بعض الأحداث في حياة الإنسان، حدث أو حدثين أو أكثر، لا يمكن مطلقًا القبول بأعذار أو أسباب لتخفيف وقعها على النفس، فالطعنة القاسية كانت مؤلمة وكل ما نهذي به بعد ذلك لا يغيِّر من هذه الحقيقة شيئًا. 

اقتباسات من رواية "المسرات والأوجاع" لفؤاد التكرلي

صدرت الرواية عن دار المدى، 1998

الاقتباسات من اختيار داليا روئيل


فؤاد التكرلي، عن الشرق الأوسط

الابتعاد –أو الاختفاء، ربما– عن المجرى الرئيس في الحياة يُكسِب الإنسان جلدًا سميكًا وقابلية على التحمل، والابتعاد هنا، او الاختفاء، يأتي على المستوى النظري او الافتراضي، وهو ما يعني العمل على جعل المشاكل المستعصية أو الأحداث الكارثية تمر فوق رؤوسنا ولا تصيب القلب مباشرة.


أمسكت بقلم الحبر وبدا عليَّ كأني أتهيأ للكتابة. لكني لم أكن ناويًا أن أكتب أي شيء! أيمكن هذا.. أن نعمل أعمالًا دون هدف.. سوى التظاهر، ربما؟ غير أني لم أكن متظاهرًا بل مترددًا. فهذه المرة الأولى في حياتي، على ما أذكر، أفكر فيها بكتابة من هذا النوع، أعني أن أكتب عن نفسي وعن ما يدور حولي، من أجل غاية مبهمة قد تكون الفهم العميق للحياة أو تسهيل الوعي. 


بعض الأحداث في حياة الإنسان، حدث أو حدثين أو أكثر، لا يمكن مطلقًا القبول بأعذار أو أسباب لتخفيف وقعها على النفس، فالطعنة القاسية كانت مؤلمة وكل ما نهذي به بعد ذلك لا يغيِّر من هذه الحقيقة شيئًا. قد يعمل الزمان عمله في تخفيف الآثار، لكن هذا لا علاقة له بالقضية الأساسية، فتغيير الماضي أو تبديله كليًا أو محوه من الوجود، أمر عابث وبليد جدًا. 


تساءلت، مرات عديدة، مع نفسي وبغموض. كيف يمكن للإنسان أن يسعد ذاته ضمن ظروف شخصية محددة؟ وهل هذا أمر ممكن وكيف؟ وكنت، كل مرة، أغوص في مستنقع محاولة تعريف السعادة وأضجر من البحث وأتركه. 


أخشى أن أتصور حالي بعد سنوات، فلن يجلب لي المستقبل ما يسرني. ورغم المناكدات وافتقاد الاحترام والراحة في البيت، ورغم إزعاجات مسؤول الأمن وتهديداته، فأنا راضٍ بحالي هذه، لأن ما يخيفني ينبع مني، فهذا الشعور اللعين الذي ينبثق فجأة ويستحوذ عليَّ بفكرة أني مُداس ومُهان ومكدوم الروح، هو الذي يعلن قدوم زوبعتي. الزوبعة التي قد تدمرني قبل الجميع، هذا هو كل شيء. 


لست زاهدًا بالحياة بل مرتدًا عنها، ولا أنا كاره لها إنما مشمئز منها؛ ولا أدري إن كنت قلت هذا أم لا، ولكن دواخلي الغامضة تسوقني أحيانًا الى تصرفات لا أحبذها دائمًا؛ يتجمع فيً شعور، لا أعرف بالتحديد مسبباته، حتى يفيض دون توقع ويدفعني إلى أعمال غير مستحبة.


الحياة لعبة بوكر، لا يجوز الاعتراض فيها على الورق الذي يُرمى إليك؛ يمكنك الانسحاب حينما تريد أو حينما يرغمك خصم على ذلك؛ أما الاعتراض فغير مسموح به.


ولكن الإنسان، الإنسان مثله، المدافع عن كينونته التي ديست، يمكن له، أليس كذلك؟ أن يتحاشى استمرار سحقه؛ أن ينهض من ركام بقاياه ويتجدد، بحيث يتحول ما حدث إلى رماد تنثره الريح؛ فهذا الماضي مدين ببقائه الى النفس البشرية التي ترضى بأن تُدمغ به؛ أما حين يمحو الإنسان/الفرد إشارة اللعنة تلك، فسيكون قد مارس عملية معجزة، فحواها أن "الحدث" قد مضى ، مضى ولم يترك أثرًا. 


لقد لقيت، بالصدفة إن أسوأ ما في الإنسان يكمن في رأسه؛ ففي تلك المساحة الصغيرة الهشة، ترقد كل منغصات الحياة ومفسدات الكائن البشري. 


إن السعادة هي شأن شخصي وفردي محض، بعكس العدالة. السعادة، إذن، لا يمكن أن تكون مطلقة، لأنها ممارسة إنسانية أولًا وآخرًا، أما العدالة فبسبب عدم واقعيتها صارت مطلقة وأشبه بفكرة ميتافيزيقية لا تُنال. وما تعمله القوانين وتنجح فيه، لا يمثل إلا جزءًا من ألف مما يجب أن يكون.


ثم خطر لي أن الحياة لا تستحق أن تُعاش حقًا وأن الانتحار ليس أسوأ منها بكثير؛ ولعل ألبير كامو، في دفاعه عن الحياة رغم العبث، كان جبانًا أكثر منه مفكرًا مقنعًا، ومات بالصدفة، ميتة عادية جدًا. قيل إن تلك الميتة تمثل سخرية القدر، ولكني لا أطيق هذه السخرية. الموت بالصدفة، فكرة صعبة ولا تحتمل بسهولة، ولا بد للإنسان من إيجاد حل واضح لها.