أصبحت تلك الكلمة من المحرمات الآن، فبقدر ما تستطيع، اذهب وابحث عنها، وتأكد أنك هنا معنا، لن تقابلها أبدًا بعد الآن، ولا حتى أسفل قبو. لقد تكيف الناس في وقت قصير، دون الحاجة إلى التهديد بشكوى أو غرامات أو سجن.

الكلمة المحرمة

قصة لدينو بوتزاتي

ترجمتها عن الإيطالية: مها منير

دينو بوتزاتي كاتب وصحفي ورسام إيطالي ولد عام 1906، عمل محررًا بصحيفة «الكورييري ديللا سيرا»، وفاز بجائزة «ستريجا» عام 1958 عن مجموعته القصصية «ستون قصة قصيرة» والتي كانت «الكلمة المحرمة» من بينها. من أشهر أعماله «سهب التتار» التي نشرت عام 1940 وتحولت لفيلم من إخراج فاليريو زورليني عام 1976.


دينو بوتزاتي عن موقع IMDB

مع التلميحات المتكتمة، والنكات التلميحية، والإطالات الحذرة، والهمسات الغامضة، توصلتُ أخيرًا إلى أنه في هذه المدينة، حيث انتقلت لمدة ثلاثة أشهر، هناك حظر على استخدام كلمة.. ما هي؟ لا أعرف.

قد تكون كلمة غريبة وغير مألوفة، وقد تكون أيضًا كلمة شائعة، وفي هذه الحالة، بالنسبة لشخص يقوم بعملي، قد يسبب ذلك بعض الإزعاج. كنت منزعجًا ومذهولًا بشكل كبير، لذلك ذهبت لاستشارة جيرونيمو، صديقي، والحكيم من بين كل من أعرفهم، ممن عاشوا في هذه المدينة لأكثر من عشرين عامًا ويعرفون حياتها ومعجزاتها.

أجابني جيرونيمو على الفور: «هذا صحيح». «هذا صحيح. لدينا كلمة ممنوعة هنا، يتحاشاها الجميع».

قلت: «وما هذه الكلمة». رد: «أتعرف؟ أعلم أنك شخص نزيه، يمكنني أن أثق بك، كما أنني بصدق صديقك، ورغم هذا، صدقني، من الأفضل ألا أخبرك. اسمع؛ لقد عشت في هذه المدينة لأكثر من عشرين عامًا، رحبتْ بي، ووفرت لي العمل، وأتاحت لي حياة كريمة، دعنا لا ننسى ذلك. من ناحيتي، قبلت قوانينها بالرضا، سواء كانت جيدة أو سيئة. من كان يمنعني من المغادرة؟ بقيت على الرغم من كل شيء. لا أريد أن أحيط نفسي بهالة الفيلسوف، فأنا بالتأكيد لا أقصد تقليد سقراط عندما اقتُرح عليه الهروب من السجن، لكن يؤلمني مع ذلك أن طلبك يدفعني لانتهاك قواعد المدينة التي تعتبرني ابنها.. حتى لو كان ذلك في مثل هذه التفاصيل البسيطة. الله أعلم، ما إن كانت هذه تفاصيل بسيطة حقًا أم لا».

قلت: «ولكننا هنا نتحدث بكل.. لا أحد يسمعنا هنا يا جيرونيمو. هيا، هل يمكنك إخباري بهذه الكلمة المباركة؟ من يمكنه الإبلاغ عنك؟ أنا؟»

عقب جيرونيمو بابتسامة ساخرة: «ألاحظ أنك ترى الأشياء بعقلية أجدادنا. العقاب؟ نعم، كان يُعتقد ذات مرة أنه من دون عقوبة لا يمكن للقانون أن يكون له تأثير قسري، وربما كان ذلك صحيحًا، لكن هذا مفهوم بدائي وفظ. فحتى لو لم تكن مصحوبة بالعقاب، يمكن أن تصل الوصية إلى أقصى قيمتها. لقد تطورنا».

