بيت الدمى
كاثرين مانسفيلد
ترجمة كاملة لقصة «بيت الدُمى» للكاتبة النيوزيلاندية كاثرين مانسفيلد
نُشرت القصة عام 1922
ترجمة: أمير زكي
أكتوبر 2018
يحتفظ المترجم بحقه في المساءلة الأخلاقية والقانونية إذا تمت الاستعانة بترجمته دون إذن منه.
***
عندما عادت السيدة هاي العجوز العزيزة إلى المدينة بعدما أقامت مع آل بارنل، أرسلت للطفلات بيت دمى. كان كبيرًا للغاية حتى احتاج الأمر لأن يحمله الشيَّال و«بات» إلى الفناء حيث ظل هناك، موضوعًا على صندوقين خشبيين بجانب باب غرفة الخزين. لن يتعرض لضرر في هذا المكان، كنا في فصل الصيف، وربما تتلاشى رائحة الطلاء المنبعثة منه وقتما يُنقل فيه للداخل، لأن رائحة الطلاء المنبعثة من بيت الدمى (بالطبع السيدة هاي العجوز لطيفة، في غاية اللطف والكرم) – ولكن في رأي العمة بيريل رائحة الطلاء كافية لتصيب أي شخص بالإعياء. حتى قبل نزع الخيش الذي يغلف البيت. وحين تراه...
هنا وُضع بيت الدمى، بلونه الأخضر الزيتي، في حين تقطعه خطوط صفراء براقة. طُليت مدخنتاه الصغيرتان الراسختان الملتصقتان بسطحه باللونين الأحمر والأبيض، وكان الباب، الذي يومض بالدهان الأصفر، أشبه بقطعة الطوفي الصغيرة. كان بالبيت أربع نوافذ، نوافذ حقيقية، مقسمة إلى ألواح من خلال أشرطة خضراء عريضة. وفي الحقيقة كان هناك رواق صغير، بكتل كبيرة من الطلاء المتماسك يحد الحواف.
ولكنه بيت صغير ممتاز جدًا جدًا! مَن سينزعج من الرائحة؟ إنها جزء من البهجة، إشارة إلى أنه جديد.
«ليفتحه أحدكم سريعًا!»
كان المقبض الموجود على جانب البيت موصدًا بإحكام. رفعه «بات» بعنف مستخدمًا مطواه، فتقدمت واجهة البيت كله إلى الأمام، وها هم، يحدقون جميعًا في نفس اللحظة بغرفة المعيشة، وغرفة السفرة، والمطبخ وغرفتي النوم. هكذا ينفتح البيت! لم لا تُفتح كل البيوت بهذه الطريقة؟ لا يوجد ما هو أكثر إثارة من اختلاس النظر من جانب البيت إلى الردهة الصغيرة الوسطى التي تضم مشجبًا اللقبعات ومظلتين! ها هو ذا – أليس كذلك؟ ما تشتاق لرؤيته في البيت حين تضع يدك على مقبض بابه. ربما هذه هي الطريقة التي يفتح بها الله أبواب البيوت في الهزيع الأخير من الليل حين يدور في جولة مع أحد ملائكته.
«أوه، أوه!» بدا وكأن بنات بارنل شعرن بالصدمة. كان شيئًا في غاية الروعة، شيئًا يتجاوز استيعابهن. لم يرين أي شيء شبيهًا بذلك في حياتهن. كانت الغرف كلها مغطاة بورق الحائط، كانت هناك صور على الجدران مرسومة على الورق، بإطارات ذهبية كاملة. يغطي السجاد الأحمر الأرضية كلها باستثناء المطبخ، الكراسي الحمراء الأنيقة في غرفة المعيشة والخضراء في غرفة الطعام، الطاولات، الأسرَّة بملاءات حقيقة، سرير أطفال، موقد، دولاب أطباق يحتوي على أطباق وقِدر واحد كبير. ولكن ما أحبته كيزيا أكثر من أي شيء آخر، ما أحبته بشكل مرعب، هو المصباح. وُضع في منتصف مائدة غرفة السفرة، كان ممتلئًا بالزيت وكأنه جاهز للإضاءة، وإن كان لا يضاء بالطبع، ولكنه يحتوي على سائل بداخله أشبه بالزيت، يتحرك إذا هززت المصباح.
كانت الدميتان اللتان تمثلان الأب والأم، المستلقيتان بجمود وكأنهما تعرضتا للإغماء في غرفة المعيشة، وكذلك طفلاهما الصغيران النائمان بالأعلى، كبارًا جدًا على بيت الدمى، كأنهم لا ينتمون لهذا المكان، ولكن المصباح كان مثاليًا. بدا وكأنه يبتسم لكيزيا قائلًا: «أعيش هنا». كان المصباح واقعيًا.
