في عام 2015، وقبل عامين من حصوله على جائزة نوبل في الأدب، حاورت جابي وود الكاتب الإنجليزي كازو إيشيجورو، بمناسبة روايته الأخيرة «العملاق المدفون» التي نشرها بعد فترة انقطاع استمرت عشر سنوات. يتحدث إيشيجورو في الحوار عن سبب كتابته للرواية الأخيرة في مكان غريب وزمان سحيق، وعن الأشياء الكبيرة التي تفضل الشعوب أن تخفيها من تاريخها، وعن ضيقه ممن يقرأون أعماله بحثًا عن الدقة التاريخية.
حوار جابي وود
عن التليجراف
ترجمة: أمير زكي
أكتوبر 2017
نُشرت في موقع المنصة
***
«سألني شخص ما عما كنت أفعله في فترة الانقطاع»، يقول كازو إيشيجورو بضحكة طفولية: «فكرت في أنه صحيح أنها كانت فترة انقطاع امتدت عشر سنوات منذ روايتي الأخيرة، ولكن بشكل شخصي أنا نفسي لم أقض عشر سنوات منقطعًا».
أعتقد أن هذا يشرح الأمر بعض الشيء، إيشيجورو واحد من أفضل الروائيين الأحياء في بريطانيا، وهكذا يجعلنا نترقَّب الرواية. يشرح لي عندما أزوره في منزله بجولدرز جرين: «أقضي وقتًا طويلًا حتى أجد مشروعًا أعتقد أنه سيكون جيدًا بما يكفي. أظن أنني تجاهلت الكثير من الأفكار. كثيرًا ما تكون لديّ أفكار أو قصة – وحتى الانفعالات التي تخرج منها – ولكن لا تكون لديّ القطعة الأخيرة من البازل».
«العملاق المدفون» أول رواية له منذ رواية «لا تدعني أرحل» قوبلت بتوقُّع لاهث وبعض الارتباك، لأنها بحسب قوله تجري «عند نهاية إنجلترا» قبل أن يمحو الأنجلوساكسون البريتونيين، فيما اعتبره بعض المؤرخين إبادة جماعية. كانت الأرض كئيبة وموحشة، يسكنها الغيلان والتنانين، والمتبقون المنهكون من بلاط الملك أرثر. إذا كان المكان الذي تدور فيه أحداث الرواية غير متوقع، فأكثر شخص لم يتوقعه هو الكاتب نفسه. يقول: «ليس هذا ما تعودت عليه». في الكتاب، يتعرض غرب البلاد، وربما ما يجاوزها، لوباء النسيان، هناك ضباب نعرف أنه يتشكل من أنفاس تنين أنثى تدعى كويريج، التي لا بد أن تُذبَح إذا أراد الناس أن يتذكروا أي شيء. ولكن من يجرؤ على تذكر كل شيء، وما هي مخاطر ذلك؟
كانت الفكرة تدور في عقل إيشيجورو منذ 15 عامًا. يقول: «كتبت كل هذه الكتب عن أفراد يصارعون مع ذكرياتهم الشخصية، ولا يعرفون متى يخبئون ماضيهم ومتي يواجهون هذا الماضي بنوع من الإصرار. ولكن ما أردت أن أفعله حقًا هو أن أكتب عن هذا النوع من الصراع على المستوى الاجتماعي. عندما تنظر لمعظم البلاد تجد أن لديها أشياء كبيرة مدفونة».
في أحد أجزاء كتابه الأخير، يصل إلى مساءلة الفكرة اليهودية المسيحية عن الذنب. يقول: «على الرغم من أنني لست مسيحيًا، تعجبت في بعض الأحيان من هذا الأمر. فكرة أن يكون لديك إله رحمته غير متناهية أذهلتني كفكرة مناسبة، وذلك في نظام أخلاقي بمركز إمبراطورية مضطربة». ولكنه وجد أنه إذا جرت أحداث الكتاب في فرنسا ما بعد الحرب أو جنوب أفريقيا أو يوغوسلافيا أو اليابان، سينحرف المعنى ويقتصر فقط على هذا المكان، ولكنه أراد شيئًا أكثر كلية.
