أصبحت حياة هوكينج الخاصة وكفاحه البطولي مع الآثار المنهِكة لمرض العصبون الحركي مضفرة باستجابة العالم لتاريخ موجز للزمان ولكثير من تكهناته اللاحقة؛ وكأن معاناته شحذت بصيرته عن الكون وألغازه. 

تاريخ موجز للزمان لستيفن هوكينج (1988)

مقال لروبرت مكروم

ترجمة: أسماء رضوان

نُشر في الجارديان، مارس 2016


ستيفن هوكينج، عن الجارديان

يعد الفضول واحدًا من السمات الجوهرية للحيوان البشري، إذ يواصل سؤالان اثنان: «من أين أتينا؟» و«كيف حدث ذلك؟» التعبير عن الفضول غير المشبع الذي يبث الحياة في الوعي البشري. اليوم، عندما نأخذ بعين الاعتبار مكاننا في العالم، يبقى الكون حدًا أسمى لنزعة الجنس البشري في التساؤل عن أصل نشأته.

في الشهر الماضي، ترأس حَدَثٌ وقع في مكان بعيد من عالمنا عناوين الأخبار الدولية، وأكد بصورة مفاجئة مفهومًا تنبأ به أولًا آينشتاين في عام 1915: وهو موجات الجاذبية، ويعتبر هذا الحدث بمثابة تذكرة معاصرة أخرى لهذا الفضول الأبدي.

وبتعبير صحيفة نيويورك تايمز: رأى فريقان من العلماء الأمريكيين بالتعاون مع شركاء ألمان وبريطانيين «هزهزة صغيرة، اكتُشِفت في تجربة فيزيائية غريبة« تغلبت على أكثر الخلافات التي لا يمكن، عادةً، تخطيها؛ لتفتح نافذة جديدة متسعة لفهم الكون. وذلك، بلغة مبسطة، كان الأمر الأكثر خطورة في وقته، وفيما يختص بعلوم الفلك أولًا، عندما أعلن مرصد موجات الجاذبية بالتداخل الليزري (Ligo) اكتشاف إشارة من موجات الجاذبية تنبعث من اصطدام ودمج ثقبين هائلين من الثقوب السوداء (النجوم المنهارة) على بعد أكثر من مليار سنة ضوئية.

يصبح مقياس تلك المعلومات، التي تصيب العقل بالدوار، واضحًا للتركيز عندما تتذكر أن سنة ضوئية واحدة تعادل 5.88 تريليون ميل تقريبًا! مرحبًا بك في عالم ستيفن هوكينج ومنظوره للكون.

في وقتٍ قريب، وهو عام 1988، أثبت ستيفن هوكينج جدارته كأكثر عالم بريطاني تألقًا  في جيله بعد نشر كتابه «تاريخ موجز للزمان»، التقرير الجلي والمسلي بارع الإيجاز عن علاقتنا مع الكون. وبالإضافة لمراجعته كل النظريات العظيمة عن الكون بدءًا بجاليليو ونيوتن إلى آينشتاين، حاز هوكينج، الذي كان شهيرًا بعمله على الثقوب السوداء، الفرصة ليكتشف وينشر بعض الأفكار التأملية المعاصرة عن الزمان والمكان. لقد خصص الفصول الأخيرة لـ«الثقوب الدودية»، و«المجرات الحلزونية»، وربما الأكثر إثارة للجدل، «نظرية الأوتار الفائقة» في سرد مركب كان أيضًا مخططًا لغاية هوكينج وهي نظرية فيزيائية «كاملة ومتناغمة وموحدة».

كان طموحه، كما كتب، أن ييسر «المناقشة للسؤال عن لماذا نحن والكون موجودان. لو توصلنا إلى إجابة هذا السؤال سيكون انتصارًا مطلقًا للمنطق البشري، لأننا حينها سنفهم عقل الإله».

قد تسأل: ما فائدة مثل تلك المبالغة؟ ما الداعي لوجود قسم العلوم النظرية البحتة، مثل الفيزياء الفلكية، التي لا تساهم في تطوير العالم المادي (طائرات أكثر أمانًا، سيارات أسرع، غسالات ملابس أفضل)؟ هنا علينا أن نقر بالمدلولات الثقافية الواسعة لكن غير الملموسة في التحقيق العلمي، وبخاصة قدرتها على تغيير منظور الجنس البشري لمكانته في الكون.

