جون هيجز: صدمة الجديد.. دوشامب والبارونة

مقتطع من الفصل الثاني من كتاب «أغرب مما نتخيل: محاولة لفهم القرن العشرين» لجون هيجز

ترجمة: هدى ذكري

خاص بـ Boring Books

تحتفظ المترجمة بحقها في المساءلة الأخلاقية والقانونية إذا تمت الاستعانة بترجمتها دون إذن منها.

جون هيجز «John Higgs»: كاتب وروائي وصحفي إنجليزي، ولد عام 1974. نشرت أعماله على هيئة كتب وسير ودراسات حول التاريخ الثقافي. ووفقًا لموقع الكاتب فإنه «يختص بإيجاد السرديات التاريخية التي لم يتطرق إليها أحد، تلك المختبئة في الزوايا المحجوبة من تاريخنا وثقافتنا والتي بإمكانها تغيير طريقة رؤيتنا للعالم».

يحاول كتاب «أغرب مما نتخيل: محاولة لفهم القرن العشرين» تفسير القرن الذي «نعرف عنه كل شيء» بطريقة مختلفة، ويتطرق لموضوعات تُعتبر من محددات القرن منها الحداثة الفنية، ونظرية النسبية لآينشتاين، والحلم الأمريكي، وثورة الستينيات الجنسية، وما بعد الحداثة. نشر الكتاب عام 2015.

المترجمة

***

إيلسا فون فرايتج-لورينجهوفين عن Timeline

في مارس عام 1917، عيَّن الرسام الحداثي المستقر في فيلاديلفيا «جورج بيديل George Biddle» موديلًا ألمانية في الثانية والأربعين من عمرها. زارته في مرسمه وطلب منها أن تتعرى. دون تردد، تخلَّت المرأة فورًا عن معطفها القرمزي. تحته، كانت عارية إلا من حمالة صدر صنعتها من حبتيَّ طماطم وخيط أخضر، وعلَّقت على رقبتها قفصًا صغيرًا بداخله طائر كاناري بائس. لم يكن معها من الملبوسات سوى عدد كبير من حلقات تعليق الستائر تغطي إحدى ذراعيها -سُرقت مؤخرًا من متجر واناميكار- وقبعة مزينة بالجزر والبنجر وخضروات أخرى.

ها هو، المسكين جورج بيديل. يظن أنه الفنان وأن المرأة التي أمامه، البارونة «إيلسا فون فرايتج-لورينجهوفين Elsa von Freytag-Loringhoven»، موديله. بينما بدلت هي اﻷدوار بحركة واحدة، فأصبحت هي الفنانة وهو الجمهور. كانت البارونة إيلسا إحدى القامات المعروفة في الوسط الفني الطليعي بنيويورك، فهي فنانة استعراضية، وشاعرة، ونحاتة. ارتدت الكعك كقبعات، الملاعق كأقراط، طلت شفتيها بالأسود واستخدمت طوابع البريد بدلًا من مساحيق التجميل. عاشت في فقر مدقع محاطة بكلابها وفئران وجرذان شقتها التي كانت تطعمها باستمرار. وعلى نحو مستمر، كانت تُستدعى وتُحتجز لجرائم مثل السرقات الصغيرة أو التعري في الأماكن العامة. وفي زمن كانت القيود المجتمعية على مظهر النساء قد بدأت تخف، كانت تحلق رأسها بالكامل، أو تصبغ شعرها بالأخضر.

