رواية بيرة في نادي البلياردو
وجيه غالي
ترجمة : إيمان مرسال – ريم الريّس
الاقتباسات من اختيار أمير زكي
"... تساءلت عما إذا كان فونت وليفي مجردين من الرغبة الجنسية. تساءلت إذا كان على الواحد أن يصبح مجردا من رغبته الجنسية لكي يكون مخلصا كلية. أعرف أنهما لم يفكرا أبدا بإدنا كامرأة يمكن امتلاكها جسديا. قال دروميان الآرمني مرة: إن عقول معظم الرجال في أعضائهم الذكرية، وتساءلت لماذا كتب فرويد كل هذه المجلدات فقط ليقول ذلك. بالطبع أنا أدّعي بأنني مختلف، ولكن في الحقيقة، ومهما كانت أهمية الموضوع الذي أناقشه، دع امرأة جميلة تظهر وأنا أعرف أين يوجد عقلي. إلا وأنا أقامر بجدية، ربما، فكرت، كان القمار بالنسبة لي مثل الاشتراكية بالنسبة لفونت وليفي..."
***
"رجع فونت وليفي وتجاهلا حقيقة أن يدي كانت على ركبة إدنا وأن يدها كانت على رأسي. أشياء غير متصلة بالقضية كهذه لا تستحق أبدا انتباه الاشتراكيين. كنت سأسأل فونت ماذا في رأيه كان لينين ليفعل لو وجد زوجته مع رجل آخر، لكني غيرت رأيي".
***
"سألته: "يا ليفي، هل فكرت أبدا في الذهاب إلى إسرائيل؟"
قال: "نعم، تأكد أن كل يهودي فكر في وقت أو آخر في الذهاب إلى إسرائيل"
لا أعرف لماذا، ولكن ذلك ذكرني بـ "كل رجل متزوج فكر في وقت أو آخر في الطلاق"
أضاف ليفي: "بين اليهود أفقد فرديتي، أوافق على ما يقولونه، أتصرف وأقول ما يتوقعونه مني؛ أصبح بلا أفكار تخصني، سيكون ذلك انتحارا من جانبي".
... حالة انتحار من جانبي
لو لم أحافظ على عزلتي".
***
"لم نصبح أنا وإدنا عاشقين على الفور. كنت قد قابلت في الجامعة كثيرا من البنات المصريات المتحمسات سياسيا واللواتي كن ينظرن إلى العلاقة الجسدية مع الرجل باحتقار، وهكذا أحببت إدنا بصمت، كنت خائفا من أنها أيضا قد تحتقر محاولتي لإقامة علاقة حب معها. بدأت أصب بعض انفعالاتي في السياسة. وعرفت فيما بعد أن الرجل ذا الحماس السياسي عادة ما يكون جذابا للنساء".
***
"أعيد فتح الجامعة ومرة أخرى كان عليّ اختيار حزب سياسي لأنتمي إليه. باختصار، كان هناك الآتي: الوفد، والإخوان (المسلمون)، والشيوعيون، ومعارضو الوفد.
الوفد يدفع جيدا بشرط أن تكون خطيبا مفوها ومُنَظِّما جيدا للإضرابات. وقيل لي إنهم يعطونك سيارة وشرابا مجانيا في الأريزونا أو الأوبرج- نسيت أيهما.
كان الانتماء للإخوان شيئا مخيفا. فربما يأمرونك بإطلاق الرصاص على أي شخص وفي أي وقت بدم بارد؛ ليكافئوك بوعود في الدنيا والآخرة. وعليك أيضا أن تكون ناشطا حتى عندما تكون الجامعة مغلقة. (كقبطي، لم يكن باستطاعتي الانضمام للإخوان على أي حال). كان الشيوعيون هم المحترمين على الرغم من سريتهم؛ مثابرين، أذكياء، هادئين. لا مكافآت، فقط خطر السجن والبؤس للعائلة. معارضو الوفد كانوا الأكثر شعبية، وكان ينضم إليهم الاشتراكيون والفوضويون ومشجعو إغلاق الجامعة، وشبه المثاليين والتقدميون ومعظم أبناء الطبقة الوسطى".
***
"... أصبحت أخيرا "صاخبا" بعض الشيء، نوع من الثقة الزائدة في النفس أمقت أن أراه في الآخرين غير أنني أعيه في نفسي. أظن أنه إذا شَعَر شاب بأنه محبوب من امرأة غنية وجميلة فإنه ليس من غير الطبيعي أن يكون متغطرسا بعض الشيء، ولكن تغطرسي لم يكن طبيعيا. أنا أيقنت أنني إذا أظهرت التواضع والعرفان المليء بالحب لإدنا، فإنني لن أُحَب في المقابل. صحيح أن بعض الناس يدّعون أن الحب يولّد الحب، ولكن الأمر ليس كذلك. بذرة الحب هي اللا مبالاة".
