الاستماع الراديكالي: مانيفستو
مقال لسارة هيمبستوك وصوفيا أندري
ترجمة رحاب عيد
صدر في العدد التاسع مجلة سترايك - خريف 2017
الترجمة خاصة بـ Boring Books
تحتفظ المترجمة بحقها في المساءلة الأخلاقية والقانونية إذا تمت الاستعانة بترجمتها دون إذن منها.
«يُصغي الناس بدلًا من انتظار دورهم للحديث، وعندما يتكلمون، فإنهم لا يتفوهون بالكثير، ومع ذلك، عندما يتحدث شخصان، فإنهما بذلك يبنيان شيئًا ما، ولا يعودان بعدها كما كانا من قبل».
- تشاك بولانيك، نادي القتال
خلال السنوات القليلة الماضية، وجدت نفسي بعيدًة عن الأصدقاء، الأصدقاء الذين أحبهم، لكن لا يستمعون لي. فالأصدقاء الذين لا يستطيعون الإصغاء لك، هم أصدقاء لا يعرفون كيف يصغون بالأساس، حتى إن حاولوا، فإن محاولتهم لن تفي بحاجتك من قريب أو من بعيد.
أنا أتحدث عن الاستماع بشكل حقيقي وعميق وراديكالي، أن يجتمع السمع والوجدان؛ لا أن تُسأل، بدافع الفضول، عمّا حدث لك في العمل أمس. لا مشكلة في بعض الأحيان في عدم الاستماع، فإذا استمعنا بشكل راديكالي طوال الوقت سنحترق، وهذا بالطبع غير مقبول. ومع هؤلاء الأصدقاء أجد نفسي أحترق اهتمامًا باستمرار لأكون ذلك الصديق الجيد، وينتهي بي المطاف مُنهكة.
في كثير من الأحيان، يتوقع من حولي أن يكون استماعي الراديكالي لهم كوعاء يصبون نفسهم فيه صبًا؛ دون سابق موافقة مني ونادرًا ما يُرَد بالمثل. وجدت أن هذا السيناريو يحدث عشرة أضعاف مع الأصدقاء البيض؛ جميع أصدقائي البيض؛ وأينعم، أقصدك أنت؛ أنت يا من تقرأ هذا الآن وتتساءل عما إذا كنت أقصدك أم أقصد «صديقي الأبيض الآخر الذي يتحدث كثيرًا»؟ لا، إنني أعنيك أنت، أنت وحدك ولا جدال في ذلك.
الاستماع كالعمل، غالبًا ما يُسمح للملَّونين بأخذ مساحة فقط عندما يقدمون خدمة أو عملًا ما. إذا كان فقط بإمكاني أن أكون معالجك، إذا استطعت الاستماع إليك دون حد، يمكنني حينها أن أنغمس في العبودية العاطفية وأُكافأ بأخذ مساحتي ويُسمح لي بأن أعيش في عالمك الأبيض. يقع تحقيق هذا التوازن على كاهلي، كوني امرأة ملونة، فأنا أواصل تقديم الخدمة لك، في كل جانب من جوانب صداقتنا. كانت هذه الأفكار ومشاعر الاستياء هي التي قادتني إلى «الاستماع الراديكالي». وما وُلد من الغضب كان أكثر قوة: أدركت أنه عندما يتم الاستماع بشكل صحيح وجيد ومتبادل، يمكن أن يكون أحد أكثر الأعمال الراديكالية والتوحيدية التي ستختبرها على الإطلاق.
- صوفيا
لقد قضيت معظم حياتي في التأرجح بين كوني مُعالجة لأصدقائي وبين كوني الشخص الذي لا يستمع أبدًا ويقاطع دائمًا (كررت هذا جيئةً وذهابا حتى الملل).
بطريقةٍ ما، لم يكن التوازن خيارًا أبدًا؛ إما أستنزف قدرتي على الاستماع في محاولة «إنقاذ» أصدقائي أو لا أتوقف عن الثرثرة والكلام النابعان عن الخوف الدائم من أن إبقاء أي شيء فكرت فيه، وكبت ما شعرت به بداخلي، سيؤدي بي إلى الانفجار يومًا، في مشهد دراماتيكي مثير للشفقة أنهار فيه قلقًا وغضبًا أمام حشد مرتعب ومحدق بي. كنت مخطئة.
