لم يوجد -إطلاقًا- في أي من أناجيل العهد الجديد إشارة بكون مريم المجدلية بغيًا، أو آثمة. لماذا شاعت هذه النظرة عنها؟
لماذا ارتبط اسم مريم المجدلية بالخطيئة؟
حوار مع المؤرخين مايكل هاج ود. هيتا هاوز
مايكل هاج مؤلف كتاب: «البحث عن مريم المجدلية» The Quest For Mary Magdalene: History & Legend (Profile Books ، 2016).
الدكتورة هيتا هاوز محاضرة أدب العصور الوسطى في جامعة لندن.
نُشر الحوار بموقع History Extra
ترجمة رحمة راضي
من كانت مريم المجدلية؟ وما ارتباطها بيسوع؟
قُدمت مريم المجدلية بأناجيل العهد الجديد على أنها المرأة المتفجعة على صلب المسيح، والشاهدة قيامته، والحاضرة صلبه ودفنه، وقبل ذلك كانت مع يسوع طوال تبشيره في الجليل. وكرفيقة ليسوع فقد كانت الشخص الوحيد الملازم له خلال لحظاته العصيبة في تبليغ رسالته؛ التي أدت إلى تحديد مصيره، كما يقول مايكل هاج. ومريم المجدلية هي التي ذهبت إلى قبر يسوع في اليوم الثالث فوجدته فارغًا.
وفقًا للأناجيل، كانت مريم المجدلية مع يسوع في الجليل عندما بشر حشود الناس بملكوت الله، وشفى المريض منهم والأعرج. ورافقته في رحلته لأورشليم ودخوله المدينة المقدسة بموجب نبوءة العهد القديم: «هو عادل ومنصور ووديع وراكب على حمار». (زكريا 9:9).
كما شهدت الحشود وهي ترحب بيسوع، ملوحين بأفرع النخيل وفارشين ثيابهم أمامه، يهتفون «أوصنا» (أي رجاءً خلّصنا).
عندما سمّر الرومان يسوع على الصليب، وتخلى عنه تلاميذه، وصرخ «إلهي، إلهي، لماذا تركتني؟». كانت مريم المجدلية هناك. وعندما انتهى الأمر، تبعتهم وهم يحملون جسده للمقبرة ورأت الحجر يدور في مكانه مغلقًا.
وقد كانت هي من ذهبت لقبر يسوع في اليوم الثالث فوجدته فارغًا، لا تقول النسخة الأولى من مرقس، أقدم إنجيل، أكثر من ذلك، فهي لا تذكر شيئًا عن القيامة، ولا عن ظهور يسوع لتلاميذه.
أكانت المجدلية بغيًا؟
تقول هيتا هاوز بأن أناجيل العهد الجديد لم تشر لكون مريم بغيًا أو آثمة.
وأضافت بأن شخصية مريم المجدلية المألوفة لنا اليوم –من كانت سابقًا البغي التي دهنت قدمي يسوع بالطيب ونحبت عند صلبه- رسخت في العصور الوسطي. فقد وُجه كتاب العصور الوسطى لجعل مريم المرأة التائبة من الإثم والمتحولة للهداية.
يوضح مايكل هاج: «يبدأ سر المسيحية كله لحظة وقوف مريم المجدلية وحدها أمام القبر الفارغ. ويرتبط هذا اللغز، بإيحائه بالحميمية، بطبيعة رؤية مريم المجدلية؛ تصور ملكوت الله الذي تشاركه مع يسوع. ويظل السؤال منذ ذاك الحين إلى أي مدى شُوهت أو قُمعت أو فُقدت تلك الرؤية وسط النزاعات التي شكلت الدين.