كان «إرنست هيمنجواي Ernest Hemingway» و«إزرا باوند Ezra Pound» معجبين بأعمالها، رافقت الكثير من الفنانين من ضمنهم «مان راي Man Ray» و«مارسيل دوشامب Marcel Duchamp»، وكل من قابلها لم يتمكن من نسيانها سريعًا. لكن نادرًا ما يذكرها أي تأريخ للحركة الفنية في أوائل القرن العشرين. قد ترى لمحات قصيرة عنها في بعض الرسائل أو المذكرات، التي عادة ما تصفها بأنها صعبة وباردة أو مجنونة تمامًا، مع ذكر متكرر لرائحة جسدها. كل ما نعرفه تقريبًا عن حياتها مبنٍ على مسودة من مذكرات كتبتها في مصحة نفسية في برلين عام 1925، أي عامين قبل وفاتها. من وجهة نظر أغلب من قابلتهم في حياتها، لم تكن لطريقتها في الحياة أو ما تنتجه من أعمال أي منطق، ربما كانت بشكل من الأشكال سابقة لعصرها. تعتبر البارونة الآن أول فنانة دادائية أمريكية. تأخر الأمر حتى بدايات القرن الحادي والعشرين تقريبًا، لتحدث إعادة تقييم شاملة لأعمال هذه النسوية الدادئية، وطرحت إعادة التقييم تلك احتمالًا مثيرًا للاهتمام: هل من الممكن أن تكون البارونة إيلسا فون فرايتج لورينجهوفين وراء ما يتم اعتباره، عادة، العمل الفني الأكثر أهمية في القرن العشرين؟

ولدت البارونة إيلسا، باسم إيلسا هيلديجارد بلوتز عام 1874 في مدينة «سواينماند  Swinemünde» في بروسيا، الآن «شفينوشفا Świnoujście» في بولندا، على شاطئ  بحر البلطيق. غادرت إلى برلين في التاسعة عشر من عمرها، بعد وفاة والدتها بالسرطان واعتداء جسدي من أبيها. وجدت عملًا كموديل ومغنية كورس. تلت ذلك فترة من الاندفاع والتجارب الجنسية أدت لإصابتها بمرض الزهري، قبل أن تصادق الفنان الجرافيكي «ميلخوار ليختر Melchior Lechter»، الذي كان يميل لارتداء ملابس النساء، وتبدأ في الظهور في الدوائر والأوساط الفنية الطليعية. وبداية من هذه المرحلة، لم يعد الفصل بين حياتها الشخصية وفنِّها ذا أهمية. كما تُظهِر قصائدها، لم تحترم الحدود المتعارف عليها في الأوساط الفنية الأوروبية بين الجنسي والفكري. محتفظة بهيئتها المختلطة أو الزَنمَردية[1]، خاضت إيلسا العديد من العلاقات والزيجات، عادة مع رجال مثليين أو عاجزين جنسيًا. ساعدت أحد أزواجها على تلفيق انتحاره، في قصة طويلة قادتها لتسافر أولًا إلى كندا ثم إلى الولايات المتحدة. وزيجة أخرى للبارون ليوبولد فون فريتاج-لورينجهوفين أعطتها لقب البارونة، على الرغم من كونه وقتها مفلسًا تمامًا ويعمل كمساعد نادل. بعد زواجهما بفترة قصيرة، بدأت الحرب العالمية الأولى واضطر للعودة إلى أوروبا، أخذ كل ما كان معها من مال ثم انتحر بعدها. وقتها قابلت البارونة الفنان الفرنسي-الأمريكي مارسيل دوشامب وطوَّرت ما يشبه الهوس به. في أحد عروضها استخدمت مقالة كتبت عن لوحة مارسيل «عارية تنزل الدرج Nude descending a staircase» وأخذت تمسح بها على كل جزء من جسدها، مازجة  الصورة المشهورة للموديل للعاري بجسدها هي. ومن ثم بدأت إلقاء قصيدة كانت ذروتها «مارسيل، مارسيل، أحبك، مارسيل».

بأدب ولكن بحزم، لم يتجاوب دوشامب مع تلميحاتها. لم يكن رجلًا حسيًا، ولم يحب أن يلمسه أحد. لكنه لاحظ واهتم بأصالة ممارساتها الفنية وأهميتها. كما قال ذات مرة «لا يمكن اعتبار البارونة مستقبلية، إنها المستقبل ذاته».