«ما الذي يعيقك إذن؟ الضمير؟ الشعور بالندم؟»

«أوه، الضمير! هذا العجوز المسكين! بالطبع، على مدى قرون عديدة قدم للرجال خدمات لا تقدر بثمن، ولكن كان عليه أيضًا أن يتكيف مع العصر، والآن يتحول إلى شيء لا يشبهه إلا بصورة غامضة، شيء أبسط، وأكثر اعتيادية، وأكثر هدوءًا، وفي رأيي شيء أقل تطلبًا ومأساوية».

«لو لم تفسر الأمر بشكل أفضل فسوف..»

«نحن نفتقر إلى أي تعريف علمي لما نسميه الامتثال. إنه سلام من يشعر بالانسجام مع الحشد الذي يحيط به، أو هو تململ وانزعاج وحيرة أولئك الذين يخالفون القاعدة».

«وما الذي يفيده هذا الامتثال؟»

«إن كان كافيًا فهو قوة هائلة، أشد حتى من القنبلة الذرية. ليس بنفس القوة في كل مكان، فهناك جغرافيا للامتثال. في البلدان المتخلفة، لا يزال جنينًا أو في مرحلة الطفولة، ويصحب الامتثال حالة من الفوضى، ويخضع للهوى والصدفة، دون توجيهات. الموضة مثال نموذجي على ذلك. أما البلدان الأكثر حداثة فقد امتدت فيها هذه القوة إلى جميع مجالات الحياة، وهي متماسكة تمامًا، ويمكن القول إنها موثوقة، كأنها جزء من الغلاف الجوي، وبالتأكيد في يد السلطة».

«وهنا؟»

«ليس الأمر سيئًا، ليس سيئًا أبدًا. إن حظر الكلمة مثلًا مبادرة ذكية من السلطة لاختبار نضج الامتثال لدى الناس. هي كذلك إذن، نوع من الاختبار، وكانت نتيجته أفضل كثيرًا من المتوقع. أصبحت تلك الكلمة من المحرمات الآن، فبقدر ما تستطيع، اذهب وابحث عنها، وتأكد أنك هنا معنا، لن تقابلها أبدًا بعد الآن، ولا حتى أسفل قبو. لقد تكيف الناس في وقت قصير، دون الحاجة إلى التهديد بشكوى أو غرامات أو سجن».

«إن كان ما تقوله صحيحًا فمن السهل جدًا إذن أن نجعل الجميع صادقين».

«بالطبع، لكن الأمر سيستغرق سنوات عديدة، عقودًا وربما قرونًا. يا للغرابة! إن منع كلمة ما أمر سهل، والتخلي عن كلمة واحدة لا يكلف الكثير من الجهد، لكن الغش والغيبة والغدر والرذائل والرسائل المجهلة هي أشياء كبيرة، والناس مغرمون بها. حاول أن تخبرهم أن يتخلوا عنها قليلًا.. نعم، أصبحت هذه تضحيات، وعلاوة على ذلك، فإن موجة التطابق التلقائي التي تُركت لنفسها في البداية، والتي وجهت نفسها نحو الشر والأنانية والجبن والخنوع، ينبغي عكسها، وهذا ليس بالأمر السهل. لكننا، في الوقت المناسب سوف ننجح، كن على يقين من أننا سننجح».

«وهل تجد هذا جميلًا؟ ألا يسفر هذا عن تسطيح وتوحيد مخيف؟»

«جميل؟ لا يمكن القول إنه جميل. لكنه بالتأكيد مفيد، ومفيد للغاية، والمجتمع يستمتع به في النهاية. هل فكرت في ذلك من قبل؟ أن الطباع والأنواع والسمات الشخصية المميزة التي كانت حتى وقت قريب محبوبة وساحرة للغاية، هي في الأصل الجرثومة الأولى للاشرعية والفوضى. ألم يكونوا تعبيرًا عن ضعف البنى الاجتماعية؟ وعلى النقيض، ألم تلاحظ أبدًا أنه في أقوى الشعوب، ثمة تماثل مدهش، وربما محزن، للأنواع البشرية؟»

«حسنًا، هل قررت ألا تخبرني بشأن الكلمة؟»

«بني، ليس عليك أن تغضب، فلتدرك أن هذا ليس بدافع عدم الثقة، لكنني إن أخبرتك فسأشعر بعدم الارتياح».

