الباب المفتوح: مسرحية من فصل واحد

تأليف: ألفريد سوترو

ترجمة: أحمد طارق أبو دنيا

ألفريد سوترو (1863-1933): كاتب مسرحي إنجليزي قدم العديد من المسرحيات التي لاقت رواجًا مطلع القرن العشرين وقدم كذلك ترجمة إنجليزية لأعمال صديقه البلجيكي موريس ماترلينك صاحب جائزة نوبل.

المسرحية: في هذه المسرحية التي تكاد تكون تراجيدية نرى قصة حب مستحيلة، استحالتها ليست فقط بسبب العادات والطبقة الاجتماعية، الاستحالة أساسها من البطلين تحديدًا، يجدان نفسيهما بين سندان الحب غير المصرح به ومطرقة المثالية واحترام علاقة الصداقة/الزواج.

الترجمة خاصة بـ Boring Books

يحتفظ المترجم بحقه في المساءلة الأخلاقية والقانونية إذا تمت الاستعانة بترجمته دون إذن منه.


ألفريد سوترو، عن goodreads

(غرفة معيشة في كوخ اللورد تورمنستر الذي يطل على البحر. الساعة الثانية صباحًا في ليلةٍ من ليالي يوليو الهادئة؛ وأبواب النافذة الخلفية مفتوحة على باحة الكوخ. الغرفة مظلمة ويجلس السير جيفري ترانسوم منغمسًا في أفكاره، وهو رجلٌ في الأربعين له وجهٌ جادٌ حسن الطلَّة. فجأةً يُفتَحُ الباب وتطل الليدي تورمنستر تضيء النور، ثم تبدأ في ملاحظة السير جيفري).

ليدي تورمنستر: أوه!

سير جيفري (ينهض من مقعده): مرحبًا، لا تخافي، إنه فقط أنا!

ليدي تورمنستر: لكم أفزعتني، لماذا لم تخلد بعد إلى النوم؟

سير جيفري: لقد مللت الذهاب إلى الفراش، على المرء دائمًا أن ينهض مجددًا، ثم يصبح الوضع مملًا، لماذا لم تذهبي بدورك إلى الفراش؟

ليدي تورمنستر: لا أعلم، إن الجو حارٌ أو شيءٌ من هذا القبيل، أتيت من أجل كتاب.

سير جيفري: دعيني أختار لكِ!

(يذهب إلى المنضدة)

ليدي تورمنستر: لماذا كنت تجلس في الظلام؟

سير جيفري: لأن الضوء يزعجني، ما نوع الكتاب الذي تريدين؟ كتابٌ أحمر أم أخضر؟

ليدي تورمنستر: هل يوجد تأثيرٌ للون الغلاف؟

سير جيفري: لم لا؟ إنهم يتشابهون في الداخل. يقال إن هناك ثلاثمائة طريقة لطبخ البطاطس، هناك نفس العدد من الطرق لتغليف كذبةٍ وتسميتها رواية. ولكنها دائمًا الكذبة القديمة نفسها. خذي هذا! (يناولها كتابًا) التنجيم للعامة. سوف يجعلك تنامين.

ليدي تورمنستر: تخيفني النجوم!، لكني سأجربه. ليلة سعيدة.

سير جيفري: ليلة سعيدة.

ليدي تورمنستر: وأنت من الأفضل لك أن تنال قسطًا من النوم.

سير جيفري: أنا أطالب بأن تجلسي قليلًا ولنتسامر.

ليدي تورمنستر: في هذا الوقت من الليل؟

سير جيفري: ولم لا؟ إنه الصباح في نصف الكرة الأرضية الجنوبي.

ليدي تورمنستر: وبهذه الملابس؟ (تنظر لملابس النوم التي ترتديها).

سير جيفري: باه، إنك ترتدين ملابس أكثر مما كنت ترتدين على العشاء. هذا كلامٌ لا يليق أليس كذلك؟ ولكنك الآن لم تعودي مضيفتي. أنتِ الآن روح، روح تحوم في الليل. لا يمكنك أن تكون مهذبًا مع الأرواح. اجلسي، يا للهول، ودعينا نتحدث.

ليدي تورمنستر (بتردد): لا أدري...

سير جيفري: كل من بالمنزل نيام، وسوف نقوم بهذه اللفتة لأجل السيدة جروندي[1]: سنترك الباب مفتوحًا (يقوم بفتح الباب على مصراعيه) «الباب المفتوح» منذ عدة قرون، عندما كنت حيًا، أذكر فقراتٍ لها هذا العنوان.

