كوانج جينبي: حكايات صينية معاصرة

ترجمها عن الإنجليزية: محمد سيد عبد الرحيم

الترجمة خاصة بـ Boring Books

يحتفظ المترجم بحقه في المساءلة الأخلاقية والقانونية إذا تمت الاستعانة بترجمته دون إذن منه.

***

كوانج جينبي، عن china.org.cn

ولد الكاتب الصيني كوانج جينبي، ويعني اسمه «الأنف الذهبي»، بعام 1939 وتوفي في 15 أغسطس 2010. واشتهر كوانج منذ أول أعماله التي صدرت بعام 1958 بكتابته قصصًا يقبل عليها الشباب والأطفال خاصة كتابه الشهير «الثور السحري وحكايات أخرى للأفندي». وتتميز قصص كوانج بأنها جمعت بين جماليات السرد القصصي الصيني التقليدي وعقلانية الرمزية الغربية مما أفرز عالمًًا ذا شخصيات متفردة.

وبجانب كونه كاتبًا للحكايات، فإن كوانج رسام وخطاط ومصور فوتوغرافي وكاتب مسرحي وخبير باحث في فن وأدب الفلكلور.

وتأثر كوانج في كتابته بكل كُتَّاب الحكايات الذين سبقوه حول العالم بداية من الحكايات الصينية القديمة وحكايات إيسوب وحتى هانس كريستيان أندرسن مرورًا بحكايات إيفان كريلوف والأخوان جريم والذي بدا في قصة «الصياد وزوجته» التي نورد ترجمتها ضمن هذه الحكايات المترجمة.

وكوانج من الكتاب غزيري الإنتاج فاشتهر بأنه كان يكتب طوال الوقت حتى أنه ينسى في غمرة إبداعه أن يأكل ويشرب أو حتى ينام ومن أعماله «الإله والزرافة» و«حكايات من مملكة الحيوان» و«365 قصة عن الحكمة» و«365 قصة عن الحماقة».

(المترجم)


الديك الذي تتحكم فيه وليفته

كان يوجد ملك يخاف جدًا من زوجته الملكة. كان يستشيرها في كل الأمور، الكبيرة منها والصغيرة، فيتصرف وفقًا لقرارها بحذافيره. كانت الملكة متغطرسة وقاسية القلب. كانت طوال النهار تفكر كيف ستتسلط على المزيد من الناس وكيف تتآمر ضد أعدائها. ولقد عانى الناس المر تحت حكمها إلا أنهم لم يجرأوا على التفوه بكلمة واحدة.

ويوم من الأيام، قال الملك للأفندي (1): «الملكة طلبت مني أن أصحبها في رحلة الحج إلى مكة غدًا صباحًا. من فضلك استيقظ حينما يصيح الديك، وتعال إلى القصر لتدلنا على الطريق إلى هناك. ومن الأفضل لك أن تأتي إلى هنا في الميعاد المحدد».

وبالرغم من ذلك انتظر الملك كثيرًا حتى ظُهْر اليوم التالي حين وصل الأفندي أخيرًا وهو يبدو عليه الارتباك، ممسكًا بنعليه بيديه. كان الملك في حالة غضب شديد إذ قرر أن يُعاقَب المذنب عقابًا قاسيًا.

«جلالتك الذي أمرتني أن أستيقظ مع صياح الديك، أليس كذلك؟» احتج الأفندي قائلًا: «الديك في بيتي صاح منذ لحظات قليلة. وحينما سمعته، استيقظت وهرعت إلى هنا بدون حتى أن أرتدي نعلاي. كيف تعاقبني على ذلك؟ إذا ما أردت أن تعاقب أحدًا، فلتعاقب الديك».

«قل لي»، طلب الملك، وهو حزين، «لماذا يصيح الديك الذي ببيتك ظهرًا؟ إذا لم تستطع أن تقدم لي إجابة معقولة، سوف أرسلك إلى الجحيم فورًا».