يُعتبر دوشامب بمثابة أبي الفنون المفاهيمية. انصرف عن التصوير التقليدي عام 1912 وبدأ عملًا فنيًا على قطعة ضخمة من الزجاج استغرق العمل عليه عشرة أعوام. ما كان يبحث عنه دائمًا هو طرق لإنتاج الفن خارج الإطار التقليدي للنحت والتصوير. عام 1915 راودته فكرة سمَّاها «الأعمال جاهزة الصنع»، حيث تتحول الأشياء اليومية العادية مثل جاروف الثلج، أو حامل الزجاجات لأعمال فنية. بأثر رجعي، اعتبر عمله في عام 1913، الذي كان عبارة عن عجلة دراجة مثبتة إلى كرسي، أول أعماله جاهزة الصنع. مثَّلت هذه الأعمال تحديًا للمؤسسة الفنية: هل من الكافي أن يعرض الفنان أشياء عثر عليها وقرر أنها أعمال فنية للتعامل مع هذه العناصر على أنها فن؟ أو، على نحو أكثر دقة، هل يكفي أن يقرر فنان تحدِّي المؤسسة عن طريق تقديم شيء عُثِر عليه، ليجعلنا نعتبر هذه الفكرة في حد ذاتها عملًا فنيًا؟ وفقًا لهذا السيناريو، الفكرة هي الفن، بينما كانت القطعة نفسها مجرَّد تذكار يمكن لقاعات العرض والمقتنين أن يستثمروا فيه. ولعلَّ عمله الأكثر شهرة هو «نافورة Fountain». الذي كان عبارة عن مبولة مقلوبة قدَّمها عام 1917 تحت الاسم المستعار «ريتشارد مات Richard Mutt» لجماعة الفنانين المستقلين بنيويورك. كان هدف المعرض هو عرض كل الأعمال الفنية التي تقدَّم له، لذا بإرساله المبولة، كان دوشامب يتحدى اللجنة أن تعتبرها قطعة فنية وهو ما رفضوا فعله في نهاية الأمر. ظل مصير القطعة الأصلية غامضًا، لكنها لم تُشارك بالمعرض النهائي ومن المرجح أنهم تخلصوا منها مع القمامة. انسحب دوشامب من اللجنة اعتراضًا، وغطَّت قصة رفض النافورة على أخبار المعرض. في العشرينيات، قرر دوشامب التوقف عن إنتاج الفن ووهب حياته للشطرنج. لكن سمعة النافورة أخذت في الانتشار البطيء، وأعاد جيل جديد من الفنانين في الخمسينيات والستينيات اكتشاف دوشامب. لكن لسوء الحظ، لم يتبق الكثير من أعمال دوشامب الأصلية، لذا بدأ في إعادة إنتاج أكثر أعماله شهرة. أُنتجت 17 نسخة من النافورة، تتسابق على اقتنائها قاعات العرض حول العالم، على الرغم من ضرورة حفظ النسخ في صناديق شفافة بسبب عدد من طلبة الفن الذين يحاولون «التفاعل مع العمل الفني» عن طريق التبول فيه. في استفتاء لحوالي أربعمائة متخصص في الفن أُجري عام 2004، اختيرت نافورة دوشامب باعتبارها العمل الفني الحديث الأكثر تأثيرًا في القرن العشرين.

لكن هل يصح القول إن النافورة هي عمل دوشامب حقًا؟

في الحادي عشر من أبريل عام 1917، كتب دوشامب لأخته سوزان قائلًا: «إحدى صديقاتي التي تبنَّت الاسم المستعار، ريتشارد مات، أرسَلت لي مبولة من البورسلين باعتبارها منحوتة، وبما أنه لم يكن بها أي شيء مشين، لم يكن هناك سبب لرفضها». والسؤال هنا، لو كان دوشامب ينوي في كل الأحوال تقديم المبولة تحت اسم مستعار، لا يبدو أن هناك سببًا منطقيًا يدعوه لاختلاق صديقة وهمية. إن المرشحة الأكبر لتكون هذه الصديقة هي البارونة إيلسا فون فرايتاج-لورينجهوفين، التي كانت تقيم في فيلاديلفيا وقت الحادثة، وقد ادَّعت التقارير الصحفية وقتها أن ريتشارد مات كان من فيلادلفيا. لو كانت النافورة حقًا عمل البارونة إيلسا، فمن السهل افتراض أن الاسم بمثابة تلاعب بالألفاظ. كانت الولايات المتحدة قد دخلت لتوها الحرب العالمية الأولى، وشعرت إيلسا بالسخط حيال شيوع النبرة المعادية للألمان بالإضافة لقلة الاستجابة المخزية للوسط الفني وعزوفه عن التعليق على الصراع الدائر. كانت المبولة موقعة «R.Mutt, 1917»، وبالنسبة لعين ألمانية ربما تقترح القراءة الكلمة الألمانية «Armut» والتي تعني الفقر، أو في سياق المعرض، الفقر الفكري.

