"كل ما تبقى الآن هو الصورة، الرؤية التي يظهر فيها إلفس بعمر 21 أو 22، يتبختر ويتبجح، وابتسامة ترتسم على وجهه، وإجهاد واضح يكتسي جسده، بينما هو وحش طليق بين الجميع".

أوبوبالوبوب ألوبامبوم[1] لنِك كون (1969)

مقال: روبرت مكروم

نُشر في الجارديان، مايو 2016

ترجمة كريم عبد الخالق


نِك كون، عن نيويورك تايمز

البوب، هذه الثورة الثقافية التي اندلعت في نهاية القرن العشرين، التي لامست الفن، والشعر، والخيال، وكل ما هو موسيقي، بصولجانها السحري الأبيض. في البداية، في الستينيات بالتحديد، كانت ثورة البوب عبارة عن جنس ومخدرات وروك أند رول: كانت أسلوب حياة. حرص الكثير من الصحفيين الشباب على تغطية تلك الحياة، لكن قليل منهم تخطوا حدود ذلك النوع الموسيقي من أجل تكوين سردية تعيش أكثر من الجيل الذي تمنى أن يموت قبل أن يشيخ. "أوبوب..." رغم ذلك، علامة مضيئة، مَسح جوي لظاهرة فريدة، وقد وضع معايير ذهبية سيتّبعها آخرون بعد ذلك.

إن برقية نِك كون التي أرسلها من الخطوط الأمامية للروك على وشك أن تتم عامها الخمسين (كاتبها الآن في عقده السابع) وما زالت ثرية وتمتلك عينين جامحتين كما كانت عندما ظهرت في زمنها، عام 1969، بزمجرة عالية وخطوات مجلجلة. منذ ذلك الوقت، أُهدرت الكثير من الغابات الإسكندنافية ليُكتب عليها هراء في وصف ثورة البوب، تحمل أسماء مثل جريل ماركوس، وفيليب نورمان، وجون سافاج الذين يتنافسون من أجل بعض الاهتمام على الواجهة المزدحمة للمجال، لكن نِك كون كان الأول. لم يتناول أحد الموضوع بجدية مثلما فعل. لم يكن هناك أحد قبله ولم يأت أحد بشيء في مثل صراحة كتابته وتعلّقها في الذاكرة من بعده. صدرت أشياء مختلفة، نعم؛ ألطف، بالطبع؛ بها بحث أوسع، ممكن؛ لكنها لم تكن أبدًا جريئة، وزاهية، ومثيرة بوضوح ككتابته. تحت سطوة حالة عامة من الإجهاد العقلي، خرج الكتاب للنور، كأحد أفضل القطع الصحفية. كان "لأوبوب.." الكلمة الأخيرة. هنا، في 250 صفحة، كان هناك شكل جديد: نقد الروك.

كان ذلك نوع جديد من الكتابة النقدية، الثمرة الغريبة لعلاقة حب شخصية وعاطفية، تحترق بنار انفعال الشباب. كتب كون: "مع الانطلاقة الأولى لأغنية توتي فروتي، تملكني الروك أند رول، تملك جسدي وروحي". من 1956 إلى 1968 حيث انتهى من الكتاب، غطى كون صحفيًا "الموجة الجنونية الأولى" من ظاهرة ستنقلب في النهاية إلى موسيقى الديسكو، والهيفي ميتال، والجرانج، والجلام، والتكنو، والبانك، والكثير من الأنواع الفرعية.

في البداية، كان كون كاتبًا مستقلًا يطوف شوارع سوهو، ثم كاتبًا لمجلة "كوين" الشبابية. أخيرًا، حصل على وظيفة "كصوت دوجمائي للشباب" في جريدة الأوبزرفر. يتذكر المنتج الموسيقي (ومدير أعمال فرقة "ذا هو") كيت لامبرت حين أتى كون أول مرة "تقريبًا عام 1963" وكان "شابًا هزيلًا-يبدو في الرابعة عشر-يرتدي أحذية رياضية غارقة في الوحل". كانت مدرسة كون في الكتابة متناغمة تمامًا مع الموضوعات. كتبَ ذات مرة: "كان الروك في أواخر الستينيات ما يزال عملية تفاعل تلقائية. لم يهتم أحد بوضع إستراتيجيات طويلة الأمد؛ لذا، لو انتهت رعشة المتعة فإن الاستمرار أمر غير مطروح. إذا أخبرني أحد وقتها أن ([الرولنج] ستونز) أو (ذا هو) سيظلون يقيمون الحفلات لثلاثين عامًا قادمة، كنت سأقول أنه مجنون".

