بالقرب من البداية، اذكر كم تحب إفريقيا، كم وقعت في غرامها وكيف لا يمكنك العيش من دونها. إفريقيا هي القارة الوحيدة التي بوسعك أن تحبها –وعليك أن تستفيد من ذلك.

كيف تكتب عن "إفريقيا"؟

بنيافانجا وايناينا

ترجمة: أمنية أبو بكر

"بنياڤانجا وايناينا" كاتب وصحفي وناشط في حقوق المثليين من "كينيا". حاز "وايناينا" على جائزة "كين" للكتابة الإفريقية في دورتها لعام 2002 بقصة بعنوان "اكتشاف البيت"، ونشر سيرة ذاتية في عام 2011 بعنوان "يومًا ما سأكتب عن هذا المكان". وقد عمل محررًا لإحدى أهم المجلات الأدبية الإفريقية "كواني؟" (أي "ماذا في ذلك؟" باللغة السواحيلية).  كما كان خبيرًا في المطبخ الإفريقي التقليدي والمعاصر حيث قام بجمع أكثر من 13 ألف وصفة إفريقية الأصل.

في هذه المقالة التي جلبت إليه شهرة واسعة وتمثل أشهر أعماله، يسخر "وايناينا" من الكتابة الأجنبية النمطية عن "إفريقيا" كما لو كانت بلدًا صحراويًا صغيرًا له خصائص واحدة يمكن تعميمها.

توفي "وايناينا" عام 2019 جراء إصابته بجلطة دماغية.

المترجمة

---

استخدم كلمة "إفريقيا" أو "ظلام" أو "سفاري" من أجل العنوان دائمًا. من الممكن أن يتضمن العنوان الفرعي كلمات مثل "زنجبار"، أو "ماساي"، أو "زولو"، أو "الكونغو"، أو "النيل"، أو "الكبير"، أو "سماء"، أو "ظل"، أو "طبل"، أو "شمس"، أو "الغابرة". وهناك أيضًا كلمات مساعدة أخرى مثل "الغوريلات" و"السرمدي" و"البدائي" و"القبَلي". وعليك أن تنتبه إلى أن كلمة "الناس" تعني الأفارقة غير السود، أما "الشعب" فتعني الأفارقة السود.

إياك أن تضع صورة لإفريقي متزن على غلاف كتابك أو بداخله، إلا إذا كان هذا الإفريقي قد حاز على جائزة "نوبل". بدلًا من ذلك، استخدم صورة لكلاشنكوف، أو ضلوع ناتئة، أو أثداء عارية. أما إذا كنت مضطرًا لإضافة رجل إفريقي في كتابك، فلتحرص على الإتيان بواحدٍ في رداء "الزولو" أو "الماساي" أو "الدوجون".

تعامل مع إفريقيا في نصك كما لو كانت بلدًا واحدًا. وهي حارّة ومُغبّرة، ذات مراعٍ متموجة وقطعان ضخمة من الحيوانات والأشخاص طوال القامة النحيفين الذين يتضورون جوعًا. أو هي حارّة ورطبة، وبها أشخاص قصيرون جدًا يأكلون الرئيسيات. لا تتورط في الأوصاف الدقيقة. فإفريقيا كبيرة: أربعة وخمسون بلدًا، 900 مليون إنسانًا منشغلين بالمجاعة والموت والحرب والهجرة من أجل قراءة كتابك. هذه القارة مليئة بالصحاري والأدغال والمرتفعات والسافانا وأشياء أخرى كثيرة، إلا أن قارئك لا يأبه بذلك كله، فاجعل أوصافك رومانسية ومؤثرة وغير محددة.

تأكد من إظهار الموسيقى والنغم متأصلين في أرواح الأفارقة، وكيف أنهم يأكلون أشياءً لا يأكلها بشرٌ غيرهم. لا تذكر الأرز واللحم والقمح؛ فمخ القرد اختيار مُفضّل في المطبخ الإفريقي، هذا إلى جانب الماعز والثعابين والديدان واليرقات وجميع أنواع الطرائد. تأكد أيضًا من إظهار قدرتك على أكل ذلك الطعام دون إجفال، وصِفْ كيف تعلمت أن تستمتع به؛ هذا لأنك مهتم.

هناك بعض المواضيع الممنوعة، كالأحداث المنزلية العادية، والحب فيما بين الأفارقة (ما لم يكن أحد الطرفين ميتًا)، والإشارة إلى الكتاب أو المثقفين الأفارقة، وذكر الأطفال إن لم يكونوا مصابين بداء العليقي أو حمى الإيبولا أو الفتيات المختونات.

