شجرة تخبر عن أورفيوس
قصيدة لدينيس ليفرتوف
ترجمة: يوسف البراوي
الترجمة خاصة بـ Boring Books
يحتفظ المترجم بحقه في المساءلة الأخلاقية والقانونية إذا تمت الاستعانة بترجمته دون إذن منه.
دينيس ليڤرتوڤ شاعرة أمريكية من مواليد عام 1923، وتوفيت عام 1997. من أعمالها: «تنفُّس المياه»، «هذا المجهول العظيم»، «النهر والياقوت: قصائد مختارة عن موضوعات دينية»، «رقصة الحزن»، والعديد من الدواوين الأخرى. حاصلة على جائزة لانان الأدبية للشعر، وخلال مسارها الثري بغزارة الكتابة كانت كل أعمالها تعكس الكثير من معتقداتها الدينية والإنسانية وفلسفتها المتواضعة في التعامل مع الحياة. وكان لها نشاطها السياسي المعروف في الإشارة إلى ظلم حرب فيتنام، كما شاركت بحماس في التجمعات، وقراءة الشعر في بعض الأحيان. تم نشر بعض من شعرها المتعلق بالحرب في كتابها لعام 1971: «البقاء على قيد الحياة»، وهو مجموعة من الرسائل المناهضة لحرب فيتنام ونشرات الأخبار ومقالات اليوميات والمحادثات. بعد سنوات من كتابة مثل هذا الشعر، توصلت في النهاية إلى استنتاج مفاده أن الجمال والشعر والسياسة لا يمكن أن يستمروا سويًا، وهو ما فتح الباب على مصراعيه لشعرها الديني في الجزء الأخير من حياتها.
كان فجرٌ أبيض، وسكون. عندما بدأ التموّج
حملتهُ معي في رياح البحر، آتيةً لقريتنا بإشاعات عن الملح
والآفاقِ بدون الشجر، ورغم ذاك، الضبابُ الأبيض
لم يهتَج؛ ولم يتحرك إخوتي من أماكنهم، ظلوا ممدّدين
دون حَرَاك.
التموّجُ كان لا يزال يقترب، وعندها
ارتعشت فروعي التي بالخارج، ارتعشت
وكأن النار اتّقدت بالقربِ أدناها
فتجعدت أطرافُها.. ثم جفّت.
وأنا ما زلتُ غيرَ خائفة، فقط
أصبحت في انتباه شديد.
كنت أولَ من شاهده لأني نموتُ هناك:
في المراعي المنحدرة، خلفَ الغابة.
كان رجلًا، كما بدا: ساقان تتحركان،
جذعٌ قصير، وأطرافُ أذرعٍ مَرِنة، كلُّ منها
بخمس أفرعٍ عديمة الأوراق في نهايتها،
والرأسُ التي تُوِّجت بالبنيِّ أو الذهبيِّ من الأعشاب
أظهرت وجهًا ليس كوجهِ الطير، وجهًا بلا منقار
أقربَ إلى وجهِ الوردة.
حَملَ ثقلًا
من فروعٍ مقطوعة منحنية بينما لا تزال خضراء،
وفروعٍ من الكرمةِ مشدودةٍ بإحكام حولها.
مِنها، عندما لمسها، ومِن صوته،
صوته الذي على عكسِ صوت الريح؛
لا يحتاج فروعَنا وأوراقنا كي تُكمله،
أتى ذاك التموُّج.
لكن الآن ما عادَ يبدو تموّجًا (كان قد اقترب
ووقف عند أول ظلٍ لي) كانت موجةً غمرتني
كما لو كانت مطرًا
نهضَ من حولي ومن أسفل
بدلًا من أن يسقط.
وما شعرتُ به ما عاد رعشة جافّة:
بدوتُ كما لو كنتُ أغني كما غنّى، بدوت كما لو كنتُ أعرف
ما تعرفه عصفورةُ القبرة[1]؛ وكل غبائي
كان يعلو تجاه الشمس التي كانت الآن
قد سطعتْ، والضبابُ كان يجلو، والعشبُ
كان يجفّ، وجذوري ما زالت تشعر بموسيقى تندّيها
في الأعماقِ تحت الأرض.
استمرّ في الاقتراب، ثم انحنى على جذعي:
ارتعش لحائي كورقة لا تزال مطوية.
كانت موسيقى! وما كان فيَّ غصنٌ
لا يرتعش من من الفرحةِ والخوف.
وبعد أن غنّى
لم يبدُ أن ذاك وحسب ما كان يُصدرُ الموسيقى:
تكلَّم، ولأن لا شجرة تسمع، سمعتُ أنا، واللغة
تسللت إلى جذوري
بعيدًا عن الأرض
وإلى لحائي
بعيدًا عن الهواء،
إلى المسام الأكثر خضرة من نبتاتي،
بلطفٍ كما الندى
ولم يكن هناك كلمة قالها وإلا وفهمت ماذا تعني.
أخبرني عن مغامراتٍ،
عندما يرحل الشمسُ والقمرُ بينما نقفُ في الظلام،
وعن مغامرةِ الأرض التي حلمَ أنه سيخوضها يومًا
ويصل إلى أعمقَ من الجذور...
أخبرني عن أحلام الإنسان، عن الحروب، والأهواء، وعن الأحزان
وأنا، الشجرة، فهمتُ الكلمات -آه، بَدَا
أن لحائي السميك سينشقّ، كشجيرةٍ،
شجيرةٍ نمت سريعًا في الربيع
عندما يجرحها الصقيع المتأخر.
نارًا غنّى،
نارًا تخافُها الأشجار. وأنا، الشجرة، ابتهجت في لهبها.
وبراعمُ جديدة تكسّرت مني برغم أنه كان في عزّ الصيف.
وكما لو أن قيثارته (التي أعرف الآن اسمها)
هي كلاهما: الصقيع والنار، اشتعل وترُها
ووصل إلى أعلاي كالتاج.
صرتُ بذرةً من جديد.
كسرخسٍ[2] في المستنقع.
صرتُ كفحمة.
[1] القبرة: عصفورةٌ من فصيلة القبريات، تكسو السمرةُ ريشَها، ومنها نوعٌ يتميز ببقعة سوداء على الصدر، وعلى رأسها ريشٌ منتصب. معروفة بالحذر الشديد، وتغريدها الدائمِ في الحقول.
[2] السرخس: نبتة برية وتزيينية تنبت في الحقول والغابات وعلى الجدران. تختلف عن الطحالب لكونها وعائية: لديها أوعية موصلة للماء، ولديها سيقان وأوراق مثل باقي النباتات الوعائية، وتختلف أيضًا عن البذريات: النباتات الزهرية وعاريات البذور، في طريقة التكاثر في الافتقار إلى البذور والزهور. وتكون في كثير من الأحيان ريشية الشكل.