تُعَدُّ الوحوش النسائية تمثيلاً لـ"حكايات النوم التي تحكيها البطريركية لنفسها" مما يجعلها تعزِّز التوقعات المفروضة على جسد المرأة وسلوكها.
لماذا جسدت الميثولوجيا وحوشها على هيئة نساء؟
مقال نورا ماكجريفي
ترجمة أحمد سالم
مراجعة لكتاب جيس زيمرمان: "النساء ووحوش أخرى: بناء أسطورة جديدة" منشورة على موقع سميثسونيان في مارس ٢٠٢١.
تكشف لنا الوحوش عن الإنسان أكثر بكثير مما نتصور، إن تلك الكائنات المخيفة مجهولة المنشأ الزاحفة ذات الأجنحة والأنياب وغيرها من الصفات الوحشية التي تمتلىء بها الأساطير قد ساعدت المجتمعات منذ نشأتها على تشكيل بنيتها الاجتماعية والثقافية والإجابة على سؤال قديم: ما المقبول وصفه كإنسان، وما المقبول وصفه كوحش؟
في الأساطير اليونانية والرومانية الكلاسيكية التي تسود الثقافة الغربية اليوم، ربما يكون هناك عدد كبير من تلك المخلوقات يتم الإشارة لها بأنها انثوية. ووفقًا للدراسات الكلاسيكية التي كتبتها ديبي فلتون في مقالة عام 2013، "جسدت كل تلك الشخصيات الشريرة كتعبير خوف الرجال من القدرات المهولة للنساء. وبالتالي، تلبي هذه الأساطير، إلى حدٍ ما، خيال الرجال بالسيطرة والتحكم في الإناث".
نسج المؤلفون القدماء خوفهم من النساء -ورغبتهم بهن- في قصص حول الإناث الوحشية. ففي ملحمة التحولات التي كتبها الشاعر الروماني أوفيد في القرن الأول الميلادي، يتحدث عن ميدوسا، جورجون مرعبة تحول كل من يلقي عليها نظرة إلى حجر. وقبل ذلك في أوديسة هوميروس، التي كتبت في القرن السابع أو الثامن قبل الميلاد، يجب على البطل اليوناني أوديسيوس الاختيار بين محاربة سيلا، وهي وحشة لها ستة رؤوس واثني عشر رجلًا، وبين كاريبديس وحش البحر، مهلكُة البحارة، ووصف كلاهما بأنهن إناث بشكل لا لبس فيه.
قد تبدو هذه الحكايات خيالاً الآن، ولكن بالنسبة للقدماء، كانت تعكس واقعًا "شبه تاريخي"، ماضٍ حقيقي ضائع عاش البشر فيه جنبًا إلى جنب مع الأبطال والآلهة والخوارق، كما كتبت المسؤولة عن الأرشفة الفنية مادلين غلينون لمتحف المتروبوليتان للفنون في عام 2017. والأكثر من ذلك، فإن الوحوش الإناث في تلك الحكايات تكشف لنا المزيد عن القيود الأبوية الواقعة على المرأة، بدلاً من الإفصاح عن شيء عن النساء أنفسهن أصحاب تلك الاساطير. فميدوسا كانت تثير الخوف في قلوب القدماء لأنها كانت تجمع بين كونها جميلة بشكل مخادع وقبيحة بشكل مروع؛ أما كاريبديس فقد أرعبت أوديسيوس ورجاله لأنها رمزت لهاوية بلا قاع، ممثلة جوع أبدي لا ينتهي ويبتلع كل شئ.
تُعَدُّ الوحوش النسائية تمثيلاً لـ"حكايات النوم التي تحكيها البطريركية لنفسها"، مما يجعلها تعزِّز التوقعات المفروضة على جسد المرأة وسلوكها، تقوم الصحفية والناقدة جيس زيمرمان في "النساء ووحوش أخرى: بناء أسطورة جديدة"، وهي مجموعة من المقالات، التي نُشرت حديثًا من قِبَل دار النشر بيكون، بإعادة النظر في وحوش العصور القديمة من منظور نسوي. وتلاحظ في الكتاب: "لقد كانت المرأة وحشًا، والوحوش كانت نساءً في قصص تمتد عبر قرون، لأن القصص هي وسيلة لترميز هذه التوقعات وتوريثها".