وشهدت هذه الصراعات محاولة الكنيسة للسيطرة على الطبيعة الحالمة لتجربة مريم المجدلية البغي. كما لم تكن مصادفة تاريخية أن مريم العذراء، والدة يسوع –بصرف النظر عن روايات الميلاد في متى ولوقا- والتي لا تلعب أي دور تقريبًا في الأناجيل وفي حياة يسوع، والمعتبرة لدى نقاد ومشككين المسيحية الأوائل كزانية، وفاسقة، وأم لابن من الزنا، حوّلتها الكنيسة (بدون أي دليل إنجيلي) إلى عذراء دائمة وأم للإله».
كما يوضح هاج –أيضًا- بأنه فقط في عام 1969، وأثناء باباوية بولس السادس، أجرى الفاتيكان بعض التعديلات السرية على النص اللاتيني، وحتى ذلك الوقت كانت هذه هي القراءة لعيد مريم المجدلية، في 22 يوليو، متخذة من الإصحاح السابع من إنجيل لوقا، والتي فيها تدخل امرأة مجهولة بيتًا يكون فيه يسوع ضيفًا على العشاء، تتذلل له، وتبلل قدميه بدموعها، وتمسحهما بخصلات شعرها، ثم يقول لها «مغفورة لك خطاياك» (لوقا 7:48).
استبدل الفاتيكان هذه الرواية بقراءة مغايرة تمامًا، من إنجيل يوحنا الإصحاح العشرين، والتي كشف فيها يسوع عن نفسه أولًا لمريم المجدلية أثناء القيامة. عندما ناداها «يا امرأة، لماذا تبكين؟»، وقال لها «يا مريم» فالتفتت إليه قائلة «ربوني» (والتي تعني: يا معلم).
ودون اعتذار علني مباشر، بدا أن الفاتيكان حينها يحاول القول بأنه أخطأ بشأن مريم المجدلية لمدة 1400 عام، أي منذ عام 591. وذلك من وقت إلقاء البابا غريغوريوس الكبير عظته عن انتصار مريم العذراء أم الإله، مُعلنًا فيها بأن مريم المجدلية هي المرأة الخاطئة البغي في إنجيل لوقا.
ويقول هاج: «لكن لم يلتفت الكثير من الناس لتراجع الفاتيكان، أو ربما هم ببساطة فضلوا البغي عن المرأة التي شهدت القيامة؛ مع كونه الحدث الذي يقف في مركز الدين والذي يشكل تاريخ وثقافة الجزء الأكبر من العالم على مدى الألفي عام الماضية»، وسواء في الفيلم الموسيقي Jesus Christ Superstar (1971)، أو في فيلم مارتن سكورسيزي The Last Temptation of Christ (1988) ،أو Passion of the Christ (2004) للمخرج ميل جيبسون، نجد بأن مريم المجدلية تظهر في صورة البغي الزانية.
أكانت المجدلية زوجة للمسيح؟
بالنسبة للبعض ليس الخلاف فيما إن كانت هذه هي الحقيقة أم لا، ولكن لماذا تم تبديلها.
لا يضاهي ميل العامة في التصديق «بمريم المجدلية البغي» غير ميلهم في التصديق «بمريم المجدلية زوجة يسوع»، وحتى كأم لطفله، كما يقول مايكل هاج. ويشهد على ذلك الاهتمام الإعلامي الهائل في عام 2012 بإعلان كارين كينج -الأستاذة بجامعة هارفارد- عن اكتشاف قطعة بردية قديمة تحمل عبارة «قال لهم يسوع: زوجتي».
وكما نعلم بأنه في العصور الوسطى كانت حركة الكاثار[1] بفرنسا ترى مريم المجدلية زوجة ليسوع في العالم السماوي وخليلة له في العالم الدنيوي. بينما كانت الأناجيل الغنوصية[2] تصور مريم المجدلية في القرون الأولى من العصر المسيحي على أنها «رفيقة» و«قرينة» وحتى «زوجة» ليسوع، باعتبارها المرأة التي فضلها من بين تابعيه؛ وغالبًا ما توصف علاقتهم بمصطلحات إيروتيكية.
