مقتطفات من كتاب «دع الحياة وابدأ بالقلق»، وهو مقابلة مع الفيلسوف الإنجليزي سايمون كريتشلي*

أجرى الحوار كارل سيديرستروم

ترجمة: بخيتة عبد الله

الترجمة خاصة بـ Boring Books

تحتفظ المترجمة بحقها في المساءلة الأخلاقية والقانونية إذا تمت الاستعانة بترجمتها دون إذن منها

* سايمون كريتشلي أستاذ الفلسفة في جامعة ذا نيو سكول في نيويورك. ينشر كتابات في موضوعات مختلفة من المسرح إلى كرة القدم. من مؤلفاته: «موت الفلاسفة»، «الأخلاق والسياسة والذاتية»، «عن الانتحار»، «الفلسفة القارية: مقدمة قصيرة جدًا».

يُشرف كريتشلي على صفحة The Stone في صحيفة النيويورك تايمز الذي ينشر مقالات فلسفية يكتبها مفكرون معاصرون.

** كارل سيديرستروم أستاذ مساعد في كلية الإدارة في جامعة ستوكهولم. من مؤلفاته: متلازمة الصحة، وهم السعادة.


سايمون كريتشلي عن egs.edu

كارل سيديرستروم: ستركز هذه المقابلة على حياتك وكيف أصبحت مهتمًا بالفلسفة، لكن قبل ذلك أود سؤالك بشكل عام عن العلاقة بين الفلسفة والسيرة الذاتية، ماذا يمكن أن تخبرنا عن هذا الرابط؟ 

سايمون كريتشلي: أعتقد بأن هناك رابطًا جوهريًا بين السيرة والفلسفة، حيث تبدأ النسخة الأساسية من تاريخ الفلسفة مع سقراط، مع حياة وموت. تبدأ من حوارات أربعة كتبها أفلاطون (الدفاع ويوثيفرو، وكريتو، وفيدو) عن محاكمة سقراط وإعدامه. تعطينا هذه الحوارات نبذة عن حياة سقراط وتعاليمه وبشكل أهم عن طريقة موته  بأيدي السلطات الأثينية. الفلسفة تبدأ بعملية اغتيال سياسي، علينا ألا ننسى هذا. كما يبدو واضحًا من النصوص اللاحقة مثل كتاب ديوجينيس ليرتيس «حيوات وآراء الفلاسفة المعروفين»، ارتبطت الفلسفة في العالم القديم ارتباطًا حميمًا بالسيرة، كانت السيرة نوعًا من التمهيد للفلسفة. إذا كانت الفلسفة أسلوبًا للحياة، إذن حياة الفلاسفة موضوع أساسي للدراسة. يمكننا الإشارة لارتباط السيرة الملحّ بالفلسفة إلى أمثلة أخرى حتى نصل لسبينوزا. نحن من جهة لا نعرف الكثير عن حياة سبينوزا، لكن في السنوات التي تلت موته ظهرت ثلاث سير لحياته، وأصبح قديسًا للإلحاد. ومع شخص مثل نيتشه، الذي تختلط حياته بأعماله، يمكننا القول بأن الحياة هي العمل والعمل هو الحياة. 

كارل سيديرستروم: لا يمكن فصل الفلسفة عن حياة المرء، هل هذه الفكرة تنطبق عليك أيضًا؟ هل تتصل حياتك بعملك؟ 

سايمون كريتشلي: أعتقد أني وقعت في شر أعمالي. الواضح في توجه القرن العشرين وخاصة في العالم الأنجلو أمريكي -لكن ليس حصريًا- أن الفلسفة لا علاقة لها بالسيرة. الفكرة أن تعتبر الحجج الفلسفية صحيحة وفقًا لصيغتها أو برهانها أو كونها قابلة للإثبات. بينما الحقائق التي تتعلق بالشخص الذي كتب هذه الحجج لا أهمية لها. هذا ينطبق على الفلسفة التحليلية، وعلى الفلسفة القارية أيضًا. ذكر هايدجر في محاضرة عن أرسطو في العشرينيات أنه ولد وعمل ومات، وهذا كل ما نحتاج معرفته عنه. بالتالي هناك عدوانية حقيقية ضد السيرة في فلسفة القرن العشرين، وهذا يتوافق مع نوع من الجمالية العصرية، مع ذلك التزمت الذي يحاول أن يفصل بين حقيقة العمل وحياة الشخص. بالنسبة لي، أعتقد أن السيرة مهمة باعتبارها طريقًا للفلسفة، وأيضًا بصفتها اختبارًا لها. أما عن ما إذا كان يمكن اتصال الحياة بالعمل؟ في حالتي يختلط العمل بالحياة اختلاطًا تامًا. 

