كتبت سيلفيا في يومياتها بتاريخ ديسمبر 1958، قائمة سمتها «أسئلة رئيسية"، وتضمنت: 1- كيف نتعامل مع كره الأم. 2- لماذا لا أكتب رواية؟»

الناقوس الزجاجي لسيلفيا بلاث

مقال لروبرت مكروم

نُشر بموقع الجارديان، مايو 2015

ترجمة: سلسبيل صلاح


نُشرت رواية سيلفيا بلاث للمرة الأولى في يناير عام 1963 تحت الاسم المستعار فكتوريا لوكاس، وارتبطت على الفور بمأساة انتحارها، ما أضر الكتاب بين النقاد. لاحقًا، في عام 1966،  نُشرت الرواية باسم سيلفيا بلاث، وصُنفت ضمن المدرسة الكلاسيكية الحديثة.

«كان صيفًا غريبًا وخانقًا ذلك الذي أعدموا فيه عائلة روزنبرج - جوليوس وإيثل روزنبرج-  بالكرسي الكهربائي، وأجهل ما الذي كنت أفعله وقتها في نيويورك». نقابل، بعد هذه المقدمة الجافة والجادة عن صيف عام 1953، بطلتنا إيستر جرينوود، التي تقول إنها «يفترض أن تحظى بأفضل أيام حياتها». وهي عبارة راجت تجاريًا بعد أربعين عامًا، بل تم التهكم عليها في مسلسل «الجنس والمدينة».

لكن في عصر إنتاج مسلسل «رجال غاضبون» كانت إيستر/سيلفيا منهكة ومدمرة، و/أو عصابية، ومحملة بالعواطف بشكل يتجاوز الاهتمام بحضور حفل راقص في مانهاتن. رُويت قصة حياتها وزمنها بشفافية وعناية واضحة بالتفاصيل. هذا كتاب كاشف ومقلق بلمحات تجمع بين العبقرية والاعتماد على شخوص حقيقيين، وهو أيضًا هامش معذب يقودنا في النهاية إلى شعر سيلفيا المعذب.

فازت سيلفيا بفرصة تدريب في مجلة مادموزيل-Mademoiselle  في مدينة نيويورك عام 1953، وتُرَكِّز روايتها الذاتية المؤلمة على تجربتها. يكتشف القارئ، من خلال لقطات متعددة تعود إلى الماضي، السبب وراء عجز إيستر على منح نفسها كليةً إلى حياتها الجديدة في المدينة. ويسهل مع وضوح الأحداث التقاط حضور الموت في عيني إيستر. إذ لا تمر صفحة واحدة تقريبًا دون إشارة إلى طفل ميت، أو جثة، أو أبيها الراحل. (كتبت عنه: «مات حين كنت في التاسعة»).

أما الرجل الآخر في حياتها، حبيبها بادي ويلارد من جامعة ييل، كان يعذِب روحها بطرق أخرى. هوس إيستر بالجنس الآخر هو موضوع سيلفيا الأساسي في الرواية. في البداية، حُررت من تضييق والدتها القمعي عليها، ثم قررت أن تفقد عذريتها (قالت إنها «كانت مثل حجر الرحى حول عنقي») مع قسطنطين، مترجم روسي يعمل في الأمم المتحدة، لكنه كان أكثر رشدًا من الوقوع في حبها. ثم بعد الفشل في مواعدة أخرى سمتها «فجورًا»، ألقت بملابسها من سطح الفندق الذي تعيش فيه، وعادت للبيت لقضاء صيف انتحاري، مع اكتئاب متفاقم يضاهي الاختناق داخل «ناقوس زجاجي».

تمثلَّت ورطة إيستر عمومًا في تُكَوِّين هوية ناضجة كامرأة، وتكون حقيقية تجاه نفسها بدلًا من الانصياع للأعراف المجتمعية. هذا السعي هو ما يجعل رواية الناقوس الزجاجي نصًا تأسيسيًا للحركة النسوية الأنجلو أمريكية.

في النهاية، مع استمرار سوء أحوال إيستر، ومحاولاتها المتتالية للانتحار، تلقت علاجًا بالصدمات الكهربائية على غرار آل روزنبرج في مشهد مخيف وصف ببراعة. أخيرًا، ركَّب لها طبيبًا آخر واقيًا مانعًا للحمل لطالما رغبت فيه. قالت إيستر بعدها إن «الخطوة التالية كانت إيجاد الرجل المناسب». اتضح أن أروين أستاذ الرياضيات كان عكس هذا تمامًا وهيمنت عواقب علاقتهما الجنسية الوحيدة على الصفحات الباقية للكتاب، حتى أعادت نولان، الطبيبة الجميلة الحكيمة، إيستر إلى رشدها، وإلى الجامعة.

ملاحظة على النص

كتبت سيلفيا في يومياتها بتاريخ ديسمبر 1958، قائمة سمتها «أسئلة رئيسية"، وتضمنت: 1- كيف نتعامل مع كره الأم. 2- لماذا لا أكتب رواية؟» وقبل السؤال الأخير، أضافت بخط يدها: «لديَّ رواية! كتبتها في 22 أغسطس 1962: الناقوس الزجاجي». في سياق آخر، أكد تيد هيوزأنها كتبت روايتها الوحيدة عام 1961، وأكملتها عقب انفصالها في 1962. أي أن الناقوس الزجاجي كتبت بسرعة وفي عجالة.

قالت سيلفيا لأمها إن ما فعلته -تقصد الكتابة- هو «إنني جمعت أحداثًا من حياتي، وأضفت عليها الخيال لتلوينها، هذه رواية منخفضة الجودة كتبت لأجل المال لكني حقًا أعتقد أنها ستظهر كيف يشعر الإنسان المنعزل عند مروره بانهيار… حاولت تصوير عالمي والناس الذين فيه كما يُرى من منظور الناقوس الزجاجي المشوه».

ووصفت الكتاب كذلك بأنه «عمل ذاتي مبتدئ كان علىّ كتابته لتحرير نفسي من الماضي». في البدء كان الكتاب جزءً من زمالة يوجين إف ساكستون، برنامج تابع  لدار نشر هاربر آند رو في نيويورك، والتي كان ردها الفوري على الكتاب مُحبطًا، أصبحت سيلفيا بعدها حرة في عرض كتابها على ناشرين آخرين في لندن.

أخرجت دار ويليام هينيمان رواية الناقوس الزجاجي في لندن بتاريخ 14 يناير 1963 تحت اسم فكتوريا لوكاس وكانت هذه إستراتيجية اتبعتها سيلفيا إرضاءً لرغبتها في مراعاة مشاعر أمها وعدد من الأشخاص الآخرين الحقيقيين الموجودين في الرواية، منهم بادي ويلارد (ديك نورتون). بعد أقل من شهر واحد، في 11 فبراير 1963، قتلت سيلفيا نفسها في شقتها بلندن، 13 شارع فيتزروي، على مقربة من تلة بريمروز في لندن.


* الترجمة خاصة بـ Boring Books

** تحتفظ المترجمة بحقها في المساءلة الأخلاقية والقانونية إذا تمت الاستعانة بترجمتها دون إذن منها