ليدي تورمنستر (ضاحكةً): إذن أنت ليس حيًا الآن؟

سير جيفري: السير جيفري ترانسوم توقف عن الحياة عندما قال طابت ليلتك لليدي تورمنستر. سير جيفري الآن نائمٌ بالأعلى. وكذلك معاليها. نحن روحيهما، لذلك دعينا نتسامر.

ليدي تورمنستر: إنك في مزاجٍ ساخر.

سير جيفري: وأنتِ ترتدين ملابس المنزل، في رداءٍ نومٍ خفيف، في فستان الشاي، لا يهم ماذا تطلقين عليه، تبدين مضحكة، أعتذر عن هذه الكلمة، تبدين: أنتِ! أكثر مما رأيتك منذ عدة أعوام. ششش لا تقاطعيني، يا للعار لا تقومي بذلك. الأرواح لا تفعل ذلك، بالمناسبة هل تعلمين أن حجرتي القديمة المملة- مالكي أو غشائي الجسدي يعزم على الرحيل غدًا قبل أن تستيقظي من النوم!

ليدي تورمنستر: سير جيفري، ما هذا الكلام الذي لا معنى له؟ لقد وعدت أن تبقى شهرًا!

سير جيفري: إنني أؤكد لكِ أنني كُلّفت باختراع أكاذيب منمقة ومناسبة لكي أبرر الرحيل المفاجئ لذلك الشخص الأبله. ترانسوم ليس بارعًا في الكذب.

ليدي تورمنستر: أنت تجعلني أشعر بالدوار، هل يمكنك أن تعود إلى جسدك؟ إنني لم ألتقِ روحَك من قبل.

سير جيفري (ينهض بابتهاج): كم كنتُ فظًا! استمعي إليَّ يا جرترود، أمامك جيفري، لقد سمعتني أتحدث عنه.

ليدي تورمنستر (تنهض): أعتقد أنني سأذهب إلى النوم.

سير جيفري: الآن هذا موحشٌ وسيء، إن جاك أعزُّ صديقٍ لي، والأفضل على مستوى العالم. يزوره الوسن بالأعلى، وزوجته تتردد في الحديث مع صديقه القديم لأن الشمسَ غائبةٌ في الجانب الآخر من الكرة الأرضية. ليدي تورمنستر فلتجلسي. إذا كنت بخير فلتدخني سيجارة.

ليدي تورمنستر (تجلس): حسنًا، فقط واحدةٌ. وبعد أن أنهيها سأغادر.

سير جيفري: موافَقة!

(يمد لها علبة السجائر، تتناول سيجارة، تشعل عود ثقاب ويحمله لها ثم يلتقط سيجارة ويشعلها).

سير جيفري: وبينما تدخنينها تذكري غَزْلَ بينيلوبي[2]، إنني أمتلك العديد من الأشياء الجديدة لكي..

ليدي تورمنستر: ستظل تلك الأشياء التي تريد إخباري بها حتى الغد.

سير جيفري: إنَّ هذا وهمٌ عظيم، لا شيء يبقى. يوجد قانونٌ واحدٌ في العالم: الآن.

ليدي تورمنستر: أود أن أعلم عن هذا الكلام غير المنطقي: رحيلك.

سير جيفري (يزفر الدخان): نعم أنا سأرحل في الصباح. لقد خطر لي أنني لم أزر الصين. الآن هذا سهوٌ خطير: كيف لي أن أواجه أسلافي وأعترف لهم أنني لم أر البلد التي منها يأتي العمال الصفر؟

ليدي تورمنستر: لطالما انتظرتْ الصين، شهرٌ أكثر أو أقل لن يشكلَّ فرقًا. إنَّهم عرقٌ صبور!

سير جيفري: يوجد في عروقي دمٌ غجريٌّ، يتوجب عليَّ أن أطوف، أنا قلق، لست مثل جاك، جاك مطمئن يمكنه النوم. إن جاك ينام بهدوء أليس كذلك؟

ليدي تورمنستر: نعم.

سير جيفري: هادئ، مطمئن، وديع، لديه ضمير طفل: واحد اثنان ثلاثة ينام. هو وأنا قضينا أوقاتًا مميزة معًا، كنت مربوطًا إليه في جبال الأنديز، لقد أطلق النار على نمرٍ كان يقترب مني، وأنا حككت أنفه عندما تجمدت. هو أنقذ حياتي وأنا أنقذت أنفه. لطالما اعتقدت أن ميزان العرفان يميل ناحيته، أين كان يمكن أن يذهب بلا أنف؟

ليدي تورمنستر: أنت عبثي.