كارل سيديرستروم: يمكن أن نفلسف حياة الإنسان بأكثر عن طريقة بالطبع، من جهة يمكن أن يكون فعل التفلسف سبيلًا لحماية المرء لأنه يقدم لغة ساحرة يمكنك من خلالها أن تبرر نفسك، أو أن تتجرد وتبتعد، لكن من جهة أخرى يمكن للفلسفة أن تكون مؤلمة للغاية، فتأخذك لاتجاهات محرجة وغير مرغوبة. 

سايمون كريتشلي: نعم، سواء كانت الفلسفة تجردًا وحماية، أو كانت كشفًا ومخاطرة، أعتقد بأنها كلا الأمرين، ولكن من الأرجح أنها حماية أكثر من كونها مخاطرة. يمكنك أن ترى أن هذا ما يفعله العديد من أساتذة الفلسفة، يصنعون شخصية معينة تبدو متوافقة مع سيرتهم ومشابهة لهم، لكنها في الواقع ليست إلا درع حماية. هذه الشخصية العلنية لا علاقة لها بهم، وبالتالي هنالك وقاية مزيفة في أن يمنح المرء نفسه شخصية عامة لا تشبهه، لكن يمكن للفلسفة أو التفلسف أن تكون انكشافًا ومخاطرة، بل يجب عليها أن تكون كذلك. يحدث الانكشاف بعدة طرق بالتأكيد، أهمها التحليل النفسي.

كارل سيديرستروم: في الوقت نفسه، هناك الخوف من أن يتحدث عنك الآخرون، وربما لهذا السبب أحرق المحللون النفسيون مثل فرويد ولاكان مخطوطاتهم في أكثر من مناسبة، خوفًا مما يمكن أن يفعله كتّاب السيرة في المستقبل بهذه المخطوطات. قد يكون هذا هو الوجه الآخر للتحليل النفسي وربما الفلسفة كذلك: التردد في ترميز الذات أو كتابتها. هل تشعر بهذا الخوف؟ أن تكون مكتوبًا؟

سايمون كريتشلي: ما يحدث حتميًا وللأسف أن الشخص يتحول لعلامة: شخصية تدور حولها القصص والنوادر والإشاعات. وذلك قد يجعله غير مقنع أو قابل للتصديق، وكذلك في بعض الأحيان أشعر بأنه يخلق شعورًا بالاشمئزاز من الذات. انظر، أحاول أن أكون صادقًا، لكني أيضًا لا أعتقد بأننا نملك حدسًا بديهيًا عن أنفسنا. كما أني لا أعتقد بأن تأمل الذات يصنع المعجزات. أعتقد بأن الوعي بالذات نوع من سوء الفهم meconnaissance كما يقول لاكان. ما تعلمته من التحليل النفسي أن أي شئ أراه في نفسي هو شيء أخبرني عنه شخص آخر بطبيعة الحال، وعادة ما يكون شخصًا أحبه. يخبرك الشخص الذي تحبه شيئًا عنك، ومنه تتعلم عن نفسك. 

كارل سيديرستروم: من الواضح في أعمالك أنك استكشفت نطاقًا واسعًا من الموضوعات، من أين تأتيك عادة هذه الأفكار؟ 

سايمون كريتشلي: عادة ما تكون فكرة شخص آخر. أعتقد بأن كل كتاب هو في الأصل فكرة شخص آخر. يمكنني القول بكل جدية إنني لا أثق بنفسي، ولكنني راض كليًا بسرقة أفكار الآخرين.