كانت البارونة تدعو أشياء وجدتها في الشارع أعمالًا فنية ربما قبل أن يصوغ دوشامب مفهوم «العمل جاهز الصنع». أقدم عمل نعرفه هو «حلية باقية Enduring Ornament»، عبارة عن حلقة معدنية يزيد عرضها عن أربعة بوصات، كانت قد وجدتها في طريقها لزفافها على البارون ليوبولد في 19 نوفمبر عام 1913. ربما لم تصِغ البارونة المفهوم كما صاغه دوشامب عام 1915، لكن من المؤكد أنها سبقته للممارسة. لم تكتف إيلسا بإعلان القطع التي تجدها منحوتات، بل كثيرًا ما أعطتها أسماء ذات طابع روحاني. مثل القطعة الخشبية التي أسمتها «كاتدرائية Cathedral» عام 1918. ومثال آخر، كوع سباكة معدني مثبت إلى قاعدة خشبية، أسمَته «الرب God». ظل العمل لفترة طويلة يُنسب إلى فنان آخر وهو «مورتون ليفينجستون شامبيرج Morton Livingston Schamberg»، لكن بات من المعروف الآن أن دوره اقتصر فقط على تثبيت القطعة المعدنية إلى القاعدة. كان الربط ما بين الرموز الدينية والحمَّامات ثيمة مكررة في حياة إيلسا. بدأت من طفولتها حيث كان أبوها يسخر من تدين أمها، واصفًا الصلوات المتكررة بحركات الأمعاء اليومية.

عادة ما يمدح النقاد الطبيعة الجندرية المختلطة/الزَنمردية للنافورة، حيث أدى قَلب القطعة ذات الطابع الذكوري إلى إضفاء طابع أنثوي. في أوائل العشرينيات، كان لدوشامب تجارب مع ذاته الأنثوية حين اختار لنفسه اسم «روزي سيلافي Rrose Sélavy» وصوَّره «مان راي Man Ray» مرتديًا ملابس امرأة. لكن ظل هذا الحس الزَنمردي ظاهرًا أكثر بكثير في أعمال البارونة عن أعماله.

عام 1923 أو 1924 وفي فترة كانت تشعر فيها إيلسا أن كل أصدقائها وزملائها قد تخلّوا عنها، رسمت لوحة كانت بمثابة رثاء للذات. ضمَّت اللوحة رسمًا لقدم شخص كأنه يخرج من الإطار، يمثِّل كل الأشخاص الذين تركوها في حياتها. كما تضم أيضًا مبولة تفيض وتغرق كتبًا على الأرضية، وعلى شفتيها أُسنِد غليون دوشامب. عادة تُأوَّل المبولة على أنها رمز بسيط لدوشامب نفسه. لكن لو كانت النافورة حقًا من عمل إيلسا، يكتسب الغليون المسنود إليها معانٍ أبعد. تصبح هذه الصورة رمزًا لعلاقتهما المتوترة. إن النافورة عمل مضحك، صريح، جاف وصداميّ. هذه ليست سمات معتادة في أعمال دوشامب، لكنها تُلخِّص البارونة وأعمالها على نحو مثالي. وربما كان هذا، أكثر من أي شيء، ما يُعتبر الحجة الأقوى على كون النافورة عملها في الأصل. وأنها أرسلته لدوشامب لتدخل المعرض، ونَسَبه هو لنفسه بعد ثلاثين سنة، بعد أن ماتت هي ومُصوِّر العمل. ولإضافة ثقل لهذه الحجة، قيل إن دوشامب اشترى المبولة الأصلية من مصنع يسمى «JL. Mott» لكن البحث أثبت لاحقًا أن هذا المصنع لم ينتج هذا النوع أبدًا. لا يقترح هذا أن دوشامب قد نسب العمل لنفسه عنوة وعن قصد مثلما كان الفنان الأمريكي «والتر كين Walter Keane» ينسب لنفسه لوحات الفتيات النحيلات ذوات العيون الواسعة التي رسمتها زوجته «مارجريت كان Margaret Keane» في الخمسينيات. لدى المحللين النفسيين الآن فهم أعمق للكيفية التي تتدهور بها دقة ذكرياتنا مع الوقت، والتي يمكنهم تصويرها عن طريق نموذج يُعرف بمنحنى «إبينهاوز Ebbinghaus» للنسيان. ويصفون بالأخص الحماسة التي تواتينا عند ظهور فكرة جيدة أثناء الحديث مع مجموعة، وكيف أنها قد تؤدي لاحقًا لاعتقاد عدد كبير من الموجودين أن الفكرة كانت فكرتهم بالأساس. فبعد أربعين سنة من تسليمه النافورة للجنة المعرض، من الممكن جدًا أن يكون دوشامب قد اعتقد صدقًا أنها فكرته. لكن يبقى السؤال، إن كان دوشامب لم ينتج عمله الأشهر على الإطلاق، كيف يؤثر هذا على مصداقيته كفنان؟