سير جيفري: هل كنت لتتزوجيه بلا أنف؟

ليدي تورمسنتر: ربما فعلتُ ذلك.

سير جيفري: الآن أنت تعلمين أنك ما كنت لتفعلي. كنت لتخافي مما كان يمكن أن يقوله الناس. وما الذي كان يفعله لو أصابه قصر النظر واضطر أن يرتدي عوينات؟

ليدي تورمنستر: لقد انطفأت سيجارتي.

سير جيفري (يقفز ويناولها علبة السجائر): خذي واحدةً أخرى. إيّاكِ أن تعيدي إشعال سيجارة إن ذلك يشبه أن تعيدي نبش الماضي.

ليدي تورمنستر: لقد قلتُ واحدةً فقط. 

سير جيفري: إن هذا ليس وقت التعنت، لقد ذهب الفرس والميديون[3] جميعهم إلى النوم.

(تلتقط سيجارة أخرى ويشعلها هو).

ليدي تورمنستر: أخبرني لم عزمت الرحيل؟ وتذكر أنني لن أدع هذه السيجارة تنطفئ.

سير جيفري: سوف تستمعين إلى تفسيري بينما تحتسين قدح شاي الإفطار.

ليدي تورمنستر: ستكون قد رحلت؟

سير جيفري: سأكون قد رحلت، هناك قطارٌ سينطلق في الثامنة إلا ربع وسيكون ممتلئًا بالأزواج، سأتناول إفطاري في المدينة.

ليدي تورمنستر: لماذا؟

سير جيفري: حسنًا، على المرء أن يتناول إفطاره في مكانٍ ما، إنه عرفْ!

ليدي تورمنستر: سير جيفري أريد منك أن تخبرني ماذا يعني كل هذا؟

سير جيفري: قال القاضي للمحكِّم أصدر قرارك ولكن أبدًا ليس أسبابك. أنا ذاهب لأني ذاهب، بالإضافة إلى ذلك، هل يملك المرء أسبابًا؟ لماذا يموت الناس؟ لماذا يتزوجون أو يشترون المظلات؟ هل بسبب التيفود أو الحب أو المطر؟ إطلاقًا. أليس الأمر كذلك؟

ليدي تورمنستر: أود لو تكون جادًا.

سير جيفري: إنني جادٌ بشكلٍ مخيف. عندما أطلق جاك النار على ذلك النمر كان عليه أن يقترب من ذلك الوحش لدرجة أنه حمل روحه بين يديه. هل تعلمين ماذا كان انطباعي الرئيسي بينما أنا راقدٌ هناك ومخالب القط الدميم على صدري تبدأ في نهشي؟

ليدي تورمنستر (ترتجف): يا للهول! ماذا؟

سير جيفري: لقد أزعجني أنه تناول شيئًا ما له رائحة البصل!

ليدي تورمنستر (باسمة): نمر!

سير جيفري: البصل كان نقطة ضعفه ولكن انظري إلى جلد الوحش على الأرض. كان عليك أن تريني أحك أنف جاك!

ليدي تورمنستر (محذرة): سير جيفري لم يتبق سوى القليل من السيجارة!

سير جيفري: هناك المزيد بالعلبة، والفجر لا يزال بعيدًا. تريثي ليدي تورمنستر لا تكوني متعجلة! هل تسمعين صوت البحر بالخارج؟ إنه يزفر بانتظام كالعجوز جاك. ألا تظنين أن هذا رائع؟ ها نحن، نحن الاثنان، نلتقي كما كنا نلتقي على الجانب الآخر من بلادٍ خيالية، إنها فرصة رجل كي يتحدث إلى امرأةٍ وأن يقول لها أشياءً.

ليدي تورمنستر: أية أشياء؟

سير جيفري: إنها فقط هكذا، أية أشياء! ماذا يتوجب عليَّ أن أقول بعد كل شيء؟ أنني سأرحل لأنني حمار متوحش ومذهل، وكذلك لأنني وحيد!

ليدي تورمنستر: كيف ستساعدك الصين؟

سير جيفري: إنهم يطلونها في الخريطة باللون الأخضر ومساحتها على الخريطة شاسعة.

ليدي تورمنستر: عليك أن تتزوج.

