اختار الصحفي والناقد الإنجليزي روبرت مَكروم قائمتين لأفضل مائة عمل سردي وأفضل مائة عمل غير سردي باللغة الإنجليزية، وكتب مقالًا يخص كل عمل منهم. نترجم في هذه السلسلة بعض هذه المقالات.

قائمة مكروم | قاموس أمريكي للغة اﻹنجليزية لنواه وبستر

مقال: روبرت مَكروم

ترجمة: محمود راضي

نُشِر بموقع الجارديان في 12 يونيو 2017

الترجمة خاصة بـBoring Books

يحتفظ المترجم بحقه في المساءلة الأخلاقية والقانونية إذا تمت الاستعانة بترجمته دون إذن منه.


نواه وبستر، عن الجارديان

في الثالث والعشرين من يوليو 1788، سار موكب غير عادي عبر مدينة نيويورك. كانت المناسبة هي إقرار الدستور اﻷمريكي الجديد. كان المتظاهرون من كافة الفئات: حرفيين وتُجار وعُمَّال. استرجع أحد المشاركين الحدث قائلًا: «كان في المسيرة رابطة من الشباب تُدعى جمعية فقه اللغة، ومن بينهم المؤلف، يحملون عبر شوارع نيويورك كتابًا يصوغ لغة فيدرالية».

هذه كلمات نواه وبستر، في احتفاء بجانبٍ مَنْسي اﻵن من القومية اللغوية اﻷمريكية. وبستر هو اﻷشهر بين سائر واضعي المعاجم اﻷمريكيين، ونصير لا يعرف الكلل للإنجليزية اﻷمريكية (يشار إليها أحيانًا بـ«اللغة الفيدرالية»)، كان مؤثرًا في صياغة اللغة اﻹنجليزية اﻷمريكية، مثلما كان جورج واشنطن مؤثرًا في مواصلة الثورة اﻷمريكية. ومنذ عمله الفتيّ «أطروحة عن اللغة اﻷمريكية (1789)» إلى صرحه العظيم في عام 1828، والمعروف اﻵن بـ«قاموس وبستر» ببساطة، بات مُنْجز هذا البطل اﻷمريكي العظيم علامةً بارزة، مثل مُنْجز صمويل جونسون في إنجلترا.

ولد وبستر في هارتفورد بولاية كونِتكت في عام 1758، ومثل الكثيرين من الثوار الشبان، غيَّر مجال عمله من القانون للتدريس كوسيلة لكسب الرزق، وباتت نقلة مهنية مُعرِّفة للذات. كانت المستعمرات الثلاثة عشرة في حرب مع بريطانيا، ونتج عن الحرب عجزٌ في الكتب الدراسية الواردة في العادة من بريطانيا. عزم وبستر على سد الفجوة بروح الاقتدار المُميز للعَالِم الجديد. نشر وبستر بين عامي 1783 و1785 ثلاثة كتب مدرسية للمرحلة الابتدائية في اللغة اﻹنجليزية:  واحد للتهجئة، وآخر للنحو، وكتاب للمطالعة في الفصل مُذيَّل بالعنوان الفخيم «دورة نحوية في اللغة اﻹنجليزية».

علاوة على ذلك، انطلق «كتاب التهجئة اﻷمريكية» العملي جدًا ذو الغلاف اﻷزرق ليصير اﻷعلى مبيعًا، متخطيًا الثمانين مليون نسخة في حياة وبستر. كانت نيته حسب تعبيره «تقديم الاتساق والدقة في طريقة النطق داخل المدارس العمومية».

منَحَ نجاحُ «كتاب التهجئة اﻷمريكية» لوبستر ربحًا يبلغ سنتًا واحدًا عن كل نسخة، أكثر مما يكفي ليعيش منه. واﻵن كَرَّس بقيةَ حياته لمناصرة «اللغة اﻷمريكية» الجديدة والمميزة. في أطروحته في عام 1789، أعلن بالفعل عن عزمه فَصْل اﻹنجليزية اﻷمريكية عن أصلها.

«ثمَّة أسباب عدة تجعل فصل اللسان اﻷمريكي عن اﻹنجليزي في المستقبل ضروريًا ولا يمكن اجتنابه. أسباب محلية عديدة ستقدم كلمات جديدة للغة اﻷمريكية: بلد جديد، جماعات جديدة من البشر، تركيبات حديثة من اﻷفكار في الفنون والعلوم، وبعض العلاقات مع عشائر غير معروفة على اﻹطلاق في أوروبا».

أنتج ما تنبأ به وبستر في أمريكا الشمالية لغةً تتشابه في اختلافها عن اﻹنجليزية البريطانية مع الهولندية أو الدنماركية أو السويدية. لم يكن كافيًا أن تدَع التاريخ يأخذ مجراه. كان على اﻷمريكيين التصرف. كتب وبستر قائلًا: «يُحتم علينا تميُّزنا أن يصير لدينا نظامنا الخاص، في اللغة مثلما في الحكومة». في عام 1806، نشر وبستر قاموسه اﻷول «قاموس مختصر للغة اﻹنجليزية»، آخذًا الخطوة التالية في برنامجه لتوحيد لغة أمريكا القومية، وواصل الدعوة إلى «الانفصال» عن القوالب اﻷدبية اﻹنجليزية: «لا يوجد ما يهين ألمعية وشخصية أبناء بلدي مثل الثقة الكامنة التي يضعونها في الكُتَّاب اﻹنجليز، وتسليمهم غير المتزعزع ﻵرائهم».

