قد يكون هناك اعتراض على أن توقعاتي قاتمة جدًا؟ لكن أهي كذلك؟ أتخيَّل أنه سيتضح أنني كنت مفرطًا في التفاؤل وليس العكس

اقتباسات من كتاب "وزارة الحقيقة.. سيرة رواية (1984) لجورج أورويل" من ترجمة: نادر أسامة، وإصدار: دار كلمات

الاقتباسات من اختيار: داليا روئيل


جورج أورويل، عن the spectator

على الرغم من أنه قضى عامين تقريبًا في القتال في حرب ومحاولة القتال في حربٍ أخرى، كان أورويل من دعاة السلام، صدمته النسخة البريطانية من مناهضة الفاشية لكونها "تنكرًا رديئًا للإمبريالية المتطرفة". علاوة على ذلك، كان مقتنعًا بأن الحرب سيكون لها تأثير "فاشي" على الشعب البريطاني: "تخفيض الأجور، قمع حرية التعبير، الوحشية في المستعمرات، إلى آخره. أحد الأقوال المفضلة له في هذا الوقت كانت حجة نيتشه التي تقول بأن اولئك الذين يقاتلون التنانين يخاطرون بأن يصبحوا تنانينًا أنفسهم.


العالم الذي نحن بصدده هو عالم الكراهية، عالم الشعارات والقمصان الملونة والأسلاك الشائكة والهراوات المطاطية، عالم الزنازين السرية حيث لا تنطفئ المصابيح الكهربائية ليلًا أو نهارًا، وحيث يراقبك المحققون في أثناء نومك، عالم المواكب وملصقات الوجه الضخمة والحشود المليونية التي تهتف باسم الزعيم بهديرٍ مدوٍ يصم الآذان يجعلهم يتوهمون أنهم يعبدونه حقًا، بينما في قلوبهم هم يكرهونه إلى حد التقيؤ.


كل البروباجندا أكاذيب حتى عندما يقول المرء الحقيقة. أعتقد أن الأمر ليس مهمًا ما دام المرء يعرف ماذا يفعل ولماذا.


لم يستمتع أورويل بكتابة كتاب مثلما استمتع بكتابة "مزرعة الحيوان" خلال الشتاء الضبابي الموحل بين عامي 1943 و1944. كل ليلة في البناية رقم 10 ألف في شارع مورتايمر كرسنت، كان يقرأ حصيلة عمل اليوم على مسمع (آيلين) ويطلب ملاحظاتها في الصباح التالي، كانت تسرد على زملائها في وزارة الغذاء أفضل المقاطع وهم ذاهبون لاحتساء القهوة في سيلفريدجز. كانت تقول -بفخر له ما يسوِّغه- إنها أفضل عمل كتبه على الإطلاق. تدفَّق النص كشلال هادر. لكن كان أورويل يعلم أن المعاناة الحقيقية لم تأت بعد. أخبر جليب ستفروف: "أكتب عملًا لاذع السخرية قد يروق لك عندما ينتهي، لكنه ليس حسنًا من الناحية السياسية، لذا لست متأكدًا من أن أحدًا قد ينشره. ربما يعطيك هذا لمحة عن موضوعه".


قال أورويل ذات مرة: إن "ألف وتسعمئة وأربعة وثمانون" "لم تكن لتكون قاتمة جدًا لو لم أكن مريضًا جدًا". تشير الأدلة إلى خلاف ذلك. في أيام عام 1945 الأخيرة، فوجئ قرَّاء "تريبيون" بمقال مُحبِط بعنوان "تقويم جورج القديم". صُمِّم العنوان ليكون تنويعة شبه هزلية على توقعات أورويل لعام 1946، التي تضمنت حدوث كارثة اقتصادية، وعودة الفاشية، و"حروب أهلية، واعتداءات بالقنابل، وإعدامات علنية، ومجاعات، وأوبئة وصحوات دينية". سنة جديدة سعيدة! أنهى أورويل كلامه: "قد يكون هناك اعتراض على أن توقعاتي قاتمة جدًا؟ لكن أهي كذلك؟ أتخيَّل أنه سيتضح أنني كنت مفرطًا في التفاؤل وليس العكس".


لم يستطع أورويل منع نفسه من الإسهاب في شرح التداعيات السيئة لأي تطور اجتماعي جديد. كان قلقًا من أن تتحول المجمعات السكنية التي يحتاج المجتمع إليها بشدة والتي بدأت تظهر في جميع أنحاء البلاد إلى "مستعمرات لتوفير العمالة التي سيفقد فيها الناس جزءًا كبيرًا من خصوصياتهم"، ووصف مخيم العطلات مثل مخيم بوتلين كأنها دول بوليسية توفر نوعًا من الاستجمام الجماعي القسري والتمارين الصارمة مثل التي يعاني منها ونستون في آيرستريب وان. "لا ينفرد المرء بنفسه على الإطلاق". هكذا اشتكى الرجل الذي رأى أن الخصوصية والعزلة حق من حقوق الإنسان الأساسية.


