الأخت كاري لثيودور درايزر (1900)

مقال روبرت مكروم

ترجمة: خديجة يوسف

عن كتاب "أفضل مئة رواية في اللغة الإنجليزية" الصادر عن كتب مملة بالتعاون مع دار هن للنشر والتوزيع


غلاف الأخت كاري، عن kobo

تُعَدُّ "الأخت كاري" واحدة من أعمال كثيرة في هذه السلسلة عن الحلم الأمريكي، وهي تتناوله بروح طبيعانية راديكالية رافضة للتأثير الفيكتوري على الأخلاق. قد تُقرأ الرواية من ناحية باعتبارها خرقاء رديئة تشع بروح فظة ساخطة، ولكن من ناحية أخرى، وخصوصًا بالنسبة إلى ذلك الحين، كانت تُعَدُّ صوتًا مختلفًا وقلبًا للطاولة. قال سنكلير لويس، وهو أول أمريكي يفوز بجائزة نوبل، عن رواية درايزر الأولى القوية إن "أمريكا كانت ساكنة لا هواء فيها، وحياتنا مشحونة، فأتت رواية درايزر كريح غربية حرة هبت علينا وملأت الجو بهواء نقي كنا خبرناه لآخر مرة مع أعمال مارك توين وويتمان".

سأكون أنا أول من يعترف بأن درايزر لا يبلغ أبدًا مبلغ أقرانه الآخرين، فليس لديه تقنية محددة، وسرده الفج يُشَوِّش على الضجيج المؤلم لنثره. يحث سول بيلو القراء على قراءة "الأخت كاري" دفعة واحدة. لا شك في أن درايزر رسم بورتريهًا مقنعًا دقيق التفاصيل، وصورة مقربة للمدينة الأمريكية في القرن العشرين، وهو قرن كان لأمريكا فيه دور حاسم.

تُستهل رواية الأخت كاري بانتقال "كارولين ميبر" من القرية إلى المدينة، بركوبها القطار لشيكاجو كي تفتح الأبواب لأحلامها، ولكي تحظى بمستقبل أكثر إشراقًا. تُقابِل في طريقها تاجرًا مسافرًا هو "تشارلز درويت" الذي يتخذها بعد قليل عشيقة له، فيحررها بذلك من العمل الشاق مع الآلات في المدينة ذات القلب المتجمد. كانت تلك أولى خطوات المسار الفاشل الذي تقطعه كاري بحثًا عن السعادة، فمنذ ذلك الحين تصبح ضحية لعلاقات ميؤوس منها، ممزوجة بانبهار بالنجومية والمسرح، ما يقودها إلى نيويورك لتعيش حياة فتاة تغني في الجوقة في برودواي.

وفي ختام الرواية تغير كاري اسمها إلى كاري ماديندا وتصبح نجمة، بينما يخنق زوجها السابق، جورج هارتسوود، نفسه بالغاز في سَكَن مُستأجر. في الفصل الختامي تُعرض نهاية هارتسوورد المأساوية بعد أن تَحَطَّم وفقد شرفه، في تتابع من أقوى صفحات هذه الرواية ذات الزخم الوحشي، التي تُصَوِّر قسوة الحياة في المدن الكبرى. أربك النص قرائه آنذاك، ولم تحقق الأخت كاري مبيعات عالية.

قال درايزر فيما بعد "إن النقاد لم يستوعبوا ما سعيت لفعله. هذا كتاب قريب من الحياة، لم أرد له أن يرسم لوحة باهية أو أن يكون رواية بديعة الصنع. أردت رسم لوحة بسيطة، وقوية بما تسمح به حدود اللغة. أشعر الآن أن النقد الأمريكي ليس أكثر من دعابة تحميها السلطات الأدبية. أما حين تصل الرواية إلى الناس، فسيفهمون، لأنه كتاب يحكي عن الحياة، عن حياتهم".