«أنت أيضًا؟ أنت أيضًا، أيها الرجل الأسمى، تستوي مع الحشد؟»

هز جيرونيمو رأسه حزنًا وقال: «هكذا هو الحال يا عزيزي، عليك أن تكون من الجبابرة لتتحمل ضغط البيئة عليك».

«و؟ القضية الأعظم! لقد آمنت بها يومًا ما، وعليك أن تقدم كل شيء ممكن كي لا تخسرها. ها.. ما الذي حدث الآن؟»

«أيًا ما كان، لا فرق. يتطلب الأمر المزيد من أبطال بلوتارخ، حتى أنبل شعور يتلاشى ويذوب تدريجيًا إذا لم ينتبه أحد. من المحزن قول هذا لكن لا يمكنك أن تكون وحيدًا لو كنت تريد الجنة».

«إذن لا تريد أن تخبرني؟ هل هي كلمة قذرة؟ أم أنها ذات مغزى إجرامي؟»

«بل بعيدة كل البعد عن هذا. إنها كلمة نظيفة وصادقة وهادئة تمامًا. وهذا بالتحديد يثبت براعة ودبلوماسية المشرع. بالنسبة للكلمات القذرة أو البذيئة، كان هناك بالفعل حظر ضمني، حتى ولو بدرجة بسيطة، وحذرة، ومتعقلة. لم تكن الكلمات القذرة لتكسب التجربة قيمة كبيرة».

«قل لي على الأقل: هل هي اسم؟ صفة؟ فعل؟ ظرف؟»

«لكن لماذا تصر؟ إذا بقيت هنا بيننا، يومًا ما ستتعرف عليها، الكلمة المحرمة. فجأة ودون أن تدرك ذلك تقريبًا، هكذا يا بني، سوف تمتصها من الهواء».

«حسنًا يا جيرونيمو العجوز. يا لك من رجل عنيد! لكن مهما يكن، فمن أجل التخلص من فضولي، علي الذهاب إلى المكتبة وتفقد نصوص القانون. فلا بد أن هناك قانونًا بشأن هذا، أليس كذلك؟ وسيُطبع هذا القانون، وسيقول بوضوح ما هو المحرم».

«أوه، أوه، يا لضيق أفقك. ما زلت تفكر بالأنماط القديمة. ليس هذا فحسب، بل أنت ساذج أيضًا. إن القانون الذي يسمي كلمة من أجل حظر استخدامها سيتعارض تلقائيًا مع نفسه، سيصبح مسخًا قانونيًا، لا جدوى من الذهاب إلى المكتبة».

«هيا يا جيرونيمو، أنت تسخر مني! لا بد أن هناك من حذّر: من اليوم فإن الكلمة ‹س› محظورة. ويجب أن يكون قد ذكرها. أليس كذلك؟ وإلا فكيف عرف الناس؟»

«في الواقع، ربما يكون هذا هو الجانب الإشكالي قليلًا من القضية. هناك ثلاث نظريات: ثمة من يقول بأن المنع انتشر باللفظ من قبل وكلاء البلدية المقنعين. وهناك من يثبت العثور على مرسوم المنع في منزله، في مظروف مغلق ومختوم، مع الأمر بحرقه بمجرد قراءة ما فيه. وأخيرًا هناك الأصوليون، ويمكنك أن تسميهم المتشائمين، الذين يدعون أنه لم تكن هناك حاجة لأمر صريح، فهم يعتبرون أن المواطنين مجرد خراف، كان يكفيهم أن السلطة أرادت، والجميع يعرف ذلك فورًا بنوع من التخاطر».

«لكن بالتأكيد لم يصبح الجميع ديدانًا. فعلى الرغم من قلة عددهم، لا بد أن هناك أنواع مستقلة في المدينة، تفكر بنفسها، خصوم السلطة، وغير الأرثوذوكسيين، والمتمردين والخارجين على القانون، سمهم ما تريد. ألم يجرؤ أحدهم، كتحدٍ، أن يلفظ أو يكتب الكلمة المسيئة؟ ما الذي سيحدث إن فعل أحدهم هذا؟»

«لا شيء، لا شيء على الإطلاق. وهنا يكمن النجاح غير العادي للتجربة. لقد دخل التحريم إلى أعماق النفوس لدرجة تكييف الإدراك الحسي».