لم تستطع بنات بارنل منع أنفسهن من السير بسرعة قصوى في الصباح التالي. كن يتحرقن شوقًا لإخبار الجميع، ليصفن، بل ليتباهين ببيت الدمى قبل أن يدق جرس المدرسة.
قالت إيزابيل: «أنا التي ستخبرهن، لأنني الأخت الكبرى. أما أنتما الاثنتان فسوف تنضمان بعد ذلك. ولكني سأتكلم أولًا».
لم يكن هناك مجال للرد. كانت إيزابيل متسلطة، ولكنها دومًا على حق، وكانت لوتي وكيزيا تعرفان جيدًا جدًا السلطات التي تحظى بها الشقيقة الكبرى. مررن بزهور الحوذان الكثيف على جانب الطريق ولم يقلن شيئًا.
«وأنا التي ستقرر من تأتي لتراه أولًا، أمنا قالت إن ذلك بإمكاني».
كان الترتيب هو أنه طالما ظل بيت الدمى في الفناء، فبإمكانهن السماح لفتيات المدرسة بالمجيء لرؤيته، بنتان في كل مرة. بالطبع لن تظلا لتناول الشاي، ولن تتهاديا حتى تدخلا المنزل. ستقفان بهدوء في الفناء بينما تشير إيزابيل إلى جمال البيت، ولوتي وكيزيا تنظران مسرورتين.
ولكن رغم سرعتهن، بدأ الجرس في الرنين وقتما وصلن إلى سياج ملعب الأطفال المطلي بالقطران. لم يكن لديهن وقت سوى لخلع قبعاتهن والوقوف في الصف قبل أن يُنادَى عليهن من أجل دفتر الحضور. لا يهم. حاولت إيزابيل التمهيد للأمر بأن جعلت نفسها تبدو مهمة وغامضة جدًا، وبأن همست للفتيات القريبات منها، وهي تداري فمها بيدها: «سأقول لَكُن شيئًا في وقت الفسحة».
حان وقت الفسحة، وأحاطت الفتيات بإيزابيل. أوشكت الفتيات على التعارك حتى يضعن أذرعتهن على كتفيها، حتى يأخذنها معهن بعيدًا، حتى يُظهرن ابتسامات متوددة، لإقناعها بأنهن صديقاتها المقربات. عقدت جمعًا كبيرًا تحت أشجار الصنوبر الهائلة على جانب الملعب. لكزت البنات بعضهن وضحكن معًا، تدافعن من أجل الاقتراب. الفتاتان الوحيدتان اللتان ظلتا خارج الدائرة، كانتا الفتاتين الموجودتين دائمًا خارجها: ابنتا كيلفي الصغيرتين. تعرفان أنه من الأفضل عدم الاقتراب من بنات بارنل.
في الواقع لم تكن المدرسة التي تذهب إليها بنات بارنل مكانًا سيختاره والداهن إذا أُتيح لهما الاختيار، ولكن لم يكن هناك خيار. كانت أقرب مدرسة أخرى على بعد أميال، ونتيجة ذلك أُجبِر كل أطفال الحي على الاختلاط فيها: بنات القاضي الصغيرات، بنات الطبيب، وأطفال البقال، وأطفال بائع الحليب. ناهيك عن عدد مساو من الصبية الوقحين الأجلاف أيضًا. ولكن لا بد من وضع الخطوط الفاصلة. وفَصلَت الخطوط ابنتي كيلفي. لم يكن مسموحًا للعديد من الأطفال، ومن بينهم بنات بارنل، أن يتحدثوا إليهما حتى. كانوا يسيرون بجانب ابنتي كيلفي ورؤوسهم مرفوعة، وكأنهم يضعون مثالًا لكل قواعد السلوك. تجنَّب الجميع ابنتي كيلفي. حتى المدرس كان يحدثهما بنبرة صوت محددة، في حين يبتسم ابتسامة خاصة للأطفال الآخرين حين تتوجه ليل كيلفي لتجلس على مقعدها ممسكة بحزمة زهور بشعة ومبتذلة الألوان.