سير جيفري: (بحالة تأثرٍ مفاجئة) أنت تقولين ذلك؟ أنت؟

(يتراجع للخلف شاعرًا بالعار ويحني رأسه. تلقي الليدي تورمنستر نظرة سريعة عليه ثم تنظر أمامها وتقوم بسحب نفس من سيجارتها بهدوء).

ليدي تورمنستر: (بهدوء) إذن هذا هو سبب رحيلك؟

سير جيفري (بتنهيدة ارتياح عظيمة): الآن هذا كان لطفًا منكِ! أية امرأة أخرى في العالم كانت لتنتهز هذه الفرصة لتقوم بخروجٍ ميلودرامي. طابلت ليلتك سير جيفري يجب أن أذهب إلى زوجي، طابت ليلتك ليدي تورمنستر ثم صفقة باليد ودمعة على رسغك، ولكنك جلست هناك! رائع!

ليدي تورمنستر: إنني أسألك مرةً أخرى، هل هذا سبب رحيلك؟

سير جيفري: نعم، هذه هي الحقيقة، إنني أعتذر بتواضع، هذا هو العرف أليس كذلك؟

ليدي تورمنستر: أعتقد أنه من الصعب على البشر أن يخترعوا مواقف جديدة.

سير جيفري: عرفت ذلك بالطبع طوال الوقت، عرفته منذ أن أحضرك جاك إليَّ في اليوم التالي لخطبتكما، وذلك منذ تسع سنوات، النوع المعتاد من الإصابات القاتلة!

ليدي تورمنستر: هذه الأشياء تحدث.

سير جيفري: نعم، حسنًا. اعتقدت أنني شُفيت. أنا هنا منذ خمسة أيام وأجدني لم أشفَ بعد. لهذا سأذهب، هذا هو الشيء الأفضل أليس كذلك؟

ليدي تورمنستر: نعم!

سير جيفري: الأمر غبيٌّ بشكلٍ شيطانيّ. أنتِ امرأةٌ جميلةٌ بالطبع، ولكن هناك جمعٌ من النساء الجميلات. لديك مزايا ولكن كذلك لدى الأخريات. أنا فقط في الحادية والأربعين، وكما تقولين: لماذا لا أتزوج؟ ببساطة بسببك! لأن لديك مهارة غير مريحة في التطفل بيني وبين المرأة الأخرى.

ليدي تورمنستر: إن هذا لسوء حظٍ عظيم.

سير جيفري: إنه شديد الإزعاج. لذلك عليَّ أن أجرب الصين. ربما سأعود بعد سنتين، سأكون في الثالثة والأربعين، بأفضل صحةٍ ممكنةٍ، وأتزوج شابةً موفورة الصحة، ذات خدين ورديين، سأتخذ منزلًا بجانب منزلك، وعندما يكتمل الزمن ربما يقع ابنك الأكبر في حب ابنتي.

ليدي تورمنستر: لم لا؟

سير جيفري: ربما لم يكن عليَّ أن أخبرك بالطبع، ولكنني ممتنٌ أنني فعلت. إنه يضيف الصفاء على الجو. الآن ما العذرُ الذي عليّ اختلاقه؟

ليدي تورمنستر: برقية من المدينة!

سير جيفري: جاك يعلم بكل نزواتي لذلك سآخذ القطار المبكر، حتى أتجنب أسئلته!

ليدي تورمنستر: هل تجد من المستحيل هنا أن تكون متأخرًا؟

سير جيفري: إلى حدٍ ما هناك لحظات أكون فيها عصبيًا بشكلٍ غير محبب.

ليدي تورمنستر: إذن سأخبرك بالشيء الأمثل لتفعله. لا تأخذ كل أمتعتك، فقط غادر بحقيبة واحدة. اترك رسالة أنك ستعود في يوم الثلاثاء. ثم اكتب من المدينة قائلًا إنك لم تستطع.

سير جيفري: هذه فكرة صائبة، نعم هكذا أفضل كثيرًا.

ليدي تورمنستر: وإذا وجدت أنك حقًا لا تستطيع العودة…

سير جيفري: بالضبط.. ستشحنون  أمتعتي وأشيائي. وسيعزو جاك العجوز ذلك إلى مزاجي المتقلب. سيعتقد أنني وجدت الجو هنا قاتمًا. إنني شاكرٌ بشكلٍ كبير.

ليدي تورمنستر (مع ابتسامة): لاحظ أنني لم أعرض أن أكون أختًا لك.