شبَّ كون، ابن المؤرخ نورمان كون، صاحب الكلاسيكية والعلامة الأدبية "السعي وراء الألفية"، في أيرلندا، لكنه هرب إلى لندن في 1963، "عام ميلاد البيتلز، وبدا أن الذوق الموسيقي يتغير يوميًا". أصبح ابن العاصمة المتعطش للمعلومات جزءًا من عالم الروك أند رول لكن لم يكن سجينه. كتبَ ذات يوم: "كان محررو الصحف، وناشرو الكتب، وأصحاب مجلات الموضة، وممولو الأفلام كلهم واقعين تحت تأثير الحمى نفسها. وبين ليلة وضحاها، أصبح المراهق المنحل هو الفرس الرابح في السباق".

عندما كان في الثانية والعشرين من عمره، كانت أيام السكرة تلك قد انتهت. كتبَ كون يتذكر تلك الأيام: "حتى وأنا ألتهم جسد اللحظة، كان الروك والبوب يتغيران بالفعل. كان العالم الذي عرفته وتذوقته في الأساس عبارة عن تجارة غير قانونية، محفوفة بالمغامرات، بالتجار المخادعين، وبالمجانين الملهمين. لكن كان وقتهم قد شارف على الانتهاء. أصبح المشهد صناعيًا أكثر. كان المحاسبون وقطط الشركات الكبرى السمينة يطردون الرجال المتوحشين". سريعًا أصبح الروك "فرعًا آخر من الموسيقى التجارية، تجارة ليست أكثر أو أقل غرابة عن بيع السيارات أو المنظفات".

يعتبر تأريخ كون لتلك "الموجة الجنونية" مرثية، وإحياء ذكرى، ووداع طويل. في 1968، تلقى مقدَمًا ماليًا من أحد الناشرين وأقام في منطقة كونيمارا لسبعة أسابيع ليكتب المسودة الأولى لكتاب سيكون شبيهًا "بوداعًا للسلاح". قال كون لاحقًا: "كان هدفي بسيطًا، أن التقط الشعور، نبض الروك، كما عشته بالضبط… ببساطة كتبت أول ما يخطر على بالي، مهما كان المضمون أو الطريقة التي حركتني بها تلك الروح. لم تبد الدقة ذات أهمية رئيسية. كنت أسعى وراء الأحشاء، والوميض، والطاقة، والسرعة. هذه كانت الأشياء التي كنت أقدّرها في الروك الذي أحببته".

كانت النتيجة هي..."أوبوب": كتابة ذاتية، وجامحة، وحاسمة دون أن تقصد ذلك. أما الأسئلة حول الجيد و/أو السيء فقد ظهرت لاحقًا أو عن طريق الصدفة. غذَّى كون كتابه على الذكريات والانطباعات. سأل ذات مرة: "هل كان لأغنية "رابي بيبي" "لديون [ديموتشي]" أي قيمة جمالية؟" ثم أجاب: "من يهتم؟ ما تملكه تلك الأغنية هو السحر القذر-الصوت الذي يأكل الحروف، الغارق في الجنس والكحول، وذلك التصفيق الهمجية، وكل تلك الهرجلة البديعة".

من بيل هاري إلى جيمي هيندركس، امتدت سلسلة تاريخ الروك على يد كون، مع فصول عن إلفس بريسلي، ورقصة التويست، و[المنتج الموسيقي] فيل سبيكتور، والبيتلز، والرولنج ستونز، وذا هو، وبوب ديلان، وحتى فرقة ذا مونكيز. قال يختتم حديثه: "ما كتبت عنه، كان قيام وانهيار الصخب والآلات المدوية، الصورة والضجيج، والوميض الرائع لموسيقى الروك أند رول. إلفس مع كوكتيل الجولدن كاديلاك، جيمس براون يُلقي رداءه في خضم الأغنية، بيت تونشيند يذبح جمهوره بجيتاره كأنه مدفع رشاش، ميك جاجر متعلقًا في الميكروفون كأنه [ جوني] فايسمولر في دور طرزان في الغابة، بي. جاي. بروبي، وكل البطولات الماجنة". لم يكن كون أمريكيًا أبدًا، لكن الأوتار الجامحة لصحافة الستينيات تركت بصمتها على أسلوبه، جاعلة إياه الوسيط المناسب لنوع جديد من التحقيق الصحفي، صحافة المراسل ذي القمصان المزركشة والجينز، ليس صحفي الملابس المملة أو الزي الميداني. في النهاية، انتهت المعركة الأخيرة، وحل محلها السلام والحب ووهم الخلود.

اقتباس مميز

"كل ما تبقى الآن هو الصورة، الرؤية التي يظهر فيها إلفس بعمر 21 أو 22، يتبختر ويتبجح، وابتسامة ترتسم على وجهه، وإجهاد واضح يكتسي جسده، بينما هو وحش طليق بين الجميع".


[1] أوببوبألوبوب ألوببامبوم Awopbopaloobop Alopbamboom: عنوان الكتاب مأخوذ من إيقاع شفهي شهير افتتح به مغني الروك ليتل ريتشارد أغنيته الأشهر توتي فروتي.


* الترجمة خاصة بـ Boring Books

** يحتفظ المترجم بحقه في المساءلة الأخلاقية والقانونية إذا تمت الاستعانة بترجمته دون إذن منه