وحتى في الأناجيل القانونية[3] توجد شواهد لهذه المسألة، أوحت للدارسين بأن مريم المجدلية كانت بالفعل زوجة يسوع. وبالنسبة للبعض ليس الخلاف فيما إن كانت هذه هي الحقيقة أم لا، ولكن لماذا تم تبديلها.
لماذا يميل العامة للتصديق بمريم المجدلية البغي؟
تقول هيتا هاوز: دائمًا ما يتعطش المؤرخون لمزيد من التفاصيل، وللأسف معرفتنا بهذه المرأة الكتابية ضئيلة.
وعليه، فإن كل الحكايات والأساطير التي ملأت فراغات الإنجيل- سواء أتت على هيئة كتابات لاهوتية من العصور الوسطى أو سيناريوهات القرن الواحد والعشرين- ما زالت مجرد أساطير. لكن، برغم ذلك، يمكن لتلك الأساطير أن تكشف بشكل غير متوقع عما يتجاوزها، فتعكس المشهد والرؤية؛ للحظة التاريخية المؤدية لخلقها على هذا النحو.
تضيف هيتا هاوز: «من آثمة، لمبشرة، لمتصوفة، لقديسة، ارتبطت مريم المجدلية أيضًا بمعجزات الشفاء، سواء تسهيل الولادة أو إحياء الموتى أو تحرير المساجين. ومع ذلك، فإن الصفة الأشد ثبوتًا؛ كانت خطيئتها»،
كما كانت المجدلية شفيعة البغايا التائبات في العصور الوسطى، وبحلول القرن الثامن عشر، دُعيت إلى دور إصلاح النساء اللاتي كن عاهرات أو كن يُعتبرن خاطئات؛ بـ «بيوت المجدلية».
هناك مريمتان في الأناجيل، تم الخلط بينهما في العصور الوسطى. كما تقول هاوز. الأولى مريم من «بيت عنيا» وهي أخت لعازر (الذي أحياه يسوع بعد موته) والتي أشيد بها لانتباهها لتعاليم يسوع. وهناك مريم من مجدلا –المدينة الواقعة على ساحل الجليل- والمعروفة بمريم المجدلية، التي خلّصها يسوع من مس سبعة شياطين، والتي ركعت مع مريم العذراء- والدة يسوع- أثناء الصلب، والتي اكتشفت اختفاء جسد يسوع من قبره (اثنين القيامة) عندما اخطأت باعتقادها أنه البستاني قبل أن يكشف لها عن نفسه، ثم يتم تكليفها بالمهمة المصيرية، المتمثلة في التبشير بخبر قيامته لأتباعه.
اشتهر البابا غريغوريوس الكبير بدمج هاتين المرأتين الكتابيتين معًا، تحت اسم «مريم المجدلية»، وذلك في خطبته عام 591 التي أشرنا إليها. كما أضاف لهذا الخلط زانية مجهولة؛ من دهنت قدم يسوع بالطيب تائبة وعفا عنها. وقد استمر هذا الخلط الذي يرجع إلى البابا غريغوريوس. لا توجد تفاصيل في الإنجيل عن الشياطين التي يُفترض أن يسوع طردها من مريم المجدلية. ولكن بعد عظة غريغوريوس وإسناد الزنا لمريم، فإن مسها عادة لا يرتبط بالخطيئة فقط، بل بالخطيئة الجنسية خاصة.
يستمر هذا الخلط، وبعد مئات السنين وفي القرن السادس عشر، يكتب الشاعر والكاتب الكاثوليكي روبرت ساوثويل نصًا عنوانه «دموع مريم المجدلية الجنائزية»، واصفًا فيه بكاء مريم موت لعازر (خالطًا بينها وبين أخت لعازر، مريم من بيت عنيا).
وعندما حاول كتاب العصور الوسطي ملء فراغات الإنجيل، أدى ذلك بهم لزيادة هذا الخلط بين الحقيقة والخيال. وظهرت حينها أساطير عدة مختلفة عن حياة مريم المجدلية، والتي وازن بينها في القرن الثالث عشر جاكوبس دي فوراجين، في كتابه «الأسطورة الذهبية» والذي كان وصفًا لحياة القديسين، وقد شاع بشكل لا يصدق، ونجا اليوم في أكثر من ألف مخطوطة.