سير جيفري: كنت رائعةً، كم كان حديثًا جميلًا! هل تعلمين أنني أتمنى لو كان جاك العجوز قد سمع ما قلته؟ إنني مولعٌ به، هذا الرجل العظيم-لدرجة أنني أوشكت أن أقول له ذلك بنفسي أكثر من مرة، إنك تعلمين أنه كان ليدعني أتنزه معكِ وأصحبك في العلن، وهو أمرٌ مؤلم. بالإضافة إلى أنني شعرت أنه يكاد يكون من الخيانة أن أخبئ عنه ذلك الأمر، أنتِ تفهمين أليس كذلك؟

ليدي تورمنستر: نعم.

سير جيفري: هو وأنا نكاد نكون واحدًا، كما ترين. ليس من عادة الإنجليز أن تظهر أي مشاعر، لكنني حقًا أحبه. ثم يأتي الشيطان ومن بين كل نساء العالم ينتقي زوجة جاك ويملأ قلبي بحبها. هذا هو الحس الفكاهي للشيطان.

ليدي تورمنستر: ربما قرأ الشيطان برنارد شو، لكن يجب عليك ألا تخبر جاك، أبدًا.

سير جيفري: أعتقد كلا، إنه محافظٌ جدًا وضيق الأفق، الصدمة ستكون سيئة. ولكنني غير ملامٍ، كيف أتحكم بالأمر؟ أوه كل هذه الجلبة عن أن يكون المرء سيد قدره!

ليدي تورمنستر: سنتان بالصين.

سير جيفري: نتمنى ذلك، بالطبع لا يهم أنني أخبرتك فأنت تعلمين مسبقًا.

ليدي تورمنستر (هازةً رأسها): نعم أعلم ولكن...

سير جيفري: أوه لقد فعلت ما بوسعك، لقد شعرت أنكِ رجوتني، بمائة طريقة رقيقة، ألا أفعل. حسنًا هذه هي، سأكتب تلك الملاحظة فورًا.

(يجلس إلى الطاولة ويبدأ في الكتابة).

ليدي تورمنستر: إنني آسفة أنك وحيدٌ جدًا.

سير جيفري: إن هذا أيضًا خطأي، خطأ الطبقة الاجتماعية المثيرة للسخرية التي ننتمي إليها. أنا لا أفعل أي شيء.

ليدي تورمنستر: لم لا؟

سير جيفري: ماذا تريدين مني أن أفعل؟ أذهب إلى المنزل؟ شكرًا لقد كنت هناك، أنتن تقضين وقتكن في الشرفة أو في غرفة التدخين، ليدق جرس، ثم تدخلن إلى البهو حيث يقوم سيدٌ نشطٌ بعدّكن كما عد بوليفيموس[4] شياهه، الرحمة.. حسنًا لقد حاولت ذلك ولكنه ليس طريقتي. إنني صاحب أملاكٍ محترم، ولكن المرء لا يمكنه العيش وحيدًا في معسكر إليزابيثيِّ عظيم، المدينة؟ الموسم؟ أمهاتٌ مسيحيات يدعونك لتفحص أكتاف بناتهن، لترى كي تشتري، لقد سئمت الجولف والبولو، لقد سئمت البريدج. لذلك سأجرب البحر الطيب والمراعي المفتوحة، سأنام في خيمة وأشاهد النجوم تلمع، النجوم التي تخيفك.

ليدي تورمنستر: نعم أنا خائفة من النجوم.

سير جيفري: لم؟

ليدي تورمنستر: هل تذكر الشاعر الفارسي: «أنا أيضًا أخبرت النجوم والريح أنني سأفعل ولكن الريح والنجوم سخرتا مني، لقد ضحكتا في وجهي...».

سير جيفري (يشعر بقليل من عدم الارتياح): الشعراء الفارسيون ككل الشعراء لديهم طريقة مضحكة يدَّعون بها أن النجوم تهتم بنا. بالنسبة لي إن أجمل شيء فيها أنها لا تهتم، إنها وحيدةٌ أيضًا.

ليدي تورمنستر: (بعنف): لا تقل ذلك مرةً أخرى، أنا لا أستطيع أن أحتمل.

سير جيفري (مبتسمًا): جرترود!

ليدي تورمنتسر (هامسةً): نعم.

(يحدق إليها منهكًا، لا تتحرك، ولكنها تنظر إلى الخارج عبر النافذة، إلى الليل).

سير جيفري (بنفسٍ عميق): حسنًا أعتقد أنه من الأفضل أن نأوي إلى الفراش.

ليدي تورمنستر: متى ستذهب إلى الصين؟

سير جيفري: سآخذ أول قارب.