من يعرف ماذا يمكن لتجربة مرصد موجات الجاذبية بالتداخل الليزري Ligo أو لتاريخ موجز للزمان أن يحققا فيما بعد؟  لو يمكن للتاريخ هدايتنا لأي مكان ومع ذلك فمن المحتمل أن التأثير الحادث على وعينا عميق. وبالفعل كما أعلن مؤخرًا زميلي الكاتب في صحيفة ذي أوبزرفر The Observer روبِن ماكِيّ «إنه من الواضح الآن أن علماء الفلك قد ابتكروا نوعًا جديدًا من علم الفلك، وهو رصد موجة الجاذبية». تنضم هذه الطفرة العلمية من مرصد موجات الجاذبية Ligo لناموس خارق للعادة من السعي العلمي. وكما صاغها أحد العلماء المساهمين في طفرة مرصد موجات الجاذبية: «هذا يؤكد وجود مجموعة من الثقوب السوداء متوسطة الكتلة، الأمر الذي دارت شكوكنا النظرية حوله. الآن لم تعد هناك شكوك. نحن بالفعل نحرز تقدمًا».

عادة ما قدم أرسطو، وكوبرنيكوس، وجاليليو، ونيوتن، وأينشتاين، وكثير غيرهم، تضحية شخصية كبيرة بتغيير فهمنا للكون عبر القرون. تشير حسابات هوكينج الشخصية المتباهية لمبيعات كتابه أن تاريخ موجز للزمان سوف يؤثر في العقول لجيل كامل كما فعلت عناوين قليلة معاصرة أخرى. تُرجم ﻷربعين لغة كما كتب هوكينج في مقدمة طبعة الإصدار الورقي الأخير، لقد باع تاريخ موجز للزمان «نحو نسخة واحدة لكل 750 رجل، وامرأة، وطفل في العالم». وهذا ليس سيئًا بالنسبة إلى كتاب يعترف فيه هوكينج بصراحة أنه لم يتوقع قط «أن يحقق نجاحًا مثلما فعل».

بدايةً من صفحته الافتتاحية، وحيث يعيد ذكر الحكاية المشكوك في صحتها للسيدة العجوز ضئيلة الحجم التي أخبرت برتراند راسل أن: «العالم مكان مسطح قائم على ظهر سلحفاة عملاقة»، تتجه نية هوكينج ليُعَلِّم ويُسَلِّي؛ فهو يسرد ساخرًا رد برتراند الذي قيل إنه أجاب بابتسامة متكلفة: «ما الذي تقف عليه السلحفاة؟» فأجابت السيدة العجوز: «أنت ماهر للغاية أيها الشاب، ماهر للغاية. لكنها سلاحف على طول الطريق إلى أسفل». يمكن لهوكينج، بصراحة، تقدير المفارقات الكامنة في الجانب التأملي من فيزياء الكم.

في الحقيقة ما سيلي ذكره ليس وهميًا بل عمليًا بحزم. بيان موثوق بالأسباب موجه للشخص العادي عن فهم هوكينج للزمان والمكان والكون المتمدد وفيزياء الجسيمات وأصول نشأة الكون. نحو 30 عامًا من النشر صقل فيها هوكينج بعض أفكاره. في عام 1988 بدا منجذبًا لملهيات شبه روحية. أفصح في عام 2011 بشكل لا لبس فيه عن فهم إلحادي لمنشأ الإنسان: «كل منا حر في تصديق ما يريد، وإن رؤيتي تقترح أن التفسير اﻷيسر هو عدم وجود إله. فلم يخلق أحد الكون ولا يوجه أحد مصائرنا؛ وهذا يقودني لإدراك عميق. ما من جنة غالبًا ولا من حياة أخرى كذلك. لدينا هذه الحياة الوحيدة لنقدِّر التصميم الكبير للكون ومن أجل ذلك فأنا ممتن إلى أبعد حد».

أصبحت حياة هوكينج الخاصة وكفاحه البطولي مع الآثار المنهِكة لمرض العصبون الحركي مضفرة باستجابة العالم لتاريخ موجز للزمان ولكثير من تكهناته اللاحقة؛ وكأن معاناته شحذت بصيرته عن الكون وألغازه. وبالنسبة لوسائل الإعلام فالطبيعة الحية لحديثه وشجاعته البارزة التي تحدى بها كل التوقعات بوفاته الوشيكة صبغت بعض نظرياته بحالة شبه باطنية. سوف يُذَكِّر أكثر تفسير سطحي لتاريخ موجز للزمان قراء الكتاب أنه  ما من شيء مبهم ولا غير مختبر بالنسبة للذكاء خلف هذا المثل الكلاسيكي المعاصر.

جملة مميزة

«هدفنا ليس شيئًا أقل من وصفٍ متكاملٍ للكون الذي نعيش فيه».


* جرت الترجمة ضمن أعمال مختبر سيلاس السابع للترجمة بالقاهرة 2021

* الترجمة خاصة بـ Boring Books وسيلاس القاهرة

** تحتفظ المترجمة بحقها في المساءلة الأخلاقية والقانونية إذا تمت الاستعانة بترجمتها دون إذن منها