على مر صفحات الكتاب، اتفق مع القارئ على اعتماد صوت خافت، واستخدام نبرة "لقد توقعت الكثير" حزينة. ومن البداية، أكد على أن ليبراليتك خالصة، وبالقرب من البداية، اذكر كم تحب إفريقيا، كم وقعت في غرامها وكيف لا يمكنك العيش من دونها. إفريقيا هي القارة الوحيدة التي بوسعك أن تحبها –وعليك أن تستفيد من ذلك. فإن كنت رجلًا، ادفع نفسك داخل غاباتها العذراء الدافئة. وإن كنتِ امرأة، فتعاملي وكأن إفريقيا رجلًا يرتدي معطفًا من الشجيرات، ويختفي تمامًا عند الغروب. إفريقيا إما أن يُشفق عليها، أو تُعبَد، أو تُحتَل. وأيما كان منظورك لها، تأكد من ترك انطباع قوي بأنه لولا تدخلك وكتابك الفذ، لهلكت إفريقيا.

يمكن لشخصياتك الإفريقية أن تتضمن محاربين عراة وخدمًا مخلصين ومتنبئين وعرّافين، وشيوخ حكماء يعيشون بهاء حياة النُسّاك. أو السياسيين الفاسدين، وحمقى من مرشدي السفر متعددي الزوجات، والبغايا اللاتي ضاجعتهن. الخادم المخلص دائمًا ما يتصرف كصبي في عمر السابعة ويحتاج إلى الحزم، يخاف من الثعابين، وطيّب مع الأطفال ودائمًا ما يُشركك في دراميته المنزلية المعقدة. الشيوخ الحكماء دائمًا ما يأتون من قبيلة نبيلة (ليسوا من قبائل جانية للأموال كقبائل "جيكويو" أو "إيجبو" أو "شونا")، ويكون متصلًا بالأرض، ودامي العينين. الإفريقي المعاصر هو رجل سمين، يسرق ويعمل في مكتب التأشيرات، ويرفض تأشيرات العمل للغربيين الأكفاء الذين يهتمون لأمر "إفريقيا". إنه عدو التطور، دائمًا ما يستغل وظيفته الحكومية ليُصعّب على المغتربين البراجماتيين الطيبين إقامة منظمات غير حكومية أو محميات قانونية. أو قد يكون مثقفًا تلقى تعليمه في "أوكسفورد"، وتحول إلى القتل المتسلسل للسياسيين في بدلة من ماركة "سافيل رو". إنه إنسان متوحش يحب احتساء شمبانيا "كريستال" وأمه هي المعالجة بالسحر الغنية التي تسيطر على الدولة بحق.

يجب أن تكون إحدى شخصياتك الإفريقية المتضورة جوعًا، التي تجوب مخيم اللاجئين، شبه عارية منتظرة صدقات الغرب. يقف الذباب على جفون أطفالها وبطونهم المكورة، وثدياها مسطحان وفارغان. يجب أن تبدو مغلوبة على أمرها تمامًا. لا ماض لها ولا تاريخ، فمثل هذه الانعطافات يمكنها أن تدمر اللحظة الدرامية. التأوهات ستفيدك. لا يمكنها أن تتفوه بشيء عن نفسها في الحوار إلا لكي تصف معاناتها (التي لا توصف). وتأكد أيضًا من إضافة امرأة حنون وعطوف ذات ضحكة مدوية، وتهتم برعايتك. فقط ادعها "ماما". وكل أولادها من المجرمين. هذه الشخصيات يجب أن تحيط ببطلك، ويجعلونه يبدو بمظهر جيد. يمكن لبطلك أن يعلمهم ويحممهم ويطعمهم، إنه يحمل الكثير من الأطفال، وقد رأى الموت بعينيه. بطلك هو أنت (إن كان كتابك سردًا صحافيًا)، أو شخص عالمي أرستقراطي جميل ومأساوي، يهتم الآن بأمر الحيوانات (إن كنت تؤلف رواية).

الشخصيات الغربية السيئة يمكنها أن تتضمن أبناء مجلس الوزراء المحافظين، والأفريقان[1]، وموظفي البنك الدولي. وعندما تتحدث عن استغلال الأجنبي، أشر إلى التجار الصينيين والهنود. ألق اللوم على الغرب لما وصل إليه حال إفريقيا. لكن لا تكن محددًا للغاية.

سيفيدك غياب التفاصيل. تجنب أن تجعل أفارقتك يضحكون أو يعانون من أجل تعليم أولادهم، أو حتى يتدبرون أمورهم في الظروف العادية. اجعلهم يسلطون الأضواء على أوروبا وأمريكا في إفريقيا. يجب أن تكون الشخصيات الإفريقية ملونة وغريبة ومبهرجة، لكنهم فارغون من الداخل، بلا آراء ولا صراعات أو قرارات في قصصهم الشخصية، إنهم بلا عمق أو خصوصية كيلا تربك القضية.