ثم في أحد الأيام كان يقرأ نسخة قديمة من قصة «جوين والملك الأخضر»[1]، وبينما كان جوين يمتطي حصانه وينتقل من قلعة إلى أخرى –هذا الذي كان يستغرق حوالي ثلاث ستانزات– كان هناك وصف لبريطانيا الموحشة في ذلك الوقت، كان يسافر عبر المستنقعات والأراضي الضحلة، وأثناء نومه تعرض لعناصر الطبيعة، وفي طريقه قاتل التنانين والذئاب والغيلان والثيران والدببة. يقول إيشيجورو إن هذه الفقرة القصيرة "«تحت لي عالمًا كاملًا، وفكرت إن هذا أمر طيب، وتساءلت إن كان هذا هو المكان الذي كنت أبحث عنه طيلة الوقت».
ولكنه تبنى الفكرة مع بعض التحفظ: «لم أفكر كثيرًا، أنا أحب التحدي. ثم قلت يا إلهي، ينبغي أن يرتدوا أخفافًا، وأي نوع من السيوف ينبغي أن تكون معهم؟ وكيف سيتحدثون إلى بعضهم؟ أثبتت التفاصيل أنها ستمثل مشكلة كبيرة». وبعد أن كتب ثلثها بدأت تراوده الشكوك. وعلى الرغم من أنه لم يكن يميل لفعل ذلك في كتبه السابقة، جعل زوجته الذكية والنشيطة لورنا تقرأ ما كتب. يقول وهو يضحك: «لا أعتقد أنني سأفعل ذلك مجددًا، ولكنها أكدت مخاوفي. قالت لي: لا يمكن أن تجعلهم يتحدثون بهذه الطريقة، هذا غير طبيعي». بالتالي نحّى الرواية جانبًا لعدة سنوات، حتى شعر إنه بإمكانه العودة إليها «بدون أن يرغم نفسه كثيرًا».
إيقاع «العملاق المدفون» يتسم بالتمهل، وبلا شك سيجد بعض القراء صعوبة في التعود على عالمها الحر البطيء. ولكن الكتاب يتجه إلى شيء عظيم ويكسر القلب، ليس ذروة محددة، ولكن حركة شطرنج تترك شقوقًا في الرقعة نفسها. كل المساعي التي تتحرك إليها الشخصيات –أن تذبح التنين، أن تجد ابنًا، أن تصل لأم، أن تنتقم، أن تستعيد ذاكرتها– ليست سوى مشتتات عن الحقيقة الضمنية، وهي أن المشكلة ليست في التنين، إنما في البشر الذين فرضوا سحرها، وأن خطة هؤلاء الذي فرضوا السحر تختلف عما تتوقع، لأن نتائج التخلص من السحر ستكون وحشية. ما يبدو كأنه سرد لرحلة؛ يقترب أكثر من كونه حبكة لفيلم وسترن أو فيلم عصابات: أي جانب ينتمي إليه أي شخص؟ وما الذي يحمونه؟ ومتى بدأت تلك الصراعات القديمة؟ وفي النهاية مَن هو البطل؟
في البداية، تبدو قصة رمزية أو على نمط القصص الشعبية المباشرة، ولكن الشخصيات المبنية بعمق على مادة أسطورية، غير ملائمة لذلك. على سبيل المثال، كل من المحارب الساكسوني وستان، وجوين فارس الملك آرثر ذي الثياب الرثة، يبدو وكأنه يعرف آكسل، البريتوني العجوز الذي يبدأ به الكتاب. في كل مرة يستعيدان شيئًا عنه في ذاكرتهما، ويبدو أن القارئ وصل إلى دليل ما. ولكن هل تحاول هذه الشخصيات أن تتذكره حقًا، أو هل يعرفان تمامًا من هو. نحن لا نعرف إذا كان الضباب قد أثر على كل الناس بقدر متساو. حتى قبل أي فعل مباشر، فالأرض هي ميدان معركة للعقل، مكان يتلاشى فيه رشد الناس على مستويات متعددة، حيث الأبطال مرضى، لأنهم لا يعرفون من هم، أو ما الذي كانوا يتشاركونه مع من حولهم.
في النهاية، نعرف أكثر عن طبيعة أكسل في حياته المبكرة. في الروايات الأقل مهارة كنا سنجد الكثير من المعلومات عن ذلك. أما هنا، فالمكانة التي ارتقى إليها في المجتمع ليست بذات أهمية بقدر حوادث الفقد التي مر بها مع زوجته بياتريس. تكاد حرب أن تندلع في البلد كله، سببها الكراهية واسعة المدى، ولكن مآسي آكسل وبياتريس ربما كانت أكثر مما يمكن تجاوزه.