- سارة
1. الاستماع يتطلب الموافقة
أولاً وقبل كل شيء، تعوَّد على السؤال عن الموافقة للاستماع لك. لا أحد ملزم بالإصغاء إليك، وإذا فعل أحدهم: احترم وقدِّر ذلك. اسأل قبل أن تبدأ في التحدث عمّا يشغلك، اسأل عما إذا كنت تتمتع بمساحة كبيرة ترهق من معك، وعندما لا تكون متأكدًا. اسأل.. اسأل كل مرة! فهذا كفيل بتغيير ديناميكية العلاقة بالكامل، ويمنح الاستقلال الذاتي لكليكما. الاستماع ذو اتجاهين، الاستماع كالبناء، اسأل قبل أن تبدأ البناء في حديقة مستمعيك. عندما تقابل صديقك لتناول القهوة، ويسألك «كيف حالك»، وترد «ليس سيئًا، ماذا عنك؟»، ويقول «أنا بخير، كيف يسير العمل، هل لا يزال رئيسك نذلًا؟»، قبل أن تبدأ في الاندماج في المحادثة بينكما، وقبل الرد، اسأل: «هل يزعجك أن أشتكي وأتذمر من ذلك الموضوع معك؟ إنه خنزير رأسمالي. هل يمكنني التنفيس؟»، ومن ثم ابدأ. يمنحك السؤال بوعي أيضًا إدراك عدد المرات التي تشغل فيها مساحة في الحديث ومع من.
2. لا يدور الاستماع الراديكالي حول أن تصبح معالجًا أو قديسًا مُضحِّيًا
الاستماع الراديكالي ليس تضحية تقدمها، لكنه بمثابة حب للذات بقدر ما هو فعل للتعبير عن الحب للآخرين. إذا كان الاستماع يؤذيك بشكلٍ ما، توقف عنه. إذا كان الاستماع لشخص معين، لقصة معينة، في لحظة معينة، يُتلفَك، توقف، خذ خطوة للوراء، أنت لست إسفنجة مقدسة صُنعت لاستيعاب سيل عواطف قد يغرقك به شخص ما، أنت كائن ثلاثي الأبعاد مثل الشخص الذي تستمع إليه. قال لي صديق رائع ذات مرة، «نحن نمتلك حرية الكلام، لكن ماذا عن حرية الاستماع؟». إن حرية الاستماع تبدو لي بسيطة للغاية: أتخذ خطوة إلى الوراء، أتوقف عندما لا أستطيع أن أستمع، فأنت لديك حرية الاستماع وعدم الاستماع، مارس هذه الصلاحية وقتما شئت وبحرية، فلا بأس في القيام بذلك: هذا هو الإذن الذي تحتاجه لعدم الاستماع إذا كان الاستماع يسيء إليك.
إذا كنت تتحدث عمّا يؤرقك وتُنِّفس عن نفسك باستمرار لنفس الشخص الذي يستمع دائمًا (لأنه يجيد ذلك، ماهر في الاستماع لك، يسألك الأسئلة الصحيحة، ويجعل صوتك مسموعًا ويُشعرك بأن كلماتك صالحة وذات جدوى)، توقف عن ذلك! فالاستماع بذل عاطفي، قد يستنزف من يقدمه. لا تتخذ استماع شخص جيد حقًا مشروعًا لك. فالأمر برمته يتوقف على موافقة من يستمع إليك، ولا تلقي المسؤولية كاملةً عليه فقد يوافق على استحياء، بل من مسؤوليتك أيضًا أن تكون واعيًا به وبذاتك. لا يحق لك بَذلهم ولا يحق بَذلك للآخرين. فأنا بالتأكيد صديقتك، ورفيقتك، لكني لست مُعالجتك.
3. الاستماع الراديكالي صعب: لا تكن أحمق
قد يكون من الصعب الاستماع بشكل راديكالي واهتمام بالغ إلى شخص آخر عندما يكون لديك الكثير لتقوله. قد تشعر أن الوقت ينفد وأنت تحاول جاهدًا ألّا تصب كل أفكارك وكلماتك، كل الأشياء التي تريد أن تقولها، الأشياء التي حدثت، التي ستحدث، والأشياء التي لن تحدث، ألّا تنهال على من يستمع إليك بقصص عملك، عن قطتك جميلة، تلك المقالة التي قرأتها عبر الإنترنت، ما قاله الليبرالي المحلي عن كسر النوافذ أثناء أعمال الشغب، الفتاة اللطيفة التي قابلتها، وتلك الرسالة الإلكترونية التي تريد رأيه فيها.
