اختار الصحفي والناقد الإنجليزي روبرت مَكروم قائمتين لأفضل مائة عمل سردي وأفضل مائة عمل غير سردي باللغة الإنجليزية، وكتب مقالًا يخص كل عمل منهم. نترجم في هذه السلسلة بعض هذه المقالات.

ترجمات هذه السلسلة جرت ضمن أعمال الدورة الرابعة من مختبر الترجمة بمعهد القاهرة للعلوم والآداب الحرة بالإسكندرية (سيلاس الإسكندرية) – ربيع 2019.

قائمة مكروم | البرتقالة الآلية لأنتوني برجس (1962)

نُشر بموقع الجارديان 13 إبريل 2015

ترجمة: سلسبيل صلاح ومريم سليمان

الترجمة خاصة بـ Boring Books وسيلاس الإسكندرية

تحتفظ المترجمتان بحقهما في المساءلة الأخلاقية والقانونية إذا تمت الاستعانة بترجمتهما دون إذن منهما


من فيلم ستانلي كوبريك

هناك نهجان محتملان لرؤية رواية «البرتقالة الآلية» ومن الأفضل الحديث عنهما مباشرة. أولًا هناك الرواية الجدلية الديستوبية القصيرة والرائعة، والتي كتبها أنتوني برجس في عام 1961، وقال عنها: «إنها كمنهج، أو خطبة وعظ، عن أهمية قوة الاختيار». وثانيًا توجد تحفة ستانلي كوبريك السينمائية المثيرة للجدل المستوحاة عن الرواية، فيلم «البرتقالة الآلية»، الذي يتذكره الجميع، والذي عُرض في عام 1971. لكن الكتاب، لا سيناريو كوبريك، هو النص الأساسي؛ رواية مذهلة وأصيلة،  فتحت الكثير من الأبواب الأدبية لأعمال أعقبتها لكتاب بريطانيين مثل مارتن أميس، وجيمس جراهام بالارد، وويل سيلف، ومجلد مكتظ بإبداعات لغوية ما زالت تدهش وتلهم أجيالاً من القراء الجدد.

وفقًا لأندرو بزويل، الباحث في أعمال برجس، تجري أحداث «البرتقالة الآلية» بالأساس في عام 1980 ويدفعها جدال داخلي مع عمل ديستوبي رائع آخر، وهو رواية أورويل «1984». رواية برجس التي توصف أحيانًا بأنها «رواية قصيرة»، تتناول أيضًا فساد سلطة الدولة بينما تناقش مسألة الإرادة الحرة ومسؤولية البشر، لكن بمصطلحات أقل أيدولوجية. تأتي الرواية بإدراك لحسها المُنتَهِك، (ربما العنوان متخذ من تعبير إحدى اللهجات البريطانية عن كلمة شاذ «queer» ، لكن ليس بأي معنى جنسي). تحكي رواية «البرتقالة الآلية»  قصة أليكس، السفاح المهووس ببيتهوفن ذي المونولوج الداخلي رائع.

بطلاقته في اللغة النادستية، اللغة الضمنية بين أصدقائه المراهقين، وهي مزيج مثير من اللغة الروسية والرومانية والقوافي العامية، يحكي أليكس سيرته المهنية كقائد لعصابة من «الدروجز»[1]، وهم بيتر، وجورجي، وديم.

عادة ما يقال إن هؤلاء الوحوش مستلهمون من الصراع بين جماعتي «مودز» و«روكرز» [2] ، لكن بزويل يُظهر باستمرار أن الإلهام الأعمق يأتي من تجربة برجس وقت الحرب.

تصف الافتتاحية الرائعة والمشئومة أعمال العنف المروعة وغير المبررة التي ترتكبها العصابة في أوج تهورها: ترويع معلم مدرسي، وضرب رجل ثمل، والهجوم على عصابة منافسة، وسرقة سيارة، ونهب بيت ريفي، وتعذيب رجل أدب مسالم، واغتصاب زوجته جماعيًا. بعد الافتتاحية المقززة الحية، تنتقل الرواية إلى حجز أليكس لاحقًا في سجن الولاية 48 إف، والعلاج المُبَدِّل لحالة العقل بالتنفير، والذي تفرضه عليه السلطات، كما تكشف ببراعة العلاقة بين الإرادة الحرة والمسؤولية الفردية بأسلوب برجس الذي لا مثيل له.

تنتهي رواية البرتقالة الآلية باعتراف أليكس: «عولجت، حسنًا». ويتبع الاعتراف فصل ختامي شبه تطهري، حُذف في الطبعة الأمريكية، وعليه تجاهله كوبريك في نصه السينمائي. ومضى الفيلم والرواية في طريقهما معًا، مثل توأم ملتصق معتل.

