اقترحت جوليا كاميرون في كتابها طريق الفنان كتابة "صفحات الصباح"، وهي ثلاث صفحات تُكتَب كل يوم صباحًا بمجرد الاستيقاظ من النوم.
تعلّم فن تسجيل اليوميات وأرشِف حياتك
مقال سارة بون
ترجمة رحاب عيد
المقال نشر في موقع aeon يناير ٢٠٢٣
سارة بون كاتبة ومحررة علمية حرة نشرت أعمالها في مجلة نيتشر وساينس وإل إيه ريفيو أوف بوكس وتعيش في كندا.
عندما يبحث المؤلفون في حياة الآخرين، فإنهم غالبًا ما يطلعون على أرشيفاتهم ليتعمقوا في تلك القصاصات التي جعلتهم الأشخاص التي كانوا عليها. ولكن عندما نستكشف حيواتنا، ننسى أننا لدينا أرشيفاتنا الخاصة، والتي تشمل دفاتر اليوميات القديمة، والبريد الإلكتروني، وسلاسل الرسائل النصية والمذكرات الصوتية.
في الآونة الأخيرة، كنت أنغمس في أرشيفي الشخصي -في دفاتري اليومية القديمة على وجه التحديد، لأتعرف مجددًا على الشخص الذي كنت عليه قبل عشرين عامًا، والذي كان يقوم بعمل ميداني عن بُعد في القطب الشمالي الكندي لمدة ثمانية أسابيع كل صيف. أؤلف كتابًا، كما ترى، عن تجربتي كعالمة ميدانية، وعلى الرغم من أنني أتذكر جيدًا ما حدث في ذلك الوقت، إلا أنني لا زلت مندهشة مما أجد في دفاتر يومياتي. على سبيل المثال، لم أتذكر وصولي إلى الميدان في وقتٍ مبكر كما فعلت منذ عام واحد، أو مستوى الإحباط الذي شعرت به عندما لم تعمل بعض معداتي. تُذكرني دفاتر يومياتي بتلك الأحداث، بألوان كاملة وتفاصيل دقيقة، مما يسمح لي بإضافة أوصاف ومشاهد شاعرية إلى كتابي.
تُظهر الأبحاث أن الاحتفاظ بدفاتر اليوميات بمثابة وسيلة ليكون المرء أكثر وعياً، ليفكر بحق فيما يمر به وكيف يؤثر عليه وعلى الآخرين. وعلى نحوٍ أكثر تحديدًا، يُمكن لكتابة اليوميات أيضاً أن تُحسن مهارات التواصل وتساعد على شحذ الذاكرة. تُشير الدراسات إلى أنه إذا كتبت ما تشعر به عند إصابتك بمرضٍ ما وعن الأحداث المُرهقة وفكرت فيها (التأمل هو أفضل استراتيجية)، فستتمكن من تحسين نتائج علاجك. يُعد تسجيل يومياتك أيضًا وسيلة للحصول على نوم أفضل وتعزيز ثقتك بنفسك.
أتفق مع الكاتبة الأمريكية جوان ديديون، التي قالت في كتابها "حول الاحتفاظ بدفتر ملاحظات" (1966): «نحن لا نتحدث هنا عن دفتر الملاحظات المعروف الذي يستخدمه الجميع ... بل عن شيء خاص، عن كتابة أجزاء من سلسلة أفكارك أقصر من أن تتمكن من استخدامها، وتجميع عشوائي وغير منتظم لا يُعني شيئًا إلا لصانعه».
وكما قالت الكاتبة الأمريكية سوزان سونتاج في "حول الاحتفاظ بدفتر يوميات" (1957): «لا أعبر عن نفسي في دفتر يومياتي بشكلٍ أكثر انفتاحًا مما قد أفعل مع أي شخص آخر فقط، بل أصنع نفسي أيضًا. إن دفتر اليوميات بمثابة وسيلة لأشعر بذاتي، فهو يُمثلني كشخص مستقل عاطفيًا وروحيًا».
