فليختر معجبو ويلز ما يفضلون من أعماله. أما أنا فسأختار "تاريخ السيد بولي"، أحد أعمال ويلز التي كتبها في منتصف عمره (كان في الرابعة والأربعين)، فكانت كوميديا مبهجة عن الحياة اليومية في إنجلترا في عهد الملك إدوارد
تاريخ السيد بولي لهربرت جورج ويلز (1910)
مقال روبرت مكروم
ترجمة سمية عبد العليم
عن كتاب "أفضل مئة رواية في اللغة الإنجليزية" الصادر عن كتب مملة بالتعاون مع دار هن للنشر والتوزيع
كثيرًا ما يُصنف الكاتب هـ. ج. ويلز ضمن رواد كتابة الخيال العلمي (وقد كان أحد روادها فعلًا) ووصلت كتبه مثل "الرجل الخفي" و"أوائل الرجال على القمر" لقوائم الأكثر مبيعًا. لكنه كان أيضًا كاتبًا إدوارديًا عظيمًا واسع الشهرة والتأثير جديرًا بأن يُحفظ في الذاكرة كرمز أدبي كبير، بعد أن فقد الآن إلى حد ما حظه ونصيبه من التأثير في الأجيال الحالية.
ولكن أيٍ من رواياته الخمسين نختار؟ "اﻵلة تستيقظ" (تصور بعيد النظر لعالمٍ استعبدته الأموال والآلات)؟ أم "الحب والسيد لويشام" (قصة عن معلم مدرسي يصبح اشتراكيًا ويريد أن يخضع الحياة العائلية لمعايير السياسة)؟ أم "طونو بونجاي" (سخرية لاذعة من أساليب الدعاية والصحافة الشعبية)؟ أم "كيبس" (كوميديا دكينزية عن رجل عادي يكافح ليطور من نفسه)؟
فليختر معجبو ويلز ما يفضلون من أعماله. أما أنا فسأختار "تاريخ السيد بولي"، أحد أعمال ويلز التي كتبها في منتصف عمره (كان في الرابعة والأربعين)، فكانت كوميديا مبهجة عن الحياة اليومية في إنجلترا في عهد الملك إدوارد (من 1901 إلى 1910) مُستلهمة من حياة المؤلف نفسه. فضلًا على هذا فقد أكدت، بحسب تصدير ويلز المضمن في "الإصدار الأطلنطي" عام 1924، "مجموعة صغيرة ولكنها معتبرة من النقاد أن هذه الرواية هي أفضل ما أنتج الكاتب"، وحتى إن لم يوافق هو كليًا على هذا الرأي، فإنه سيظل راضيًا لأن "هذا بالتأكيد هو أسعد كتاب كتبته، وهو أكثر كتاب أعتز به".
كنت وما زلت أحب هذا الكتاب تحديدًا (ولم أكن يومًا من المتحمسين للخيال العلمي) لأنه لم يشبه، في العديد من جوانبه، سمات أعمال ويلز الأخرى. فهي قصة كوميدية لا تزال حتى زمننا هذا عصرية بشكل مدهش، تدور حول أزمة منتصف العمر. يعمل ألفريد بولي في وظيفة روتينية في متجر لبيع الملابس الرجالية في بلدة فيشبورن الصغيرة، وهي مكان يشبه بشكل كبير بلدة ساندجيت في كينت، حيث عاش ويلز عدة سنوات. كانت نغمة الرواية صريحةً منذ البداية: "كان يكره فيشبورن، ويكره متجره وزوجته وجيرانه. والأهم من كل هذا كان السيد بولي يكره نفسه".
عندما يهدده شبح الإفلاس، يقرر السيد بولي أن الطريقة الوحيدة لتحرير نفسه من ورطته وكرهه هو أن يحرق متجره ثم ينتحر. ولكنه يرتكب أخطاءً عديدة تُفشل خطته "الإحراقية" ولا يجد الشجاعة الكافية كي ينحر عنقه بالسكين. وبعدها، يدرك السيد بولي أن "فيشبورن ليست العالم"، فيبدأ رحلة "جوبٍ وتجوال" خالقًا لنفسه مستقبلًا أفضل عبر ما يسميه "التجول الاستكشافي".