ووفقًا لكتابه «الأسطورة الذهبية»، كانت مريم المجدلية من دم نبيل، شابة، وجميلة. كما كانت ثرية، وكان هذا غالبًا سبب سقوطها.
يكتب جاكوبس: «كانت مريم غنية، كما كانت جميلة؛ وهكذا منحت جسدها في سبيل المتعة، بقدر لم يعد يُطلق معه عليها غير (الآثمة)».
وبالرغم من الافتقار التام للأدلة على أن مريم المجدلية وقعت ضحية الخطيئة الجنسية، فإن هذا الخطأ انتشر ملتصقًا بسيرتها المقروئة. يخبرنا جاكوبس بأنه بعدما عفى المسيح عن مريم، بشرت في مرسيليا، حيث كانت السبب في هداية الأسرة الحاكمة، ووهبت الملكة حملًا بولد، كما أحيتها بعد موتها في الولادة، بعدها اعتزلت مريم في البرية، وعاشت بمفردها لثلاثين عامًا قبل أن تحملها الملائكة للسماء.
إذن؛ لماذا كان لخطأ البابا غريغوريوس عام 591 مثل هذه القوة على البقاء؟
مادونا والعاهرة: لماذا كان ضروريًا لكتاب العصور الوسطى أن تتحول مريم المجدلية من الإثم أولًا إلى القداسة؟
كانت توبة مريم المجدلية مهمة لأساطير العصور الوسطى كما كانت خطيئتها، بالطبع، لأنه لا تكون مغفرة بدون خطيئة.
أدرك المؤرخون منذ وقت مضى بأن حقبة العصور الوسطى كانت مولعة في التبديل بين نمطين للمرأة: مادونا أي السيدة الطاهرة، في مقابل العاهرة. مادونا هي الغاية، والمجسدة في مريم العذراء، التي كانت مثالًا للطهارة والحشمة، وهو نمط المرأة الذي يجب على كل فتاة أن تسعى له. أما العاهرة فهي الواقع، أو هكذا أراد الكثير من الكتاب الذكوريين لقرائهم بأن يعتقدوه.
كانت المسيحية هي الديانة السائدة في أوروبا في العصور الوسطى، وقد أكّد كلًا من مدوني الكتاب المقدس واللاهوتيين من تلك الفترة -مرارًا وتكرارًا- على الطبيعة الآثمة للمرأة. اشتهرت حواء بعصيانها، وبغواية الشيطان لها، وتسببت بعد ذلك في طرد البشرية من جنة عدن. وقد استشهد بـهذه «الفطرة الآثمة» كثيرًا كمرجع ومثال على الطبيعة الخاطئة للمرأة- فنرى كتيبات العصور الوسطى -للمرأة المتدينة- تذكر القارئات بفطرتهن الأكثر عرضة للإثم من الرجال، ولذلك ينصحهن بأن يكن أكثر حذرًا لحماية أنفسهن من الغواية.
حتى من الناحية الطبية، كان يُفهم تاريخيًا أن النساء أضعف، وبالتالي أكثر عرضة للخطيئة. ووفقًا للفيلسوف اليوناني أرسطو، فإن الطبيعة دائمًا ما أرادت خلق الحيوان الأكثر كمالًا - الذكر. لكن يمكن للظروف الإنجابية العسيرة بأن تؤدي إلى المرتبة الثانية المؤسفة: الأنثى غير الكاملة. وطبقًا لنظرية أرسطو، يولد الأطفال إناثًا لأنهم لم يتلقوا حرارة كافية أثناء الحمل. لهذا، المرأة رطبة وباردة وضعيفة بطبيعتها. والرجل على نقيضها، حار وجاف وقوي. ونتيجة ذلك، اعتبرت النساء «مهووسات بالجنس»، غير قادرات على كبح أنفسهن كما يفعل الرجال، يسعين في أشد الحاجة للبحث عما يفتقرن إليه فسيولوجيًا من الحرارة والكمال. وكما لو كن مصاصي دماء، يوصفن بملاحقتهن الرجال برغبة مخيفة لا تُشبع.