ليدي تورمنستر: وسوف تعود؟

سير جيفري: بعد سنة أو اثنتين أو ثلاث..

ليدي تورمنستر: سنسمع منك؟

سير جيفري (محاولًا التلطف): بالتأكيد. وسأرسل لكم صناديق من شاي سوشونج وأوانٍ من الزنجبيل. وصناديق صغيرة يمكن وضعها بداخل بعضها. إنني أخشى أن هذه هي كل معرفتي حاليًا عن صناعات الصين.

ليدي تورمنستر (بدلال): هل ستكون بعيدًا كل هذا الوقت؟

سير جيفري: لقد أخبرتني أن أفعل شيئًا. سـأتعلم الصينية، أعتقد أن هناك خمسمائة حرف في الأبجدية.

ليدي تورمنستر: كل هذا العدد.

سير جيفري: من المحتمل أنني أبالغ. حسنًا ليدي تورمنستر أعتقد أنني سأقول طابت ليلتك.

(يمد يده التي تتجاهلها. تبتسم وتشير إليه أن يرجع إلى مقعده).

ليدي تورمنستر: الشمس لا تزال مشرقة في الجانب الآخر من الكرة الأرضية عزيزي جيفري. وأنت ما زلت صديق جاك، وأنا زوجة جاك، اجلس ولا تكن أحمق. المحتمل أننا لن نلتقي مرة أخرى ومن المحتمل أنه في المرة التالية التي نلتقي فيها ستكون متزوجًا.

سير جيفري (برباطة جأشٍ حديدية): من يدري؟

ليدي تورمنستر: بالضبط، من يدري؟ لذلك ليس هناك سببٌ يمنع ألا ننظر في وجوه بعضنا مباشرةً ونفصح عما يدور بداخلنا.

سير جيفري (بندم): أوه ليدي تورمنستر ماذا هناك ليقال؟

ليدي تورمنستر (تميل للأمام قليلًا وتبتسم): لكم تشعر بالندم أنني أخبرتك!

سير جيفري (يبدأ في الشعور بالذنب): أندم؟

ليدي تورمنستر: أنت تفعل وتعلم ذلك. في داخلك تقول كانت الأمور تسير بشكلٍ جيد، والآن لقد أفسدَتّها! لو كانت تحبني ما كان عليها أن تقولها، زوجة جاك!

سير جيفري (بغلظة): حسنًا زوجة جاك. نعم!

ليدي تورمنستر: جيفري، إن جاك يشعرني بالملل!

سير جيفري (متفاجئًا): ليدي تورمنستر.

ليدي تورمنستر (مصفقةً بأيديها): ها لقد قلتها. أوه كم أشعر بالارتياح. ولا أعتقد أنني قلتها من قبل أو أنني سأفعلها لاحقًا مرةً أخرى، لأن لمن غيرك أستطيع أن أقولها؟ اسمعني، بيننا نحن الاثنين إنه يشعرني بمللٍ فظيع.

سير جيفري (في انزعاجٍ حقيقي): ليدي تورمنستر، أرجوكِ!

ليدي تورمنتسر (بابتهاج): أفضل رفيقٍ في العالم ويشعرني بالملل. قلبٌ من ذهب، زوجٌ مثالي، أب كامل وممل ممل ممل. هاك! أؤكد لك أنني أشعر شعورًا أفضل.

سير جيفري: إنني أعتقد أن هناك لحظات تشعر كل امرأة بذلك تجاه أي رجل!

ليدي تورمنستر (مادة ذراعيها): جيفري العزيز رجاءً اذهب للبحث عن روحك. لقد شردت في مكانٍ ما وأنا لا أحب الحديث مع نسخٍ من الكتب.

سير جيفري: أنت تتحدثين مع صديق جاك!

ليدي تورمنستر: صديق جاك وصديقي لا تنس هذا! وهل باستطاعتي قول تلك الأشياء لأي شخصٍ آخرٍ؟ ألا تتخيل كم هو مبهج قولها؟ بجانب ذلك ألسنا الآن على حافة العالم، ألسنا أكثر قليلًا من ذواتنا، ألسنا على الجانب الآخر من الأشياء؟ إذا ما تقابلنا مرة أخرى علينا أن ننظر إلى بعضنا بفضولٍ ونتساءل هل كل شيء كان حقيقيًا؟ طبقًا للأمر أنا لست واثقة كفايةً أنك حقيقي! كل شيءٍ ساكنٌ وغريب. جاك! بالطبع هناك بالأعلى، الفتى العزيز، وجهه الأحمر الكبير مضغوطٌ بالوسادة. أوه جيفري عندما أحضرك جاك إليَّ وكنت مخطوبة، فقط لو لم تكن وفيًا لهذه الدرجة!