قد يبدو أن إتاحة مساحة لكلمات شخص آخر يعني التضحية بكلماتك، وأنه من الصعب توفير مساحة داخلك لاستيعاب حديث شخص آخر؛ إليك السر!: المساحة التي تخشى أن تفقدها ليست ملكك في الأساس. منذ اللحظة التي تسمح فيها لشخص ما، أي شخص، بالدخول في حياتك، فإنك توافق على بناء مساحات مشتركة لكليكما، في كلماتكما، في أفعالكما، وفي محادثاتكما: توافق على أن تتمتعا بالوجود بنفس القدر لكليكما.
أظن أن الحال هنا كالمشاركة في غرفة سكنية واحدة، فعندما تتقاسم غرفة سكنية مع فرد آخر وتعيش وتتصرف كما لو كنت تسكن بمفردك في شقتك الخاصة، فأنت يا صديقي، إذا سمحت لي، شخص أحمق. إن كنت رفيق مسكن، ولا تغسل الأطباق، لا تقوم بالأعمال المنزلية، وتستمر في تناول طعام رفاقك، ويضطر الجميع للتنظيف بعدك، فنصيحة، توقف عن كونك أحمق. ينطبق الشيء نفسه على أي علاقات توافقية تقرر بنائها. (آهٍ، لقد قلنا لأصدقائنا كم أنت رفيق سكن أحمق؛ أرأيت؟ الاستماع السيئ يشوه سمعتك).
4. لا بأس إذا لم تقل كل ما تريد
إذا كنتما تستمعان حقًا وباهتمامٍ كافٍ لبعضكما بعضًا، فسيكون لديك كل الوقت لتفريغ ما في جعبتك من قصص وأحاديث. أصعب جزء من الاستماع الراديكالي غالبًا ما يكون الحاجة لأن تكون شجاعًا بما يكفي لاتخاذ الخطوة الأولى وعلى علمٍ بكيفية الاستماع.
أنت بحاجة إلى التفكير في مكانتك منذ البداية، أن تحدد موقفك، وأن تتذكر أنها معركة لا تنتهي؛ وأنه ليس بمفتاح سحري في رأسك. قد تمتلك أطنانًا من المشاعر والقصص التي توشك أن تنصب منك صبًا، ولا تحصل على فرصة لتكشف عنهم جميعًا لأحدهم، ممن تهتم لهم حقًا، هذه المرة، بالذات. لا بأس، قد تهرب منك القصص، قد تنساها قليلًا، لا بأس، هذا يحدث. أنت في الأساس لا تحتاج إلى إخبارهم بكل شيء، إنهم ليسوا وعاء خاص بك تصب فيه كل ما بداخلك، ستحضر بعقلك القصص في وقت آخر أفضل، وإن لم يحدث ذلك، فلا بأس أيضًا، إنها مجرد قصص ولحظات، ستحصل على المزيد.
5. لا تنتظر دورك للتحدث
إن كنت تستمع لأحدهم، وبداخلك في انتظار دورك في الكلام، فلا يعد ذلك استماعًا راديكاليًا. لا تنتظر فقط إلقاء المونولوجات على المستمعين. في عديد من المحادثات التي خُضتها، كنت أشعر فقط أنهم لا يستمعون إلى ما أقول؛ بل في انتظار صمتي القادم حتى يتمكنوا من قول ما يريدونه. أتذكر في مناسبات عديدة، عندما كان جميعنا يتحدث في وقت واحد عن طريق الخطأ، يعتذرون ويسمحون لي أن أتكلم أولًا. السماح لي بالتحدث أولاً كان لفتة طيبة، لكن الانتباه لما أقول حقًا هو ما يهم، كنت أستطيع أن أرى وأشعر أنهم ينتظرون دورهم فقط، مما جعلني أشعر بأنني جوفاء، وحينئذٍ، عرفتُ أن كلماتي ليست بالمهمة وتفقد ثُقلها بسرعة، تتطاير حولي حتى تضيعها كلمات الآخر.
عندما لا يتم المبادلة بالمستوى نفسه من الاهتمام والاستماع الراديكالي، فلن يُعزز أي شعور آخر سوى الاستياء. الاستماع إلى الشخص الذي يستمع أمر بالغ الأهمية، فأنت تخلق لحظة فارقة في حياته عندما ترد بالمثل. لطالما كان الأصدقاء الذين يستمعون بصدق الأقرب إلى قلبي.