وكونها متحمسة للأساطير وناشئة على كتاب دولاير عن الأساطير اليونانية، تكتب زيمرمان مقالات شخصية تجمع بين التحليل الأدبي والذكريات الشخصية لتنظر إلى كل وحش كاستعارة موسعة للتوقعات المفروضة على المرأة في الوقت الحالي. وتعتمد على ترجمات وأبحاث علماء الآثار الكلاسيكية الآخرين، بما في ذلك "نظرية الوحش" للخبير جيفري جيروم كوهين، وديبي فلتون عن الوحوش في العالم القديم، وتحليل كيكي كاروجلو لميدوسا، وروبرت إيه بيل في "نساء الأسطورة الكلاسيكية" وماريان هوبمان في "سيلا".
تنضم زيمرمان أيضًا إلى صفوف الكتاب المعاصرين الذين أعادوا تخيل معنى هذه النساء الوحشية بشكل إبداعي، على سبيل المثال، موريال روكيسر، التي كتبت قصائد عن الأسطورة الإغريقية "السفنكس"؛ ومارغريت أتوود، التي أعادت سرد قصة زوجة أوديسيوس، "بينيلوبي"؛ ومادلين ميلر، التي كتبت رواية عام 2018 عن ساحرة يونانية تدعى "سيرسي".
وعلى الرغم من أن الوحوش الأنثوية المخيفة تظهر في التقاليد الثقافية في جميع أنحاء العالم، إلا أن زيمرمان اختارت التركيز على الحضارات الإغريقية والرومانية القديمة التي أثرت على الثقافة الأمريكية منذ أجيال. تقول "الأساطير الإغريقية لها تأثير ضخم على أدب النهضة، وفن وأدب النهضة له تأثير ضخم على أفكارنا الحالية، حول ما يشكل ما هو جيد أدبيا، على الأقل من منظور ذكر أبيض بحت"، كما وضحت في مقابلة لها.
تستعرض في باقي المقال، كيف تستطيع الأساطير خلف ست وحوش "مرعبة" من الاسفنكس المعروف إلى الكيميرا نافثة اللهب ووصولا إلى الأقل شهرة لاميا متحولة الأشكال. إلقاء الضوء على المشاكل التي تواجهها النسوية في العصر الحديث. يلقي كتاب زيمرمان نظرة شاملة على هذه القصص وتاريخها ويعقد رابطاً بين التاريخ القديم والسياسة الحديثة حيث تقول، "أملي هو أنه عندما تعود إلى النصوص الأصلية لقراءة هذه القصص، أن تفكر فيما يحاول هذا النص أن ينقله لك".
تجادل أيضا بأن تلك الصفات التي جعلت تلك النساء كائنات "وحشية" في عيون القدماء ربما كانت هي أعظم نقاط قوتهم، فماذا لو استبدل القراء المعاصرين الخوف من تلك الوحوش القديمة باحترامهم باعتبارهم أبطال مستقلين في قصصهم؟ "الصفات التي تمثلها [الوحوش] -الطموح والمعرفة والقوة والرغبة- ليست قبيحة"، تكتب أيضا زيمرمان "في روايات الرجال، لطالما كانوا أبطالها".
سيلا وكاريبديس
عندما يحاول بطل قصة هوميروس، أوديسيوس، ورجاله الإبحار إلى موطنهم إيثاكا، سيتحتم عليهم المرور عبر مضيق خطير وضيق يحاوطه الخطر من كلا الجانبين. فهناك سيلا، وهي وحش ذات ست رؤوس واثني عشر قدماً، وتمتد رقبتها إلى طول مرعب ورؤوسًا شبيهة بالذئاب تخطف وتأكل الملاحين الغافلين، وتقيم في كهف على قمة الجرف المطل على المضيق، وعلى الجانب الآخر تهدد وحش المحيط كاريبديس بإغراق السفينة بأكملها في نوبة غضب من نوباتها.
هذا الزوج من الوحوش، سيلا وكاريبدس، لفت انتباه زيمرمان. وتقول: "لقد تم تجسيدهما على أنهما أشياء يجب على أوديسيوس تجاوزها"، ثم تكمل: "لذلك أصبحا جزءًا من قصته البطولية، ولكن بالتأكيد ليس هذا هو هدف وجودهما الوحيد، أو على الأقل ليس حتمًيا عليهما أن يكون هذا دورهما الوحيد".