أجاب الأفندي: «عرف الديك أن جلالتك سوف تصحب الملكة في رحلة الحج إلى مكة، وكان سيصيح في الصباح الباكر. لكن دجاجته أمرته أن يصيح بالظهيرة. الدجاجة متغطرسة وقاسية القلب والديك يخاف منها بشدة. كيف يجرؤ الديك ألا يطيع الدجاجة؟ هذا الديك دائمًا مستعد لتلبية أوامر الدجاجة مهما كانت عواقب سلوكه. هل هذا أمر سيء؟»

انفجر الحاضرون ضاحكين، حيث لم يستطيعوا أن يحافظوا على هدوئهم. بينما غضب الملك والملكة للغاية حتى أنهما كادا أن يغشي عليهما.

المطرقة الحديدية والسكين الحادة

زار مبعوث من دولة جوار الملك في الوقت الذي كان الأفندي يعمل مستشارًا له. مضمرًا سوء النية، أخرج المبعوث مطرقة حديدية من حقيبته وقال للملك متغطرسًا، «هذه المطرقة تمثل إمبراطوريتي!» بعدها أخرج زجاجة بازدراء، «وهذه الزجاجة تمثل بلادك!»

وهو يقول ذلك، وضع الزجاجة أمام الملك، رفع بالمطرقة عاليًا ثم هوى بها على الزجاجة، ليحطمها قطعًا. فعل ذلك وكأن أحدًا غير موجود.

هدد المبعوث:"«أترى كيف يمكن تدمير بلادك بسهولة بضربة واحدة من بلادي!»

كاد الملك يهوي من عرشه من هذه الكلمات.

«ههههه...» انفجر المبعوث ضاحكًا، وثملًا بأثر ما قام به.

في هذه اللحظة، قام الأفندي، أمسك بقطعة من الزجاج المكسور وغرسها في يد المبعوث. ترك المبعوث المطرقة بسرعة، ليحمي يده المجروحة بيده الأخرى، متسائلًا في دهشة: «ما... الذي.. تريده؟»

«لا شيء»، قال الأفندي بلهجة يبدو عليها الطيبة. «كنت أريد فقط أن أوضح أن ما ينتج عن سحق المطرقة الحديدية للزجاجة ليس فقط زجاج متكسر ولكن أيضا مجموعة لا تحصى من السكاكين الحادة!»

تصبب المبعوث عرقا باردًا حين سماعه هذه الكلمات ليهرب خائفًا.

الإله والزرافة

ولدت زرافة خرساء. منذ مولدها، كانت تتألم بسبب عدم قدرتها على التعبير عن نفسها.

يومًا، قال الإله للزرافة: «أستطيع أن أخفف عنك آلامك وأجعلك تتكلمين لغات الحيوان والطير والإنسان!»

سرَّ هذا العرض الزرافة حتى البكاء فرحًا.

أكمل الإله: «لكن، يوجد شرط واحد عليك أن تعرفيه: إذا ما منحتك القدرة على الكلام، فلا يمكنك فتح فمك أينما تشائين. عليك أن تقولي فقط ما أريدك أن تقوليه سواء استحسنت الكلام أم لا. إذا وافقت، من فضلك أومئي برأسك».

هزت الزرافة رأسها، واستدارت، وغادرت بدون أن تنظر خلفها ولو لمرة واحدة.

ربما تعرف أن الأكثر إيلامًا في العالم ليس عدم القدرة على التعبير عن النفس ولكن قول ما لا تريد أن تقوله.

الوردة كريهة الرائحة

كانت توجد فتاة جميلة جدًا كوردة إلا أنها كانت أيضًا متغطرسة وشريرة كالشوك الذي ينمو على ساق الوردة. كانت لا تتسامح مع ذكر أي فتاة أخرى في حضورها. إذا ما امتُدحت أي فتاة أخرى لجمالها كان يصيبها الاستياء ولا يستطيع أن يوقفها شيء عن تشويه سمعة غريمتها.

قالت والغرور يملأها: «حتى الجنيات لا يستطعن أن يتفوقن علي جمالي. أريد أن يركع كل الرجال  أمامي». ولكن ومع مرور السنوات، لم يبد أي رجل أي اهتمام بها.