كانتا ابنتين لامرأة غسَّالة ضئيلة الجسد، نشيطة وتعمل بكد، تنتقل في نهارها من بيت إلى بيت. كان هذا سيئًا بما يكفي. ولكن أين يوجد السيد كيلفي؟ لا أحد يعرف على وجه الدقة. ولكن الجميع يقول إنه في السجن. هكذا هما: ابنتان لغسالة و«حبسجي». صحبة طيبة للغاية لأولاد الناس الآخرين! وبدتا مختلفتين. لِم تجعلهما السيدة كيلفي تتسمان بهذا القدر الملحوظ من انعدام الذوق؟ من الصعب فهم السبب. في الحقيقة كانتا ترتديان «المزق» التي تحصل عليها من الناس الذين تعمل عندهم. على سبيل المثال كانت ليل، الطفلة القوية والشاحبة والذي يملأ النمش الكبير وجهها، تأتي إلى المدرسة بفستان منسوج ومزخرف من مفرش مائدة صوفي أخضر حصلت عليه من عائلة بارنل، بأكمام قطنية حصلت عليها من ستائر آل لوجان. وكانت قبعتها الموضوعة على قمة جبينها قبعة لامرأة ناضجة، كانت تخص من قبل مديرة مكتب البريد الآنسة ليكي، كانت مرتفعة من الخلف ومزينة بريشة قرمزية كبيرة. كم بدت أشبه بصبي صغير! كان من الصعب أن تمنع نفسك من الضحك. أما شقيقتها الصغرى، إلسه، فكانت ترتدي فستانًا أبيض طويلًا، أشبه بقميص النوم، وفي قدميها حذاء صبي صغير. ومهما ارتدت إلسه يبدو شكلها غريبًا. كانت ضخمة بالنسبة لسنها، شعرها مقصوص وعيناها كبيرتان عميقتان، أشبه ببومة بيضاء صغيرة. لم يرها أحد تبتسم. قليلًا ما كانت تتحدث. كانت تمضي في الحياة ممسكة بملابس ليل، وجزء من تنورة ليل متجعد في يدها. في أي مكان تذهب ليل تتبعها إليه إلسه. في الملعب، في الطريق من المدرسة وإليها، كانت ليل تسير في المقدمة وفي الخلف تمسك إلسه بتنورتها. فقط حين تريد شيئًا أو حين تلهث، تجذب إلسه تنورة ليل، تهزها، حينها تتوقف ليل وتدور إليها. لا تخفق ابنتا كيلفي أبدًا في فهم بعضهما.
ورغم بقائهما عند الحافة، فلا يمكن منعهما من الإنصات. حين استدارت الفتيات الصغيرات للسخرية منهما، ابتسمت ليل كالعادة ابتسامتها الحمقاء الذليلة، ولكن إلسه ظلت تنظر فقط.
استمر صوت إيزابيل يتردد خلال حكيها للقصة، صوتها الفخور للغاية؛ كان للسجاد تأثير عظيم، وكذلك الأسرَّة بالملاءات الواقعية، والموقد بباب الفرن.
حين أنهت حكيها تدخلت كيزيا: «لقد نسيتِ المصباح يا إيزابيل».
قالت إيزابيل، «أوه، نعم»، هناك مصباح صغير للغاية، مصنوع كله من الزجاج الأصفر، تحيطه كرة بيضاء، موضوع على مائدة غرفة الطعام. لا يمكن أن تفرقه عن المصباح الحقيقي.
صاحت كيزيا: «المصباح أفضلهم جميعًا» كانت تعتقد أن إيزابيل لم توف المصباح الصغير حقه من الاهتمام. ولكن أي منهن لم تنتبه له. اختارت إيزابيل الفتاتين اللتين ستأتيان معهن بعد الظهيرة لرؤية البيت. اختارت إيمي كول ولينا لوجان. ولكن عندما عرفت الباقيات أن الفرصة متاحة لهن، حاولن بقدر الإمكان التودد لإيزابيل. وضعت الواحدة بعد الأخرى ذراعها حول خصر إيزابيل واصطحبتها بعيدًا. كان لدى كل منهن شيء لتقوله لها، سر ما. «إيزابيل صديقتي».
ابنتا كيلفي وحدهما اللتان سارتا بعيدًا وتجاهلهما الجميع؛ لم يكن هناك المزيد الممكن سماعه.
مرَّت الأيام، وانتشرت شهرة بيت الدمى بينما شاهدته المزيد من الطفلات. صار الموضوع والهوس الوحيد. كان السؤال الوحيد هو «هل رأيتِ بيت الدمى في منزل آل بارنل؟ أليس جميلًا!»، «هل رأيتيه؟ أوه جميل!».