6. لا يحتاج الناس إلى مُخَلِّصين، بل إلى أصدقاء
إحدى أفضل الطرق لمساعدة شخص ما هي جعل الشخص الذي تستمع إليه يشعر بأنه مسموع. يمكنك القيام بذلك بعدة طرق؛ أولًا، ألّا تحاول جعل الأمر يدور حولك: «أعرف كيف تشعر، مديري أحمق أيضًا، ففي الأسبوع الماضي..». ثم تغوص في إخباره عن مشاكلك. توقف!، استمع إلى كلماته، هذه ليست قصتك، لن يجعله ذلك يشعر بأنه مسموع على الإطلاق. ثانيًا، لا تحاول إصلاح الأمر: «نعم أتفق، هذا العمل شاق، هل فكرت في البحث عن مكان آخر، قد يكون من الأفضل أن تُخفِّض ساعات عملك، إذا قمت بـ....» توقف! لا تقدم حلولًا ما لم يطلبوا ذلك صراحةً لمساعدتهم، جُلّ ما عليك فعله، هو أن تستمع لهم بصدقٍ. قُل مثلًا، «يؤسفني ذلك»، «هذا سيء»، «هذا رائع»، «أنا سعيد من أجلك»، «يبدو ذلك جيدًا»، «هل هناك أي شيء يمكنني القيام به للمساعدة؟». دعهم يتكلمون، دعهم يشاركونك ما في جعبتهم؛ دعهم يحصلون على الاهتمام والانتباه الكامل والاستقلالية.
7. قد يمنحك الاستماع الراديكالي التمكين
ألّا يستمع إليك أحد أمر مؤلم بكل تأكيد. عندما لا تجد من يستمع إليك، إما ستجف كلماتك أو العكس: ستدفق منك بلا توقف. ستصبح كلماتك بلا مصبٍ تستقر فيه، تطفو حولك ثقيلة، وتلتصق بك طاقتك، فأنت تلقي بها وبكلماتك على أمل أن تجد مستقرًا، لكن ينتهي بهما الأمر معلقان في غرفة صدى، ويضيعان في غياهب النسيان. إن الألم الذي تعانيه جرّاء عدم سماع كلامك وعدم وجود مستقر لها يفتر طاقتك ويُضيعها.
لكن عندما يتم الاستماع إليك بعمقٍ وصدق، عندما تتم معالجة كلماتك وأفكارك، عندما تحصلُ على شيءٍ ما بالمقابل، سواء كان ذلك فقط من قبل الشخص الذي يستمع إليك أو نتيجةً لسماع ما بداخلك على ألسنتهم بصوت عالٍ، ستصل حينها لأعمق ما بداخلك واكتشاف حقيقة ما يؤرقك وستشعر بالراحة. فقد وجدت طاقتك مكانًا آخر لتنتقل إليه، وأصبح لكلماتك أخيرًا مستقرًا. ستجد أنك قد استنفدت كل ما أردت قوله، حتى إن لم تتحدث كثيرًا كما توقعت، ذلك لأن طاقتك انفرجت عنك وكان ذلك كافيًا. يكمن جوهر الاستماع في نقل طاقتك عندما يستمع أحدهم إليك، وستتمكن حينها من الاستماع إليه في المقابل.
فلماذا كل هذا إذن؟ لما كل هذا البذل العاطفي، إعادة التعلم والاضطراب النفسي؟ هل يستحق الأمر هذا الجهد حتى؟ فنحن بالتأكيد نملك ما هو أكثر أهمية بمراحل للقلق بشأنه مقارنة بهذا! حسنًا، إليك هذه الحقيقة: الاستماع الراديكالي أحد أقوى الأدوات التي قد تمتلكها في ترسانتك النفسية. يمكّنك الاستماع، والآخرين، من إنشاء رابط حقيقي وأرضية مشتركة مع رفاقك، فتجاربك الحياتية أكثر عمقًا وأهمية عندما تشاركها ويسمعها غيرك، يصبح كلامك أقوى، صوتك أعلى، ومقاومتك أشد. يتيح لك الاستماع الراديكالي التمدد واختراق قلوب مستمعيك والتأثير في بعضكم البعض. وما الاستماع الراديكالي إلا بناء، يربط ويدمج الكلمات والأفكار؛ ليدمجك مع الآخرين. عندما تندمج قطرة واحدة من الماء مع قطرات أخرى، فإنها تتحول إلى بركة، ثم تتحول البركة إلى بحيرة تتحول إلى نهر فيتكون البحر. حاول تجفيف البحر! نحن نتحداك!