لذا، إذا كانت مادونا هي المثال، وكانت العاهرة هي الحقيقة غير المرضية، فأين تقع مريم المجدلية؟ هنا يمكن القول بأن خطيئة مريم استمرت في أساطير العصور الوسطى، لأنها سمحت بوصل هذه الفجوة بين نمطي الأنوثة.
كانت توبة مريم المجدلية مهمة لأساطير العصور الوسطى كما كانت خطيئتها، بالطبع، لأنه لا تكون مغفرة بدون خطيئة.
اعتنق كتاب العصور الوسطي فكرة أن كل النساء آثمات، واستخدموا تصوراتهم عن مريم المجدلية في بث وتعزيز هذه الفكرة. ومع هذا أيضًا، اهتموا كثيرًا بنقلتها من الإثم إلى القداسة، لأن هذا التحول يجعل منها قدوة للنساء الآثمات. فنجد بمختلف الأساطير، اتباع مريم المسيحية، وتركها حياة الإثم خلفها ساعية للرب في وصال روحي كامل، من الوعظ حتى التصوف. وكان لهدايتها مثل هذه القوة لأن خطاياها من قبل كانت عظيمة بشكل لا يغتفر. وبهذه الطريقة، صارت مريم المجدلية جسرًا يصل بين مادونا والعاهرة، مقدمة نموذجًا كاملًا للمرأة المسيحية في أي مكان إن أخطأت.
تؤكد المدونات بأن العديد من الكتاب والمفكرين تعاملوا مع مريم المجدلية على هذا الأساس، ففي القرن الثالث عشر، وضّح الكاردينال الفرنسي أوديس شاتورو: «من خلال مثالها، هي تعليم لنا، تعلمنا نحن الخطاة ما يمكن أن نفعله (...)، بعدما تحررت من كل خزي بشري طالبة الغفران». آمن الكاردينال بأن مريم قدوة، وبأن مثالها الخاص بالخطيئة أقرب كثيرًا من كمالها، في التأثر به.
يا مريم، لماذا تبكين؟
لأن مريم اتصفت بالخطيئة، فقد قدمت نموذجًا بشريًا أقرب للتواصل معه عاطفيًا، فهي وفقًا للأساطير، الشخصية التي فضَّلها المسيح رغم إثمها
بهذه الكلمات في الإنجيل، حدّث يسوع مريم المجدلية عندما أخطأت التعرف عليه معتقدة بأنه البستاني، وحينها تحوّلت دموع حزنها سريعًا لبهجة بمجرد أن أدركت مع من تتحدث. تعطينا دموعها دليلًا آخر، وراء توجه كتاب العصر لفكرة توبتها عن الإثم. كما نلمس تأثرهم باتجاه تعبدي ظهر متأخرًا في العصور الوسطى، والذي ربما يفسر أيضًا سر استمرار خطأ البابا غريغوريوس، وهو اتجاه التماهي وجدانيًا (Affective Piety).
وهي ظاهرة تعبدية تختص غالبًا بالنساء، مكّنت مسيحيو العصور الوسطى من تواصل وجداني أقوى مع المسيح، من خلال تأمل الطبيعة البشرية له، بجانب ألوهيته، مؤديًا بهم لتعميق تقواهم. وكثمرة لهذا الاتجاه، شاع نوع جديد من الكتابة «التأمل الوجداني» (Passion meditation)، خاصة في القرنين الثالث عشر والرابع عشر. لم تصف هذه الكتابات حياة وموت المسيح فحسب، إنما حفّزت القراء على تخيل أنفسهم حاضرين المشهد. ربما دّل هذا على نوع من الفهم لمعاناة المسيح، لكنه يهدف لمشاركة فعلية، فقد كان يحث القارئ أحيانًا على الصعود للمسيح ومسح جبينه وتخفيف معاناته، أو الركوع عند الصليب مع المتفجعين المؤمنين.