سير جيفري (عابسًا): هل تدركين ما تقولين؟

ليدي تورمنستر: أنا أقول الأشياء التي تقولها امرأة مرة واحدة خلال حياتها، وتشعر بها طوال حياتها. أوه، الأمر بسيط، أنت أحببتني، أنت كنت أعمى بسبب جاك، أنا تزوجت جاك، لا يجب عليَّ أن أشكو، أنا واحدةٌ من مئات النساء اللائي يتزوجن جاكات[5]!

سير جيفري: لم أرَ أفضل وألطف منه.

ليدي تورمنتسر: أنا أجرؤ على قول هذا في الحقيقة، أنا متأكدة من ذلك. لكن عليك أن ترانا ونحن وحدنا، نجلس هناك ليلة تلو ليلة بلا كلمة واحدة نقولها لبعضنا! أنت تخبرني أنك مللت البولو والجولف والبريدج حسنًا. ماذا عني؟وهل عليك أن تعنفني هكذا وتحتقرني على شكوتي الصغيرة؟ أنت الذي سترحل بعيدًا؟

سير جيفري (بغضب): نعم سأذهب بعيدًا وسأتزوج فتاةً صينيةً، سوف أتزوج بأول فتاةٍ صينيةٍ أقابلها.

ليدي تورمنستر: هذا مفاجئ. لماذا؟

سير جيفري: لأنها علي الأقل لا تعلم اللغة، فإنها لن تقول أشياءً سيئةً عني لأصدقائيّ.

ليدي تورمنستر (ذقنها فوق يدها وتنظر له مباشرةً): جيفري هل جاك ممل؟

سير جيفري: لا أمله مطلقًا!

ليدي تورمنستر: هذا لأنه قتل نمرك وحككت أنفه، كذلك أنتما تتحدثان عن الأحصنة وأشياء أخرى. رغم أنني سمعته ذات مرة لساعة كاملة يحدثك عن شيء فقده أثناء لعب البريدج، لأن رفيقه في اللعب قام بتجميع أوراق رابحة من الكاروه عوضًا عن البستوني.

سير جيفري: هو ليس ذكيًا بالطبع وأنتي ذكية، ولكن هل الذكاء هو كل شيء؟

ليدي تورمنستر: ألم أقل أنه أفضل صاحب في العالم وهل تعتقد أنني أمثل وأدعي أنني لم أفهم؟ إنني أترك نفسي لمرة واحدة في رفاهية الصراحة التامة.

سير جيفري: لقد أحببته.

ليدي تورمنستر: بالطبع أحببته وأحبه الآن.

سير جيفري (بانتصار): أترين؟

ليدي تورمنتسر: لو كان لنا نحن النساء يدٌ في صناعة اللغة، كم من الكلمات ستكون متاحة لتعبر عن مشاعرنا تجاه الرجال الذين نعشقهم! عزيزي يا للهول، بالطبع أحب جاك. إنني قاسية عليه في بعض الأحيان ثم تأتي تلك النظرة في عينيه، لديه عينا كلب كما تعلم، كلب نيوفاوند لاند وفيَّ!

سير جيفري: إنني لا أعتقد أن النساء يفهمن ماذا تعني الصداقة للرجل!

ليدي تورمنستر: إنني واثقة أن الرجال لا يتخيلون ماذا يعني الزواج لامرأة! يا للهول، ألست زوجة جيدة؟ ألن أظل زوجةً طيبة حتى نهاية هذا الفصل من هذه الرواية؟ لأنه ليس هناك فقط جاك، هناك أطفال جاك.

سير جيفري: نعم

ليدي تورمنستر: أو ليس الأمر رائعًا؟ عندما تفكر فيه، ها نحن الاثنان. صديق جاك وزوجته وحيدان في جزيرة مهجورة وقد اعترفنا بحبنا لبعضنا وبإمكاننا مناقشته بهدوء كما لو كان مرض الروماتيزم؟

سير جيفري (عابسًا): فقط لو لم أشجعك على البقاء!

ليدي تورمنستر (باسمةً): يا صديقي العزيز أنت لم تفعل ذلك.

 سير جيفري (مندهشًا): لم أقم بذلك؟

ليدي تورمنتسر: بالطبع لم تفعل. علمت أنك سترحل غدًا.