***
"... بدا من الصعب تخيل ذلك العصر الذي كان الرجل فيه يتودد للمرأة ويُقَبِّل يدها وتكون رغباتها أوامر. بالنسبة لي، ما زال تخيل زمن كهذا ممكنا بعض الشيء، لأن التودد للنساء، في مصر، ما زال يُمارَس وفقا للعادة والنساء ما زلن يرحبن به. غير أنني أعرف أن التودد بشكل واضح للمرأة الأوروبية أو الأمريكية العادية، يجعلها تحتقرك. لا أعرف لماذا أفكر في ذلك، غير أن هذه العدائية ذاتها في البداية مع نساء جذابات بالنسبة لي غالبا ما تؤدي إلى ما هو أكثر من تعارف عابر".
***
"لم أكن أريد لأي شيء مأساوي أن يمسني، أن يوجعني. لا أريد حتى أن أرى شيئا مأساويا. ومع ذلك، منذ... حسنا، منذ لندن وكل ذلك، يبدو أنني أتحرك دائما باتجاه الأشياء المأساوية، كما لو أنني لا أملك إرادة حرة. الهزلي في الموضوع هو كيف يواصل الناس - ملايين وملايين من الناس - مشاهدة التلفزيون والغناء والترنم على الرغم من حقيقة أنهم قد فقدوا أخا أو أبا أو حبيبا في حرب؛ والأكثر غرابة، إنهم يعتزمون بكل رباطة جأش توديع أخوة أو أحباء آخرين ذاهبين إلى حرب أخرى. لا يرون المأساة في كل ذلك. من حين لآخر يقرأ واحد من هذه الملايين كتابا، أو يبدأ في التفكير، أو يهزه شيء ما فيرى عندها مأساة في كل مكان. أينما ينظر، يجد مأساة. يجد عدم انتباه الناس للمأساة حولهم مأساويا، فيصبح مثل فونت أو إدنا، ويلتحق بحزب أو آخر، أو يمشي خلف شعارات حتى تصبح حياته نفسها - عندما تُرى من الخارج - مأساوية بعض الشيء. أكره المأساة".
***
"قلت "كيريا لايسون". لا أعرف ما معنى كيريا لايسون ولا يعرف فونت، ولكن كثيرا ما سمعنا قساوسة الأقباط الأعلين ينشدونها في كنائس مصر. يقفون هناك خلف لحاهم المهيبة وينشدون شيئا مثل كيريا لايسون لأربعة فتيان أرثوذوكس قبيحي المظهر يرددون بدورهم: كيريا لايسون. منذ زمن بعيد توصلنا أنا وفونت إلى استنتاج مؤداه أن هذه مباراة تنس سرية بين القسيس والفتيان حيث تمثل كيريا لايسون الكرة. أصيب فونت مرة بمغص من شدة الضحك. القسيس يرمي كيريا لايسونة وبإمكانك أن ترى الفتيان الأربعة في المقابل يتخبطون في محاولة صدها. كثيرا ما يخطئون، فيُسمع ارتداد كيريا لايسونة في زاوية من الكنيسة. ولكن ذلك القسيس بالذات كان لاعبا مدهشا. فقد اعتاد أن يخطف كيريا لايسون من الفتيان حتى قبل أن يرموها، إذا جاز التعبير، مجودا إياها من زاويته الخاصة، وقبل أن تعرف أين أنت، يكون قد قذف بها بدويّ مباشرة عبر النافذة، بينما ينظر الفتيان بعضهم إلى بعض في حيرة. جاء القسيس ليتحدث معنا بعد القداس فقال فونت بالإنجليزية: "لعب مُتقَن يا سيدي". كدت أموت من الضحك".
***
"من عادتي أن أمشي في الشوارع ليلا، متسائلا عن ماهية السعادة والتحقق في الحياة. ربما يكون هذا رأيي الشخصي فقط، ربما لأنكِ أنت التي ولّدت هذا الشعور لديّ، ولكن السعادة بالنسبة لي هي حرية اثنين يتبادلان الحب في أن يتقاسما حياتيهما في ظروف تسمح لهذا الحب أن يعيش. عندما أسمع بالمحرومين، بمعسكرات الاعتقال، بالجوع، بالسجن، أفكر دائما بشخصين فرقتهما هذه الظروف. أعرف أن الناس لا يمكنهم أن يستمروا في الحب عندما يكون عليهم أن يتقاسموا غرفة واحدة مع أطفالهم، أو عندما يكونون تحت وطأة مرض أو قذارة أو جوع. على الرغم من مثاليتكِ وكرمكِ وطيبتكِ فإني أظنك قاسية. أنتِ قاسية إذ تقولين إنك تحبينني بينما تصرين على العيش منفصلة عني".