حتى في وقت الغداء انشغلن بالحديث عنه. جلست الفتيات الصغيرات تحت أشجار الصنوبر، وأخذن يأكلن شطائر لحم الضأن السميك وكعك جوني الكبير المغطى بالزبد. وكما هو الحال دومًا، جلست بالقرب منهن ابنتا كيلفي، تمسك إلسه بطرف رداء ليل، تستمعان أيضًا بينما تمضغان شطائر المربى الملفوفة بورق جرائد ملطخ ببقع حمراء كبيرة.
قالت كيزيا: «يا أمي. ألا يمكنني أن أدعو ابنتي كيلفي مرة واحدة؟»
«بالتأكيد لا يا كيزيا».
«ولكن لِم لا؟»
«اذهبي يا كيزيا، أنت تعرفين جيدًا لم لا».
في النهاية شاهدت كل الفتيات بيت الدمى بخلافهما. في ذلك اليوم أثير الموضوع. كان وقت الغداء. وقفت الطفلات معًا تحت أشجار الصنوبر، وفجأة بينما نظرن إلى ابنتي كيلفي تأكلان الطعام الملفوف بالجرائد، وحدهما كالعادة، تنصتان كالعادة، أردن أن يضايقنهما. بدأت إيمي كول الهمس.
«حين تكبر ليل كيلفي ستصير خادمة».
«أوه، يا له من شيء بشع»، قالت إليزابيث بارنل وتبادلت النظر مع إيمي.
التقطت إيمي النظرة بطريقة موحية وأومأت إلى إيزابيل كعادة أمها في تلك الحالات.
قالت: «هذا صحيح، هذا صحيح، هذا صحيح».
اتسعت حدقتا لينا لوجان وهمست: «هل يمكن أن أسألها؟»
قالت جيسي ماي: «لن تفعلي ذلك».
قالت لينا: «بوه، لست خائفة». وفجأة صاحت وتراقصت أمام الفتيات الأخريات. «أنظرن! أنظرن إليّ، انظرن إليّ الآن». قالت لينا. وقفزت، ونطت، وتهادت، وأخفت ضحكتها بيدها، وتوجهت إلى ابنتي كيلفي.
رفعت ليل نظرها عن الطعام. لفَّت بقيته سريعًا. توقفت إلسه عن المضغ. ما الذي سيحدث لهما الآن؟
صاحت لينا: «هل صحيح أنك ستصبحين خادمة حين تكبرين يا ليل كيلفي؟»
صمت مطبق. ولكن بدلًا من الإجابة ابتسمت ليل ابتسامتها الحمقاء الذليلة. لم يبد أنها انزعجت من السؤال على الإطلاق. يا لها من خيبة أمل تعرضت لها لينا! بدأت الفتيات في القهقهة.
لم تستطع لينا تحمل ذلك. وضعت يديها على ردفيها؛ اندفعت للأمام، ثم قالت بازدراء: «صحيح أن أباكِ في السجن!»
كان قولها يمثل شيئًا هائلًا حتى أن الفتيات الصغيرات امتلأن كثيرًا بالبهجة والحماس. وجدت إحداهن حبلًا طويلًا، وبدأن في القفز. لم يقفزن بهذا العلو، أو يركضن بهذه السرعة، أو يمارسن تلك الأفعال الجريئة مثلما فعلن ذلك الصباح.
بعد الظهيرة اصطحب «بات» بنات بارنل بسيارته الباجي وقادهن إلى المنزل. كان هناك زوار. صعدت إيزابيل ولوتي، اللتان كانتا تحبان الزوار، إلى الأعلى لتبديل زيهما المدرسي. ولكن كيزيا تسللت إلى الخلف. لم يكن أحد موجودًا؛ بدأت تتأرجح مستعينة بالبوابات البيضاء الطويلة للفناء. وبعد وقت قصير، وهي تنظر إلى الطريق، رأت نقطتين صغيرتين، أخذتا تكبران كلما اقتربتا منها. الآن استطاعت أن ترى من بالمقدمة ومن خلفها، استطاعت أن ترى أنهما ابنتا كيلفي. توقفت كيزيا عن التأرجح. هبطت من البوابة وكأنها ستهرب، ثم ترددت. اقتربت ابنتا كيلفي، وبجانبهما يسير ظلاهما، شديدا الطول، والممتدان إلى الجانب الآخر من الطريق، وانعكس ظل رأسيهما على زهور الحوذان. قفزت كيزيا عائدة للبوابة؛ فكرت مليًا، ووثبت للأمام.
قالت لابنتي كيلفي العابرتين: مرحبًا.