وصف هومر سيلا بأنه وحش يحمل بعض الصفات الإنسانية، لكن في إعادة سرد أوفيد التي كتبت حوالي 700 عام بعد ذلك، حوّلت سيرسي ساقي سيلا إلى كتلة من الكلاب بسبب حسدها. وكما أوضحت زيمرمان في كتابها "النساء والوحوش الأخرى"، فإن ما يجعل سيلا مرعبة في هذه النسخة من القصة هو "التناقض بين جمال وجهها ووحشيتها في الجزء السفلي"، وهذا يمثل، كما ترى، استنكار وخوف المجتمعات الأبوية تجاه أجساد النساء عندما يخرجن عن سلطتهم.
بالنسبة لكاريبدس، اقترح المؤرخ اليوناني القديم بوليبيوس في القرن الثاني قبل الميلاد أن الوحش قد يتوافق مع واقع جغرافي -دوامة تهدد الملاحين على مضيق ميسينا. وفي الأوديسة، ينجو البطل الإغريقي بالكاد من قبضة كاريبدس بالتشبث ببقايا سفينته المحطمة. "الشره هو سلاح كاريبدس ونعمتها"، تقترح زيمرمان ديناميكية جديدة للقصة. "ما هي مقدار القوة التي قد تمتلكها الوحشة الجائعة؟ قوة تكفي لابتلاع رجل".
لاميا
لاميا، واحدة من الشياطين الأقل شهرة في الأساطير الكلاسيكية، وهي تملك القدرة على تغيير شكلها. تظهر في كوميديا الكاتب اليوناني القديم أريستوفانيس في القرن الخامس قبل الميلاد، ثم تختفي تمامًا قبل أن تظهر مرة أخرى في الأدب الأوروبي في القرنين السابع عشر والثامن عشر، ولا سيما في الشعر الرومانسي لجون كيتس.
بعض القصص تروي أن لاميا لها الجزء العلوي من جسد امرأة لكن الجزء السفلي من جسد ثعبان، ويترجم اسمها باليونانية القديمة تقريبًا إلى "القرش المحتال". وتصورها الحكايات الأخرى على أنها امرأة لها أرجل وحوافر وحراشف وأعضاء تناسلية ذكرية، أو حتى كونها عدة وحوش مصاصة للدماء. ومهما كانت الحكاية التي يقرأها المرء، فإن الرذيلة الرئيسية للاميا لا تزال هي نفسها: إنها تسرق وتأكل الأطفال.
يشكل الحزن الدافع الوحيد للاميا، فقد قتلت هيرا زوجة زيوس أولادها من زيوس في نوبة غضب منها، فتقوم وهي غارقة في حزنها بإخراج عينها وتجوب بحثا عن الأطفال، وفي بعض الروايات زيوس يمنحها القدرة على نزع عيونها واعادتهم بإرادتها الكاملة (كقصة نشأة لاميا، تختلف الأقاويل حول سبب تلك النعمة من زيوس ولكن طبقًا لزميرمان فإن زيوس قد فعل ذلك كنوع من إظهار الرحمة للاميا كونها لن تقدر على رؤية أطفالها الموتى مجددا).
تفترض زيمرمان أن لاميا تجسد خوفًا عميقًا من التهديدات التي تشكلها النساء في قوالبهن المجتمعية المحددة كرعاة رئيسيات للأطفال. ووفقًا لما كتبه فلتون في عام 2013: "كون النساء يلدن في بعض الأحيان أطفال بإعاقات جسدية فإن ذلك يزيد من التصور السائد أن النساء يمتلكن الإمكانية للتخريب والدمار".
يتوقع من النساء أن يعتنين بالأطفال، ولكن المجتمع لا يزال "يشعر بالقلق باستمرار بأنهم سيفشلون في التزامهم بأن يكونوا أمهاتًا وراعياتٍ"، وفقًا لزيمرمان. إذا رفضت امرأة الأمومة، أعربت عن تردد تجاه الأمومة، أحبت طفلها كثيرًا أو أحبته قليلاً، فإن جميع هذه الأفعال تُنظر إليها على أنها انتهاكات باختلاف درجاتها.