ملاحظة على النص

وفقًا لأندرو بزويل، كاتب سيرته الذاتية، بدأ بورجس عام 1960 التخطيط لسلسلة من الروايات عن المستقبل الخيالي. وفي «أبكر مسوداته الباقية» للرواية، وضع برجس مخططًا لكتاب من 200 صفحة، قُسم إلى ثلاثة أجزاء، يتكون كل جزء من 70 صفحة. ويحب برجس نفسه قول إنه ألف الكتاب في ثلاثة أسابيع لجني المال. مهما كانت الحقيقة، ومع برجس لا يمكنك معرفة ما الحقيقة وما ارتجله للتو، انتهت كتابة المسودة الأولى لـ «البرتقالة الآلية» في مدينة هوف على الساحل الجنوبي الإنجليزي في عام 1962، ومن المثير ملاحظة أن جراهام جرين سبقه بجيل في استكشاف موضوع مشابه عن الشر الذي يعبر عنه تمرد المراهقة وحالة الجنوح الإجتماعي، في روايته المثيرة التي تقع أحداثها بالساحل الجنوبي، «صخرة برايتون».

عاد برجس لبريطانيا عام 1959 بعد قضاء عدة أعوام ببلاد المالايا، ليندهش من كم التغيرات. أصبحت الثقافة الشبابية النابضة بالحياة والعنيفة في المقاهي وموسيقى البوب وعصابات المراهقين موضوعًا لعناوين الصحف وقلق الطبقة المتوسطة الواسع على «حالة اﻷمة».

في الواقع الكثير من المواد التي ألهمت «البرتقالة الآلية» تعود للأربعينيات، لا الخمسينيات ولا الستينيات. قال برجس إن مصدر إلهام الرواية كان ضرب عصابة من الجنود الأمريكيين، المتمركزين بإنجلترا أثناء الحرب، لزوجته الحامل لين، مما تسبب بإجهاضها. أرجع برجس عنوانه الآسر لأصول متعددة، فقد ادعى في الكثير من الأحيان أنه سمع عبارة «شاذ كبرتقالة الآلية» بحانة في لندن عام 1945.

بعد ذلك بفترة، وبعد أن صارت روايته سيئة السمعة، قال بغموض في التلفزيون عام 1972 إن «عنوان الرواية هو جملة سمعتها قبل سنوات». وقال إنه وقع في حب العبارة فأراد استخدمها كعنوان كتاب. وقاوم الإشارات التي ذكرت أنه اختلق هذا التعبير: «عبارة (شاذ كبرتقالة آلية) هي عبارة قديمة من لهجات لندن الشرقية. والآن، أضفت لمعناها بالطبع واقترحت بُعدًا آخر. لقد افترضت ارتباط العضوي، والحيوي، والحلو، الحياة بمعنى آخر، أي (البرتقالة)، مع الميكانيكي البارد الملتزم. لقد جمعتهما معًا في هذا التناقض اللفظي». ولكن علينا أيضًا أن نسجل أن مصادر عديدة أفادت بأنه «لم يكن يوجد استخدام لهذا التعبير قبل عام 1962».

يحتوى الكتاب على ثلاثة أجزاء، كل منها ينقسم إلى سبعة فصول، إشارة متعمدة لسن 21، سن الرشد. حُذف الفصل الحادي والعشرون من النسخة المُباعة بالولايات المتحدة قبل عام 1986، مضحين بالاكتمال الفلسفي لخدمة السياق السردي. عندما باع برجس الكتاب للناشر الأمريكي، و. و. نورتون، قال له محرره، إريك سوينسون، وهو رجل عرفته شخصيًا، إن الجمهور الأمريكي لن يقتنع بالفصل الأخير حيث يضع أليكس يديه على عيوب سلوكياته ويقرر أنه لم يعد مولعًا بالعنف ويغير حياته. سمح برجس لسوينسون بحذف الفصل الأخير من النسخة الأمريكية، حتى تنتهي الرواية نهاية قاتمة، إذ يستسلم أليكس لطبيعته العنيفة والمتهورة.

بُني فيلم ستانلي كوبريك على النسخة الأمريكية، والتي يشير إليها برجس «بالمربى الآلية»، سمى كوبريك الفصل الحادي عشر بالفصل الإضافي، وادعى أنه لم يقرأ الفصل الأخير حتى انتهى من تصوير الفيلم، ولم يفكر جديًا باستخدامه. بحسب ذكرياتي عن الكاتب، قضى برجس سنواته الأخيرة مستنكرًا معالجة الفيلم لروايته، وأدان كل المرتبطين بتعاقد يخص الرواية، بمن فيهم وكيلته الأدبيه ديبورا روجرز. 

كان برجس رجلًا استثنائيًا، مزيج من الرجل واسع المعرفة والمشعوذ. لم تكن الحياة من حوله مملة أبدًا، وكان من أكثر الناس المبدعين الذين قابلتهم في حياتي.


[1]  كلمة روسية تعني الأصدقاء، ويُقصد بها عصابة.

 جماعات سيطرت على الثقافة الفرعية في بريطانيا في الستينيات.[2]