اعتبرت ديديون وسونتاج الكتابة في دفاتر اليوميات فرصة لالتقاط الأنفاس في خضم العالم اليومي، ومكانًا لننعم بالنفس ونستكشفها على الورق بدلاً من فعل ذلك علانية.
لسببٍ ما، غالبًا ما أتردد في البحث في أرشيفي الخاص. غالبًا ما تكون الموضوعات متكررة: اللحظات السعيدة للعب هوكي البرك المتجمدة، وأهمية أن أكون على طبيعتي، والتذكرة بأن أكون أكثر إنتاجية، أو وضع جدولاً زمنيًا والالتزام به. وتتخللها كنوز مدفونة تتمثل في قصص قصيرة بدأتها من دون إنهائها؛ وقطع مقالية مليئة بالتفاصيل المذهلة والشخصيات الحيّة، في انتظار إحيائها؛ ورؤى عن الحياة نسيت أنني تبينتها يومًا ساعدتني في مواقف حالية بحياتي بطرق لم أتوقع أنها ممكنة، على سبيل المثال، حذرتني دفاتر يومياتي بشكل منتظم من أن أصبح أستاذة في العلوم، ولكنني تجاهلتها وانتهى الأمر بي بعيدة عن المسار الوظيفي الأكاديمي بسبب المرض. ماذا كان سيحدث إن أصغيتُ لنصيحتي؟
على الرغم من أنه لم يكن من المفترض أن يقرأها أشخاص آخرون، فقد نُشرت يوميات بعض الكُتاب بعد وفاتهم ليطلع عليها العامة، بما في ذلك يوميات فيرجينيا وولف، وسيلفيا بلاث، وفرانز كافكا وآخرين. اقتنص القرّاء هذه الكتب بشغفٍ آملين أن يجدوا فيها رؤى حول حياة الكاتب، وأن تكون بمثابة دليل إلى كيف تُصبح كاتبًا جيدًا. على الرغم من أن "دفتر يومياتك لن يُساعدني أبدًا، وكذلك لن يساعدك دفتر يومياتي"، كما كتبت ديديون. إلا أنه في كثير من الحالات تُظهر اليوميات المنشورة مسارًا واضحًا لكيفية تحول المؤلف إلى الكاتب الذي نعرفه. فعلي سبيل المثال، بدأت وولف رحلتها كصحفية في عمر الرابعة عشر، وكتب ثمانية وثلاثين دفترًا ليومياته في الفترة من 1897 إلى 1941. لا تعتبر يومياتها مجرد نافذة داخل عقلها فقط، ولكنها أيضًا "وثيقة اجتماعية مميزة". حيث كانت تُثري كتابات وولف بشكلٍ مباشر، وفي 1919، قالت "لهذا السبب، تعتبر عادة الكتابة ممارسة جيّدة لعيناي فقط، فهي تُرخي الأربطة".
تغطي يوميات بلاث ثلاثة عشر عامًا من عمرها قبل وفاتها، وتمتلئ بتأملات حول الكتابة وتفاصيل حياتها اليومية. قال أحد مراجعي موقع جود ريدز Goodreads أنه اضطر إلى أخذ قسط من الراحة من قراءة تلك اليوميات لأن "مشاعر بلاث كانت حيّة للغاية لدرجة أنك تشعر مع قراءة يومياتها وكأنك متطفل على حياتها". استمر كافكا في كتابة يومياته من 1910 إلى 1923، وتوقف عن كتابتها قبل عام واحد فقط من وفاته، ويوجد حساب على تويتر باسم Franz_K_Diaries@ ينشر تغريدات يوميًا بمقتطفات من يومياته تمنح القراء فكرة عن حياة الكاتب المكتئب والمريض، وكانت بعض كتاباته قصيرة للغاية، على سبيل المثال: "1 يوليو 1914: "مُتعبٌ للغاية."... 22 سبتمبر 1917: "لا شيء."