وتقول زيمرمان: "أن أي انحراف عن صورة الأم المحددة تجعلك وحشًا، مدمرًة للأطفال". ولم تقتصر هذه المخاوف على القصص اليونانية فقط، فقد قامت "لايورونا" في أمريكا اللاتينية، و"بينانجالان" في ماليزيا، و"لاماشتو" في بلاد ما بين النهرين، بسرقة الأطفال أيضًا.
ميدوسا
مثل معظم الوحوش الأسطورية، تلتقي ميدوسا بنهايتها على يد بطل ذكر. ينجح بيرسيوس في قتلها، لكن فقط بمساعدة مجموعة من الأدوات ذات القوة الجبارة: الحذاء الطائر من إله الرسل هيرميس، والقبعة الخفية من إله العالم السفلي هاديس، ودرع شبيه بالمرآة من إلهة الحكمة والحرب أثينا.
كان بحاجة إلى كل التعزيزات التي يمكنه جمعها، فكونها واحدة من الجورجون، وهي ثلاث نساء ذوات أجنحة وثعابين سامة في شعرهن، كانت تصنف بين أقوى الوحوش وأكثرها رعباً في أساطير اليونان القديمة. في بعض الإصدارات من قصة نشأتهن، تنحدر الأخوات من جايا، التجسيد الشخصي للأرض نفسها. وأي شخص ينظر إلى وجوههن، سيتحول إلى حجر.
من بين الثلاث، كانت ميدوسا الفانية الوحيدة من بين الجورجون. في سرد أوفيد، كانت ميدوسا في السابق عذراء بهية. ولكن بعد أن اغتصبها بوسيدون، إله البحر، في معبد أثينا، سعت الإلهة إلى الانتقام لما رأته كفعل تدنيس. بدلاً من معاقبة بوسيدون، قامت أثينا بتحويل ضحيته، ميدوسا، إلى وحش مخيف.
بشكل مثير للاهتمام، تغيرت الصور الفنية لـ"ميدوسا" بشكل كبير عبر الزمن، حيث أنها تكتسب صفات جندرية أكثر وضوحا مع مرور الوقت، وفقًا لما صرحت به "كاراجلو"، المنسقة الفنية لمعرض "خطر الجمال: ميدوسا في الفن الكلاسيكي، في مقابلة عام 2018. في المعرض، جمعت "كاراجلو" أكثر من 60 صورة لوجه "ميدوسا". تماثيل الوحش من الفترة اليونانية الأركيدية، التي تمتد تقريبًا من 700 إلى 480 قبل الميلاد، هي على الأغلب شخصيات ذات جنسين مزدوج. تم تصميمها لتكون قبيحة ومخيفة، حيث تتميز باللحى والأنياب والعبوس.
وفي القرون التالية، تحولت تماثيل "ميدوسا" إلى تماثيل أكثر جمالًا. وكتبت "كاراجلو" في مقالة عام 2018: "الجمال، مثل الوحشية، يسحر، وكان يُنظر إلى الجمال الأنثوي على وجه الخصوص –وإلى حد ما ما يزال إلى وقتنا هذا- بأنه ساحر وخطير في آن واحد، أو حتى مميت". ومع تقدم القرون، أصبح الجمال المريب لـ "ميدوسا" مترادفًا مع الخطر الذي تشكله، مما جعلها تتحول إلى مفتاح لفهم التمثيل النمطي للغاوية الشريرة التي تستمر حتى يومنا هذا.
الكيميرا
الكيميرا، التي ذُكرت في كتاب هيسيود الذي كتب في القرن السابع قبل الميلاد وظهرت في كتاب هوميروس الإلياذة، كانت مخلوقاً وحشياً مكوناً من أجزاء متباينة: أسد في الأمام، وماعز في الوسط، وتنين أو ثعبان في الخلف. وكانت تتنفس النار، وتطير وتهاجم المدن البائسة. وعلى وجه الخصوص، كانت تثير الرعب في ليكيا، وهي منطقة ساحلية قديمة في جنوب غرب تركيا الحالية، إلى أن تمكن البطل بيلوروفون من إدخال رمحٍ مغلف بالرصاص في حلقها وخنقها حتى الموت.
