أثر أدب الدستوبيا على تحفيز الأفكار السياسية الراديكالية في عالمنا

مقال لكالفيرت جونز وسيليا باريس*

نُشر في aeon، أبريل 2020

ترجمة: شذى العريفي

*كالفيرت جونز أستاذ مساعد في قسم السياسة والحكومة في جامعة ماريلاند.

سيليا باريس مدربة قيادة تنموية في مدرسة بوث للأعمال في جامعة شيكاجو.

الترجمة خاصة بـ Boring Books

تحتفظ المترجمة بحقها في المساءلة الأخلاقية والقانونية إذا تمت الاستعانة بترجمتها دون إذن منها.


يتميز البشر بطبيعتهم الحكائية، فالقصص التي يروونها تعكس نظرتهم للحياة. ومن بين أكثر هذه القصص شعبية أدب المدينة الفاسدة، أو ما يعرف بأدب الدستوبيا. فوفقًا لموقع جودريدز للكتب، الذي وصل عدد المستخدمين فيه إلى 90 مليون قارئ، كانت الكتب التي تندرج تحت تصنيف دستوبي في 2012 الأعلى تصنيفًا منذ أكثر من 50 عامًا. ويبدو أن بداية توسع انتشار هذا النوع من الأدب كان بعد أحداث سبتمبر في الولايات المتحدة في 2001، لكن الازدهار الحقيقي كان في 2010 بعد نجاح سلسلة روايات «مباريات الجوع» التي صدرت ما بين عامي 2008 - 2010 للكاتبة الأمريكية سوزان كولنز، والتي تدور أحداثها حول مجتمع استبدادي أنشئ على حطام ما كان يدعى بأمريكا الشمالية.

أثار الكثير من الكتاب جدلًا في محاولات لاكتشاف سبب جاذبية أدب الدستوبيا هذا، وبالأخص كيفية ومدى تأثيره على آراء الناس السياسية، وعما إذا كان يجدر بنا القلق حول تأثيره.

بالاستعانة ببعض التجارب، يمكن الإجابة على هذه الأسئلة التي من الممكن أن تثير نتائجها ارتياب الكثير من علماء السياسة، لعدم إيمانهم بإمكانية تأثير شيء خيالي غير علمي على نظرة الناس في الحياة اليومية، لكن الكثير من الأبحاث أظهرت عدم وجود فاصل متين في عقل الإنسان بين ما هو واقعي وخيالي، فعادة ما يُدخل الناس إلى معتقداتهم، لا-إراديًا، الدروس التي اكتسبوها من خلال قراءتهم للقصص الخيالية.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن طبيعة أدب الدستوبيا السياسي تجعل منه نوعًا ذا تأثير قوي، خاصة الدستوبيا الاستبدادية التي تمثل عالمًا مضطربًا حيث تضطهد فيه الكيانات العظمى المواطنين وتسيطر عليهم منتهكين بذلك قيمهم الجوهرية (وبينما يندرج أدب ما بعد نهاية العالم ضمن أدب الدستوبيا، على الرغم من اختلاف إطار القصة من الناحية السياسية، فإن إبراز سمة الفوضى وسقوط النظام الاجتماعي فيه قد يكون ذا تأثير على الناس بطرق مختلفة).

لا شك بأن طبيعة الحكاية تختلف من قصة إلى أخرى في الأدب الدستوبي الاستبدادي، حيث تتناول رواية جورج أورويل 1984، على سبيل المثال، موضوعي التعذيب والرقابة، بينما تركز سلسلة «التشريح» للكاتب نايل شوستيرمان على عملية حصاد الأعضاء، وموضوع العمليات التجميلية الإكراهية في سلسلة «البشعون»، وكذلك السيطرة على عقول البشر في سلسلة روايات «الواهب» للكاتب لويس لوري، والتمييز الجندري في رواية «حكاية الجارية» لمارجريت أتوود، والزواج القسري الحكومي في ثلاثية «المطابقة» لآني كوندي، والكوارث الطبيعية في سلسلة «عداء المتاهة» لجيمس داشنر. على الرغم من اختلاف الحكاية، تلتزم جميع هذه القصص في بناء شخصياتها وحبكتها ومكان وزمان أحداثها بشروط هذا النوع من الأدب. حيث ترى كاري هينتز وألين أوستري، المحررتان لكتاب «الدستوبيا واليوتوبيا للأطفال والمراهقين»، أن الصورة السائدة في قصص الأدب الدستوبي هي فساد المجتمعات مع ظهور لبعض الشخصيات الشجاعة للتمرد دراميًا وأحيانًا بعنف.

ولإثبات مدى تأثير الدستوبيا على المواقف السياسية، تم توزيع شباب أمريكيين بالغين إلى ثلاث مجاميع. قرأت المجموعة الأولى مقطعًا من رواية «مباريات الجوع» ثم شاهدت أجزاء من الفيلم المبني على الرواية نفسها. فعلت المجموعة الثانية نفس الشيء لكن برواية مختلفة والتي كانت سلسلة «الجامحة» لفيرونيكا روث، حيث تدور أحداث الرواية في أمريكا المستقبلية، عندما ينقسم المجتمع لطوائف مختلفة حسب قيمهم، واعتبر كل من لم يخضع لهذه القيم خطرًا على المجتمع. أما في المجموعة الثالثة، فكان الوضع مختلفًا، فلم يخضع المشاركين لأي من مواضيع الأدب الدستوبي قبل إجابتهم لأسئلة عن مواقفهم السياسية والإجتماعية.