نشر كُتاب آخرون يومياتهم كجزء من أعمالهم، مثل يوميات العزلة لماي سارتون (1973) ومذكرات عالم طبيعة شاب لدارا ماكانولتي (2020). يمتلك المؤلف في تلك الحالات القدرة على تعديل التفاصيل التي لا يرغب في مشاركتها مع القراء، وهو أمر أشار إليه ليونارد وولف بغضبٍ في مقدمته ليوميات زوجته، حيث قال إن اقتطاع تفاصيل معينة يمكن أن يؤدي إلى الإخلال بالوثيقة: "إن الاقتصاص دائمًا ما يُشوِّه أو يُخفي الشخصية الحقيقية لكاتب اليوميات أو الرسائل... "، فكتبت سارتون عن البستنة، والطقس، والكتابة، والعيش بمفردها، ووثق ذلك كله تطور فنها وقيمها الروحية.
ومن الأمثلة على رؤاها بشأن الأحاديث القصيرة، والتي لا يُمكنها الالتزام بها، تقول "الوقت الضائع كالسم". من ناحية أخرى، يكتب ماكانولتي عن العالم الطبيعي وعلاقته به، بالإضافة إلى مرضه بالتوحد، وكيف يميزه عن الآخرين، ويُركز كتابه على وجه الخصوص على الأفكار والأحداث الكبيرة، حيث تظهر الجوانب العادية واليومية للحياة بشكلٍ أقل بكثير من ظهورها في اليوميات التي نُشرَت بعد وفاته.
إذاً، كيف تبدأ في كتابة اليوميات؟ أولاً، فكر في هدفك من القيام بذلك. هل تريد تجميع الأحداث اليومية، أم تريد تحليل تلك الأحداث من منظور شخصي؟ هل تريد ممارسة الكتابة، أم تريد تصفية ذهنك قبل الجلوس لكتابة شيء مصقول بقدرٍ أكبر؟ هل تريد أن تنشر يومياتك، أم أنك تفعل ذلك لنفسك فقط؟ هل تريد أن يكون لديك مرجع يمكن الرجوع إليها وتذكر أفكارك بشأن أحداث معينة؟ يُعد اكتشاف ما تريده من كتابة يومياتك بمثابة خطوة أولى في منتهى الأهمية لاتخاذ بقية قراراتك بشأن كتابة يومياتك.
فكر في طول المدة التي يُمكنك تخصيصها لكتابة اليوميات، وفي أي وقتٍ من اليوم بالضبط. هل يُمكنك تخصيص خمسة عشر دقيقة، أم لديك وقت فراغ لمدة ساعة كاملة؟ أيهما أفضل بالنسبة لجدولك وذهنك، الكتابة صباحًا أم مساءً؟ هل تضطر إلى الاستيقاظ مبكرًا وكتابة يومياتك لمدة نصف ساعة قبل أن تدب الحياة في أرجاء المنزل من حولك؟ أم أنك تحتاج إلى الذهاب إلى مقهى مزدحم والكتابة لمدة ساعة؟ ينصح بعض الكُتاب بالكتابة في نفس الوقت والمكان كل يوم؛ فعلى سبيل المثال، اقترحت جوليا كاميرون في كتابها The Artist’s Way (طريق الفنان) (1992)، كتابة "صفحات الصباح"، وهي ثلاث صفحات تُكتَب كل يوم صباحًا بمجرد الاستيقاظ من النوم. ولكننا لدينا جميعًا جداولنا الخاصة ولا يُمكننا أن نجد الوقت "المثالي" لكتابة يومياتنا على الدوام، جُلّ ما علينا فعله هو اختيار توقيت مناسب، والالتزام به. بدلاً من ذلك، قد تجد أنه لا يوجد سوى لحظات قصيرة فقط في يومك لكتابة يومياتك، لحظات تتغير بتغيّر جدولك. ولكن الخَوافي قوَّةٌ للقَوادِم.