سير جيفري: كيف؟

ليدي تورمنستر: أوه لا يهم كيف! علمت وشككت أنك ستكون جالسًا هنا الليلة. لهذا نزلت آملةً أن أجدك. أردت هذا الحديث معك. وانتزعت منك الاعتراف كما لو كان ضرسًا.

سير جيفري: ولم؟

ليدي تورمنستر: لم؟ لأنه سيكون أمرًا أفكر فيه في الأيام الباهتة التي ستأتي. لأنني علمت أنك تحبني وأردت أن تخبرني. لأن حياتك أمامك بينما حياتي انتهت. لأنني أحببتك وأصررت أن تعلم. فلتتركني الآن وليس عندي أوهام، باولو وفرانشيسكا[6] هما فقط حلم شاعر، سوف تتزوج، بالطبع ستتزوج، ولكن هذه اللحظة على الأقل، كانت ملكي.

سير جيفري: هذه اللحظة وكل لحظة في الماضي والمستقبل.

ليدي تورمنستر: آه، المستقبل! مجموعة من المقاطع اللفظية تخبئ الكثير، إنني أراك تقدم لي زوجتك بخجل، أرى نفسي مصافحةً إياها وأصافحك. ابني في السابعة من عمره بالفعل، يمر الوقت سريعًا، ولكنه أمرٌ طيب معرفة أنك أحببتني طوال تلك السنوات.

سير جيفري: صباحًا ومساءً، أنتِ وأنتِ فقط.

ليدي تورمنستر: وأنا أحببتك، آه نعم لقد أحببتك، وقولنا هذا لبعضنا يعني أننا لن نرى بعضنا مرة أخرى إلا عندما تحضر زوجتك.

سير جيفري: آه حينها!

ليدي تورمنستر: إنني أحببتك وأحبك لأجل المخلوق المهذب الوفيّ الذي هو أنت، أحبك لأنك تحب جاك. إن أعظم خصلة في جاك برأيي أنه كان قادرًا على أن يخلق بداخلك ذلك الحب. ويا صديقي العزيز دعنا لا نخجل نحن الاثنان بل لنكن فخورين. علينا أن نذهب في طريقينا ونؤدي واجبنا وألا ننسى تلك المحادثة التي خضناها الليلة.

سير جيفري: إنني بدأت أفهم.

ليدي تورمنستر: لن تكون وحيدًا في المستقبل ولن تخشى النجوم، قلبٌ شجاع، أوه قلبٌ صغيرٌ شجاع، حملته الليلة بين يديَّ.

سير جيفري: (يقوم بحركة حميمية تجاهها) جرترود.

ليدي تورمنستر: (ترفع إصبعها) لا، ابق حيث أنت، هذه أول خيوطٍ للفجر، عليّ الذهاب. وداعًا ليس علينا أنا وأنت  أن نتصافح..آه جيفري الوداع.

(تذهب بخفة وتغلق الباب، يحني رأسه ويظل واقفًا بلا حراك بجانب الطاولة).

 ستار


[1] السيدة جروندي: لفظ يطلق على احترام الأعراف السائدة والخوف من كسرها تحت أي ظرف، مثال للتزمت Mrs. Grundy

[2] غزل بينيلوبي: بينيلوبي هي زوجة عوليس بطل الأوديسا، حيث يعود المحارب إلى جزيرته وتنتظره زوجته وابنه لمدة عشر سنوات، خلالها يأتي لها طالبو الزواج من كل المدينة، تتحجج هي أنها تحيك ثوب عوليس، تقوم بالغزل في الصباح وعندما يأتي الليل تنقض غزلها وتتحجج كل يوم بأنها لم تنته بعد لمدة عشر سنوات.

[3] الميديون: حضارة قديمة كانت تسكن بلاد إيران في زمنٍ قديم.

[4] بوليفيموس: هو مارد السيكلوبس ذو العين الواحدة في الأوديسا وكان راعٍ للغنم

[5] جاك: هو الفارس في أوراق اللعب ربما هي تورية أنها اختارت الاختيار الصحيح الرابح في الحياة أو ما اعتقدته Jack.

[6] باولو وفرانشيسكا هما بطلا قصيدة كتبها الإيطالي دانتي أليجييري في فصل الجحيم ضمن الكوميديا الإلهية وفرانشيسكا هي زوجة أخ باولو  (يشبه المسرحية)، وسيستحقان الجحيم على ما فعلاه-تبادل قبلة-ولكن دانتي يشعر بالتعاطف ويخلد قصتهما كقصة حب عظيمة!