النظر أنني لا أعتبر هذا فشلًا للخيال... إنه أيضا قصة أستراليا، دولة الأيتام. من حسن حظي تطابق صدمتي الشخصية مع الصدمة التاريخية الكبيرة لبلادي. طُرد أسطولنا الأول من الوطن. لم يَرِد أحد أن يظل هنا. الجميع ، سواء مدانين أو ضباطًا، يواجهون التضور جوعًا أو الصمود معًا.
لاحقًا، خلقت الدولة أيتامًا بين السكان الأصليين من خلال السياسات العنصرية، سرقة أبناء السكان الأصليين من مجتمعاتهم ومحاولة التخلص من أصولهم. ثم هناك أيضًا كل هؤلاء الأطفال الذين تم إرسالهم من إنجلترا إلى منازل د. برناردو التي كانت مجموعة من المؤسسات للأطفال الفقراء والمشردين، يعمل بعضهم في أسوأ الظروف استغلالية وبشاعة. كانت هناك مؤسسة شبيهة وهي (مزرعة نورث كوت) القريبة منا في باخوس مارش».
ومع ذلك، منح هذا التعليم النخبوي سنة واحدة لا تنسى، أقرب بكثير إلى التجربة الأسترالية العادية، عندما أُرسل طلبة مدرسة جيلونج جرامار Geelong Grammar بأعمار الرابعة عشر والخامسة عشر عامًا إلى المنطقة الشمالية ليعيشوا في الأدغال في مدرسة خارجية في سفوح جبل بولر، بمكان يسمى تيم بيرتون. كان هذا هو المشهد الطبيعي لرواية كاري، وهوس نيد كيلي بالخيول والريف، مُستلهَما من سنوات مُراهَقته.
صوت نيد كيلي، مثل العديد من الآخرين في أستراليا المستعمَرَة، صوت أيرلندي. يتناول كاري هذا الأمر صراحة في حواره مع «ذا باريس ريفيو» قائلًا: «عندما علمت التاريخ الحقيقي لعصابة كيلي، سمحت لنفسي بفعل شيء يعود إلى بداية قراءاتي. كنت في التاسعة عشر عندما اكتشفت الأدب. أقْرأ (جيمس جويس) وفي نفس الوقت أقْرأ رسالة جيريلديري التي كتبها نيد كيلي في البلدة التي سطا على بنكها. كان صوت الرسالة أيْرْلنديًا جدًا. أعرف أنها ليست صوت (جويس) لكنها توحي لشاب عمره 19 عامًا بإمكانية خلق صوت شعري ينمو من الطينة الأسترالية، هذا صحيح بالنسبة لمكانه ولم يكن موجودًا من قبل. أدركت هذا مبكرًا جدًا، جدًا. لقد كان مذهلًا أنني استطعت أخيرًا الكتابة».
وافق النقاد على ذلك. تذكر صحيفة الجارديان: «يعتبر بيتر كاري بلا شك الصوت الأدبي البارز لأستراليا ما بعد الاستعمار». أعلن جون أبدايك، الناقد الأمريكي، في كتابه في مجلة نيويوركر، أن «البراعة والتعاطف والأذن الشعرية التي يجلبها كاري إلى شخصية المحتال لديه لا يمكن تصنيفها على أنها زاعقة أبدًا».
فاز كتاب التاريخ الحقيقي لعصابة كيلي بجائزة البوكر سنة 2001، وهي المرة الثانية التي يفوز بها كاتب بهذه الجائزة مرتين. انضمت هيلاري مانتل إلى الفائزين (مع بيتر كاري و ج. م. كويتزي) سنة 2012.
* الترجمة خاصة بـ Boring Books
** تحتفظ المترجمة بحقها في المساءلة الأخلاقية والقانونية إذا تمت الاستعانة بترجمتها دون إذن منها