الآن، فكِّر فيما ستكتب عنه. إذا كنت قد قررت أنك تُريد ممارسة الكتابة، فمن الممكن أنك ستعطي نفسك طلبات تمنحك حرية الكتابة في دفتر يومياتك، ليس من أجل أي أحد ولكن لنفسك فقط؛ وإذا أردت تجميع الأحداث اليومية، يُمكن الجلوس بعد تناول العشاء أو قبل الذهاب للنوم وتسجيل ما حدث في اليوم؛ وإذا أردت تصفية ذهنك، يُمكنك أن تدع الكلمات تتدفق من قلمك أو لوحة مفاتيحك مثل الكتابة من سيلٍ من الوعي والتي تنفث فيها كل السرديات المتعارضة في رأسك وتمنحك الوضوح المطلوب لتكتب ما يُعبر عنك بشكلٍ "حقيقي"؛ أو ربما مثل كافكا، قد تكتب بضع كلمات تلخص طابع اليوم الذي مر للتو، أو ملخص من جملتين لما جلبه لك ذلك اليوم وجعلك تفكر فيه.
يجادل البعض بأنه حتى الوعاء الذي تختاره للاحتفاظ بأفكارك مهمًا. هل ستكتب على جهاز الكمبيوتر بمستند جديد كل يوم، أم مستند واحد للعام بأكمله، أم ستكتب في دفتر ملاحظات رخيص بسلك ومسطر يمكن العثور عليه في أقرب المتاجر المُخفّضة لك، أم في دفتر ملاحظات فاخر أكثر إثارة؟ ربما تفضل دفتر ملاحظات مُغلّف بالجلد، أو دفتر بنُسُق دفتر اليوميات ملحق بالتاريخ في كل صفحة.
ومع ذلك، في النهاية، كل هذه الأسئلة ثانوية هدفها الرئيسي التدوين أو الكتابة في دفتر ملاحظات أو الاستمرار في كتابة اليوميات. حدد أدوات الكتابة المفضلة لديك، واجلس واكتب، وشاهد ما سيصدر منك. قد تفاجئ نفسك، وتحول أفكارك الحقيقية إلى حروف مثل سونتاج، أو تعثر على المعنى في حياتك مثل ديديون. أو تُسجل الذكريات لتستخدمها في وقتٍ لاحق في عمل ذي طابع أكثر رسمية مثلما فعلت. كل ما يهم هو أنك تأخذ وقتًا على الصفحة لترتب الفوضى التي تجعل الحياة ممتعة، وتُشكل دورك في هذه الحياة.
لتعرف من أنت، وما يُهم بالنسبة لك. لتشق طريقك في الحياة مع كل جملة تكتبها.
* الترجمة خاصة بـ Boring Books
** تحتفظ المترجمة بحقها في المساءلة الأخلاقية والقانونية إذا تمت الاستعانة بترجمتها دون إذن منها
One Reply to “تعلّم فن تسجيل اليوميات وأرشِف حياتك”
كالعادة, شكرًا لكم على هذا المقال الجميل، الذي جاء في توقيتٍ مناسب, بدأت كتابات يومياتي عام 2019, وهي مزيج من التوثيق للأحداث اليومية، مع نظرة تحليلية لحياتي والعالم من حولي، وكذلك التأمل فيما لدى من نِعم، والصعوبات التي تواجهني، والعودة للكتابات القديمة يبث بداخلي شعورًا بالامتنان والتقدير لذاتي وحياتي ومن حولي وما يحدث من حولي، كلما شعرت بالحيرة أعود إليها باحثًا عن حكمة تحملها نفسي الماضية.
لكن هذا العام للأسف مع خضم العمل بدوامٍ كامل لستة أيام في الأسبوع، أهملتها، أشعر بالذنب تجاهها وبعد قراءتي لهذا المقال سأحاول أن أعيد الأمور إلى نصابها، لأن اليوميات ساعدتني في الوصول إلى أفكار جديدة تصلح لقصص قصيرة ومقالات وغيرها…
تحياتي,
راشد.