يمكن أن نجد مفتاحًا لعمله في التحية التي أهداها له صديقه الفنان الأمريكي «جاسبر جونز Jasper Johns» بعد وفاته. تحدَّث جونز عن «إصرار دوشامب على تحطيم أطر الإسناد». والأطر التي كان يعنيها هنا هي أطر المؤسسة الفنية التقليدية، حيث اقتصر الفن على كونه لوحات تصنعها موهبة الفنان، ومن ثَم تُقدَّم للجمهور. كان السبب الأساسي الذي دفع دوشامب لتقديم قطع مصنوعة بالجملة على أنها أعمال فنية هو تحدي وتحطيم الفهم المتعارف عليه للعمل الفني. خاض دوشامب تجارب مع الصدفة، أفلت خيوطًا على لوحة على الأرض ولصقها في نفس الوضعية التي سقطت عليها. أصبح الشكل الجمالي المنتج في النهاية من قبيل الصدفة وليس الموهبة. فَعَل هذا ليشكِّك في فكرة أن بوسع العمل أن ينتسب حقًا للفنان. لم يكن غزير الإنتاج، لكن هناك قصدية معينة واضحة في كل أعماله التي أنتجها بعد أن هَجر التصوير. وكثيرًا ما استكشف فكرة علاقة المنتج الفني بالفنان. وإمكانية فهم العمل الفني باعتباره أولًا منتجًا من صنع فنان. كما قال عام 1957: «إن الفعل الإبداعي لا يتم من قِبل الفنان وحده، فالمُشاهد يضع العمل في مواجهة العالم الحقيقي عن طريق فك وتأويل خواصّه الداخلية، مما يتيح له الإضافة للعملية الإبداعية». كانت «محاولاته الدؤوبة لتحطيم أطر الإسناد» ضرورية لإيضاح دور المتفرج في وجود الفن وأن ما نشاهده هو جزئيًا من صُنع المتفرج نفسه.

كل هذا يتركنا في وضع مُربِك. إن كان دوشامب لم ينتج النافورة حتى وإن اعتقد أنه فعل، وإن كان هدفه الأساسي هو رفض الفكرة المبسطة أن الفن هو ما ينتجه الفنانون، هل تجعله النافورة إذن، فنانًا أسوأ أم أفضل مما كنَّا نعتقد؟


[1]  الزنمردية (androgynous) في الأصل (زنمردة) وصف للمرأة التي تشبه الرجال في الخلق، إما عن تشبه أو لاجتماع في خواص الأنوثة والذكورة. تطلق هذه الصفة إطلاقًا على أي فرد لم يمكن تحديد جنسه بالنظر في مظهره. زنمردة معربة زَنْ مَرد الفارسية وأصل معناها «امرأة رجل». استعمل كلمة الزنمردة لأول مرة أبو نواس في أشعاره.