يمنحني پارد قدرًا من السلطة، حيث توجد بعض الأماكن التي يُحظِر عليه الذهاب إليها، وأشياء أمنعه من فعلها، وعلى الرغم من أنه يخضع لهذه العقوبات في كثير من الأحيان ويعصيها أحيانًا أخرى، إلا أنه يقبلها في الغالب.
حوليّات پارد السادس عشر: بعض الناس مُساوٍ للآخرين
نص أورسلا لوجوين*
ترجمة: رحاب عيد
نشر هذا النص على موقع الكاتبة بتاريخ 20 يوليو 2015
* أورسلا لوجين (1929-2018): كاتبة روايات خيال علمي أمريكية.
توضح هذه الصورة أمرًا كنت أفكر فيه بخصوص القطط، والكلاب، والناس، والحرية، والمساواة، والإخاء.
نعلم أن للكلاب، المنحدرة من الذئاب والتي عاشت بالقرب من البشر لما يصل إلى 30,000 سنة، نظرة هرمية متعمقة في الغالب، حيث ترى المجتمع كهرم يتربع على قمته السيِّد (الذكر المهيمن، أو صاحبُ الأمر، أو صاحبة الأمر، أو الإله، أو القائد)، وتُرتب الكائنات الأخرى ترتيبًا تنازليًا تحته، وترى أن الإذعان للسلطة، وقبول مكان المرء في هذا النظام الاجتماعي والأخلاقي هو السلوك الصحيح.
أعتقد أن القطط، المنحدرة من القطط البرية شبه الاجتماعية أو اللا-اجتماعية والتي عاشت بالقرب من البشر لما هو أقل من 3,000 سنة، لا تمتلك أي تصوّر على الإطلاق للهرميّة الاجتماعية والأخلاقية الصحيحة. لم يخطر ببال القطط من قبل أن أي كائن آخر لديه أي حق بخلاف الحق في الإذعان لها، والذي لا يحدث إلا بدافع المصلحة الذاتية المباشرة أو العاطفة الشخصية. فالقطط انتهازية، وعملية، ولا سلطوية للغاية.
ما نراه في هذه الصورة، التي التقطها شخصٌ ودود على استعداد ليستلقي على الأرض ليكون بنفس مستوى القط، هو أن القط يقبل فعله دون رؤية أنه يستحق رد فعلٍ خاص منه. يرى هذا القط نفسه على قدم المساواة مع الإنسان، سواء كان الإنسان يعلوه بست أقدام أو كان مستلقيًا على الأرض معه.
مع معرفته بأن هذا الإنسان شخصٌ غريب، على الرغم من أنه هادئ ويحسّن التصرف، وأنه أكبر وأقوى منه بعشر مرات، لا يُظهر القط أي علامات تدل على انزعاجه، ولكنه يكن له القليل من عدم الثقة المنطقية. إنه لا يرحب به، ويُضَيِّق عينيه، ويضع أذنيه في حالة تأهب، ولا يُصدر أي إيماءة له، وينظر ببساطة مباشرة إلى الدخيل الكبير على أراضيه.
إنها ذاتها النظرة المُحدِّقة الثابتة لمن لا يرى نفسه أقل قدرًا من أي شخص، لمن يرى نفسه على أنه مساوٍ اجتماعيًا لأي شخص يقابله.
أنا لا أقصد المساواة الكاملة، فالحجم مهم.
يمنحني پارد قدرًا من السلطة، حيث توجد بعض الأماكن التي يُحظِر عليه الذهاب إليها، وأشياء أمنعه من فعلها، وعلى الرغم من أنه يخضع لهذه العقوبات في كثير من الأحيان ويعصيها أحيانًا أخرى، إلا أنه يقبلها في الغالب.
أعتقد أنه يفعل ذلك لأنه يثق بي، ويحبني، ولأنه أصغر حجمًا مني بكثير، فإذا كان وزنه 120 رطلًا بدلًا من 12، فسيكون أكثر ميلًا بكثير لتأكيد أننا على قدم المساواة من خلال عصيان أوامري، فعلاقات الثقة والمودة التي تنطوي على توازن القوى ليست بسيطة على الإطلاق، فنحن نعمل على إنجاحها بينما نمضي قدمًا فيها، ويختلف ذلك على المستوى الفردي وحسب الأنواع. فالتعميم يؤدي إلى افتراضات غالبًا ما تكون مضللة، وبشكلٍ فادح أحيانًا. في نهاية المطاف، فإن الكلب الذي يبلغ وزنه 80 رطلًا ويعبر عن خوفه بالعدوان أو يتحمس له، أو الذي جرى تدريبه وتشجيعه على الهجوم، لا يقل خطورة عن أي نمر.
لا يستطيع الكثيرون منا اعتبار نظرة القطط المُحدِّقة الثابتة بمثابة إعلان عن المساواة، لكن ينظرون إليها كتعبير عن الازدراء، والغطرسة، بل والتهديد -كتعبير عن تفوق جنسها- وكأنها تقول نحن مثل الذئاب والكلاب، سعالي تعتلي الهرم. لكننا نُريد أن تُسند السلطة لأفراد معينة مرة واحدة وإلى الأبد، لا أن تُمرر بيننا وفقًا للظروف. ونحن نصنع مراتب دائمة عليا وسفلى، ونملأها، والكائنات التي لا تستقر في مرتبتها تخيفنا أو تُغضبنا. حيث تُفسّر النظرة المُحدِّقة الصارخة بالمساواة من مخلوق صغير، عاجز عن الكلام ويلف الفرو جسده، على أنها تحدٍ لا يُحتمل يتمثل في ادعاء تفوق من كائن أدنى.
قُلت إن القطط كائنات لا سلطوية، لكن المجتمع الذي يقوم على المساواة، هو في نهاية الأمر مجتمع ديمقراطي.
أصبحت العلاقة بين القطط والإنسان، التي كانت علاقة عملية بالكامل تقريبًا فيما مضى، علاقة نفعية في عصرنا (تتخللها فترات عرضية من عبادة القطط باعتبارها آلهة)، وتشمل روابط قوية من المودة الحميمة غير المشروطة، كما لو كانت بين أطراف متساوية. تعجبني فكرة أن ثمة ما يمكن تعلمه من تلك الرفقة الخفيّة والقويّة عن طبيعة سياساتنا الخاصة، والصعوبة التي نواجهها في تحقيق المساواة الحقيقية، وحتى تصورها.
- أ.ك.ل