بالنسبة لي، أرى أن هناك ثلاث عناصر في هذه الرواية تجتمع فتجعل لهذا الكتاب جاذبيةً خالدة، وتضعه على رأس قائمة أعمال ويلز المميزة. أولها، أن رسم شخصية السيد بولي، التي كانت صورة ساخرة من ويلز نفسه، كان ساحرًا وأخاذًا، كما أن الشخصية تابعت التراث الأدبي للسيدة مالبروب،[1] والعديد من شخصيات ديكينز الثانوية، فكان لها "حس فطري في إضافة النعوت ومزج الصفات" جعلها قادرة على خلق سيل من المفردات مثل "intrudacious" و"jawbacious" و"retrospectatiousness".
وثانيها، أن السيد بولي (الذي يبدو وكأنه قد خرج من إحدى روايات ديكنز) نموذج للرجل "قليل الشأن" بمقاييس المجتمع الإنجليزي أواخر العصر الفيكتوري والعصر الإدواردي، ولكنه يكافح ويحاول جاهدًا تحرير نفسه من قيود المجتمع الطبقي الجائرة. إن تأثير ديكينز الأدبي جلي واضح على هذه الشخصية، فألفريد بولي امتداد لجو جارجري وبوب كراتشيت والسيد ويميك، كما أنه قريب، مجازًا بالطبع، للسيد بوتر[2]، ومعاصر لليونارد باست بطل رواية إدوارد فورستر، وسيكون لاحقًا مصدر إلهام لشخصيات كينجسلي آيموس وبيلي ليير الرئيسية.
أما آخر هذه العناصر، فهو أنها رواية كوميدية عن الحياة العادية في البلدات الصغيرة، تُنقب في الحياة اليومية، وتلاحظ بكل براعة ودقة عددًا لانهائيًا من التفاصيل. فمثلًا في أحد مشاهد الاستعادية الطويلة التي تحكي لنا الجزء الأوسط من "تاريخ" السيد بولي، نرى حفل الزفاف المضحك الذي سيربطه للأبد بميريام، وهو الحدث الذي أخرج أحد أفضل الجمل التي كتبها ويلز: "تحمس السيد بولي وأحس بأنه سيكون راضيًا وسعيدًا إن أحب واتخذ زوجة، لكنه تمنى فقط لو لم تكن هذه الزوجة هي ميريام".
فيما بعد، أصبح ويلز واحدًا من أشهر الكتاب البريطانيين، يتقرب إليه رؤساء الولايات المتحدة، ولا يُترك لحاله خارج النزال السياسي. كان لقاؤه بلينين (1920) ثم مقابلته مع ستالين (1934) أخبارًا عالمية هامة. وبنهاية مشوار حياته الطويل، كان ويلز قد نشر 150 كتابًا وكتيبًا، منهم 50 عملًا أدبيًا. من بين هذه القائمة الطويلة من الأعمال، كان لـ "تاريخ السيد بولي" سحرًا خاصًا، فهي الرواية التي استطاع ويلز فيها، للمرة الوحيدة في حياته، أن يكون هادئ البال مسترخيًا مرتاحًا، وأن يصف الشيء الوحيد الذي لم يجده طوال حياته؛ راحة البال.
ملحوظة على النص
كتب هـ. ج. ويلز هذه الرواية عام 1909، بالتزامن مع إنهائه ونشره لروايته "آن فرونيكا"، ونشرها عام 1910 مع دار توماس نيلسون، فيما نشرت دار دوفيلد وشركاؤه طبعة الرواية الأمريكية. في هذه الإصدارات الأولى لكلتا الطبعتين كان هناك بعض الأخطاء الطفيفة ذات الدلالة، التي صُححت فيما بعد. ذُكر أن مثلًا عمر السيد بولي كان خمسة وثلاثون، وعُدل فأصبح سبعة وثلاثون. وفي الطبعة الأمريكية جاء عنوان الفصل الخامس، "السيد بولي يذهب في إجازة" بدلًا من العنوان الفصل الأصلي "رومانسية"، وهكذا. واليوم، يُحفظ مخطوط رواية تاريخ السيد بولي في أرشيف هـ. ج. ويلز في جامعة إلينوي في إربانا-شامبين.
[1] إحدى شخصيات مسرحية الخصوم (The Rivals) الكوميدية، أدت شهرتها لخلق المصطلح الأدبي "الملبروبية" الذي يعني استخدام كلمة خاطئة تشبه في وقعها الكلمة المناسبة.
[2] الشخصية الرئيسية في رواية "مذكرات شخص نكرة" (The Diary of a Nobody).