بلورَ مقال "لماذا أكتب؟" -الذي كتبه بطلب من مجلة "جانجرل" الأدبية صاحبة العمر القصير- أولويات أورويل عندما كان يستعد لكتابة "ألف وتسعمئة وأربعة وثمانون". احتجَ أورويل بأن أربعة محركات رئيسية تنافس على السيادة في ذهن كل مؤلف: الأنا والحسً الجمالي والدافع التاريخي والهدف السياسي. ووصل إلى أن أفضل أعماله منذ عام 1936 قد حفزها رابع هذه المحركات. إنه يكتب لأنه "ثمة بعض الأكاذيب التي أرغب في كشفها، وبعض الحقائق التي أريد أن ألفت الانتباه إليها، واهتمامي الأولي هو أن أجد من يسمع".


أما بخصوص الرواية فكان يتحرق شوقًا للبدء فيها، فبعد تحرره من مطحنة الصحافة، وجد أورويل أنه لا يريد أن يكتب شيئًا على الإطلاق. لا شك أن المصابين بداء المماطلة المزمن سيستمتعون بسلسلة الرسائل التي يشرح فيها أورويل بسعادة لماذا لم يبدأ بعد في الرواية وأنه أجل تاريخ الانتهاء منها الى نهاية عام 1947 على أقرب تقدير. لم يكشف حتى نهاية سبتمبر، في رسالة إلى رئيس تحرير مجلة (بوليمك) همفري سلاتر، أنه وضع الحبر أخيرًا على الورق: "لقد بدأت روايتي التي تحكي عن المستقبل أخيرًا لكنني كتبت نحو 50 صفحة فقط، ووحده الرب يعلم متى سأنتهي منها. على أية حال، إنها بداية شيء على الأقل". عندما كان يشعر بتحسن ويكون الطقس لطيفًا، كان يعمل في غرفة الجلوس. عدا ذلك كان يكتب في غرفة نومه وسط ضباب دخان السجائر وأبخرة شموع البارافين.


إلى أي مدى يمكن التعامل بجدية مع ادعاء أورويل بأنه "أفسد الكتاب؟" لطالما قلل من شأن رواياته. يرجع ذلك إلى مزيج من التواضع وعدم المغالاة في التوقعات والشك الحقيقي في الذات. قال عن "أيام بورما": "جعلتني اتقيأ". وعن "ابنة القس": "كانت فكرة جيدة، لكنني أخشى أنني لطختها بالوحل". ووصف "من أجل استنشاق الهواء" بأنها "فوضوية". الرجل الذي أكَّد أن كل الكتب –مثل كل الثورات- فاشلة، كتب أيضًا أن "أي حياة عند النظر إليها من الداخل هي مجرد سلسلة من الهزائم". في كرَّاس ملاحظاته في المستشفى، تأمَّل في الماضي ملقيًا نظرة على واحد وعشرين عامًا من الوقت الضائع وعدم الوفاء بالوعود. حتى في انشغاله -وقد كان كذلك عادة- كان يخشى نفاد طاقته وموهبته، كان يخشى من "كوني عاطلًا عن العمل ومتأخرًا في الوظيفة الحالية وكون مجمل إنتاجي ضئيلًا بشكل بائس". في نظر أورويل كانت حياة الكاتب عبارة عن حلقة مفرغة عصيبة في الواقع، لم يرَ أحد أن أورويل فاشل باستثناء الصوت في رأسه، والذي لولاه لما كان لينجز ما أنجزه.


في يوليو، طلبَ أورويل يد (سونيا) للزواج بطريقته الخجولة المعهودة، وبخلاف سيليا باجيت وآن بوبام، وافقت سونيا. وجد بعض أصدقائه الفكرة مروعة. قال ديفيد أستور: "لم يكن أورويل مناسبًا للزواج بأي امرأة. كان بالكاد على قيد الحياة". رأى موجريدج أن فكرة الزواج "مرعبة بعض الشيء غير مفهومة"، لكن أورويل كان يؤمن إيمانًا راسخًا بأن هذا ما سيمنحهُ سببًا ليعيش من أجله. أو كما يقول ونستون عن جوليا: "بدا أن جسدها يصب بعضًا من شبابه وحيويته في جسدي".

لم يرَ أحد أن سونيا أحبته حقًا. قال بعض الذين عرفوها أنها كانت امرأة قاسية وأنانية تزوجته من أجل المال والسمعة لأن مجلة "هورايزون" كانت في آخر أيامها. ولأنها ستفقد وظيفتها قريبًا. رأى البعض الآخر أن زواجها به كان تضحية نبيلة بالنفس بدافع الشفقة والاحترام.


صارت "ألف وتسعمئة وأربعة وثمانون" كليشيهًا مبتذلًا بين مفكري الستار الحديدي إلى درجة أن ميلان كونديرا بدأ يكرهها. قد تبدو مقولة كونديرا الشهيرة "صراع الإنسان ضد السلطة هو صراع الذاكرة ضد النسيان" مستوحاة من أورويل، لكنه كان يعتقد أن الرواية شجعت أصدقاءه التشيكيين على رؤية حياتهم على أنها "كتلة غير متمايزة من المخاوف".