«ما الذي تعنيه؟»

«إنها حيلة اللاوعي المتمثلة في الإنكار، والمستعدة دائمًا للتدخل في حالة الخطر. فإذا نطق المرء بالكلمة الشائنة، لم يعد الناس يسمعونها، وإذا وجدوها مكتوبة فلن يرونها».

«وبدلًا من الكلمة، ما الذي تراه؟»

«لا شيء. أرى جدارًا عاريًا إذا كانت مكتوبة على الحائط، ومساحة بيضاء على الورق إذا كانت مكتوبة على ورقة».

أجرب هجومًا أخيرًا: «جيرونيمو، من فضلك، بدافع الفضول فقط، أنا هنا اليوم أتحدث إليك. هل سبق لي أن استخدمت هذه الكلمة الغامضة؟ على الأقل يمكنك إخباري بهذا. لن تخسر شيئًا».

ابتسم جيرونيمو العجوز وغمزت عينه.

كررت: «هل استخدمتها إذن؟»

لم يزل يغمز، لكن حزنًا مهيبًا أضاء وجهه فجأة.

سألته: «كم مرة؟ لا تترفع عن جوابي. هيا، قل لي، كم مرة؟»

رد: «لا أعرف كم مرة. انظر، سأحدثك بشرف. حتى لو قلتها، فأنا لم أستطع سماعها، لكن بدا لي، أنه في مرحلة معينة، وأقسم أنني لا أتذكر أين، كان هناك توقف، مساحة فارغة قصيرة جدًا، كما لو كنت قد قلت كلمة ولم يصلني الصوت. ومع ذلك، يمكن أن يكون هذا فقط صمت لا إرادي، كما يحدث عادة في الخطب».

«مرة واحدة فقط؟»

«كفى، لا تصر».

«هل تعرف ماذا سأفعل؟ بمجرد وصولي إلى المنزل، سأسرد مقابلتنا هذه كلمة بعد كلمة، ثم أعطيها للصحافة».

«لماذا؟»

«إن كان ما قلته صحيحًا، فإن مسؤول الطباعة، الذي يمكن افتراض أنه مواطن صالح، لن يرى الكلمة المسيئة، ولذلك فهناك احتمالان. إما أن يترك مساحة فارغة في مكانها، وهذا سوف يشرح لي كل شيء، أو بدلًا من ذلك، سيكمل مباشرة من دون فراغات، وفي هذه الحالة سأضطر فقط إلى مقارنة النسخة المطبوعة مع النسخة الأصلية التي أحتفظ بها معي، وسأعرف ما هي الكلمة».

ضحك جيرونيمو بحسن نية: «لن يجدي ذلك نفعًا يا صديقي. أيًا كانت المطبعة التي تلجأ إليها، فسيعرف الطابع تلقائيًا ما يجب عمله لتفادي حيلتك، أي أنه لمرة واحدة، سيرى الكلمة التي كتبتها، بافتراض أنك كتبتها، ولن يتخطاها هذه المرة. لا تقلق، فإن طابعينا مدربين تدريبًا جيدًا ولديهم معلومات جيدة».

«لكن آسف، ما الفائدة من كل هذا؟ ألن يكون في صالح المدينة لو علمتُ ما هي الكلمة المحرمة دون أن يسميها أحد أو يكتبها؟»

«في الوقت الحالي ربما لا. يتضح من الخطب التي ألقيتها أنك لست ناضجًا. هناك حاجة إلى بدء، إلى مبادرة.. أعني، أنت لم تتعلم الامتثال بعد، ولم تصبح جديرًا، وفقًا للتقاليد الحالية، باحترام القانون».

«ولن يلاحظ الجمهور الذي يقرأ هذا الحوار أي شيء؟»

«سيروا مساحة فارغة، وسيفكروا ببساطة: يا له من إهمال، لقد تخطوا كلمة واحدة».


الترجمة خاصة بـ Boring Books.

يحتفظ المترجم بحقه في المساءلة الأخلاقية والقانونية إذا تمت الاستعانة بترجمته دون إذن منه.