موضوع الرواية ليس فقط النسيان، ولكنه التذكر الزائف أيضًا. نعرف هذا من وقت مبكر، لأنه عندما ينطلق الزوجان في رحلة للعثور على ابنهما، لا تكون لديهما فكرة أين يعيش، ولا يذكران لماذا لم يعد يعيش بينهما. ومع تقدم الرحلة، تحظى قصتهما بالإلحاح والتفصيل – لا يعيش ابنهما بعيدًا للغاية، وهو ينتظر قدومهما بنفاد صبر، لا بد أنه يتساءل عما يبقيهما بعيدًا، على الرغم من عدم وجود أي مصدر لتلك التأكيدات. ولأن هذه هي القصة التي يعيشان عليها، فلا بد أن تحظى بالزخم.
على الرغم من أن المعجبين برواية «الهوبيت» أو «لعبة العروش» لن يجدا التفاصيل الكثيفة التي ربما يرغبون فيها، سيدرك المعجبون بإيشيجورو الكثير هنا؛ قد يكون هذا منطق حلم، أو ذكرى مدفونة، فرغبة المرء في مد الزمن الذي يقضيه مع من يحبه، والحس الملح بالواجب أو هاجس الذنب المبرر، فرواياته محكومة بما لا يمكن الوصول إليه. تدعو بياتريس النسيان بـ «الضباب»، وهذه كلمة مناسبة لما ابتكره إيشيجورو في أعماله، الظل الذي يلقيه في خلفية عقل المرء. بهذا المعنى، تمثل أنفاس كويريج استدعاء مختصر لما أظهره لنا إيشيجورو على مر السنوات، وهذا تراكم من نوع ما.
في أحد أركان غرفة جلوس إيشيجورو يوجد عدد من الجيتارات على الحوامل. يمسك بواحد منها، ويبدأ بعزف مقطوعة بلوز خفيضة. يقول لي إنه عندما كان مراهقًا كان يعزف الموسيقى، ويشاهد العديد من الأفلام، ونادرًا ما كان يقرأ، وعلى الرغم من ذلك يشير لي أن هذا ليس أمرًا غير معتاد على صبي. لم يبدأ الأمر سوى في بداية العشرينيات، عندما اكتشف فجأة دستويفسكي وشارلوت برونتي، لينغمس في الكتب. الكثير مما تعلمه عن الكتاب جاء من كتابة الأغاني. مر بـ «مرحلة القلق المراهقة» و«تيار الوعي»، وفي النهاية عندما سجل «مقطوعة سيئة» جدًا في غرفة نومه، كان عدم الاكتمال هو أسلوبه. في هذا الوقت بدأ كتابة الأدب. روايتاه الأوليان «منظر شاحب للتلال» و«فنان من العالم الطليق» تبدوان كأنهما مكتوبتان لصوت، يشير إلى أنه تخيلهما كمونولوجين مطولين.
على الأقل، هذه هي القصة هي التي قالها لنفسه على الدوام، ولكن مؤخرًا حين كان يرتب أوراقه لوضعها في أرشيف، صادف أن عثر على ما أطلق عليه «الراويتين المفقودتين». يقول: «هذه هي مسألة قمع الذاكرة الفردية»، يضحك، ويشير إلى «العملاق المدفون»، في الحقيقة يشير إلى أعماله كلها: «لقد ظننت أن هذه الأمور عادية – ابتكرت سردًا يخصني أدى إلى عدم اكتمال الروايات السابقة لـ (منظر شاحب للتلال). في الحقيقة هناك ثلاث مسودات من كل رواية. كانت هذه صدمة خفيفة بالنسبة لي، أنها وجدت بهذا الشكل المكتمل. الرواية الأولى كانت بشعة، كئيبة للغاية. لملايين السنين لا يمكن أن أظن أن كاتبها سيكون مؤلفًا في المستقبل. ثم كانت الرواية الثانية، وهذه كتبت بحرص، ما جعل الأمر مربكًا بشكل أكبر».