اندهشا من أن هناك من يوقفهما. ابتسمت ليل ابتسامتها الحمقاء. وحدقت فيها إلسه.
قالت كيزيا: «يمكنكما أن تريا بيت الدمى إذا أردتما» ثم جرَّت طرف إحدى قدميها على الأرض. ولكن عندها احمرَّ وجه ليل وهزت رأسها سريعًا.
سألتها كيزيا: «لم لا؟»
لهثت ليل ثم قالت: «أمك قالت لأمنا إنه لا يفترض أن تتحدثي إلينا».
قالت كيزيا: «أوه، ليكن». لم تعرف كيف ترد. «لا يهم. يمكنكما أن تأتيا لتريا بيت الدمى رغم ذلك. تعالا. لا أحد ينظر».
ولكن ليل هزت رأسها هزَا أشد.
سألتها كيزيا: «ألا تريدين ذلك؟»
فجأة شُدَّت تنورة ليل، جُذبَت. استدارت. كانت إلسه تنظر إليها بعينين واسعتين متوسلتين: كانت ترتجف، أرادت الدخول. للحظة نظرت ليل إلى إلسه بتشكك شديد. ولكن إلسه شدت تنورتها مجددًا. ومثل قطتين شاردتين صغيرتين تبعتا كيزيا إلى الفناء حيث وُضع بيت الدمى.
قالت كيزيا: «ها هو ذا».
حلت فترة صمت. شهقت ليل بصوت عال، وكاد أن يصدر منها صوت شخير؛ وتجمدت إلسه كالحجر.
قالت كيزيا بلطف: «سأفتحه لكما»، وفتحت المقبض ونظرتا إلى الداخل.
«هذه غرفة المعيشة وغرفة السفرة، وهذه...».
«كيزيا!»
ياللذهول الذي حل عليهم.
«كيزيا!»
كان صوت العمة بيريل. استدرن. عند الباب الخلفي وقفت العمة بيريل، تحدق فيهن وكأنها لا تصدق ما تراه.
«كيف تجرؤين على دعوة ابنتي كيلفي الصغيرتين إلى الفناء». قالت بصوت بارد وغاضب. «تعرفين مثلما أعرف أنه من غير المسموح أن تتحدثي إليهما. اغربا أيتها الطفلتين، اغربا فورًا، ولا تعودا مجددًا». قالت العمة بيريل. وخرجت إلى الفناء تطاردهما كأنهما دجاجتين.
صاحت فيهما: «ارحلا فورًا» قالتها ببرود وتكبر.
لم يكونا بحاجة أن يقال لهما هذا مرة أخرى. بينما كان العار يلفهما، وملتصقتين ببعضهما، هرولت ليل بعيدًا كما تفعل أمها، وأصاب إلسه الدوار. بطريقة ما عبرتا الفناء، وخرجتا بصعوبة من البوابة البيضاء الضيقة.
قالت العمة بيريل لكيزيا بلهجة متسمة بالمرارة: «فتاة صغيرة خبيثة متمردة»، وصفقت باب بيت الدمى.
كانت هذه الظهيرة في غاية السوء. وصلت رسالة من ويلي برينت، رسالة مرعبة مهددة، قال فيها إنها لو لم تقابله في هذا المساء عند شجيرة بولمان، سيأتي عند الباب الأمامي ويسألها عن سبب ذلك! ولكن الآن بعدما أخافت فأرتي كيلفي وقرَّعت كيزيا تقريعًا عنيفًا شعرت بالخفة، وبالتخلص من هذا الضغط الثقيل. عادت إلى منزلها وهي تدندن.
عندما ابتعدت ابنتا كيلفي عن مرمى بصر آل بارنل، جلستا تستريحان على ماسورة الصرف الحمراء الكبيرة على جانب الطريق. ظل خدا ليل يحترقان خجلًا. نزعت قبعتها ذات الريشة ووضعتها على ركبتها. نظرتا حالمتين إلى حقل الدريس، بعد الجدول، إلى السياج الذي يضم أبقار لوجان التي تنتظر الحلب. ما الذي كانتا تفكران فيه؟
بعد برهة، التصقت إلسه بأختها. نسيت الآن السيدة الغاضبة. رفعت إصبعها وربتت على ريشة أختها، وابتسمت ابتسامتها النادرة.
قالت برقة: «لقد رأيت المصباح الصغير».
ثم استغرقتا في الصمت مجددًا.
3 Replies to “بيت الدُمى – كاثرين مانسفيلد – قصة قصيرة”
اين اجد تكملة القصه؟
القصة كاملة