كارل سيديرستروم: هل الكتابة عملية ممتعة بالنسبة لك؟

سايمون كريتشلي: بحسب الحال، إنها عملية مؤلمة بشكل عام، قد تكون أخف في بعض الأحيان، وأحيانًا أخرى تكون مبهجة. عندما كنت أكتب كتاب «قليلًا جدًا.. تقريبًا لا شيء» أتذكر أحاديثي مع الناس عن نوع من الكتابة تكاد تكون صوفية، حيث النص يكتب نفسه، وعليك أنت أن تصغي إليه. ما زلت أصدق ذلك بطريقة ما. كل ما عليك أن تفعله أن تجلس أمام جهاز الكمبيوتر لفترة كافية، وسيتم الأمر من تلقاء نفسه، لكن كما يقول باسكال: من الصعب للغاية أن تبقى جالسًا في غرفة تقرأ وتكتب. 

كارل سيديرستروم: تلقيت بعض النقد على أعمالك خلال السنوات، هل يؤثر عليك؟ 

سايمون كريتشلي: دعني أعود لسؤالك السابق عما إذا كانت الفلسفة حماية أو انكشافًا. أنا أحاول أن أكشف نفسي في الكتابة، لا يبدو ذلك مفهومًا في بعض الأحيان. أعلم بأن هناك تناقضات في بعض الأشياء التي قلتها، أعلم ذلك جيدًا. أحيانًا أتبع خطًا لأنه ببساطة يثير اهتمامي. أحمد الرب أنني ما زلت أمتلك فضولًا هائلًا عن الأشياء. ما زلت أنبهر كليًا عند قراءة كتاب أو الاستماع لحديث أو لشيء يقوله أحد الطلاب. ليس هناك فضيلة في الكتابة ولم تكن يومًا. هناك فقط كشف ومنطق يرشدك. عندما أنظر لما كتبت في السنوات العشرين الماضية يصعب علي ألا أشعر بالاغتراب والغثيان. الكتابة انفضاح والقراء بلا رحمة. النقد يلسع فعلًا، وما قاله الناس عني خلال السنوات سواء كان سلبًا أو إيجابًا أحدث أثرًا. لا يمكنك عزل نفسك بالتأكيد كما لا يمكنك أن تتوقف عن فضح نفسك. لقد فعلت أشياء غبية خلال السنوات باسم الفضول وغرور النفس، لكن ها أنذا. أنت تقوم برمي الكثير من الخراء على الجدار لكن واحدًا منه يثبت. ما أتخوف منه هو أن بعض الفلاسفة يصابون بالإمساك، لكنهم يرفضون تفريغ نفاياتهم. 

كارل سيديرستروم: أخيرًا، هذا السؤال يتعلق بأعمالك بشكل عام، ألاحظ اتجاهين في عملك: الأول نحو الشباب، حيث تكون الفلسفة تجربة شبابية مبهجة، والثاني حين تكون الفلسفة كما يقول ستانلي كافلز تعليمًا للكبار. 

سايمون كريتشلي: إنها الاثنان معًا، حالة غريبة من المراهقة الدائمة أو «المراهقة الناضجة». أنا ما زلت أقوم بنفس الأمور التي كنت أقوم بها عندما كنت في منتصف العشرينيات: أكتب أشياء. عندي جهاز كمبيوتر أفضل الآن ولكن في الأساس هو الأمر نفسه. كتابة الفلسفة تجعل حياتي طفولة ممتدة بشكل لا نهائي. كما أنني محاط في مجال عملي بشكل يومي بمن هم أصغر مني، مثلك أنت يا كارل. لدي ثقة ضمنية مطلقة فيما يقرؤه الطلاب وما يهتمون به. إذا بدأ طلابي الأناركيون في نيويورك بقراءة ماركوزه، أفكر فورًا بأن عليَّ أن أقرأ ماركوزه مرة ثانية. أستمع باستمرار للأشياء التي يقرؤونها وأحاول القراءة معهم. إذا أعطوني كتباً لأقرأها، أفعل ذلك، لذلك أعتقد بأن لدي جانب مشابه لمصاص الدماء أحاول من خلاله امتصاص اهتماماتهم. هذا بالتأكيد جانب واحد، يخص الفلسفة، ويعتبر حالة مراهقة مستمرة. ثم هناك الجانب الآخر: حين تشتغل الفلسفة بالموت، الموت وكل شئ آخر. أعتقد أننا سنعود لهذه النقطة لاحقًا.