إيشيجورو، الذي يذهلك بأنه غير منكفئ على ذاته، يضم الآخرين إلى تجربته؛ يقول إنه لهذا السبب، فإنه إذا قرأ كتابة لشخص لا يعتقد أنه جيد جدًا، يكره أن ينصحه بالتوقُّف. «أظن أنه من الصعب للغاية أن تعرف ما الذي سيحدث للناس ككُتَّاب. لا يتحسن الكتُّاب تدريجيًا حتى يتجاوزوا نقطة محددة. مع الموسيقيين يمكنك عادة أن تعرف إذا كان هذا الشخص لا يتمتع بالموهبة الموسيقية. ولكن مع الكتاب هناك علاقة صعبة بين مادة الموضوع وأين يقف الشخص في حياته».
بعد تخرجه من الجامعة بوقت قصير، عمل في ملجأ للمشردين والتقى بزوجته المستقبلية، والتحق بفصل دراسي للكتابة الإبداعية بجامعة إيست آنجليا (لم يلتحق به عدد كاف من الطلبة) فدرس على يدي معلمته آنجيلا كارتر (التي كانت طبعات كتبها نافدة في ذلك الوقت). من الصعب أن تتخيل روائيين مختلفين إلى هذا الحد، كارتر بإفراطها الحر، وإيشيجورو بتهربه المستمر – ولكنها صارت أكثر من أثَّر في حياته المهنية.
يقول: «لقد مررنا بكل تلك الجدالات الكبيرة، كانت تقول لي دومًا إنني لا أضيف تفاصيل كفاية». ولكنها من البداية كانت تعامله باحترام الكاتبة المهنية: «أذكر أنني كنت أدخل عليها وأقول: هل تعتقدين أنه يمكن للقطط الميتة أن تطفو؟ لأنني بحاجة لمعرفة ذلك بسبب مشهد محدد. وكانت تتعامل مع الأمر بجدية شديدة».
الشخص الذي كان إيشيجورو وأصدقائه يطمحون في الوصول إلى قامته هو إيوان مكيوان، الذي بدا أنه يكتب للجيل الأصغر، وبدا أنه يقدم نموذجًا جديدًا، يقول بطريقة جافة: «كنا واعين أن مارتن آميس كاتب شاب محتفى به، ولكننا لم نكن نقرأه للعديد أسباب». كان ممثلو المؤسسة الثقافية هم آيريس مردوك ووليام جولدينج ودوريس ليسينج.
«أما من هم أشبه بف. س. نايبول وج.ج بالارد، بديا خارج ذلك تمامًا، كانا أشبه بشخصيات مستقلة. ربما كان نايبول مهتمًا بالخارج أكثر، يركز على المكان الذي تنطلق منه الطلقات، هناك في العالم النامي، وليس عن الفارق بين فتاة من الطبقة الدنيا وصبي من الطبقة الوسطى لا تمضي علاقتهما بشكل طيب. الآن أنظر إلى كل هذا ولا أشعر أن الأمور كانت مباشرة إلى هذا الحد. ولكن علينا أن نتجنب الطريقة الواقعية الاجتماعية الصريحة في الكتابة».
بالطبع تكمن الصعوبة في أن القراء يميلون لأن يكون لهم عادات واقعية اجتماعية صريحة، وكافح إيشيجورو حتى يقرأه الناس حرفيًا. على سبيل المثال سيكون من الواضح بالنسبة للعديد من الناس أن المكان القديم لرواية «العملاق المدفون» أو الافتراض المستقبلي في «لا تدعني أرحل» هي أشياء خيالية، ولكن يرجع ذلك إلى أن إيشيجورو يدفع الأحداث إلى حدود متطرفة. يقول: «لديَ دومًا مشكلة مع المكان، طوال عملي. لأنه في البداية أردت أن أكتب روايات تدور في اليابان، كانت هناك حاجة عاطفية كبيرة لأصنع يابان تخصني وهكذا». (غادر إيشيجورو اليابان عندما كان في الخامسة من عمره، لكنه نشأ في بريطانيا مع قصص الساموراي والحكايات الأخرى التي كانت ترويها أمه. في إحدى المرات قرأت له قصة إيفانهو[2] كلها بالترجمة اليابانية). «ولكن الناس في الغرب يعتبرونها تمثيلًا وثائقيًا. أنت تعرفين إنهم يقولون إذا ذهبت إلى اليابان في رحلة عمل، اقرأ رواية (فنان من العالم الطليق)، ستساعدك في فهم العقل الياباني، كنت أقول في نفسي: (انظروا هذا مجرد أنا أثناء لهوي بالطبيعة البشرية، أو أي شيء آخر). لم يكن يريحني أن يعتقد الناس أني صحفي أو مؤرخ. وفكرت أنه بالانتقال إلى مكان غربي لكتابة عمل مثل (بقايا اليوم)، يمكن للناس أن تقيس المسافة بين الدقة التاريخية وعالمي المتخيل». ولكن الفكرة تثير ضحكه: «ولكن لا، يقولون: هذا رائع، هكذا كان يتحدث الخدم عن واجباتهم».