وصلت ثورة وبستر المعجمية لذروتها في عام 1828 مع نشر عمله «قاموس أمريكي للغة اﻹنجليزية»، وباتت مقدمته بشكل ما بيانًا عن الهدف:

 «ليس من المهم فقط، وإنما من الضروري بحسبان، أن يكون للناس في هذا البلد قاموس أمريكي للغة اﻹنجليزية. اللغة تعبير عن اﻷفكار، وإذا لم يفلح أفراد الشعب الواحد في اﻹبقاء على هوية للأفكار، فلن يستطيعوا الحفاظ على هوية للغة. تبزغ الاختلافاتُ الرئيسية بين شعب هذا البلد وما عداها، انطلاقًا من أنماط مختلفة للحكومات والقوانين والمؤسسات واﻷعراف، ومن ثَمَّ، فقد وضعتْ ممارسةُ القنص والصيد بالصقور ومؤسسةُ شعارات النبالة ونظامُ إنجلترا اﻹقطاعي أساسًا لمفردات شكلت، وبعضها ما زال يشكل اﻵن، جزءًا حيويًا من لغة هذا البلد. ولكن في الولايات المتحدة، لا تلعب الكثير من هذه المفردات أي دور في لغتنا المعاصرة، ولا يمكن لها ذلك، ﻷن اﻷشياء التي تعبر عنها لا وجود لها في هذا البلد».

كان سِفْر وبستر الكلاسيكي أكبر من قاموس الدكتور جونسون بمقدار الثلث، ولم يحتوِ فحسب على مداخل أكثر عن ذي قبل (70 ألفًا)، بل وأيضًا أمثلة لا تُحْصَى للاستخدام اﻷمريكي، ومع هذا، فإن عمرًا من النضال، وربما عامًا قضاه في إنجلترا قد ليَّنا المحارب القديم. اعترف بلينٍ غير معهود في مقدمته لصرحه الباقي قائلًا: «إن كيان اللغة يماثل ما لدى إنجلترا، ومن الجذاب تخليد ذلك التشابه»، لكنه لم يتوقف عن كونه بطلًا أمريكيًا.

«بزغت الولايات المتحدة للوجود في ظروفٍ غير مألوفة وغير مسبوقة في تاريخ اﻷمم. بدأتْ بالحضارة، بالتعلُّم، بالعلم، بدساتير الحكومة الحرة، وبتلك الهبة اﻷعظم من الرب للإنسان: الدين المسيحي. تعدادُ سكانها اﻵن يماثل ما لدى إنجلترا، مواطنونا متأخرون بعض الشيء عن أعْلَم الناس على وجه اﻷرض في العلوم والفنون، وليس لديهم من هو أعلى مقامًا في بعض النواحي. وخلال قرنين، سيتحدث أناسٌ أكثر بلغتنا في هذا البلد، أكثر من أية لغة أخرى على وجه اﻷرض، فيما عدا الصينيين في آسيا، وقد لا يكون ذلك حتى استثناءً».

رغم مكانته الموقرة في تاريخ اﻹنجليزية اﻷمريكية، بيعَ من اﻹصدار اﻷول لقاموس وبستر 2500 نسخة فقط. واضْطُرَ وبستر إلى رَهْن منزله من أجل إصدار طبعة ثانية، ولاحقتْه الديونُ بقية حياته. توفي وبستر في نيوهافن بولاية كونِتكت في عام 1843 مع بقاء الكثير من منجزاته دون تقدير أو استحسان.

لكن قاموسه صار ركيزةً في الثقافة اﻷمريكية، لدرجة أنه حين صدر قاموس وبستر الثالث (قاموس وبستر الدولي الثالث الجديد للغة اﻹنجليزية، طبعة غير مختصرة) في عام 1961، بدا كأنه يدير ظهره لتقاليده الخاصة، مستبدلًا منهاجًا «إلزاميًا» صارمًا بمنهاج «وصفي» متساهل، وحدث احتجاجٌ قومي. أثار تعامل القاموس مع مفردة «ليس/ Ain’t» غضبًا عارمًا بين المحافظين اللغويين، لما بدا تراجعًا عن رفض عالمي سابق تجاه استخدام لفظ كهذا في الفصل الدراسي.

منذ عام 1961، أُعيدَ طبعُ قاموس وبستر بنجاحٍ مع تغييراتٍ طفيفة، وأُضيف ملحقٌ في عام 1966 للتعامل مع التدفق المستمر للكلمات الجديدة، وهو ما تَوسَّع في أعوام 1971 و1976 و1981 و1986 و1993 و2002. اﻵن يتوافر قاموس وبستر عبر الإنترنت مثل سائر القواميس في أرجاء العالم، واصلًا لجمهور عالمي، استطاع نواه وبستر وحده أن يحلم به. 

اقتباس بارز:

«في عام 1783، مع ختام الثورة بالضبط، نشرتُ كتابًا أوَّليًا يهدف لتيسير تحصيل لغتنا الدارجة، وتصحيح النطق الفاسد السائد على نطاق واسع بين عامة الناس في هذا البلد».