جوهر القصة يكشف عن الخزي النابع من فشل جود كحيوان اجتماعي، عن جهالة متأصلة ومُعرقلة تنتهي بالموت.
جود الغامض لتوماس هاردي
مقال: روبرت مكروم
نُشر في الجارديان، أبريل 2014
ترجمة: أمل عبد الرحمن
مَثَّل نشر رواية "جود الغامض" بداية ونهاية في نفس الوقت. بالنظر بأثر رجعي نجدها إيذانًا بانتقال نحو عقلية أدبية حداثية بينما ترسم لنا صورة لمجتمع ريفي فيكتوري بامتياز. كما اعتبرت نقطة تحول لتوماس هاردي الذي قرر ألا يكتب أدبًا على الإطلاق بعدما هزته التعليقات اللاذعة عليها وتسمية الرواية بـ "جود البذيء" بدلًا من "جود الغامض". وكانت بداية جديدة لهاردي، فمنذئذ تحول لكتابة الشعر ليصبح من أعظم الشعراء الإنجليز في القرن العشرين.
مع بداية الرواية، نجد أنفسنا في مقاطعة وسكس جنوب بريطانيا، وهي المنطقة الجغرافية التي يفضلها هاردي، ففيها تدور أحداث روايتيه الآُخريين "بعيدًا عن صخب الناس" و "تيس سليلة دُربرفيل". جود فاولي المتحدث إلى الغربان التي من المفترض أن يطردها بعيدًا، صبي إنجليزي عصري يحلم بالالتحاق بكلية كريستمنستر[1] في أوكسفورد رغبةً في تحصيل العلم. وبمهارة ملحوظة يعالج هاردي ثلاثة موضوعات معًا: كفاح الفقراء والمحرومين ليشقوا طريقهم في عالم برجوازي، وجور الزواج على حياة النساء اللاتي يقهرهن المجتمع الأبوي، وقبضة الكنيسة الخانقة على حياة الإنجليز في محاولة منها للدفاع عن نفسها وتطويق المجتمع كطريقة للتعامل مع تداعيات صدور كتاب "أصل الأنواع" لداروين.
تلك الموضوعات ترقد تحت السطح، ولكن من المُرجح أنها اﻷخطر لكونها مغمورة. وبصفته الراوي الشعبي العامي لمنطقة وسكس، يروي هاردي مأساة جود من الداخل للخارج عبر علاقات فاشلة متتابعة لجود، علاقته مع زوجته أرابيلا، ومع قريبته وحبه الحقيقي سو برايدهيد، وحتى علاقته مع ذاته. جوهر القصة يكشف عن الخزي النابع من فشل جود كحيوان اجتماعي، عن جهالة متأصلة ومُعرقلة تنتهي بالموت.
أغرب اللحظات وأكثرها تأثيرًا في الرواية والتي يجدها كثير من القراء كئيبة على نحو مروع هي تلك التي تتناول الحب غير المكتمل لجود وسو وطفليهما المولودين خارج إطار الزواج بالتبعية، والظهور المتأخر لـ "ليتل فاذر تايم" في خضم حياتهم، وهو ابن جود من أربيلا. تتجلى عبقرية هاردي في تصوير كيف يمكن لمراهق مضطرب أن يمزق أواصر عائلة بأكملها في المشهد المشهور الذي فيه يقتل "ليتل فاذر تايم" أخويه غير الشقيقين ثم يشنق نفسه تاركًا رسالة تقول "فعلتُها لأننا أكثر من اللازم".
"جود الغامض" كتاب غاضب، راديكالي حتى النخاع. في كتابته توغل هاردي أكثر داخل ذاته كما لم يفعل من قبل، وكشف عن أعمق مشاعره، وجرحه إبداعيًا تعليق هجومي على الكتاب وفيه قال أحد النقاد بأنه "الكتاب الأكثر بذاءة على الإطلاق".
ملاحظة على النص
مر نص الرواية الأخيرة لهاردي في تطوره بثلاثة مراحل على الأقل، وكان مُشكِلًا في كل مرحلة مثلما كان تاريخ نشره.
صدرت النسخة الأولى مُسلسلة في مجلة هاربر الشهرية الجديدة في الفترة من ديسمبر 1894 وحتى نوفمبر 1895، بعنوان "البسطاء" والذي تغير فيما بعد لـ "قلوب متمردة". نبعت العديد من التغيرات والتعديلات الكبيرة في النص من الاهتمام بالذائقة العامة، فعلى سبيل المثال جود (اسمه الأصلى جاك) وسو برايدهيد لم يكونا ليصبحا حبيبين، وأرابيلا دون لا تغوي جود.
صدرت فيما بعد النسخة الأولى في كتاب واحد عام 1895 ونشرتها أوزود ومكلفين وشركاه، كجزء من خطة نشر لمجموعة هاردي الروائية الكاملة المعروفة بروايات وسكس. استكملت هذه النسخة استرجاع الإحالات الجنسية والدينية المتمردة كافة والتي كانت موجودة عندما نُشرت الرواية مسلسلة. هذه النسخة الأولى تستبدلها النسخة الثالثة للرواية في عام 1912 لتصبح هي النسخة النهائية للرواية، ونشرتها دار ماكميلان، الناشر الرئيسي لأعمال هاردي.
لم تكن هذه النهاية. استمر هاردي في العبث بالنص حتى آخر حياته. فهناك نسخة تحوي تعديلات وأفكار هاردي المختلفة حول نسخة عام 1912 موجودة في متحف مقاطعة دورست. ببساطة كانت الضجة التي أثارتها النسخة الأولى والتي قيل فيها إن أسقف واكفيلد حرق نسخة من الكتاب قد أثرت فيه بشدة.
[1] كريستمنستر هو كلية مُتخيلة اخترعها هاردي لتمثل أحلام جود وآماله وكيف تتحطم بعد أن يفشل في الالتحاق بها بسبب مستواه الاجتماعي المتدني، ومن ثم تصبح كريستمنستر مثالًا للظلم والطبقية في المجتمع.
* الترجمة خاصة بـ Boring Books
** تحتفظ المترجمة بحقها في المساءلة الأخلاقية والقانونية إذا تمت الاستعانة بترجمتها دون إذن منها