ومن الطبيعي أن يدفع شكل هذه العبادة إلى استجابة عاطفية سريعة، تُذرف معها الدموع كما لو كان المسيح أمام أعينهم حقيقة.
كانت مريم المجدلية- التي نحبت عند الصليب مع أم يسوع- واحدة من النساء القلائل اللواتي ذكرن في الأناجيل، والتي يمكن للقارئات الارتباط بهن أثناء ممارسة هذه العبادة. فيتخيلن رفقتها، ورؤية المشهد عبر عينيها، ومشاركتها فرحتها بقيامة المسيح وحزنها على معاناته وموته. ولأن مريم اتصفت بالخطيئة، فقد قدمت نموذجًا بشريًا أقرب للتواصل معه عاطفيًا، فهي وفقًا للأساطير، الشخصية التي فضَّلها المسيح رغم إثمها، وعندما يأتي الأمر للتقوى الوجدانية والتأمل، فمريم المجدلية هي المثال.
ومن بعد أساطير العصور الوسطى المرسخة لطبيعة المرأة الآثمة، يتصاعد تهميش المرأة بقرار الكنيسة منعها من التبشير، رغم نموذج مريم النسائي في نشر كلمة الرب على أوسع نطاق، لكلِ من الرجال والنساء على حد سواء، والتي كانت إلهامًا للنساء اللاتي وجدن طريقهن في حمل الرسالة المسيحية وتطبيق قواعدها.
كانت مريم هي المرأة العادية التي استطاعت أن تجد الكمال الروحي، محاربة خطيئتها الكامنة ومنتصرة عليها، معطية الأمل في المغفرة لكل الخطاة.
[1] - حركة مسيحية لها جذور غنوصية أو إحيائيَّة بدأت في منتصف القرن الثاني عشر.
[2 -هي الأسفار التي لم يتم اعتمادها في المجامع الكنسية.
[3] - الأناجيل القانونية يُقصد بها الأناجيل التي تم قبولها في مجمع نيقية: متى، مرقس، لوقا ويوحنا.
الترجمة خاصة بـ Boring Books
تحتفظ المترجمة بحقها في المساءلة الأخلاقية والقانونية إذا تمت الاستعانة بترجمتها دون إذن منها
3 Replies to “لماذا ارتبط اسم مريم المجدلية بالخطيئة؟”
مقال حلو . الجدير بالذكر أن الكنيسة الشرقية موقعتش في الخطأ ده . مريم المجدلية هي اللي خرج منها المسيح سبعة شياطين و بقت من أتباعه بعد كدة. اكتر من كدة تخمين.
ليس مهما اذا كانت مريم المجدلية هي البغي التائبة ام. فولادتها الحقيقية تمت عندما آمنت ان يسوع هو المسيح. لكن، تكمن قوة مريم المجدلية في توبتها، لأنها اختارت المسيح والتوبة اختيارا، لأنها آمنت ان يسوع هو المسيح، وجوهر الايمان بالمسيح هو المحبة والتوبة
مريم المجدلية تعلمنا و تأكد لنا أن الخطايا تغفر بتوبة و الندم عن الإثم ورغبة في المضي في طريق الصلاح والحق وليس الإيمان بإله مصلوب، الله رحيم وقوي و حكيم ، لا يريد من عباده إلا ترك الضلال و التوبه إلى طريق الحق الإله الحق، فيسوع بشر مريم المجدلية بمغفرة خطاياها لأنه رآه الندم و التوبة في دموع آعينها و ليس لأنها آمنت بفداء على الصليب ، فبرحمة الله و حكمته أنه منا على أدم و ذريته بنعمة التوبة و حرم إليأس من رحمة و مغفرته