أصبحت منزعجة للغاية حتى صارت تنظر لنفسها في المرآة ليل نهار، محاولة أن تعثر على عيب ولو صغير في شكلها. لدرجة أنها تفحصت كل شعرة من رأسها، والذي وجدته في أفضل حالة. ربما أحتاج إلى وردة يانعة ومزهرة، قالت لنفسها. ولذا ذهب إلى حديقة الورود وصلت لجنية الورد لتمنحها أجمل وردة.

ومثلما توقعت، اختارت جنية الورد أجمل وردة وأكثرهم نضارة وقدمتها لها. وقبلت الفتاة وهي مبتهجة الوردة منها وكانت على وشك أن تضعها في شعرها حينما شمت رائحة كريهة نابعة من قلب الوردة. رمت بالوردة فورًا وأخرجت منديلًا لتغطي به أنفها.

أنبتها جنية الورد قائلة: «يا لها من وردة جميلة! كيف تستطيعين أن ترمي بها هكذا؟»

أجابت الجميل: «لا يريد أحدا أن يتزين بوردة ذات رائحة كريهة مهما كانت جميلة ومزهرة!» 

قالت جنية الورد:.«هذا بالضبط سبب أن أحدًا لا يريد أن يقترب من فتاة جميلة ذات روح قبيحة! ما تحتاجينه هو الفضيلة، لا الورد!»

الغول والحية

كانت توجد غابة كبيرة تمتلئ بكمية كبيرة ومتنوعة من نبات الفطر. كل يوم كان الناس، الذين يستمتعون بأكل مثل هذه الأطايب، يأتون ليلتقطونها.

عرف غول بذلك، وتحت ستر الليل، زرع فطر مسموم في كل الغابة. ولعدم قدرتهم على التفرقة بين الفطر السليم والمسموم، بالتأكيد كان سيموت الناس من أكل المسموم وهم يأكلون الفطر الطيب.

بينما يتأمل ما اقترفته يداه، لاحظ الغول فتاة جميلة ترسم على الفطر المسموم مما جعله غني بالألوان وساحر. وبفضول، سأل الفتاة عما تفعله.

أجابت الجميلة: «كلما بدا الفطر أكثر جمالًا، أصبح أكثر إغواء. الفطر المسموم الذي زرعته قبيح للغاية. لقد جعلته أغنى  بالألوان حتى أغوى أناس أكثر ليأتوا لالتقاطه»

«رائع، رائع!» هتف الغول. «عزيزتي، لم أتخيل أبدًا أن أحدا مثلك، جميل بالظاهر، يمكن أن يكون شريرًا وقاسي القلب هكذا!»

ضحكت الجميلة: «ههه! من تظنني؟» 

أجاب الغول: «بالتأكيد جنية من الجنة»

ضحكت الجميلة بضراوة ثم حولت نفسها إلى شكلها الحقيقي. حينها شعر الغول بالرعب الشديد، حينما تبين «أنها» حية ذات أعين لامعة وشريرة ودخان أسود يخرج بشدة من فمها.

دجاج الطمي المشوي

كان يا ما كان يعيش معلم أستاذ في نحت الطمي، و كان يملك يدان بارعتان عجيبتان. فالطيور والحيوانات الطينية التي كان يصنعها تتحول إلى كائنات حية و يمكنها أن تمشي وتطير.

يومًا، جاءه عاطل عن العمل، طالبًا منه دجاجة مشوية. أخذ المعلم على الفور كومة من الطمي وطلب من العاطل أن يصب عليها عرقه حتى يمتزج بالطمي. عقد العاطل حاجبيه وقال: «في حياتي كلها، لم أبذل نقطة عرق واحدة من أجل أي شيء».

«إذا سوف سنستخدم عرقي». وبقوله هذا، بدأ المعلم في صب عرقه في حوض. ثم مزجه بعدها بالطين ليصبح عجينة، والتي عجنها مرة أخرى، لتتحول أخيرًا إلى شكل دجاجتين سمينتين وشهيتين.

وفورًا أخذ العاطل واحدة وقضمها كذئب جائع. وبالكاد بلع قطعة منها حينما تقيأ ما أكله. قال متجهمًا: «إن طعمها كطعم الطين!»

