حين طرحت أم تريستام المكلومة سؤال: «سيدي! ما الذي تدور عنه القصة؟» يرد بارسون يوريك قائلًا: «عن ديك وثور – من أفضل الأنواع على الإطلاق»
حياة النبيل تريسترام شاندي وآراؤه للورنس ستيرن
مقال: روبرت مكروم
نُشر في الجارديان، أكتوبر 2013
ترجمة: سهام شاهين
تتحلى رواية تريسترام شاندي وكاتبها، لورنس ستيرن، بطابع وسلوك حداثيين للغاية، و إدراك، إلى حد البذاءة، بكل أشكال الكوميديا البشرية، وانغماس في الإمكانية السردية الخاصة بهذا النوع الأدبي. لذا فاكتشاف أن تلك الرواية نُشرت أثناء حرب السنوات السبع[1] تعتبر صدمة. أو بمعنى آخر، ظهرت الرواية في أكثر الأعوام المدهشة لنموذج الحروب الدولية، والتي شهدت انتصارات عارمة للجيش البريطاني في الهند، وكندا و الكاريبي و أسست الإمبراطورية البريطانية الأولى التي بعثت اللغة الإنجليزية حول العالم. بعض تلك الحفاوة الوطنية منعكسة في صفحات تلك الرواية الممتعة.
«شاندي» كلمة مبهمة الأصل ومعناها «ذو العقل المخبول، نصف المجنون». يقول تريستان إنه يكتب كتاب شانديّ «متحضر وطريف وخالٍ من المعنى». وهكذا أصبح الكتاب الأكثر مبيعًا في عام 1760. أصبح ستيرن من المشاهير وحصل على ثروة طائلة ليحقق طموحًا عميقًا بداخله. يقول ستيرن: «أكتب ليس لأكل العيش لكن لأصبح مشهورًا». تأخر نجاح ستيرن، ولد في أيرلندا عام 1713 وعاش معظم حياته كراعٍ كنسي (فيكار) بالقرب من نيويورك. (تعتبر شخصية «بارسون سورك» في الرواية تصويراً ذاتيًا ساخرًا). واجه عمله صعوبات عدة متعلقة بأصالة العمل. رفضت ذا لندن ببلشر و روبرت دودسلي أول مجلدين من ترستان شاندي. لكن نفذت كل النسخ بعدما صدرت في طبعة مستقلة.
مثل كل الكُتّاب الأكثر مبيعًا، حظي ستيرن وكتابه بنقد أدبي شرس. كانت الرواية بذيئة وخرقاء ومثيرة للغضب، وهذا عكس ما يجب أن تكون عليه أي رواية. كاتب مغرور، محتال فارغ ويفتقر إلى كل ما يمثله الفنان الحقيقي. الصفحة السوداء الشهيرة (ما بين الفصلين الثاني عشر والثالث عشر في المجلد الأول) كانت خدعة سخيفة. و ما إلى ذاك. عَبّر الدكتور جونسون عن هذا الإجماع النقدي حين انفجر في عام 1776 قائلًا: «لا يعيش طويلًا أي شيء بعيد عن المألوف. تريستام شاندي لم تعش».
لكن الدكتور الطيب أخطأ. تريستام شاندي غير مألوفة وعاشت. بالإضافة إلى أنها ما زالت ذات تأثير هائل على أجيال متتالية من الكُتّاب. في الثمانينيات اكتشف سلمان رشدي، كاتب الواقعية السحرية، ستيرن. وحتى بيتر كاري، الحائز على جائزة البوكر، أقر بوجود تأثير حين عنون روايته بـ «حياة تريستان سميث غير الاعتيادية».
سر قبضة ستيرن على قرائه يتمثل في أن تريستام شاندي تأخذك في جولة هزلية قوية، تنفجر فيها كوميديا الملاحظة والمواقف في كل صفحة، بداية من اللحظة المذهلة في الفصل الأول، حين كاد تريتسام شاندي ألا يولد لأن والده استمر في سحب قضيبه قبل القذف. تعتبر الحيوية المفاجئة مساهمة ستيرن العظيمة في فن الرواية. متبنيًا سردية فيلدينج لضمير الغائب كلي العلم، يقلب ستيرن موازين أي سلطة مهيمنة من خلال التفكر هزليًا أنه ككاتب لا يعرف الكثير عن شخصياته ومشاكلها. يلتقط الناقد كريستوفر ريكس هزلية ستيرن حين يوصف تريستام شاندي بـ «أعظم رواية صعلوك في اللغة».
إذن ما الذي تتكلم عنه الرواية؟ باختصار هي 600 صفحة (في نسخة كلاسيكيات بنجوين التي أمتلكها)، وعلى الرغم من اسمها، فإنها تخفق في تزويد القارئ بأي قدر عن حياة البطل أو آرائه. يولد شاندي نفسه في المجلد الرابع. يتولى العم توبي معظم السرد، وهو من المحاربين القدامى ضد لويس السادس عشر، ومهووس بدراسة أساليب الحصار الحربية. في النهاية، حين طرحت أم تريستام المكلومة سؤال: «سيدي! ما الذي تدور عنه القصة؟» يرد بارسون يوريك قائلًا: «عن ديك وثور – من أفضل الأنواع على الإطلاق».
ملاحظة على النص
نُشر آن وارد أول مجلدين في عام 1759 في يورك (على حساب ستيرن)، وكان قد رفضهما روبرت دودسلي من قبل. عندما حظيت الرواية بنجاح عارم، هرع دودسلي لإصدار طبعة ثانية في أبريل عام 1760، مصحوبة برسوم هوجارث. وبعدها نُشر المجلدان الثالث والرابع.
اهتم ستيرن كثيرًا بناشريه، و لنشر المجلدات الأخير انتقل إلى الناشر بيكيت ودي هوند للحصول على شروط أفضل. تمتع ستيرن بنشر متسلسل لأعماله، مجلدات ثمانية صغيره مكونة من اقل من 200 صفحة. لا ينقل عمل «تريستام شاندي» المكتمل اللذة التي مر بها قارئ القرن الثامن عشر، الذي جمع الرواية مجلدًا تلو الآخر، من عام إلى عام.
[1] حرب السنوات السبع (1756-1763) صراع عالمي بين بريطانيا العظمى وحلفائها من جهة وفرنسا وحلفائها من جهة أخرى على الأراضي الأوروبية وممتلكات الدولتين العظميين في الأمريكتين. انتهت الحرب بانتصار بريطانيا وحلفائها.