كان الإصرار على ابتكار كل الأشياء خاليًا من الجدوى. يقول «منذ رواية 'من لا عزاء لهم' (روايته الرابعة التي نشرت عام 1995) صرت أكثر وعيًا بمسألة أن الناس تقرأني حرفيًا، حتى أنني توجهت إلى عالم أغرب، عالم خيالي بشكل واضح، لأعلن الكيفية التي أود أن تُقرأ رواياتي بها، لا تحاولوا أن تنظروا للحقيقة التاريخية بشكل جدي، حاولوا البحث عن شيء آخر».
أتساءل عن هذا الشيء الآخر؟ فيجيب إيشيجورو ببساطة شديدة: «أحاول أن أعمل بشكل كبير بواسطة الانفعالات. أحوال فقط أن أقول للقراء: هل تعتقدون أن هذا هو ما تشعرون به؟ إذن عليكم أن تشعروا بهذه الكيفية، أن تكون شخصًا في هذا النوع من المواقف، هل تدركون ذلك؟ وعلى الرغم من أن هذا طموح متواضع. أظن أنه من المهم للغاية أن يتواصل الناس مع بعضهم على هذا المستوى. أن يقولون: أظن أن هذا هو ما تبدو عليه الحياة، هل تشتركون في هذه المشاعر؟ إذا شرحت الأمر بهذه الطريقة، هل تشعرون بهذه الانفعالات أيضًا؟»
لأن الزوجين في قلب رواية «العملاق المدفون» وُضعا تحت ضغط اختبار مفترض – هل يحبان بعضهما بما يكفي؟ هل ما زالا يحبان بعضهما لو..؟ تذكرت تجربة الاستنساخ في «لا تدعني أرحل»، وكانت لدي هذه الفكرة غير المريحة والغامضة أن روايات إيشيجورو نفسها هي تجارب إنسانية، وكل قراءه يتجمعون حول ميكروسكوب غير مرئي. في غرفة جلوسه، يتفكر في هذا الأمر: «أفترض أنه يمكنك القول إن هناك عنصرًا معمليًا في كل الأعمال الأدبية»، يشير إلى أنه: «إلى حد ما هي تجارب فكرية، وصحيح، يمكنك اختبار تجارب بعينها بدون أن تمر بها. هناك جانب بارد قليلًا في كتابة الأدب – عليك أن تكون منفصلًا قليلًا لتقول: كيف سيتصرف البشر في هذا الموقف؟»
من المهم أن نقدّر حقيقة أننا نراقب إيشيجورو وهو يستكشف الأفكار في لحظتها. نحن نحتفي بهذه الكتب بشكل فردي، وهي تصدر للعالم، ومن السهل أن ننسى الامتياز في هذا. أخمن أن تُقرأ «العملاق المدفون» بشكل مختلف خلال 10 أو عشرين سنة من الآن. نحن غير متأكدين تمامًا من هذا، حتى نقرأ أعماله في ذلك الوقت وندرك أهميتها. ولكني مستعدة للمراهنة على أنه من بين جميع كتاب القرن الحادي والعشرين، سيكون هو الكتاب المتبقي، هو الذي طرح الأسئلة عما يربط الناس ببعضهم، الذي قال شيئًا عميقًا عن التاريخ، وشيئًا غير انفعالي عن الحب.
[1] Sir Gawain and the Green Knight، قصة شعبية فروسية إنجليزية تعود إلى القرن الرابع عشر، وهي عن الفارس جوين، أحد فرسان المائدة المستديرة.