صف الأثداء العارية بالتفصيل، (الشابة والعجوز، المحافظة والمُغتصبة حديثًا، الكبيرة والصغيرة) أو الأعضاء التناسلية المشوهة، أو الأعضاء التناسلية الكبيرة. أو أي شكل من الأعضاء التناسلية. والأجساد الميتة. أو أفضل من ذلك، الأجساد الميتة العارية. الأجساد الميتة العارية المتعفنة بالتحديد. تذكر، أي عمل ستظهر الناس فيه قذرين وبائسين، سيشار إليه على أنه "إفريقيا الحقيقية"، ولا بد أنك تريد أن يُكتب ذلك على غلاف كتابك. لا تشعر بالغثيان إزاء ذلك، فأنت تحاول مساعدتهم في الحصول على مساعدات الغرب. أهم المحظورات التي عليك تجنبها أثناء الكتابة عن إفريقيا، هي وصف أو إظهار موت أو معاناة البيض.

على صعيد آخر، يجب أن تقدم الحيوانات كالشخصيات المنمقة والمعقدة تمامًا. إنهم يتحدثون (أو ينخرون وهم رافعون رؤوسهم في فخر)، ولهم أسماء وطموحات ورغبات. كما أن لديهم قيم عائلية، "انظر كيف يعلم الأسود صغارهم؟" والأفيال تمثل نسويات عطوفة وصالحة، أو بطاركة أجلاء. وكذلك الغوريلات. إياك أن تقول شيئًا سلبيًا بخصوص فيل أو غوريلا. قد تهجم الأفيال على بيوت الناس وتدمر محاصيلهم، وحتى أن تقتلهم. خذ صف الفيل دائمًا. القطط الكبيرة تتحدث بنبرة مرتادي المدارس العامة. وللضباع نبرات شرق أوسطية غامضة. يمكنك جعل أي أفارقة قصار القامة ويعيشون في الغابة أو الصحراء ذوي حس فكاهي مقبول (إلا إن كان في صراع مع فيل أو شمبانزي أو غوريلا، فإنهم في شر مطلق في هذه الحالة).

بعد النشطاء المشهورين والعاملين في مجال الإغاثة، أصبح دعاة الحفاظ على البيئة أهم الأشخاص في إفريقيا. لا تسيء إليهم. أنت تحتاجهم لكي يدعوك في مزرعتهم للصيد "أو المحمية" التي تبلغ مساحتها 30 ألف فدانًا، وهذه هي الطريقة الوحيدة التي سيتسنى لك خلالها أن تحاور النشطاء المشهورين. فالكتاب الذي يحمل غلافه صورة لدعاة الحفاظ على البيئة ذوي المظهر البطولي، عادة ما يُدر أرباحًا طائلة. أي أبيض ذو بشرة مصبوغة من الشمس، يرتدي اللون الكاكي وامتلك ظبيًا كحيوان أليف أو مزرعة، لا بد أن يكون من دعاة الحفاظ على البيئة، وهو واحد ممن يحافظون على إرث إفريقيا الثري. عندما تحاوره أو تحاورها، لا تسأل عن مواردهم المالية، لا تسألهم عن الأموال التي يكسبونها من صيدهم. ولا تسألهم أبدًا كم يدفعون لموظفيهم.

سيفقد القراء حماسهم إن لم تأت إلى ذكر النور في إفريقيا. والغروب، لا بد أن تذكر الغروب الإفريقي. إنه دائمًا كبير وأحمر. دائمًا ما تكون السماء كبيرة. المساحات الشاسعة الفارغة بالغة الأهمية، فـ"إفريقيا" هي أرض المساحات الفارغة الشاسعة. وعندما تكتب عن مأساة الحياة النباتية والحيوانية، تأكد من ذكر أن إفريقيا مكتظة بالسكان. وعندما يعيش بطل كتابك في الصحراء أو الغابة مع الشعوب الأصلية (وهم أي شخص قصير) فلا مشكلة إن ذكرت أن إفريقيا أصبحت مقفرة من الناس بسبب الإيدز والحرب (واستخدم ألف ولام التعريف).

ستحتاج أيضًا إلى ملهى ليلي، وليكن اسمه "تروبيكانا"، ليتسكع فيه المرتزقة ومُحدثو النعمة من الأفارقة الأشرار والعاهرات ورجال العصابات والمغتربون.

ودائمًا عليك أن تنهي كتابك باقتباس لـ"نيلسون مانديلا" عن أقواس قزح أو النهضة. هذا لأنك مهتم.

---

[1] الأفريكانيون/ الأفريقان هم مجموعة إثنية أوروبية مهاجرة ينحدر أغلبهم من أصول هولندية  ويتحدثون اللغة الأفريكانية وهي لغة مشتقة من اللغة العامية الهولندية.