«ليست باللذيذة؟» أخذ المعلم الدجاجة الأخرى وبدأ في أكلها باستمتاع، وعلق قائلًا بينما يمضغ: «لذيذة، لذيذة للغاية».

سأل الرجل بحيرة: «كيف تكون لذيذة حينما تأكلها أنت بينما تكون مرة حينما أكلها أنا؟»

ضحك المعلم: «هذا أمر بسيط! ذلك لأن الدجاج المشوي صنع من عرقي الذي بذلته أثناء العمل، بينما ليس به نقطة واحدة من عرقك».

النمر وطبيب الأسنان

كان يوجد نمر شرس للغاية وقع من على جرف شديد الانحدار بينما كان يهرب من أحد الصيادين. وأوقعت هذه السقطة كل أسنانه.

في الليل، انسل النمر إلى بيت طبيب الأسنان، طالبًا منه أن يركب له طقم أسنان.

قال طبيب الأسنان: «هذا أمر سهل، لكن يوجد شرط واحد». حضرت إلى عقله فجأة فكرة شريرة، فقايضه قائلًا، «توجد فتاة جميلة تعيش بالبيت المجاور، وهي ترفض الزواج بي. إذا ما وافقت على أكلها، سوف أصنع طقم أسنان لك، على الفور!»

ابتسم النمر ابتسامة مرة وأجاب: «منذ أن فقدت كل أسناني لا أستطيع أن آكل شيئًا. فلتسرع من فضلك. وفور استعادتي أسناني، سوف أذهب لآكلها»

شعر الطبيب بسعادة شديدة ورَكَّب صفين من الأسنان الحادة كالموس والقوية كالفولاذ في فم النمر.

 قال طبيب الأسنان: «حسنا، لقد حصلت على أسنانك، الآن فلتذهب إلى البيت المجاور ولتأكل حتى تمتلئ بطنك».

لم يكن طبيب الأسنان ليتوقع أبدًا أن النمر سيرد عليه مثل هذا الرد: «كيف أعرف أن الأسنان التي ركبتها قوية وحادة كفاية حتى أكل الناس؟» قال النمر: «عليَّ أن أجربها أولا. تعال، دعني أنهش قطعة منك!»

وحينما قال ذلك، انقض على الطبيب وبدأ في ابتلاع قطعة وراء الأخرى.

من يستسلمون للأفكار الشريرة بالتأكيد سوف يفقدون صوابهم.

الصياد وزوجته

أمسك صياد بثعلب أثناء تجواله في الجبال.

قال الثعلب: «أنا ثعلب إلهي آت من الجنة، إذا ما أطلقت سراحي سوف أكافئك مكافأة كبيرة. فلتعد ولتسأل زوجتك ما الذي تريده. وسوف أمنحها أي شيء تتمناه».

بعد سماعه هذه الكلمات، أطلق الصياد سراح أسيره. وحينما وصل إلى البيت، أعاد ما قاله الثعلب على مسامع زوجته.

«عزيزي، ذلك أمر رائع! أعرف ما أريد؛ أريد قصرًا!» وفي غمرة بهجتها، أحرقت زوجته بيتهما وسحبت زوجها إلى الجبال، قائلة: «دعنا نذهب لنبحث عن الثعلب. سوف نحصل على قصر فخم ورائع».

قضيا الأيام القليلة التالية في الجبال وهما يبحثان عن الثعلب. حتى اهترأ حذاءاهما، إلا أنهما لم يعثرا ولو حتى على شعرة ثعلب واحدة. أصبحت زوجة الصياد في حالة غضب شديد وأخذت تسب قائلة: «بدون أن تحصل ولو على طوبة واحدة، كيف أمكنك أن تترك الثعلب لحال سبيله؟ أنت أكثر شخص مغفل يعيش تحت السماوات».

«وأنت» رد الصياد، مشيرًا إلى أنفها. «لم تري حتى نصف طوبة حينما أحرقت البيت بأكمله. أنت أكثر حمقًا مني مئة مرة!»

الفشل دائمًا ينتج عن التفاؤل الأعمى.


(1)  الأفندي هو شخصية خيالية ذائعة الذكر في ثقافة حضارة منطقة سنجان الصينية والذي اشتهر بذكائه الحاد.