ملحوظة عن النص

حتى الثمانينيات كان نص "الأخت كاري" مأخوذًا عن نسخة "دابلداي بيدج" التي صدرت عام 1900، ولم يعدلها درايزر إلا مرة واحدة فقط في عام 1907. لكن في عام 1981 ظهرت النسخة التي نسميها "نسخة بنسلفانيا" عن دار نشر جامعة بنسلفانيا، والتي أخذت بمسودة درايزر الأولية المكتوبة بخط يده، وهي ما تزال محفوظة في مكتبة نيويورك العامة، واعتمدتُ عليها مرجعًا للرواية. كان هذا قرارًا خاطئًا في رأي عدد من المراجعين، وهو ما زاد الجدل الدائر بشأن الرواية منذ نشرها الأول.

اعتمدت أنا في هذه السلسلة على النسخة الورقية لإصدار نورتون النقدي، والتي راجعها دونالد بايزر، ويبدو أنها تعد أكثر النسخ الموثوق منها اليوم، ومن أسباب هذا عرضها بأسلوب ماتع وبالتفصيل حالة الغضب التي رافقت طباعة أول نسخة من "الأخت كاري"، وشرح الفروق بين مسودة درايزر الأولية ونسخة عام 1900. إن هذا لقراء درايزر الجدد ربما يكون أكثر الأجزاء إثارة في الرواية وتاريخها، ونعرضه باختصار كالتالي:

بدأ عمل درايز على الرواية التي كان عنوانها "الجسد والروح" باقتراح من صديقه آرثر هنري عام 1899. أنهى درايزر روايته في  29 مارس 1900 لكنه ظل يدخل التعديلات عليها حتى بعد أن أرسلها لعدة دور نشر في نيويورك، فلم يشعر أبدًا بالرضا عن عمله. عرض درايزر الرواية أول الأمر على دار نشر "هاربر آن برازرز"، وتَعَرَّض لرفضٍ قاس. بعد ذلك عرضها على دار نشر "دابلداي"، وكانت "الأخت كاري" صوتًا جديدًا تحمس له الروائي فرانك نوريس، الذي كان محررًا بالدار، وكان درايزر معجبًا به للغاية، وهو الذي دفع "دابلداي" لقبولها. لكن دار النشر عادت بعد ذلك لرفض الرواية، ربما لأن زوجة فرانك دابلداي رأت أن الحكاية وقحة جدًا، وأن النص به الكثير من المشاهد الجنسية الفجة. لكن درايزر كان شخصًا عنيدًا، وعلى استعداد للوقوف في وجه العالم، فأصر على النشر إيمانًا بحقه القانوني، وسانده في ذلك آرثر هنري. بلغ الأمر أن تطوع فرانك دابلداي لعرض الكتاب على بعض منافسيه بما فيهم دارا ماكميلان وليبينكوت، في محاولته للفكاك من العقد. لكن درايزر كان مصرًا، فمعه عقد ولا يرغب في التراجع.

وكما نتوقع من كتاب خرج من دار نشر على علاقة متوترة بكاتبها، لم تنشر دابلداي الكتاب بكثير من الحماس. طُبع الكتاب أخيرًا في الثامن من نوفمبر عام 1900، في ألف وثمان نسخة. أرسلت الدار 129 نسخة منها للنقاد، وبيعت 465 نسخة فقط، أما العدد المتبقي من النسخ (423) فأرسل إلى المخازن. رأى درايزر أن دابلداي أفشل روايته، وحوَّل قصة نشره الأولى لما يشبه الأسطورة. تشير السجلات إلى أن الرواية روجعت مع ذلك بشكل جيد وواسع، وظهرت في بريطانيا في عام 1901 حين نشرها ويليام هاينمان. كتبت ديلي إكسبرس لندن عن الأخت كاري "إنها حكاية قاسية لا رحمة فيها، تفاصيلها دقيقة وواقعية، حكاية تحيا في ذاكرة القارئ". أما في أمريكا، فقد قال الناقد العظيم هـ. ل. مينكين عن درايزر إنه "رجل أصيل ذو إحساس عميق وشجاعة لا تتزعزع".


* الترجمة خاصة بـ Boring Books

** تحتفظ المترجمة بحقها في المساءلة الأخلاقية والقانونية إذا تمت الاستعانة بترجمتها دون إذن منها