كانت النتائج صادمة من حيث تأثيرها على مواقف وآراء المشاركين رغم خيالية القصص. فمقارنة بالمجموعة الأخيرة، فإن المجموعتين اللتين تعرضتا لهذا النوع من الأدب كانتا أكثر عرضة بنسبة 8٪ لتبرير أعمال التطرف السياسية والمظاهرات العنيفة والتمرد المسلح. وبنفس النسبة تقريبًا، وبسهولة أكبر، أظهروا اتفاقهم على ضرورة استعمال العنف أحيانًا لتحقيق العدالة.

من المحتمل أن السبب في قوة تأثير أدب الدستوبيا يعود إلى وجود آلية لاواعية معينة، فمن الممكن أن المشاهد العنيفة أثارت حماسًا بطريقة جعلت المشاركين أكثر ميلًا لتبرير العنف السياسي. فألعاب الفيديو، على سبيل المثال، قادرة على رفع معدل الأفكار العدوانية. بينما عادة ما يحتوي أدب الدستوبيا على صور عنيفة وحروب على السلطة.

أُجريت تجربة أخرى على ثلاث مجموعات مختلفة لإثبات هذه الفرضية، لكن هذه المرة كان المشاركون طلاب جامعة أمريكيون من مدن مختلفة. فكما في التجربة السابقة، تعرضت المجموعة الأولى إلى «مباريات الجوع»، ومجموعة لم تعرض لأي من أدب الدستوبيا، أما المجموعة الثالثة فقد شاهدت أجزاء من فيلم «السرعة والغضب» بنفس المدة ونوع العنف في سلسلة «مباريات الجوع».

أعطت هذه التجربة نفس نتائج التجربة الأولى. فالأدب الدستوبي شكل آراء الناس الأخلاقية، ورفع معدل احتمالية تبريرهم لأفعال الراديكالية السياسية مقارنة بالمجموعة التي لم تتعرض لمثل هذه المشاهد. تتشابه النسب كميًا في كلتا التجربتين، لكن عندما نأتي إلى المشاهد المتشابهة في «السرعة والغضب» و«مباريات الجوع»، لم يكن تأثير المشاهد وحدها في التجربة الأخيرة كتأثير مشاهدة الفيلم وقراءة أجزاء من الرواية معًا.

أما في التجربة الثالثة، فكان تركيز البحث على ما إذا كان العامل المؤثر هو القصة بذاتها، والتي تدور حول صراع مواطنين شجعان ضد حكومة فاسدة، سواء كانت القصة خيالية أو حقيقية. في المجموعة الأخيرة طُلب من المشاركين قراءة ومشاهدة أجزاء من أخبار حقيقية عن متظاهرين ضد ممارسات الحكومة التايلندية. أظهر المشاهد من قناتي «سي إن إن» و«بي بي سي» وقنوات أخرى قوات حكومية مسلحة تستخدم طرقًا عنيفة، كالغاز المسيل للدموع ومدافع الماء، للسيطرة على فوج المتظاهرين.

كان تأثير هذه المشاهد ضعيفًا على الرغم من حقيقتها، فقد كانت نسبة قابلية المجموعة الثالثة لتبرير العنف السياسي مقاربة للمجموعة التي لم تتعرض لأي من هذه المشاهد. لكن المجموعة التي خضعت لرواية «مباريات الجوع» كانت على استعداد كبير لشرعنة الراديكالية والعنف السياسي مقارنة بالمجموعة التي تعرضت لقصص الأخبار الواقعية بفارق 7-8٪ مماثلًا للتجربتين السابقتين. إذن، قد يميل الناس لتبني آرائهم السياسية من قصص سياسية خيالية أكثر من قصص الإعلام السياسي الواقعي.

ولا يعني ذلك بالضرورة أن أدب الدستوبيا خطر على الديمقراطية والاستقرار السياسي. لكن خضوع هذا النوع من الأدب للرقابة أحيانًا في بعض الدول يشير إلى تخوف بعض الرؤساء من تأثيره. فقصة جورج أورويل السياسية «مزرعة الحيوان» ما زالت ممنوعة في كوريا الشمالية. بينما أكثر 10 كتب عرضة للمنع في مكتبات مدارس الولايات المتحدة تتصدرها روايتيّ «مباريات الجوع» و«عالم جديد شجاع» الدستوبية. تزرع قصص الأدب الدستوبي فكرة أن الممارسات السياسية الجذرية هي الحل المشروع لتحقيق العدالة، لكن سواء كانت أفكار الناس المتبناة من الواقع أو الخيال، ليس بالضرورة أن ترسخ في أذهانهم، وحتى إن رسخت فهذا لا يعني ضرورة تنفيذها، ففي الغالب تبقى مجرد أفكار.

ما زال الأدب الدستوبي مؤثرًا على وجهة نظر الناس السياسية حتى يومنا هذا. ومن الممكن أن يكون تأثيرًا إيجابيًا في إبقاء المجتمع واعٍ باحتمالية وقوع الظلم في نطاقات مختلفة، ابتداء بالتقلبات المناخية والذكاء الاصطناعي، حتى معاودة ظهور الفاشية عالميًا. لكن انتشار قصص الدستوبيا بهذا الشكل قد يؤدي إلى اعتناق أفكار مانويّة راديكالية والتي من شأنها الاستخفاف ببعض الأسباب الحقيقية المعقدة للخلافات السياسية. في حين هوس الدستوبيا التسلطية قد يوقظ حس الرقابة لمحاسبة من هم على عرش السلطة، فقد يؤدي أيضًا إلى العنف السياسي اللفظي أو الفعلي مانعًا بذلك ازدهار الديمقراطية.