من بين جميع الوحوش الخيالية، ربما كانت الكيميرا لها أقوى جذور في الواقع. يشير العديد من المؤرخين في وقت لاحق، بما في ذلك العالم الروماني القديم بليني الأكبر، إلى أن قصتها هي مثال على "الإيوهميرية"، حيث تكون الأسطورة القديمة مقابلة للحقيقة التاريخية. في حالة الكيميرا، ربما كان أهل ليكيا أستلهموها من النشاط الجيولوجي القريب من جبل الكيميرا، وهي منطقة نشطة جيوثيرمال حيث تشتعل غازات الميثان وتتسرب من خلال الشقوق في الصخور، مما يخلق انفجارات صغيرة من اللهب. تقول زيمرمان، "يمكنك الذهاب للتنزه هناك الآن، حيث تجد الناس يغلون الشاي على تلك الانفجارات الجيولوجية الصغيرة".
بالنسبة للإغريق القدماء الذين رووا قصصًا عن الوحش، فإن تجمع تلك الوحوش الخطيرة مع الماعز الأليف تحديدًا في جسد الكيميرا يمثل رعبًا متناقضًا ومختلطًا يعكس كيف كان ينظر للمرأة على أنها رمز لكل من الالفة والخطر المحتمل. فمن جهة كما تقول زيمرمان فإن الماعز في جسد الكيميرا "يحمل كل أعباء المنزل، يحمي الأطفال.. وتطعمهم من جسدها"، ومن جهة أخرى فإن جانبها الوحشي "يزأر ويصرخ وينفث اللهب. ما يقدمه (الماعز) لكيميرا ليس قدرة جديدة، وإنما شكل من أشكال الخوف. الخوف من الغير متوقع ومن عدم القدرة على التقييد والسيطرة".
يمتد أثر أسطورة الكيميرا حتى يصل إلى لغتنا الحديثة، فداخل المجتمعات العلمية "الكيميرا" الآن تشير إلى أي كائن يمتلك نسختين من الحمض النووي. وبشكل أعم، يشير المصطلح إلى أي تصور سحري فانتازي صادر من نسيج مخيلة شخص ما.
الأسفينكس
واحدة من أشهر العمالقة في العصور القديمة، كانت الأسفينكس شخصية شعبية في مصر وآسيا واليونان. وهي خليط من مخلوقات مختلفة، وللكيان الأسطوري معانٍ مختلفة في كل من هذه الثقافات. في مصر القديمة، على سبيل المثال، كان النصب التذكاري ذو جسد الأسد بارتفاع 66 قدمًا الذي يحرس هرم خوفو العظيم، على الأرجح ذكرًا وصُمم على هذا النحو كرمز للسلطة الذكورية.
عبر البحر الأبيض المتوسط، كتب المسرحي سوفوكليس الأسفينكس في مسرحيته اليونانية الكلاسيكية "أوديب ملكا" في القرن الخامس قبل الميلاد على أنها وحش أنثى بجسم قط وجناحي طائر، وتملك مخزونا لا ينتهي من الحكمة والألغاز. تسافر إلى ثيبيس قادمة من أراضي بعيدة وتبتلع أي شخص لا يستطيع الإجابة على اللغز الخاص بها بشكل صحيح: "ما الشيء الذي يسير على أربع قدم في الصباح وعلى قدمين في الظهيرة وعلى ثلاثة أرجل في المساء؟" (الإجابة: الإنسان، الذي يزحف في الطفولة، يمشي في الكبر ويستخدم عكازًا في العمر المتقدم).
عندما يجيب أوديب بشكل صحيح على اللغز، تحزن الأسفينكس بشدة إلى حد أنها تقوم بالانتحار، وهذا، كما تقول زيمرمان، نتيجة منطقية لفترة حضارية كانت تعاقب المرأة لامتلاكها المعرفة وابقائها لنفسها، إذ إن المعرفة هي القوة. ولذلك، ففي العصر الحديث، كما تقول زيمرمان، يحاول الرجال منع النساء من الوصول إلى أي شكل من أشكال التعليم النظامي.
قصة الأسفينكس هي قصة كل امرأة تملك أسئلة لا يستطيع الرجال الإجابة عنها. تكتب زيمرمان، "كان تقبل الرجال لذلك في القرن الخامس قبل الميلاد ليس مختلفاً عن تقبلهم الآن".
* الترجمة خاصة بـ Boring Books
** يحتفظ المترجم بحقه في المساءلة الأخلاقية والقانونية إذا تمت الاستعانة بترجمته دون إذن منه
One Reply to “لماذا جسدت الميثولوجيا وحوشها على هيئة نساء؟”
موضوع شيق وترجمة رائعة